أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصار يحيى - كتاب توقاً إلى الحياة/ أوراق سجين. عباس عباس















المزيد.....

كتاب توقاً إلى الحياة/ أوراق سجين. عباس عباس


نصار يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 8064 - 2024 / 8 / 9 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


في وصيته يكتب عباس: "أنّ مشيعيكَ سيدونون على شاهدة قبرك: ماتَ توقاً إلى الحياة"
لطالما يحدونا الحنين في الكتابة عن الذاكرة المشحونة بصمت الحبر، كي تنهل من ثنايا الجسد المقهور على الأمل، عن اوراقٍ متناثرة، يكتبها (عباس عباس) في ثنايا الهبوط الى عالم سفلي، عالم ليس من الاساطير الاغريقية او الشرقية القديمة؛
أوراق (عباس) لا تدعونا الى البحث عن بطل تراجيدي!
إنما عن "سفاح القربى"، حيث المكان: تعذيب، تحقيق، سجن بتعدد الأسماء، بين فرعي الأمن العسكريين، تدمر -براءة الاختراع في فنون عتبة الموت-، صيدنايا المطلة على بعض الهواء الجبلي؛
استغرقَ الطريق خمسة عشرا عاما الا بضعة اشهر متناثرة، تبدأ الرحلة مع نيسان 87. يلقى القبض عليه. يخلى سبيله مع رفاقه، تشرين الثاني 2001.
سألوه رفاقه: ما الذي ستفعله أول خروجك من السجن؟
قال لهم: "عندما كنت تلميذاً في الابتدائية، كنت أذهب سيراً على الأقدام الى قرية أخرى.. حين العودة وحينما أصل الى الطرف الآخر المقابل لبيتنا..كنتُ أنادي: يا أمي لقد عدتُ من المدرسة!".
يذهب عباس وزوجته وديما طفلته، أخواته وأخوته، الى دير ماما (ريف مصياف)؛
لم تكن أمه تعلم أنه خرج من السجن، الآن ثمانية عشر عاماً تفصله عن آخر زيارة.
كانت أمه تحت شجرة الزيتون، عمرها ثمانية عشر؛ كما رحلة عباس.
بينما الأب الثمانيني، يقفُ على سطح البيت. يختلي مناجاته: "نحن يارب لا نعلم ما تشاء..فلا تطلْ يا رحيم عذابنا والانتظار..".
سمعتْ صوتاً من بعيد، يشبه صوت عباس حينما كان طفلاً: لقد عدت يا أمي من المدرسة:
يتراءى الصدى عن تلال صمّاء؟
تغنّي شغاف القلب: "تجي عالدار يا زين الوجه ما لقاك..
يا محلا عشرتك يا غالي ما مر فرقاك.."
يعاودُ الصوت بأعلى صرخاته: لقد عدتُ يا أمي من البراري البعيدة!
تتسمّر مكانها (أم عباس):
"هلا يا مية هلا بولف اللي جاني ..كنت عدمان وبظلو لجاني"
إحدى الأوراق ارتأت أن تخاطبَ أبيه:
"أبي أيها الشيخ الثمانيني، لقد نأت المسافة بيني وبينك..اغفرْ لي بحة صوتي الذي شجه الصراخ.."
يسمعُ: أنا عباس "يا أبي" رجعتُ من بطن الحوت!
أمامنا أوراق سجين، معنونة: توقاً الى الحياة.
كُتبها (عباس عباس) كما مدونات يومية، ليستْ سيرة ذاتية. إنما حالة ما من التوثيق، عنوانها الرئيس السجن بتلابيب تنوعاته (فروع تحقيق، تدمر، صيدنايا). انعطافة بضعة خطوات من سجن النساء (دوما، صبايا حزب العمل).
كان يكتب حينما الليل يرخي صمته، بصدىً يجاري خفايا القضبان، موارباً عن "الشراقة" ذات "الهواء السام"..
اعتمد تشريح الفصول والمحطات، بطريقة سماها الستارة، شهادة الحضور من شتى أطياف المعتقلين؛
لن تقتصر الشهادات على رفاقه في التنظيم، وإنما لهولاء المعذبين، عتبة الموت اليومي (الاسلاميين) وشدة "جحيمهم"!
تتراشق الحروف بين طيات الكتمان، وعتبة الاحتجاب عن الغوص، بالعلاقة بين الشخصيات، خاصة الستة عشر-التسعة عشر بعد ثلاث سنوات، أولئك من اكتووا بالجمر التدمري؛
في الستارة الثانية (معتقل تدمر):
فيض من البوح عن حياتهم كمجموعة داخل (العنبر) الجحيم، مع ذكر تاريخ الترحيل 3/3/1988.
بعد أن نزيح الستارة، يخطفنا هجير الساحات، لمّا يقف "طابور التشريفة والاستقبال"، حاملأ معه "طواويس حمراء"، تدلهم كلما اقترب "الضيف" من "وكناتها"؛
الضيفُ يحتمي برفيقه، مكبلين بزناد الدخول الى السراديب..؟
هؤلاء كان عددهم ستة عشر، قرر وكيل السلطان، ترحيلهم الى هنا، رفاقهم تم ترحيلهم إلى صيدنايا.
يدخلون "العنبر التدمري"، يُمارس عليهم شتى صنوف "التقاليد والأعراف" بما فيها شراقة الرقابة الليلية؛
ربما "موقوف" سولتْ له نفسه، أن يذهب إلى التواليت مثلاً!!
(عباس) بستارته هذه التدمرية: يذكر تلك الإضرابات الثلاث رغم المكان وطنين اسمه!
حققوا بعض المكاسب، صار لديهم بصيص أمل بالورق والكتاب!
إنما (عباس) هنا سيدخل عالمهم الداخلي، علاقاتهم مع بعض، لكن بلغة وصفية أكثر منها سردية؛
الوصف يجعل المشاهدة وذكر تلك التفاصيل، وكأنها تلامس العتبة، تبقي الباب موارباً، لا تهمها الاختلاجات الداخلية للشخوص؛
"يمكنك قراءة الناس بدلالة الوجه..للأسير أطوار لاعهد له بها.. التناقضات داخل الشخص، تجعله أحيانا مستعدا للتضحية بكل ما يملك، أخرى تتغلب أنانيته..قد يتورط حتى في سرقة شيء من طعام الجماعة.."
بطبيعة الحال اللغة الوصفية، لا تضيّق مساحة الأوراق في الدلالة، لكن كان يمكنها مع قليل من لغة سردية، أن تجعل القارئ مشاركاً في تشكيل البيئة السردية، حيث فضاء اللغة -ثنايا التوتر الكلامي- يجعلنا كقراء مشاركين ممكنين لبعض "المعتمات"؟
"إن الأسر محرقة الاحلام، حجرة للذاكرة الراعفة..مررنا بمحطات عديدة..تحاورنا كثيراً..استعرضنا تجربتنا السياسية.. طرحنا آرائنا النقدية حولها.."؟
يغيب المحتوى الدلالي لجهة قول العموميات؛
أعتقد هنا، أنّ الضمير المثقل بالواجب الأخلاقي. تماهي الأنا التي تكتب مع مقص رقيب، ممنوع حتى ظهور الهفوات اللاشعورية جعل من (عباس) يحوم حول الملتقى وما يروم إليه!
حصل "التسونامي" بسقوط جدار برلين 89. آثاره لم تقف عند الجدار ورمزيته، أبعاده التي طرحت الاسئلة على "اليقين والعقل الايديولوجي"، الم يكن مستغرقاً هذا العقل "بسبات دوغمائي"؟
ومن الطبيعي (عباس ومجموعته) في حزب العمل الشيوعي، أن يتلقفوا ذلك أكثر من غيرهم؛
تأسيس الظاهرة (التجربة)، خرج الى الحياة مع صياغة الأسئلة!
كذلك السجن (الأسر) -حسب الأوراق- المكان الأكثر حيوية للوقوف بهدوء بعيدا عن الضجيج!
لطالما كان يكتب وهو على جدران "العازل"، في تدمر وصيدنايا، عن رفاقه، عن "الجيران" الإسلاميين في مهاجع الموت البطيء؛
ممن سمع منهم أو تعرف على قصصهم، في صيدنايا ، بعد "أخد ورد" من الطرفين في بدء السلام والزيارات، تتطور لحوار وتعارف من الداخل، لم يتكلم عنهم بضمير الغائب، إنما جعل أحدهم ضميراً متكلما مخاطباً: اعتراف بالضفة الاخرى (سياسياً). حالة ترنو لتعدد الأصوات (روائياً)!
مفيد هنا أن نذكر شهادة أحد المعتقلين الاسلاميين، أن "الشيوعيين" بادروا لزيارتهم وكان صبيحة عيد الأضحى.
كان الاسلاميون منهم الرافض كليا "المتشنج"، ومنهم من يتريث، أو لربما على استعداد للتعرف على هؤلاء؛
كيف يُعتقلون، وهم من طبيعة أيديولوجية متقاربة مع النظام؟!
واكثر وجه الغرابة: إنهم يتحملون التعذيب والسجن، وهم لا "يستغيثون" بالله!!
كذلك هناك الكثير من الشهادات عنهم (الإسلاميين).
إنما سأكتفي ببعضها.
شهادة لأحد المعتقلين، عن زيارة أهله له بعد عشر سنوات من الاعتقال. (زيارة من بعيد). زيارة قدم الأب الغالي والنفيس؛ كي يرى ابنه. من بعيد وشرطي يضع السبابة على فمه، ينظر لولده، لم يرَ سوى ظلَ بشر، قال له الشرطي: إنه ولدك، انتهت الزيارة!!
الأوراق يمكن اعتبارها بمثابة شخصيات سردية، تحاور بعضها، تشكل حالة أشبه بما يسمى روائيا "مجتمعا سردياً".
محطاتها الرئيسة: الستارة. تتدرج من الستارة الاولى بعنوان سفر الخروج، تصل للستارة العاشرة (رسائل).
تتراءى الستارة خلف شقيقتها، في غياب "المسرح" والخشبة، عداك عن "الجمهور"، هي من "حصير" عتيق، مسكون بخفايا أقدام، هلكتها مسافات "الكرابيج".
كانت هناك ستارة -الثامنة/ نحن في مرآة الآخرين- خرجت من جدران "الأسر"، من "حميمية العازل"، إلى صديق، الأخت (زينب)، الأب الثمانيني، الزوجة (فايزة). تختلج الستارة مع "تموجاتها" تلك، تصل إلى المرآة الأخيرة: "العاكسة/ عباس".
الخروج هنا بدلالة "الأخرين" وما تختلج مشاعرهم، مبالاتهم، لا مبالاتهم، تفهمهم "للرحلة التنغيص"، خاصة وأنها "طرطشتهم" بتلابيبها؛
أبوه وأخته وزوجته، صديقه الحميمي قبل التخفي والسجن.
(المرآة العاكسة/عباس)، عند هذا "المعراج"، تتشكل لدى عباس حالة من "الاسراء"؟
يستبطن مرآة الآخرين، يشعرُ أحياناً بنشوة الحضور، انهم حالة تعزيزية إيجابية بدرجة ما؛ قد يظهر عليهم التعب والارهاق، بعض التحفظات، إنما هي محاكاة لتفهم التجربة، لم يقولوا له: ليتكَ لم تنخرط في هذه "الرحلة"، أنتَ اخترت نوع العربة، ربما كانتْ الأحصنة تشتكي "عبراتها"!
عاد (عباس) يختلج مع مرآتهم:
"لم أُمنحْ الجرأة الكافية كي أُخرجَ نفسي عن شرع الحياة المألوف لديكم..لم أمارس حيلةً، إنما خاتلتُ لغتي..استعرتُ قلب متصوف..هل لاحظتم حذري..؟
ليس غريباً أن نهرب من الهلع الذي يعشش فينا، إنه بحث عن الأمان المفقود.."!
//حضرتي كواحد من القراء ، لاحظ حذركَ أيها النبيل، لكنّ للكتابة شغفها بملامسة "العريّ" فينا//!
سفر الخروج، تاريخ تخفيه 18/8/1984..بداية تدوين الغياب؛
الغياب عن طفلته (ديمة) ذات الأشهر الخمسة، عن البيت، نحو جنح ظلام متوتر، اسم آخر، لا عنوان ولا "حميمية" مكان..
في سياق تسلسل الزمني للستائر، مع عناوينها، نجد التعاقب ولعبة الزمن المتتالي؛
هناك فقط الستارة التاسعة (سقراط الصغير). تخرج عن تلك "البعثرة".
الكابوس الخاص بالتوأم، طالبين في الثاني الثانوي، (نمير، جلال)؛
الأثر الدامي لنزيف، كتب بطبشور على لوح المدرسة: "صديق عدوك عدوكَ"، وكانت الحصة الدرسية، فلسفة (منطق) سقراط إنسان..الانسان فان ..وهكذا كما هو من محفوظات مدارسنا في التعليم؟!
لكنها باتتْ هنا رحلة في الجنون؛ التوأم غاصا في رحلة "البحث" عن "الجحيم"، لم يعرفان عن عذاب "جهنم" إلا من أستاذ الديانة؟
الآن دخلوا طور "الممارسة العملية" حالة من حالات "الستاجة"؟!
عباس يسمي المعتقلين (الأسرى). ستختلف الدلالة بين الأسير والسجين السياسي، عداك عن المعتقل؟
يذكر دائما كلمة الأسير كفرد. ينتبه في "العتب والتخاطر" مع أبيه، أن والده: لم أزرْ أختكَ الأسيرة. ( فاطمة أخت عباس كانت معتقلة قبله في سجن دوما، للانتماء نفسه).
كذلك يميل لاستخدام كلمة (عنبر) بدلا من (المهجع)؟
سوف تذهب بنا التداعيات إلى العنبر رقم 6 (تشيخوف). بما توحي من عبث اللحظة (العدمية)، التي انتشرت في روسيا (1890-1892)، زمن كتابة العنبر 6. (انهيار عام لدى النخب المثقفة الروسية)..
لربما هذه السمة ستجعل من العنبر 6. ذات تأثير عالمي بجانبها السوداوي (كافكا مثلاً)!
على هذا السجن (تدمر، صيدنايا)، تصبح التحولات ممكنة وطبيعية؛
قد يتدخل هنا - شخص متخم بالايديولوجيا وبعض العنتريات"- أن على المرء أن يبقى متماسكاً،
"كجلمود صخر حطه السيل من علِ"؟!
إنما (عباس وأوراقه) يحاولان بث البعد الانساني "من لحم ودم"؟
أحد أهم الأوراق (شهادة رقم 4 تحولات):
"حين أتذكر لحظات جموحي السابقة، يصيبني الذهول من جراء انتقالي من تطرف إلى آخر..لم أكنْ أتردد في اتهام الآخر بالتخاذل والضعف، بمجرد انزياحه عن معاييري "الثورية الخاصة"..اختلفت عندي رؤية الناس..لم تعد تفيد وسائلي الدفاعية الأخرى..وجدتني على حافة هاوية ..كنتُ أتوسلُ صدمةً تعيدُ لي بعضي.."!
يأتي (أبو آفاق) يستحضر تحولات صديقه - جاره في العازل-؛
يرصدُ لغته بمنمنمات فلسفية ذات طابع وجودي:
"حيث توجد ثنائيات، اللذة والألم، الخير والشر..لا توجد هذه المسافة..على كل واحد أن يكون مجال اختراق النقيض.."!
/علينا الآن مغادرة "عنبر" أوراق عباس قليلاً، وتداعياته مع عنبر (تشيخوف)/!
بين طيات أوراق (عباس) نصاً، يحمل عنوان: نحن ومعشر الدوري (العصافير).
حالة من السرنمة (السير أثناء النوم)، لدى "السيريالية؛
سخرية اللغة من الحالة القهرية للبشر، مداعبة ما حنونة لروح القص عند (زكريا تامر)؛
نجد الورقة هنا بمثابة أقصوصة قصيرة، تنأى بنفسها عن بقية الأوراق، لكنها تنسج معها بعض الظلال:
في جحيم تدمر المدلهم، المنفتح على اللامتوقع من ردود فعل "السجان"، بما هو سيد العرش حتى لو كان مجنداً، يزحف بين "السرتفيكا" القديمة وشهادة السادس المحدثة..
من سوء حظ عصفور شاردٌ، يقع في "الأسر" بين حميمية معتقل كاد ينام؟
"احتفظ به، طلبنا الإفراج عنه..استنكر الحاحنا؛ "ملكيته الخاصة"!!
كدنا نعقدُ هيئة عامة لحل المشكلة؟؟"..
يسمعُ معشر العصافير بما جرى مع "رفيقهم"؟!
يعلنون حالة "الطوارئ"، يرسلون برقية مستعجلة:
"نحن الموقعين أدناه -معشر الدوري- نتعهد ونحن بكامل قوانا الغريزية.. بعدم دخول مملكتكم البشرية..إذ نعتقد أن غريزتكم البشرية لا تقبل الآخر بسهولة، حتى لو كان طيراً، فإننا لا نتحمل أي مسؤولية، إذا اجتمعت الغربان عنوةً في سمائكم.. التوقيع معشر الدوري/ الباحة الرابعة".
خصوصية هذه الأوراق، أنها حاولت لملمة الجراح كلها: من مجزرة تدمر إثر محاولة "الاغتيال"، مروراً بشهر شباط الدامي في حماه (82). الى الاعتقال السياسي للحزب الذي ينتمي (حزب العمل الشيوعي)، بما فيها اعتقال (صبايا الحزب) في دوما، مع بروز حالات الولادات داخل السجن، بين معتقلات الصبايا..
توثيق شهادة سياسية من (باسل)، كتبها بعد طول سجن و "حيرة"؛ أن يجهرَ صوته الداخلي: "أنتمي لهذه التجربة الظاهرة (حزب العمل الشيوعي)..مدعاة للفخر..دفعت كوكبة من الرجال إلى خوض غمار شرف المقارعة..رغم أنها كانت مصابة بدرجة ما، بداء معشش في المنطقة تاريخياً: الفرقة الناجية.."
سوف يذكر الطفلة (سنا) يتيمة الأب -مضر مات تحت التعذيب- أمها دخلت السجن أيضاً (أميرة):
(سنا) في المدرسة، عندها درس ديانة، عليها أن تقرأ سورة الضحى: "أما اليتيم فلا تقهر.."، تبكي (سنا)، تتوقف الآنسة عن إعطاء الدرس!
(ديما) طفلته الوحيدة، تكتب قصيدتها، ترسلها لأبيها (عباس)، كانت في السادس الابتدائي:
"..أتيتُ أبحثُ عنكَ يا أبتي هنا وهناك
عند ذوبان قلوبنا بنيران حنينكً
عندما انسدل ستار الليل فوق ضوء النهار"
/هلوسات محض عقلية "فاوست"، إنما هنا (فيصل) يحضر متأبطاً "فاوست" السوري.ليس الحكاية الشعبية الألمانية التي استعارها (غوته) في عمله الشهير (فاوست)، حيث باع نفسه للشيطان؛ كي يحصل على المعرفة المطلقة
(فاوست، فيصل) من طبيعة أخرى، من "جلجلة" سجن طويل يستديم، جعلتْ الأنا تصغي، مسكونات تشبه الهذيان؛
"أعرفُ أنّ إرادتي قد تحطمت وهلكت..ربما تجربتي ما كانت سوى تلمّسات أعمى في محاولاته لمعرفة ما يقع تحت يديه..".
(موت الحب) أوراق تذهب للمرأة (الزوجة، الحبيبة). السجين رهن الجدران، المرأة حيث خارج الأسوار، بين ضفاف الاعتقال، حالة الترقب والانتظار؛ جسدٌ يصرخ عن حاجياته، عمرٌ يمضي بين الحواري المعتمة والليالي الباردة..!
إلى متى؟
(أبو الخل) تأتيه الاشارة عن طريق صديق: "لا يكلف نفسه عناء الهدايا"..التاريخ 1993.
(حبيبته) التي انتظرت إلى الآن سبع سنوات، ولا تعلم متى سيعود، علما أنه محكوم (15) سنة، هناك انتظار ثماني سنوات، إنما ليس هناك من تأكيد، أنهم يخرجونهم في الوقت المحدد؟؟
(أبو الخل) له من اسمه نصيب، لكنه ليس خليل الله (أعلى مقامات العبد)، إنما من الخلّة (المودة والصداقة)!
كان يتوقع كغيره، أن ذلك لا مفرُ، إنما"الغياب" في مبتداه، يركن "للرجرجات" النفسية اللامنطقية:
لم يعد ينام باكراً كعادته.
يقرأ رواية (وليمة لأعشاب البحر/ حيدر) -بين الشخصيات، يتململ - لطالما كان مشدوداً لشخصية (مهيار الباهلي)؛
مخلصٌ وفيٌّ..!
يتفهم شخصية (فلة أبو عناب)، لكنها لا تدغدغ جوانيته؟
إنما (آسيا الأخضر) تنقله لعالم الوجد؛ حيث يهوى!
رحتُ للهذيان أسائلهُ؟
كم عمر يُرتوى؟ هاتكَ إبريقَ خمرٍ أمشي!
سأحيكُ الهدايا على عتبات الوسن، وأنتظر؟
أخذ (أبو الخل) كلماته تلك، ووضعها في قلب نواة حبة مشمش!
يجدر في ختام هذا الكلام: امتلكتْ الأوراق صيغة ما من تعدد الأصوات -تم ذكر بعضها- (نحن ومرايا الآخرين، شهادة أخ مسلم، زيارة عن بعد..).
لاشك أنها حالة حوارية، تخرج عن الصياغة الأحادية للمؤلف: حاولتْ إيجاد صوت حقيقي للآخر المختلف!
لكن هل استطاعت تلك الأصوات، التعبير بلغتها الخاصة؟
كانت اللغة واحدة مسكونة بفصاحة الكلمات، رغم جماليتها الشعرية في كثير من الوصف؟
هذا شأن لن أغوص به كثيراً؛
ربما خصوصية الأوراق، التي لم تزعم أنها تقدم عملاً روائياً بامتياز. حالة من حالات النصوص ذات الصلة.
ربما أيضاً (عباس) كان يرى في الفصاحة والانشاء اللغوي، طريقاً تعبيرياً أكثر غنىً وحضورا للغة برونقها الأنيق؟
(عباس) كان يرسل أوراقه تلك، إلى خارج الأسوار، أهله حافظوا عليها كرمش عيونهم؛
كان يتوقع أنه خلال ثلاث سنوات، سينجز إعادة لملمة الأوراق؛
لكن لم تجرِ رياحه كما يتمنى؟
2005 يصاب بسرطان الرئة، عادتْ "الرحلة " من جديد على أعقابها، هذه المرة في حضن "الحرية"؟
هناك إرادة حياة في تحديه لهذا "الفاتك" السلال.
2007 يُعاودُ الصعود الى الأوراق:
يُرتقُ هنا، يحذف هناك؛ كُتبت في العتمة، الآن لديه طاولة، ضوء، أصدقاء وأهل يهتفون صباحاته!
ومضى المرض ينتهك جسده، الأوراق تغرغرُ دمعتها!
في الخامس من أيلول 2012. أغلقتْ المحطات أبوابها
كتبَ (ثابت) أخاهُ في مقدمة الكتاب:
31 آب قبل رحيله بخمسة أيام، دوّن (عباس) آخر كلماته:
"هجرة صيفي مضتْ، وشتاء قاحل مر على مهل..سكنتني رعشات الخوف من كل جهاتي..ابنتي تحنو على مهدي.."
يخرجُ الكتاب إلى النور 2015.



#نصار_يحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية أحقاد رجل مرهوب الجانب / الكاتب منصور منصور
- انقسام الروح/ وائل السواح
- على أوتار الطوفان يعزف غسان الجباعي، أنشودة مدينة ثكلى، صدأت ...
- دردشات مع روايتين: نيغاتيف، روزا ياسين حسن/ خمس دقائق وحسب، ...
- قراءة على رواية الشرنقة/ حسيبة عبد الرحمن
- من الصعب / بدر زكريا
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ...
- رحلة تحت ضوء الغسق إلى قصر شمعايا/ رواية علي الكردي
- رواية الحي الشرقي / منصور منصور
- حوار المساء مع رواية القوقعة/ مصطفى خليفة
- قراءة لرواية وليمة لاعشاب البحر للروائي حيدر حيدر
- هي مديح الكراهية / خالد خليفة
- شذرات.. مع جورج طرابيشي
- منمنمات تاريخية للكاتب السوري سعد الله ونوس


المزيد.....




- موسكو تستضيف معرضا لمصورين من بلدان -بريكس-
- مصر.. تحركات لحجب فيلم -الملحد-
- كيت بلانشيت: لم يحصل أحد على أي أجر مقابل فيلم -سيد الخواتم- ...
- توقيف مغني الراب الأمريكي ترافيس سكوت في باريس بسبب تعنيفه ع ...
- بين الريلز والبودكاست.. هل انقرضت القراءة؟
- جهز نفسك من دلوقتى …تنسيق الثانوية العامة 2024 المرحلة الأول ...
- فنان سعودي يكشف تعرضه لعملية احتيال كبيرة
- فنان سعودي يكشف تعرضه لعملية احتيال كبيرة
- تركيا: إنطلاق مهرجان المناطيد في كبادوكيا
- -المجمع البابوي-.. فيلم جديد لإدوارد بيرغر يكشف أسرار الفاتي ...


المزيد.....

- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس
- ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير / ياسر يونس
- زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي / ياسر يونس
- رسالةإ لى امرأة / ياسر يونس
- ديوان قصَائدُ لَهُنَّ / ياسر يونس
- مشاريع الرجل الضرير مجموعة قصصية / كاظم حسن سعيد
- البحث عن الوطن - سيرة حياة عبدالجواد سيد / عبدالجواد سيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصار يحيى - كتاب توقاً إلى الحياة/ أوراق سجين. عباس عباس