أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - ركن في ساعة














المزيد.....

ركن في ساعة


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 8063 - 2024 / 8 / 8 - 13:11
المحور: الادب والفن
    


كم من المصادفات تجمعت هذا النّهار كي أراها بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على آخر لقاء لنا ؟!.
وأنا داخل المقهى، رأيتها واقفة قرب إحد المحال التّجارية تحمي نفسها من المطر، في ثوان وقبل أن تملأ قطرات المطر لوح الزجاج لتغيم الرؤية بيني وبينها، عادت صور و ذكريات اليوم الأخير الذي قضيته برفقتها، لكن أعوامي الخمسة والخمسين لم تعد معها، ظلتْ عالقة عند الضّفة الأخرى، تغرف بيد حفنة ماء وبالثّانية يتسرب الرّمل من بين أصابعها!.
الغريب أنني نسيت ملامح وجهها. حاولت تذكر شكل أنفها أو فمها، فشلت كل محاولاتي إلاّ ساعة يدها ماركة ال ( الأورينت ) بقيت شاخصة في ثنايا الذاكرة. كانت مدورة وأرقامها واضحة، تفاصيل أخرى ما زلتُ أتذكرها، دبابيس شعرها، سوارها الفضي الرّفيع الذي كانت تضعه مع ساعتها متدليًا منه الحرف الأول من اسمها، حقيبتها السّوداء ذات الحواشي البنية، جواربها الشّفافة التي كانت تبرز جمال ساقيها. كم كنت متلهفا لرؤية ما تضم تحتها!.
ذلك النّهار وأنا أمسك بيدها معتصرًا أصابعها بقوة .. سألتها:
- ما رأيك في الذهاب للضّفة الثانية؟.
ابتسمت ولم ترد ..
أمسكت يدها لنعبر إلى الأرض الأخرى التي لم تطأها أقدامنا من قبل، لم يُغرس فيها جذر، لم تغرد في حدائقها العصافير. كانت ندية و مغرية لم تقاوم معولي، شعرها المنثور على العشب الأخضر أغراني بالحفر عميقًا، نهداها وهما يتقافزان منحاني القوة للحفر أكثر وأكثر حتى ملأت حبات العرق وجهي وجسدي. أغمضت عيني لأسمح لعبقها بالتّسرب عبر أنفي ليستقر في ذاكرتي حد اللحظة!.
كانت هذه معركتي الأولى في الحياة.
استسلمتُ لها رافعًا يدي في الهواء وحينما نالت مني وأسقطتني أرضًا، استيقظتُ، حلمتُ كأنني كنت أعومُ على ظهري في نهر كبير ونورسة صغيرة تصفق قرب رأسي تحاول حملي بعيدًا، لكن جناحها المكسور حال دون ذلك.. ملتُ نحوها برأسي. كانت تحدق في ساعة يدها، عراة كنا نحن الثلاثة، أنا وهي والوقت المسجون داخل الساعة!.
حينما وصلنا مفترق الطريق، قالت بينما إبهامها يتحسس ظاهر كفي:
- أنسَ ما حدث .. كان علينا خوض التجربة!.
الغريب أنني لم أنسَ ما حدث .. كيف أنسى قدر البدايات الجميلة ؟!.
كيف أنسى الرّسالة التي سقطت من فم الرب على نبضي فأينعتْ أحاسيسي وانتشتْ؟!.
أيتها المسافرة في أرض صباي، هل حقًا أنكِ أمامي الآن؟!.
خرجتْ من المقهى، كانت منشغلة برفع المظلة التي بدأ الماء يتساقط من أطرافها، تمعنتُ هذه المرة في ملامحها كما لم أفعل من قبل. قدمي تخطو صوبها بينما قلبي يردد ما نويت قوله لها: ليت كل النّهارات موعدي معكِ .. أجوب ردهات كيانكِ و إحساسكِ .. لم أعرف كيف ألملم ندى شوقي وهذيان رجولتي حينما افترقنا، كنت على شفا حب، لكن الآن أنا في لجته أغرق!.
بعد تجاوزي للمفاجأة، امتلأ أفقي بسيل من الأسئلة، كنت بحاجة لسماع المزيد من الأجوبة التي تتعلق بذلك اليوم، لكن غيابها داخل سيارة أجرة حال دون وقوعها!.
اختفت ثانية لتترك نهاري مبتورًا، ذاتي التي انفصلت للتو عنّي ما تزال ممسكة بتلابيب الماضي، أما أنا؛ وقفت وسط الشّارع أتساءل: هل من مصادفة أخرى تحرر الزّمن الباقي، لكن هذه المرة من ساعتي.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة قلب عاطل عن الحياة
- حلم أخضر .. حلم أزرق
- جيل الطيبين
- بين أبي وأمي
- إيلينا
- أنا وبلي
- السحب التي أمطرت ألمًا
- النخلة العاشقة
- الجدار
- خاصرة الورد
- أمي وذلك العشيق .. تبصر وإبصار بقلم الناقد إسماعيل إبراهيم ع ...
- هواجس
- يوم آخر .. يوم أخير
- هلوسات ندى
- معطف الغياب
- مطاردة من الماضي
- محطة وقود
- أين أختفى؟
- لم يقل لي أحبك
- خلوة كاتب أحمق


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - ركن في ساعة