|
ما ينبغي ل -حماس- قوله وفعله!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:46
المحور:
القضية الفلسطينية
إمَّا أن تتنازل "حماس" بما يسمح بتأليف حكومة فلسطينية جديدة يمكن أن ترى فيها اللجنة الرباعية الدولية ما يلبي شروطها ومطالبها لإنهاء "الحصار"، فينتفي، بالتالي، سبب "الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكِّرة" وإمَّا أن تقف من دعوة الرئيس عباس إلى تلك الانتخابات موقفا مختلفا، يتمكَّن الفلسطينيون به من اجتناب كارثة الحرب الأهلية.
"حماس" ما انفكَّت تُعلِن وتؤكِّد أنها مع خيار تأليف حكومة جديدة بالتوافق والاتفاق مع "فتح" في المقام الأول؛ ولكنها لم تتخلَ بعد عن وَهْم كبير ينطوي عليه هذا الخيار، فالرئيس عباس لا يستطيع أن يتنازل عن "حكومة في مقدورها فك الحصار"، فهو يريد لـ "حماس" أن تتنازل بما يسمح بتأليف حكومة فلسطينية جديدة يستطيع أن يُظْهِرها للجنة الرباعية الدولية على أنها مستوفية لشروطها (التي يفهمها أيضا على أنها التزامات فلسطينية) لإنهاء "الحصار".
على "حماس" أن تُدْرِك أنَّ أخذها واستمساكها بهذا الخيار لن ينجحا، إذا ما نجحا، إلا النجاح الذي يمكن أن يُفْهَم ويُفسَّر على النحو الآتي: لقد أيَّدت "حماس"، أخيرا، تأليف حكومة فلسطينية جديدة تلبي شروط ومطالب اللجنة الرباعية الدولية لإنهاء "الحصار".
إذا كانت "حماس" تحاول نجاحا غير هذا النجاح فإننا نقول لها إنَّ محاولتكَ لن تنجح، وسوف تُمنى بالفشل، فالحكومة الجديدة لن تقوم لها قائمة إذا لم تكن ثمرة تنازل من "حماس" يمكن أن يجعلها (أي تلك الحكومة) قادرة على فك "الحصار، فهل "حماس" قادرة على ابتلاع وهضم تلك العاقبة.. عاقبة أن يُقال في موقفها المحتمل هذا إنَّ الحركة ظلت على رفضها تلبية شروط ومطالب اللجنة الرباعية الدولية؛ ولكنها أيَّدت قيام حكومة فلسطينية جديدة تلبي تلك الشروط والمطالب؟!
هذا هو الخيار الأول بعواقبه، فما الموقف الذي يمكن أن تقفه "حماس" من الخيار الثاني.. خيار "الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكِّرة"؟ لقد قالت، حتى الآن، إنَّ دعوة الرئيس عباس إلى تلك الانتخابات "غير شرعية"، "غير مستوفية لشروطها الدستورية والقانونية"، "منافية للديمقراطية ولإرادة الشعب"، و"دعوة إلى الحرب الأهلية". هذا هو "الوصف" الذي لم يتحوَّل بعد إلى "موقف عملي".
ما نتمناه أولا هو أن تتخلى "حماس" عن هذا الوصف؛ لأنه، على بهتانه، يمكن أن يؤسِّس لـ "موقف عملي"، تُمْعِن نتائجه وعواقبه هدما في الوحدة القومية للشعب الفلسطيني. وما نتمناه، ثانيا، هو أن تؤيِّد "حماس" الدعوة إلى تلك الانتخابات، وأن تشارك فيها، بالتالي، ترشيحا وتصويتا.
أمَّا إذا شقَّ عليها أن تقف هذا الموقف فَلْتَقِف الموقف السلبي الذي تُجيزه المصلحة العليا للشعب الفلسطيني. وهذا الموقف إنما يقوم على دعوة أنصارها ومؤيِّديها إلى "المقاطعة السلمية" للانتخابات، فإذا شاركت فيها غالبية من يحق لهم الاقتراع التزمت "حماس"، قولا وفعلا، النتائج الانتخابية الجديدة، وعادت، بالتالي، إلى المعارضة السلمية من خارج المجلس التشريعي. وهذه "المقاطعة" لا تتعارض مع إظهار "حماس"، وسائر القوى السياسية الفلسطينية، الحرص على "السلامة الديمقراطية" للعملية الانتخابية.
وأحسب أنَّ خيار "المقاطعة السلمية" يمكن ويجب أن يتحدى "فتح" على النجاح في جعل الانتخابات مستوفية لشرط "مشاركة غالبية من يحق لهم الاقتراع فيها"، فشرعية نتائجها إنَّما تُسْتَمَد من ترجيح كفة "المشاركين" على كفة "المقاطعين".. ومن إظهار وتأكيد "السلامة الديمقراطية" للعملية الانتخابية.
"حماس" زعمت أنَّ الدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكِّرة تفتقر إلى "الشرعية"؛ وقد كان ينبغي لها أن تأتي بتلك الحجج الدستورية والقانونية التي تسمح بإجابة السؤال الآتي: متى، وكيف، تغدو الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكِّرة شرعية؟".
أولا، ينبغي لنا ألا نجادل في أنَّ الفلسطينيين قد يحتاجون إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكِّرة. إنهم يمكن أن يحتاجوا إلى ذلك، وهو أيضا حقٌّ لهم. وينبغي لنا، ثانيا، ألا نفهم تلك الانتخابات على أنها خيار، أو قرار، يمكن ويجب أن يكون ثمرة توافق واتفاق بين القوى السياسية، أو بين الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي.
ينبغي للهيئة القيادية التي تستوفي شروط إدِّعائها "التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني" أن تتمتع بحق وسلطة الدعوة إلى تلك الانتخابات. وبحسب معايير الشرعية الفلسطينية ليست الحكومة (أو رئيسها) وليس المجلس التشريعي يمكن أن تكون، أو أن يكون، في منزلة تلك الهيئة.
عباس في دعوته إنما يمثِّل رأس السلطة الفلسطينية ورأس منظمة التحرير الفلسطينية، فبعض من شرعيته مستمَد من "أوسلو"، وبعضه من "المنظمة"، التي، على سوء حالها، ما زالت الممثِّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
أمَّا القائلون بانتفاء شرعية دعوته فلا يستمدون شرعيتهم، من حيث المبدأ، ولو أبوا الاعتراف، إلا من "أوسلو"، فالسلطة الفلسطينية، رئاسةً وحكومةً ومجلساً تشريعياً، ولو انتخبها الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، ليست سوى جزءٍ من الواقع الذي أنشأته "أوسلو"، والذي تعدَّل بما لا يسمح بالنظر إليه على أنه مُنْتَج خالص لـ "أوسلو".
إنني لم أرَ سببا وجيها لعجز "حماس" و"فتح" عن أن يتَّفقا ليس على حل الأزمة، وإنما على "المَدْخل إلى حلها". كان ممكنا (وما زال) أن يتَّفقا على أن يظلا على خلافهما ونزاعهما، على أن يحتكما إلى الشعب، فما الذي كان يمنع من أن يتَّفِقا على "استفتاء شعبي"، يجيب عبره الشعب عن سؤال واحد فحسب هو الآتي: هل تؤيِّد تأليف حكومة فلسطينية جديدة تلبي شروط ومطالب "المجتمع الدولي"، أي اللجنة الرباعية الدولية، لفك الحصار؟ لو حدث ذلك لكان "الجواب الشعبي"، أكان بـ "نعم" أم بـ "لا"، خير مَدْخِل لحل الأزمة.
وأحسب أن السياسة الفلسطينية لديها من عيوب "التمثيل"، ومن عيوب "شرعيته"، ما يجعلها في حاجة دائمة إلى "الاستفتاء الشعبي"، حلا، أو مَدْخلا للحل. وهذا الاستفتاء يجب أن يكون سيفا مسلطا على رؤوس المتحاورين والمتفاوضين فإمَّا أن يتَّفقوا وإمَّا أن يحتكموا إلى الشعب، فالاستفتاء الشعبي يظل، إذا ما كان شرا، أهون الشرين، أي أهون كثيرا من نزاع يمكن أن يتمخَّض استعصاء حله على أيدي المتحاورين والمتفاوضين، عن حرب أهلية، أو عن إلحاق ضرر كبير بالمصالح العامة والعليا للفلسطينيين.
أمَّا إذا أرادوا اجتناب "شر" الاستفتاء الشعبي فعليهم أن يتَّفقوا على إنشاء مجلس تمثيلي عام، أي يمثِّل (برلمانيا) الشعب الفلسطيني بأسره، فتنبثق منه من الهيئات القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية ما ينهي كل تشكيك في شرعية ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني.
وليس بالأمر المستحيل أو المتعذِّر أن يأتي إنشاء هذا المجلس مستوفيا لشروط ومبادئ التمثيل الديمقراطي الممكن واقعيا، فالطرائق والأساليب والوسائل كثيرة إذا ما أظهروا إرادة سياسية حقيقية.
وإلى أن يسيروا في هذه الطريق فلا خيار لهم إلا خيار التنازل.. خيار أن يتنازلوا جميعا، بما يجنِّب الفلسطينيين شرين: شر استمرار الحصار، وشر الحرب الأهلية.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-المقارَنة- و-التعريف-
-
بعد خطاب عباس!
-
قبل خطاب عباس!
-
الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف -المادة-
-
وللعرب سياسة -الوضوح اللانووي-!
-
ما قبل -الخيار الشمشوني-!
-
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. حديث خرافة وكذب!
-
-تقرير- اختصر الطريق إلى جهنم!
-
اقتراح هوكينج لتدارُك خطر زوال البشر!
-
-حماس- و-فتح-.. لِمَ لا تسيران في خطين متوازيين؟!
-
هذا الانقسام خير من تلك الوحدة!
-
عنقاء جديدة تسمى -المواطَنة-!
-
قبل أن يغدو المُدخِّن مارقا من الدين!
-
الأزمات والحلول تتشابك خيوطا!
-
هذا العمى السياسي!
-
-التسارع- و-التباطؤ- في -التطوُّر الكوني-
-
هل يجرؤ بوش على أن يكون برغماتيا؟!
-
الفلسطينيون يصنعون نجاحا جديدا!
-
هذا -التسييس- ل -الحجاب-!
-
صحافة جيفرسون أم صحافة همبولت؟!
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|