أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . افلاس الناطقين به .















المزيد.....


أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . افلاس الناطقين به .


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 8066 - 2024 / 8 / 11 - 12:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


--- ازمة النظرية الماركسية :
ان النظرية الماركسية نفسها ، ازمة لم تبدأ بظهور المشروع الماركسي اللينيني فقط ، بل هي ازمة تعود الى تاريخ ميلاد وظهور الماركسية على يد كل من كارل ماركس ، وفريدريك انجلز . وان ظهور خطوط وتراجعات باسم الإصلاح والنقد الذاتي ، هو اكبر دليل على النقص النظري والتأطيري الذي عانت منه الماركسية كفلسفة . وقد أدى هذا الاختلاف في الفهم وفي الاستيعاب للنظرية الماركسية ، ليس فقط الى ظهور ما يحاول الماركسيون على اختلاف علاتهم تبرير مواقفهم منه والتغطية على ازمتهم ، أي الاعتراف بوجود طرق مختلفة نحو الاشتراكية ( لينين ) ، ولكنه أدى الى صياغة اجتهادات وانماط تفكير مختلفة ، بخصوص التعاطي مع الفلسفة الماركسية . فكانت هذه ( الاجتهادات ) والاختلافات ، تنتهي في غالب الأحيان بإلصاق اقبح النعوت بالرفيق المخالف او المجتهد ، وفي أحيان أخرى كانت تؤدي الى اصطدامات دموية عند حسم الصراع الدائر بين رفاق الخط الواحد . وان ما عرفته أفغانستان في عهد الحكومات الشيوعية ، بين حزبي " خلق " و " برشام " " الشعب " و " العَلم " ، وما عرفته اليمن الجنوبي سابقا من صراعات بين الماوي سالم ريع علي ، والستاليني عبد الفتاح إسماعيل من جهة أخرى ، وبين هذا الأخير المتشدد في الستالينية ، وبين الرجعيين باسم الإصلاحية علي صالح ، او مثال عن هذه الاختلافات والصراعات بسبب فشل الماركسية كفلسفة في إيجاد طريقها العادي الى التنزيل ..
ظهرت منذ الثلاثينات من القرن الماضي عدة آراء وتأويلات متناقضة في تعاطيها مع الأصل النظري ، أي الماركسية . واذا كان كل من ماركس وانجل يحثان في النظرية الماركسية على اجبارية حزب الطبقة العاملة ، أي الحزب الماركسي الثوري في نضال الطبقة العاملة ، فان اوربة الغربية ، عرفت خلال نفس الفترة ، عديدا من النقاشات السجالية بخصوص الفلسفة الماركسية ، ليس كما صاغها اباطرتها في القرن التاسع عشر، ولكن كما فهمها الدارسون لها . ان " گرامشي " و " لوكاتش " ، وغيرهم من الماركسيين الأوروبيين ، محوروا الماركسية بتجاه نزعة إنسانية وتاريخية ، لانهم اعتبروا الماركسية كفلسفة تتميما للتراث الإنساني ، وللقيم الإنسانية لعصر الانوار ، ومن ثم فانهم اختلفوا مع ماركس في جوهر حزب الطبقة العاملة ، الذي وحده المؤهل لتنزيل دكتاتورية البروليتارية ، فطرحوا مفهوم الكتلة التاريخية الاجتماعية ، التي ستحتفظ فيها البروليتارية بالدور الذي تمليه فقط شروط التحولات الاجتماعية ، دون ان تكون هذه الطبقة هي المحرك الأساسي لوجه التاريخ .
ان نفس الملاحظة تسجل عن الخط الروماني ، والخط اليوغسلافي ، وحتى خط محمد " انوار خوجا " المتشدد بألبانية ، فاطلقت عليهم اوصاف ونعوت قدحية تقلل من معنى وقيمة الخصوم ، كالتحريفية في النظرية الماركسية .
ان " الماوية " Mao التي اعتنقت الماركسية كذلك ، عندما ظهرت في الصين ، فهي لم تساير منطق ماركس الشاب بتغليب الاممي على المحلي أي الوطني . لكن الماركسية الماوية ، عُرفت كاتجاه من بين الاتجاهات المطورة للنظرية الماركسية ، بما يتفق ويستجيب للخصوصية الصينية . هكذا انغمست الماوية في وظيفتها القومية الشوفينية ، على حساب الاختيارات الأممية ، فاعتمدت في ثورتها لأول مرة على الفلاحين ، وليس على العمال الذين وعدهم ماركس بمستقبل زاهر . والملاحظ هنا ان فشل النظرية الماركسية ، وظهور خطوط فيها ، هو فشل لتنبؤات ماركس الشاب . ان الثورة العمالية لم تظهر في الغرب الرأسمالي ، لكنها ظهرت في روسيا القيصرية والمتخلفة . وقد وصف ماركس الطبقة العاملة الإنجليزية منذ منتصف القرن التاسع عشر ، بانها فقدت حسها الثوري ، أي لم تعد ثورية .
والى جانب الماركسية التقليدية ، ظهرت العديد من النزاعات الماركسية المتطرفة ، التي دعت الى تجاوز أطروحة ماركس ، خاصة فيما يتعلق بمسألة حزب البروليتارية . ومن بين المفكرين الذين تزعموا هذه النزعة نذكر " هربت ماركوز " ، " لوسيان گولدمان " ، " بنديت كوهين " ... الخ .. لقد اجمع هؤلاء التصحيحيون الثوريون ، على انتقاد الخطوط التقليدية ، والخطوط التحريفية في الماركسية ، التي تحاول دمج الانسان في مجتمع يسيطر عليه الكبت والقمع السياسيين ، فدعوا الى ضرورة العمل على تحرير الافراد من الاستيلاب والقمع الأيديولوجي والنفسي ، في شكليه الشرقي والغربي .. فانتقدوا الأحزاب الماركسية والشيوعية ، التي لا تزال تعتقد في الطاقات و الإمكانيات الثورية للبروليتارية ، بسبب ادماج هذه الأخيرة بوسائل شتى ، في مجتمع الوفرة والاستهلاك . أي ان وضعها الطبقي داخل النظام الرأسمالي ، تحسن بما يمكنها من الاندماج ومسايرة نمط الإنتاج والاستهلاك الغربي ، أي ان وضعها الطبقي داخل النظام الرأسمالي ، تحسن بما يمكنها من الاندماج ، ومسايرة نمط الإنتاج الغربي ، وبالتالي تجاوز ماركسية ماركس وانجل ، أي ماركسية القرن التاسع عشر التي كانت تستجيب لأوضاع البروليتارية خلال تلك الفترة " يا عمال العالم اتحدوا " . ان الوضعية الجديدة للبروليتارية الأوروبية ، جعلها غير قادرة على القيام بأية مهام ثورية . ان موقف اليسار الجديد من البروليتارية في الغرب ، كان موقفا رافضا لها كطبقة محافظة ، لا مبالية ، ومندمجة بشكل متزايد في النظام الرأسمالي . وان جدلية ماركس لم تكن ابدا قادرة بان تتصور، بأنّ أمريكا التكنوقراطية ستنتج عنصرا ثوريا في شبابها .
ان البرجوازية وجدت عدوها الطبقي ، في الجانب الاخر من مائدة الإفطار ، في صورة ابناءها المدللين ، وليس في المصانع . ان الاعتماد على نضال الأقليات والعاطلين والطلبة ، كانت من وحي الفكر الفوضوي الذي قلب النظرية الماركسية رأسا على عقب . فكان ذيوع اسم " ماركوز " ، و " بنديت كوهين " ، و " لوسيان گلدمان " ، و " مارشال شاتز " ... الخ ، خلال انتفاضة المثقفين ، والطلبة ، والبرجوازية الصغيرة ، وما فوق البرجوازية الصغيرة ، والبرجوازية المتوسطة، وما فوق المتوسطة .. في مايو 1968 ، هو نفس الأسطوانة رددها اليسار الجديد في المغرب ، وسط الطلبة والتلاميذ والمثقفين .. ، بعد ان حكم بإفلاس المشروع الإصلاحي للأحزاب الاصلاحوية ، ومشروع الاتجاهات الشعبوية داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وداخل حزب التحرر والاشتراكية .
كان يتركز الفهم الخاطئ لليسار الجديد ، عند تركيزه على النقد ، بين البعد الاجتماعي للتحليل النفسي ، وبين البعد النفساني والفرداني للماركسية ، من اجل صياغة نظرية جديدة للتحرر . الملاحظ ان هذا الفهم الخاطئ للنظرية ، يلتقي دائما مع حلم التمرد والرفض الشامل ، لكل ما هو قائم مع تسرب التشاؤم العميق في امكان قيام ثورة عمالية وشعبية ، تقودها البرجوازية المتوسطة والمتحالفين معها ..
ان إقرار المفكرين اليساريين المتطرفين والفوضويين ، دعاة النزعة الفوضوية من " مالتوسيين " ، و" برودونيين " ، باستحالة قيام البروليتارية بإنجاز الثورة ، لأنها فقدت حسها الثوري كما قال ماركس عندما وصف الطبقة العاملة الإنجليزية ، وتركيزه في ذلك على الدور التاريخي الجديد للعاطلين والاطر الجامعية المختلفة التكوين ، والطلاب والتلاميذ وبعض المثقفين ، بسبب استفحال أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ، وتعارضها مع مصالح النظام الرأسمالي الذي نجح في اقبار الحس الثوري للبروليتارية ، بفعل اندماجها الكلي في علاقاته الإنتاجية .. ، يعتبر اهم اتجاه تأزيمي عرفته النظرية الماركسية ، ومن خلالها تأزيم باقي فعاليتها التنظيمية التي عجزت في الاستيلاء على الحكم ، وتغيير تكتيكها بالتحول عن الاضراب السياسي الطبقي ، الى الاضراب الاقتصادي .. " .. ان ثورة الطلاب في الولايات المتحدة الامريكية ، وفي أوربة الغربية عام 1968 ، هُزمت لأسباب عديدة ، في طليعتها جمود طبقة العمال التي دلت بوضوح ، ليس فقط بانها طبقة غير ثورية ومتخلفة عن الطلاب ، بل انها أصبحت طبقة محافظة " .. لقد وصف احد اليساريين الفرنسيين الوضع في ذلك الوقت بقوله " يجب ان يقال بهدوء وصلابة ، ان البروليتارية الصناعية كانت في مايو 1968 ، تشكل المؤخرة وليس الطليعة الثورية " . والملاحظ ان محافظة البروليتارية وارتدادها عن انجاز الثورة ، كان يمثل في الحقيقة ارتدادا للأحزاب الشيوعية التقليدية ، وعجزها عن ترويض العمال للدفع بهم نحو وفي اتجاه الثورة . ونفس الشيء نلمسه لذا الأحزاب الشيوعية العربية التقليدية . فهي لم تستطع ان تجد متنفسا لازمتها التي رافقتها منذ ولادتها ، وهذا ما حاولت تفاديه عندما ارادت استدراك التطورات المتعاقبة ، وذلك من خلال محاولتها اليائسة في إيجاد موقع قدم ، قد يمكنها من التغلغل داخل مختلف طبقات المجتمع . ورغم انها وجدت ضالتها في محاولة أسلمت وتعريب ومغربة الماركسية ، فإنها رغم ذلك لم تحصد سوى الغربة والعزلة داخل مجتمعاتها .. " .. ولكن ليس حزب علي يعته الذي عمر ازيد من خمسين سنة ، هو الذي سينعتنا بالعزلة .. لان عزلته وهامشيته في الاحداث رغم شيخوخته تفقأ العين ... " ..
اذا كان جميع الماركسيين والمشتغلون بالماركسية ، لم يتفقوا على صيغة واحدة للماركسية ، فطرحوا عدة اشكال ، عبارة عن خطوط أيديولوجية وسياسية وتنظيمية ، يفسر العجز الذي سُجّل في صلب الماركسية ، فان التحولات التي عرفتها المجتمعات التي كان ماركس يبشر بانتشار الثورة العمالية فيها ، أدحض تنبؤات ماركس ، ومكن الأيديولوجية البرجوازية من تحقيق نصر تاريخي على الأيديولوجية الماركسية . وان الصراع التاريخي بين الايديولوجيتين التي ساهمت فيه التركيبات الاجتماعية المختلفة ، التي راهن عليها ماركس في تحقيق الثورة ، جعل الأيديولوجية الماركسية تعيش الحلقة المفرغة ، ولا تتعدى اثارة الأسئلة ، حول العجز الذي أصاب المكونات الماركسية في هذه المجتمعات . ومن وجهة نظرنا ، نرى ان التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققه الغرب الرأسمالي ، كان سببا رئيسيا في افلاس الماركسية كنظرية تسمى بالعلمية ، وافلاس أيديولوجية البروليتارية . ويمكن الاستدلال على هذا التحول من خلال التحولات التي عرفها العالم منذ القرن التاسع عشر ، والقرن العشرين .. ان المعمل الرأسمالي في العقود الأخيرة من القرن الفائت يتناقض جوهريا مع اقوال وتنظيرات ماركس وانجل . فاذا كان ماركس يرى ان مصدر ربح الرأسمالي هو استغلاله لقوة عمل العامل ، لان تلك القوة هي المصدر الأصلي لكل قيمة إضافية ، فان الواقع الحالي اضحى مناقضا لمثل هذا الادعاء . ان واقع المعمل الرأسمالي الجديد ، باعتماده على التكنولوجية الجد متطورة ، وباستخدامه للإنسان الآلي ، فان الإنتاج اصبح بالتالي انتاجا اوتوماتيكيا تماما ، أي ان المعمل الجديد اصبح مستغنيا كليا عن العمال ، وان أرباح الرأسمالين لا يتم استخراجها من استغلال قوة العمال ، التي لا وجود لها في هذه المعامل ، بل يتم استخراجها من التكنولوجية المتطورة . وهذا ربما ما جعل المفكر الماركسي المعاصر ، اصبح يرفض عادة مفهوم طبقة العمال كطبقة ثورية .
اذا كانت الفلسفة الماركسية قد عانت في المجتمعات الغربية الرأسمالية ، ازمة التأثير الفكري والبنيوي ، ولم تستطع ان تحقق تنبؤات ماركس امام صعود الأيديولوجية البرجوازية ، وايديولوجية اليمين الوطني الشوفيني .. فما هي الأسباب الرئيسية التي كانت وراء تحطم المشروع الماركسي أكان لينينياً او ماوياً في المغرب ؟ .
--- أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي :
السؤال الذي نطرح هنا . هل انّ نفس الأسباب التي أدت الى ازمة المشروع في الغرب الرأسمالي ، هي نفسها أدت الى افلاسه في المغرب ، ام ان هناك أسباب أخرى هي التي لعبت الدور الأهم في تحطيم المشروع منذ السنوات الأولى من ظهوره ؟ .
ثم هل يمكن اعتبار بعض المراجعات النظرية والتنظيمية ، التي قامت بها الحركات المحسوبة على اليسار في زمن ما ، بمثابة محاولة يائسة ، لانقاد المشروع وتطعيمه بروح وديناميكية جديدتين ، تستطيع مسايرة النظريات والمستجدات التي فرضت نفسها على الواقع ؟
ان ازمة المشروع الماركسي في المغرب ، أكان المشروع يسار السبعينات ، او كان المشروع الذي روج له الحزب الشيوعي المغربي ، حزب التحرر والاشتراكية ، حزب ( التقدم والاشتراكية ) ، حزب عزيز بلال ، وليس حزب العلوي او حزب نبيل بنعبدالله ، لا ترجع الى تفوق الأيديولوجيا البرجوازية في صراعها مع الأيديولوجية الماركسية ، ولا ترجع الى كون المغرب بلد يتوفر على بنية تكنولوجية صلبة ومتطورة ، لكنها ترجع في الحقيقة الى اعتبارات وعوامل تعتبر ثوابت راسخة وفطرية في العقلية المغربية ، للرعايا المرتبطين بالراعي الكبير ، النظام الملكي في صورته الشمولية ، التي تجعل منه هو الدولة صاحبة القرارات السياسية حتى في مجال الدين والامارة .
ان الدولة المخزنية البوليسية ، ونُظمِها السياسية التي مرت عبر تعاقب العصور ، تستمد كل قوتها ( الربانية ) بعدم التفريط في الأصل ، الذي هو المزج بين الدين وبين الدولة . والملك الذي يقدم نفسه كأمير للمؤمنين عند مخاطبة الرعية ، يزاوج بين الدستور الذي هو دستوره ، وبين البيعة التي تضفي عليه هبة القرون الوسطى . ان هذه الخاصية المخزنية التي تزاوج بين التقليد وبين العصرنة ، لعبت الدور الأساسي في جعل المشروع اليساري الجذري ، لا يتعدى مناقشة سقف النظرية الماركسية ، في شكل ثقافي بوليميكي . واضافة الى هذه الخاصية ، فان تحامل اليسار الجديد باسم الماركسية على الدين الإسلامي ، بدعوى انه يمثل عصور الانحطاط ومخلفات العصور الوسطى ، ماكينة تفريخ الإسلام السياسي في صوره الكريهة كالداعشية ، والقاعدة ، وجماعات التكفير المختلفة .. ، جعل الماركسية المغربية تبقى محصورة داخل اصوار الجامعة ، دون ان إضافة عمل يذوب وسط الرعية لتفقهها ، وصقل ادراكها ، وفهمها إعدادا لثورة ، رددت شعاراتها داخل الجامعة ، وبقيت هناك الى ان جاء الإسلام السياسي الذي سيطر على المنظمة الطلابية ، وتمكنه من تحرير الجامعة من الأفكار اليسارية بمختلف تلاونها ..
في هذا الصدد عرفت المنابر الثقافية الماركسية المغربية ، نقاشات وجدالات بخصوص الفلسفة الماركسية ، وعلاقتها بالدين وبالمجتمع الرعوي عبر مراحله المختلفة . فدار هذا النقاش بين دعاة التجديد في الماركسية ، وبين النصّيين ( نص ) دعاة التمسك بالتقليد في الفكر الماركسي . فبدأت الحلقات تبرز والنقاشات تتوسع ، ليصبح الصراع داخل صفوف اليساريين الجذريين انفسهم ، ووصلت الاختلافات حد نعت المجموعة الأولى للمجموعة الثانية بالنصية والسلفية والظاهرية في التعامل مع النصوص الماركسية . وادى هذا الوضع الى بروز تيارين يساريين ( من الوجهة العامة ) ، احدهما تقليدي نصي يلتزم بحرفية النصوص ، ويدعو الى عدم التهاون عند معالجة الماركسية .. والأخر يدعو الى التجديد والاجتهاد في النظرية الماركسية ، بما يلائم خصوصيات المجتمع ، التي تغلب عليه الأفكار والنظرة الرعوية . وتعتبر هذه التباينات في المراجعة النظرية ، خاصة دراسة التجربة الماركسية ، راجعة بالأساس الى سلسلة الإخفاقات التي عرفتها تجربة الحزب الشيوعي المغربي ، حزب التحرر والاشتراكية ، وعكستها جيدا تجربة اليسار الجديد في الساحة " ... ننتهي بهذه الفكرة ، ليس الى قدح الصراع المذهبي بين المذاهب الفلسفية ، ولكن الى نقد فكرة الانتصار الساحق والكلي لفلسفة معينة على الفلسفة الإسلامية والفلسفات الاخريات ، البرجوازية والقومية ، وبمحوها على صعيد المجتمع باسره ... ان اتباع هذا السبيل لا جدوى منه ، وينتهي بأصحابه الى مأزق كبير .. ولا نعتقد الآن من يثق بادعاءات قادة حزب العمال الالباني ( محمد انوار خوجة ) ، حول القضاء النهائي على الأديان ... الخ " .
وقد اعترف احد القادة الماركسيين الجذريين في منظمة 23 مارس ( ح ط ) ، بالفشل الساحق الذي أصاب المشروع الماركسي في المغرب ، واعتبر ان الموقف الدوغماتيكي من النظام الملكي ومن الدين الإسلامي ، اللذين يشكلان ثوابت أساسية لازمة لتاريخ المغرب ، هو الذي جعل المنظرين الماركسيين يعجزون في تطويع الماركسية ، وبناء دولة العمال والفلاحين " ... في أواخر السبعينات ، قامت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي OADP بمراجعة نقدية لخطها السياسي ، ولقد نشأت عن هذا المراجعة النقدية ، ان تغيرت خطتنا تغييرا جوهريا ... ان القطيعة الأيديولوجية التي افضى اليها الخلاف داخل ما كان يسمى بالحركة الماركسية المغربية فيما مضى ، لم تكن بسبب الاختلاف حول اجوبتنا السياسية المباشرة على الظرف الراهن ، بل كانت بالأساس بسبب التناقض الذي حدث واتسع بين منظومتين فكريتين ، لم يعد يجمعهما قاسم مشترك كما كان عليه الحال في السابق .. من خلال تلك المراجعة النقدية بالقدر الذي اصبحنا فيه على طلاق مع رؤية سياسية نعتناها وحكمنا عليها بالطبقوية ... وهذه الأسئلة لم يكن همها الاّ الإشارة الى الاشكال الذي ما زالت تواجهها الماركسية اللينينية في النظر والعمل – متوخيا القول – بان هناك قضايا جديدة لم يكن يعرفها لا ماركس ولا لينين ولا النظرية الماركسية اللينينية ... الماركسية اللينينية كنصوص ومادة خام ، لا تقدم لنا نفسها مباشرة ككتابات في الطريقة والمنهج الا نادرا ... الخ " . وفي هذا الصدد دائما عبر ابراهام السرفاتي مؤسس منظمة " الى الامام " الماركسية اللينينية الماوية ، عن نفس الفكرة من الفلسفة الماركسية عندما خلص في احدى مقالاته " .... الى ضرورة العمل داخل الامة العربية ، من اجل ان يبذل جميع التقدميين العرب ، سواء كانت ايديولوجيتهم دينية او ماركسية ، جهودا نظرية وعلمية في سبيل ذلك التقرب المنشود الذي يعد شرطا أساسيا من اجل تغيير المجتمع العربي تغييرا راديكاليا وتحريره من الامبريالية والصهيونية . ويرى ان المناقشة يجب ان تبقى جارية بين الماركسية كتصور بروليتاري للعالم ، وبين الدين المتحرر من الضغط الرجعي .. " . وفي هذا الاطار ، فان ابراهام السرفاتي سبق ان اعلن مساندته اللاّمشروطة للفصل التاسع عشر ( 19 ) من الدستور فقط لمواجهة الإسلام السياسي بكل مرجعياته المختلفة ، وخاصة منها " جماعة العدل والإحسان " ، وهو ما ترجمه مباشرة حزب النهج الديمقراطي ، عندما تجاوز الرواسب ، ونسق كحليف مع الجماعة ابان حركة عشرين (20) فبراير ، ورغم غدر الجماعة لحركة 20 فبراير ، وكولستها مع وزارة الداخلية ، فحزب النهج الديمقراطي ، استمر يمد يد العون للجماعة ، التي يظهر انها تجاوزت الحزب ، ولم تعد تعيره ادنى اهتمام ، سيما وهي تدعو الى نظام الخلافة ، والحزب تتوزع مواقفه بين مطلب الجمهورية وهي مجرد مساومة ، وبين النظام الديمقراطي ، كمطلب نادى به إبّان اوج حركة 20 فبراير، متضرعا بان سقف المطالب تحدده الجماهير ( اين هي الجماهير وأين هو الشعب ) ..
ان التساؤل الذي يتبادر الى الذهن ، هو مدا قبول فكرة ابراهام السرفاتي ، بالانفتاح على التيارات التي يعتبرها من منظمات الإسلام السياسي ( التقدمي ) مثل مجموعة " البديل الحضاري ، والحركة من اجل الامة ، وكل من له رغبة في التغيير الديمقراطي الراديكالي . أي مطلب الكتلة التاريخية الوطنية التقدمية التي ما احوج المغرب اليها اليوم اكثر من الامس ..
اعتقد ان احسن جواب عن هذا الاستفسار ، لا يخرج عمّا سبق لعبد الكريم مطيع مؤسس " الشبيبة الإسلامية " ، وبدعم من القصر ( الديوان الملكي ) ان كتبه " .... اسفر الصراع في المغرب عن معسكرين لا ثالث لهما . معسكر الشعب المغربي المسلم ، المتشبث بعقيدته وثورته ، ومعسكر الفكر الأجنبي الدخيل " الماركسي الملحد والليبرالي الاباحي " ، الذي يقاتل صفا واحدا ، في جبهة واحدة ، مآلها الهزيمة والخذلان ، امام معسكر الإسلام وجنود الرحمان . وأضاف " الحق والباطل لا يتبادلان القبل ولا أوراق الاعتماد " مسترشدا في ذلك بآية من القرآن " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر ، يوادون من حاد الله ورسوله " . والملاحظ هنا ان الأستاذ عبد الكريم مطيع كان يصف ابراهام السرفاتي ومجموعته ( الى الامام ) ضمن من حاد الله ورسوله ، بل وصنف الاتحاد الاشتراكي حتى المؤتمر الثالث بالإباحيين والمفسدين ، وسمى الأستاذ محمد عابد الجابري بالصهيوني والملحد ، بل حتى حزب الاستقلال قد يعتبره متمركسا . وقد سبق للأستاذ عبد السلام ياسين مرشد " جماعة العدل والإحسان " ان كتب في نفس الموضوع " .. انها لسذاجة لا تغتفر انتظار ان ينفد المرتدون والملحدون والكفار مشروع استغلالي ديماغوجي ، ومنتج لجاهلية جديدة . ان الاستعداد لاستلام السلطة يتطلب كثيرا من القوة والصفاء ، وهذا يوجب علينا الاّ ننال من شخصيتنا الإسلامية ، وذلك بتجنب اية علاقة مع الأحزاب السياسية " التي سبق ان وصفها بالمقاولات ..
اذا كانت الحركات الماركسية وبالأخص منها اليسار الجدري ، قد فشلت في تطويع الماركسية ، ومغربتها ونشرها داخل الطبقات التي راهنت عليها لإنجاز الثورة ، فان نفس الفشل حصدته في المجال التنظيمي الذي بقي محصورا على الطلاب والتلاميذ ، وبعض الأساتذة والمثقفين والمهندسين .. داخل الجامعة ، وضمن المنظمة الطلابية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " UNEM " ..
اما البروليتارية والفلاحون الفقراء الذين يدعي التنظيم انه يمثلهم ، فقد ظلوا خارج هذه المنظمات اليسارية ، الذين كانوا يجهلون وجودها أصلا . وقد ساهم في هذا ، تعقيدات النظرية الماركسية ، وتركيزها على الثقافي اكثر من السياسي الذي ظل حبيسا للموروث الأيديولوجي الذي يمثله النظام السلطاني كنظام بتريركي ، بتريمونيالي ، كمبرادوي ، اوليغارشي ، ثيوقراطي ، تقليداني ، طقوسي ، يجمع في آن بين النيوكلونيال وبين التكنوكلونيال ... ان الميزة الطقوسية للنظام المخزني انها كانت الأرضية التي خنقت التنظيمات اليسارية ، واستحالت الى صخرة تكسرت عليها الماركسية .
وباستثناء مراجعة 1979 خاصة بالسجن المركزي بالقنيطرة ، فان استمرار نفس العقلية التقليدية ، ورغم غرقها في الاجتهادات النظرية والتنظيمية ، فإنها لم تتقدم في حل أي من هاتين المعضلتين ، بل اكثر من ذلك ، لم يتمكن اليسار الراديكالي من تحديد أرضية هذه المعضلات ، التي كان ينبغي ان يوجه اليها الجهد النظري والعملي ، حتى يتمكن من الانتقال من العام الى الخاص . أي من تبني ما يعتقد انه هو الفكر الاشتراكي العلمي ، الى اختيار مدى قدرته على الإمساك بواقع التطور الاجتماعي في مغرب الطقوس ، وافاق تطوره في المستقبل .
( يتبع )
--- ازمة المشروع التنظيمي : الدراسة القادمة . ( تابع )



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو الأمين العام للأمم المتحدة ...
- 5 غشت 1979 ذكرى انسحاب موريتانية من - وادي الذهب - ، وذكرى ا ...
- ماذا يخطط لصراع الصحراء الغربية
- أراك في عيون الغد المعلق
- الغاية من الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء
- الموساد الإسرائيلي
- أي نظام سياسي صالح للمغرب ؟
- هل حقا ان فرنسا ايدت الحكم الذاتي بالصحراء الغربية ؟
- الأوراق الملعبة
- هل ممكن انتظار حرب بين النظام المخزني المزاجي البوليسي المغر ...
- بلادي صحروك جففوك
- آخر خلفاء بني أمية .. أنت .. ميتا ..
- حين يقلد النظام الجزائري النظام المغربي
- هل صحيح ان النظام البوليسي المغربي ، يشترط على نظام العسكر ب ...
- ظهور الاميرة سلمى بناني مع الأمير الحسن
- القضاء الإيطالي يصفع وجه المدعو فؤاد الهمة ، ويصفع وجه المدع ...
- ديمقراطية الدولة المخزنية
- من له مصلحة في اشعال الحرب بين نظام المخزن المغربي ، ونظام ا ...
- الموقف الاسباني الألماني من الوضع القانوني للصحراء الغربية
- مجزرة مليلية الدموية 24 يونيو 2022


المزيد.....




- الكويت: سطو مسلح على مكتب صرافة.. ووزارة الداخلية تكشف تفاصي ...
- بعد توغل أوكراني في كورسك.. قصف جوي روسي مكثف على كييف ومقتل ...
- الجيش الإسرائيلي يعتقل 16 فلسطينيا في الضفة الغربية
- أردوغان يستقبل نجلي هنية مقدما العزاء
- من سيقاتل إلى جانب إيران؟
- -أريد أن أستعيد حياتي- – العبارة التي تهدد آمال هاريس في الف ...
- لماذا يتحمّل الاتحاد الأوروبي سلوك أوكرانيا؟
- خبير صيني: بريكس تعزز تفوّقها على مجموعة السبع
- -الأورومتوسطي- ينشر تحقيقات أولية تشير إلى خلو مدرسة التابعي ...
- بسبب -شهر عسله- ومواقفه من الصين.. نائب هاريس يواجه انتقادت ...


المزيد.....

- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . افلاس الناطقين به .