أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - هاني عبيد - استراتيجيات الدول الكبرى في فلسطين عشية قرار التقسيم















المزيد.....

استراتيجيات الدول الكبرى في فلسطين عشية قرار التقسيم


هاني عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8060 - 2024 / 8 / 5 - 13:06
المحور: القضية الفلسطينية
    


تصارعت في فلسطين عشية قرار التقسيم استرتيجيات ثلاث دول كبرى وهي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية والإتحاد السوفياتي، وهي الدول التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية. وكان لكل منهم أهداف محددة ونظرة جيوسياسية للمنطقة تختلف كل واحدة عن الأخرى إنسجاماً مع مصلحة كل دولة.
بالنسبة إلى بريطانية فقد خرجت منتصرة ولكن مدينة بمبالغ ضخمة حيث زادت الديون بشكل كبير نتيجة تكاليف الحرب (بلغ الدين البريطاني بعد الحرب نحو 21 مليار جنيه استرليني وشكل هذا الرقم 400% من الناتج القومي لبريطانية) ،هذا إضافة إلى التضخم والبطالة حيث قلّت الوظائف. ولمعالجة هذا الوضع اضطرت إلى تأميم الصناعات الأساسية مثل الفحم والسكك الحديدية للسيطرة على الإقتصاد. كانت بريطانية تتكبد مصاريف باهظة للقوات البريطانية المنتشرة في المستعمرات، وبالتالي أخذت تبحث عن وسائل لتخفيف مثل هذه المصاريف، وكانت فلسطين هي الحمل الذي أرادت التخلص منه بسبب الأوضاع الداخلية المتردية بين العرب واليهود، حيث أن حفظ الأمن أصبح يرهق ميزانيتها ولا فائدة إستراتيجية من البقاء فيها.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فكان إهتمامها كان موجهاً نحو النفط العربي الذي بدأت الشركات الأمريكية بالتنافس للحصول على إمتيازات التنقيب عنه وإستغلاله. وفي هذا المجال إمتزجت السياسة بالمصالح النفطية. فمثلاً، فإن وليم إدي والذي كان مسؤولاً عن الإدارة الحكومية للمعلومات الإستخباراتية والذي أصبح لاحقاً السفير الأمريكي في السعودية كان لا يخفي تعاطفه مع العرب وهذا يفسر أنه أصبح بعد تقاعده مستشاراً لشركة أرامكو السعودية. ومثال آخر هو كيرمت روزفلت حفيد الرئيس الأمريكي والذي أصبح بعد تقاعده نائب رئيس شركة جلف أويل.
أدى الإهتمام بالسيطرة على نفط الخليج إلى إنقسام في الإدارة الأمريكية حول دعم الحركة الصهيونية بإنشاء دولة في فلسطين. كان الفريق الأول من أنصار مراعاة مصالح الولايات المتحدة ويقف على رأسه وزير الخارجية جورج مارشال ووزير البحرية جيمس فوريستال James Forestal (1944-1947) والذي أصبح وزير الدفاع في عام 1947 عندما تم إنشاء وزارة للدقاع في أمريكا.
كانت المشاعر في الولايات المتحدة الأمريكية غير متعاطفة مع القضية اليهودية، ففي الصحافة جرت حملة معادية للسامية بقيادة هنري فورد والذي قام بطبع وتوزيع برتوكلات حكماء صهيون في جميع أنحاء أمريكا.
كذلك تعززت المشاعر المعادية لليهود عندما تم اتهام عشرة من هوليود في عام 1947م بأنشطة معادية لأمريكا، حيث أن ثمانية من بينهم كانوا يهوداً اتهموا بالدعاية للشيوعية، وقد لعب الأصل اليهودي دوراً في هذه الإتهامات. لذلك كان هناك صراع ضد الكوزموبوليتيانية التي غالباً ما تجسدت في تصرفات اليهود الذين لم يكن لديهم وطن صغير خاص بهم تاريخياً مما جعلهم إلى حد ما يشبهون المانيا التي كانت محل الصراع في كل من أمريكا والإتحاد السوفياتي، ولذلك برز الصراع بين الإحتكارات النفطية والمؤسسات المالية اليهودية.
كانت أمريكا متشددة بالنسبة لمنح اليهود تأشيرات دخول إلى أراضيها حيث أن قوانين الهجرة التي أقرّت بعد الركود الإقتصادي الكبير في عام 1929م كانت متشددة جداً بالنسبة لكل المهاجرين. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية عمل ترومان على تخفيف قيود هجرة المتشردين حيث أصدر أمراً في كانون أول عام 1945م حول هذا الموضوع وبالتالي دخل 16 ألف يهودي الولايات النتحدة ما بين عام 1946 و 1948م، وبإقرار قانون المشردين داخلياً عام 1948م منحت السلطات الأمريكية حوالي 400 ألف تأشيرة دخول إضافة إلى حصة الهجرة السنوية وكان 80 ألف من تلك التأشيرات من نصيب اليهود.
في ظل هذا التنافس برز الإتحاد السوفياتي كقوة منتصرة في الحرب وبدأ في فرض رؤيته على عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. في البداية لم يكن الشرق الأوسط في دائرة إهتمام ستالين حيث كان إهتمامه موجهاً نحو الصين والهند واليابان في أقصى الشرق ونحو تركيا وإيران وأفغانستان في الدائرة الإسلامية.
كان ستالين يدرك مرامي السياسة البريطانية وإن التحالف الذي تم معها هو سياسة مؤقتة ولكنه لا يريد أن يكون البادئ في تحطيم هذه التحالف. ففي ربيع عام 1945م سرت شائعات بأن تشرشل قام بتحضير خطة تكمن في إرسال 12 فرقة من الألمان المحتجزين في بريطانية للقتال ضد الإتحاد السوفياتي وقد وصف البعض هذه الخطة "بعملية لا يمكن تصورها" Unthinkable operation ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ والبعض ينفي وجودها. إضافة إلى ذلك، لم ينس ستالين الموقف الذي اتخذته الحكومتان الفرنسية والإنجليزية برفض منح لينين حق المرور الذي طلبه للذهاب إلى بتروغراد عشية الثورة البلشفية حيث صرح تشرشل وقتها "علينا أن نمنع جرثومة الطاعون هذه من الوصول إلى روسيا".
كل هذه المخاوف من السياسة البريطانية تم تأكيدها في يوم 5 مارس 1946م عندما ألقى تشرشل خطاباً في فالتون ميزوري في الولايات المتحدة الأمريكية حيث وصف فيه ما كان يراه ستاراً حديدياً قد نزل على أوروبة مشيراً إلى التوتر المتزايد بين الإتحاد السوفياتي والدول الغربية"، وعاد تشرشل ليؤكد نظرته هذه في الرسالة التي وجهها إلى الرئيس ترومان في 12 أيار 1945م حيث كتب "هبط الستار الحديدي على جبهتهم، لا ندري ماذا يحدث". وأعتبر هذا بداية الحرب الباردة بين الإتحاد السوفياتي والغرب.
من هنا بدأ ستالين يركز في السياسة الخارجية على كيفية محارية النفوذ البريطاني في العالم ومحاولة زعزعة هذه الأمبراطورية التي كانت الشمس لا تغيب عن ممتلكاتها.
جاءت المشكلة الفلسطينية كثمرة جاهزة لمن يقطفها. وهنا برز دور ستالين في توجيه السياسة الخارجية السوفياتية بالنسبة للمشكلة الفلسطينية بحيث تتوائم مواقف الدولة السوفياتية مع مصالحها واستغلال اليهود لتحقيق هذه الأهداف.
حاولنا في مقالات سابقة (أنظرالحوار المتمدن) أن نبين الأسباب التي دفعت الإتحاد السوفياتي إلى تأييد قرار التقسيم والإعتراف بدولة إسرائيل. وفي هذا المقال سنستعرض السياسة التي إتبعها ستالين في هذه القضية والأهداف التي كان يسعى لتحقيقها.
بداية نقول أن السياسة الخارجية للإتحاد السوفياتي كانت بشكل مطلق بيد ستالين ويتم تنفيذها بواسطة وزير الخارجية مولوتوف الذي يصدر تعليماته وتوجيهاته بناءاً عل أوامر ستالين إلى البعثات الدبلوماسية وممثلي الدولة السوفياتية في الخارج.
كان مطروحاً على بساط البحث في السنوات الللاحقة لصدور وعد بلفور هو مشروع الحركة الصهيونية الذي يهدف إلى إنشاء وطن قومي لليهود في كل فلسطين، وقد عارض الإتحاد السوفياتي هذا المشروع على إعتبار أنه جزء من إتفاقية سايكس بيكو.
اعتبر منظرو ومفكرو الحركة الماركسية الصهيونية حركة رجعية وأداة من أدوات الإستعمار والأمبريالية وقد جاءت الثورة البلشفية وحلت المشكلة القومية واعتبرت جميع المواطنين ومن ضمنهم اليهود متساويين في الحقوق والواجبات. وفي هذا الصدد يقول الأكاديمي بونتر ياغين أنه في عام 1942م كان 98% من خريجي كلية الفيزياء في جامعة موسكو من اليهود وشكّل طلبة الدراسات العليا اليهود 39% من المقبولين في الجامعات، وهذا يدل على نفي أي إضطهاد لليهود في الإتحاد السوفياتي. وبرغم هذه الإنجازات التي حققتها الثورة لليهود الا أن الحركة الصهيونية كانت تعتقد أن هذه الأحوال مؤقتة ولا بد أن يعود التمييز ضد اليهود في روسيا.
حاولت الحركة الصهيونية مبكراً الإتصال بالإتحاد السوفياتي وفتح القنوات معه. ففي آب 1923م وصل بن غوريون إلى موسكو للإشتراك في معرض زراعي كممثل لإتحاد عمال فلسطين، وكانت آراؤه في ذلك الوقت تمثل الأفكار الإشتراكية والصهيونية المثالية. كان بن غوريون يحاول أن يترك انطباعاً عن نفسه بأنه يهدف إلى إنشاء وطن إشتراكي في الشرق الأوسط ويدعي أنه يلشفياً ويحترم أعمال لينين.
لعب السفير السوفياتي في لندن إيفان ميخائيلوفيتش مايسكي دوراً في الإتصالات مع الحركة الصهيونية. كان مايسكي دبلوماسياً محترفاً يتقن عدة لغات. بدأ حياته مع المجموعات الإشتراكية الديموقراطية وبسببها فصل من جامعة سانت بطرسبورغ في عام 1902م ونُفي إلى سيبيريا. وعند إندلاع الثورة الروسية الأولى إنضم إلى المناشفة واعتقل ثانية في عام 1906م ونُفي أيضاً إلى سيبيريا. سافر إلى ألمانيا في عام 1908م وتخرج من كلية الإقتصاد في جامعة ميونيخ في عام 1912م حيث سافر بعدها إلى لندن. تعرف في لندن إلى مكسيم مكسيموفيتش لتفينوف والذي أصبح لاحقاً وزير خارجية الإتحاد السوفياتي وكان ذلك بداية عمله الحزبي حيث تم تعينه مسوؤلاً عن ميزانية الحزب ولاحقاً أصبح يشرف على إرسال الأسلحة إلى روسيا. في عام 1918 عاد إلى مدينة سمارا في روسيا حيث أصبح وزيراً في هذه المدينة وبعدها في عام 1921 أنضم إلى الحزب البولشفي وأُرسل إلى لندن مستشاراً في عام 1925. وعندما قطعت بريطانتيا علاقتها الدبلوماسية مع الإتحاد السوفياتي في عام 1927 عاد إلى روسيا حيث خدم لاحقاً في طوكيو وفنلندا. عُين في عام 1941 سفيراً فوق العادة في لندن بعد أن أصبح مرشحاً في اللجنة المركزية للحزب. من هنا نستنتج أن مايسكي كان يحوز على ثقة ستالين ولذلك أدركت الحركة الصهيونية أهمية الإتصال مع الحكومة السوفياتية عن طريق السفير مايسكي، وهذا ما تم.
في الثالث من شهر شباط عام 1941م طرق باب السفارة السوفياتية في لندن حاييم وايزمن – رئيس المنظمة الصهيونية العالمية. لاحقاً كتب السفير إلى موسكو بأن وايزمن يستفسر عن إمكانية أن يقوم الإتحاد السوفياتي باستيراد البرتقال من اليهود في فلسطين مقابل الفرو الروسي الشهير والذي يمكن لاحقاً تسويقه في أمريكا بواسطة الشركات اليهودية (كانت المستعمرات اليهودية تنتج كميات كبيرة من البرتقال، وقد قُدّر إنتاج فلسطين في عام 1941م بخمسة عشر مليون صندوق أنتجت المستعمرات حوالي اثنا عشر مليون
صندوقاً). لقد ترك وايزمن إتطباعاً جيداً لدى السفير وظهر ذلك جلياً من الرسالة التي وجهها السفير إلى موسكو.
وبعد شهر أي في الثاني من آذار قام وايزمن بزيارة السفير مايسكي ثانية والآن اصبح الحديث يتخذ الطابع السياسي وهدف الحركة الصهيونية في إيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين وأصبح ضرورياً تقوية العلاقات مع الإتحاد السوفياتي مقترحاً تجاوز الأفكار السابقة عن الصهيونية.
أصبحت لندن مع بداية الحرب العالمية الثانية مركزاً مهماً من مراكز صنع القرارات المتعلقة بالحرب، وهنا زار وايزمن السفير مايسكي معرباً له عن تقديره للنداء الذي وجهه يهود الإتحاد السوفياتي إلى يهود العالم لتوحيد جهودهم في مقاومة النازية، واستفسر منه عن إمكانية إرسال برقية في هذا المعنى للحكومة السوفياتية عن طريقه ولكنه متخوف من هذه الخطوة بالنظر إلى موقف موسكومن الحركة الصهيونية. فشجعه السفير مايسكي على إرسال البرقية مباشرة.
وفي آب من عام 1941 زار السكرتير الأول في السفارة السوفياتية في أنقرة سيرغي سيرغييفتش ميخائيلوف والملحق الصحفي في السفارة نيكولاي أندرييفتش بيترنكو فلسطين للإطلاع على أحوال اليهود وذهلوا من الإنجازات التي حققها اليهود في المجلات الزراعية والصناعية.
زار بن غوريون في 9 اكتوبر 1941 السفارة السوفياتية في لندن وسأل السفير كيف يمكن لليهود مساعدة الإتحاد السوفياتي، فأجابه أن الحركة الصهيونية يمكنها الضغط على الولايات المتحدة لتزويد روسيا بالطائرات والدبابات والذخائر ووعده بن غوريون بالعمل في هذا الإتجاه.
وهكذا نجد أن الحرب التي يخوضها الإتحاد السوفياتي كانت الدافع الأكبر لتحسن علاقات الإتحاد السوفياتي مع اليهود وحركتهم الصهيونية.
أدرك ستالين في ظل أجواء الحرب أن يهود أمريكا يمكن أن يلعبوا دوراً كبيراً في التأثير على واشنطن لإرسال مساعدات عسكرية إلى روسيا ودفعها للإشتراك في الحرب، ولهذا الغرض تم في موسكو تأسيس اللجنة اليهودية لمحاربة الفاشية وقدمت الحركة الصهيونية مساعدات مالية للحكومة السوفياتية بقيمة 45 مليون دولار (تعادل الآن حوالي 927 مليون دولار).
كانت سياسة ستالين أثناء الحرب تكمن في الإستفادة القصوى من اليهود في العالم وخاصة الموجودين في الولايات المتحدة الأمريكية لدعم الجهد العسكري السوفياتي في مواجهة المانيا وحلفائها عن طريق استخدام يهود الإتحاد السوفياتي، وقد نجحت جهوده في هذا المجال.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حدث صدع في علاقة الحلفاء مع الإتحاد السوفياتي وبدأت بوادر الحرب الباردة تلوح في الأفق، وانعكس هذا على العلاقة التي أصبحت متوترة.
كانت كل الملفات والقضايا التي طرحت للنقاش موضع خلاف بين الدول المنتصرة. مثال ذلك موضوع ليبيا حيت طالب الإتحاد السوفياتي بإدارة منطقة طرابلس ولم يتم الإتفاق على هذه النقطة، وظلت قضية ليبيا معلقة حتى انتقلت مهمة تحديد مصير المستعمرات الإيطالية إلى الجمعية العامة في 15 ايلول 1948م.
وعندما تم بحث إنشاء الأمم المتحدة في سان فرنسيسكو طلب ستالين أن تكون جمهوريات الإتحاد السوفياتي جميعها (عددها ست عشرة جمهورية) أعضاء مؤسسين، فكان رد روزفلت بأن الولايات المتحدة تطلب أن تكون الولايات الثمان والآربعين التي تشكل الولايات المتحدة أيضاً أعضاء. ولحل هذا الخلاف وافق الإتحاد السوفياتي على انضمام اوكرانيا وروسيا البيضاء فقط.
كم ذكرنا سابقاً، بدأت بريطانية بعد الحرب بالتفكير في وضع قواتها في فلسطين وخاصة أنها هيأت المسرح للحركة الصهيونية لإنشاء كيان لليهود، وبدأت بالتمهيد لتقرير مصير فلسطين عن طريق الأمم المتحدة. استغل ستالين الأوضاع في فلسطين لخلق مشاكل لبريطانية عن طريق دعم وتأييد إنشاء وطن قومي، وخاصة أن العالم العربي لم يكن في حسبانه بسبب وقوع دوله تحت النفوذ البريطاني والفرنسي، وبالتالي فإن المنفذ الوحيد هو استغلال اليهود في فلسطين لتنفيذ سياسته ضد بريطانية. ويذكر نبيه ارشيدات في مذكراته عن حمدي الحسيني الذي قابل ستالين في عام 1930م في مؤتمر مقاومة الإستعمار والذي إنعقد في موسكو عن الخطر الرئيسي على حركة التحرر الوطني العربية أنه قال: الرشوة والفساد.
لم تتبلور سياسة سوفياتية واضحة تجاه القضية الفلسطينية حتى عام 1947م وهذا يُستدل من المذكرة التي وجهها في 6 آذار 1947م مستشار وزارة الخارجية السوفياتية بوريس يفغينوفيتش شتين إلى النائب الأول لوزير الخارجية السوفياتي فيشينسكي حول الموضوع الفلسطيني جاء فيها: "لم يبلور الإتحاد السوفياتي في الوقت الحاضر موقفه حول المسألة الفلسطينية، وبمناسبة مناقشة هذا الموضوع في الأمم المتحدة فإن بلورة موقف الإتحاد السوفياتي يعتبر ضرورياً".
ونذكر هنا أن ستالين كان قد استلم في يناير 1946م رسالتين، الأولى من منظمات يهودية والثانية من العرب حول موضوع إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. كان العرب في هذه الفترة يسعون للحصول على دعم دولي لمنع إقامة دولة يهودية في فلسطين.
قبل أن يتبلور موقف الإتحاد السوفياتي بدعم قرار التقسيم اقترح إنشاء دولة ديمقراطية واحدة للعرب واليهود، ثم عاد وطرح فكرة وضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة لمدة عشر سنوات.
وفي النهاية وبناءاً على تعليمات ستالين أيد ودعم الإتحاد السوفياتي قرار تقسيم فلسطين، وقد لخص أندريه غروميكو ممثل الإتحاد السوفياتي في هيئة الأمم هذا الموقف الواضح في خطابه يوم 28/11/1947 عشية التصويت على القرار حيث ذكر بوضوح:
"جوهر المشكلة يكمن في حق مئات الآلاف من اليهود وكذلك العرب الذين يعيشون في فلسطين في العيش في ظروف السلام والإستقلال في دولهم الخاصة. يجب أخذ معاناة الشعب اليهودي بعن الأعتبار، حيث لم تتمكن أي من دول غرب أوروبا من مساعدته خلال فترة صراعه مع الهتلرية وحلفاء هتلر في الدفاع عن حقوقه ووجوده. يجب على الأمم المتحدة أن تساعد كل شعب في الحصول على حقه في الإستقلال وتقرير المصير".
ثم يتابع غروميكو قائلاً: "تجربة دراسة مسألة فلسطين أظهرت أن اليهود والعرب في فلسطين لا يرغبون أو لا يستطيعون العيش معاً. من هنا جاء الإستنتاج المنطقي: إذا كان هذان الشعبان اللذان يسكنان فلسطين ولديهما جذوز تاريخية عميقة في هذه البلاد، لا يمكنها العيش معاً ضمن دولة واحدة، فلا بد من لإنشاء دولتين بدلاً من دولة واحدة – دولة عربية ودولة يهودية وفقاً لرأي الوفد السوفياتي. فلا يمكن تصور أي خيار عملي آخر".
وعندما طرح قرار التقسيم للتصويت صوت الإتحاد السوفياتي والدول التي تسير في فلكه وهي: روسيا البيضاء وأوكرانيا وبولندا وتشيوسلوفاكيا (خمسة أصوات) مع قرار التقسيم.
سبب تأييد الإتحاد السوفياتي لقرار التقسيم بلبلة في الحركة الشيوعية العربية (الأحزاب الشيوعية في سوريا ولبنان وعصبة الأمم)، حيث سارعت بتغيير موقفها والإلتزام بموقف موسكو وهذا ليس مجال بحثنا هنا.
استغلت الدوائر الإستعمارية والنخب العربية المرتبطة بها تأييد الإتحاد السوفياتي لقرار التقسيم لتشويه المواقف السياسية لهذه الدولة دون محاولة فهم سياسات الدول وارتباطها مع مصالحها. كما ذكرنا سابقاً كانت سياسة الإتحاد السوفياتي بالنسبة للقضية الفلسطينية مرتبطة بمصلحة الدولة السوفياتية وسياستها الخارجية المبنية على محاربة النفوذ البريطاني أينما كان. ومن هذا المنطلق وافق الإتحاد السوفياتي لتشكوسلوفاكيا على بيع الأسلحة للمنظمات الصهيونية لأن ذلك يصب في مصلحته.
سيبقى قرار التقسيم – تأيده أو رفضه - موضوعاً خلافياً إعتماداً على الخلفية السياسية والفكرية حوله، ولكنه يبقى فراراً مجحفاً بحق الشعب الفلسطيني لأنه اقتطع جزءاً من أرضه لحل مشكلة اليهود في الغرب الذي حاول التخلص منهم ومن عقدة الذنب تجاههم.



#هاني_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هزال النظرية الإفتصادية
- سبعون عاماً على النكبة
- تأسيس الجامعات
- شواهد مسيحية في اليمن
- مسيحيون وليس نصارى
- جامعة سالرنو الطبية
- السريان ودورهم الحضاري في التاريخ
- العودة إلى قرار التقسيم
- التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل
- التاريخ المنسي - الولايات المتحدة الأمريكية - 8
- التاريخ المنسي - دور بريطانيا - 7
- تاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل. صفقات الأسل ...
- التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، ستالين وف ...
- التاريخ المنسي. قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل. موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل- موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي- قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي-قرار التقسيم وإنشاء إسرائيل. موقف الاتحاد الس ...
- نظرات في علم الهندسة عند الأغريق
- ذكريات - 3 مذكرات أندريه غروميكو
- ذكريات -2 مذكرات أندريه غروميكو


المزيد.....




- وجهة يونانية تُلقب بـ-جزيرة إنستغرام- لجمالها تعاني من أسوأ ...
- مظاهرات حاشدة وعنف وقتلى واستقالة وهروب الشيخة حسينة... إلى ...
- أستراليا: رفع مستوى التهديد الإرهابي على خلفية تصاعد التوتر ...
- خسائر بمليارات الدولارات.. إسرائيل بدأت بدفع تكاليف الهجوم ا ...
- الاتحاد الأوروبي ينضم الى الدول الرافضة الاعتراف بفوز مادورو ...
- برلين تطلب من جميع الأطراف في الشرق الأوسط -ضبط النفس-
- لبنان وروسيا.. 80 عاما من العلاقات
- المحتجون يحطمون تمثال مجيب الرحمن والد الشيخة حسينة في بنغلا ...
- بركان إتنا في جزيرة صقلية الإيطالية يقذف حممه
- الجيش الإسرائيلي: لا تغيير في سياسة دفاع الجبهة الداخلية


المزيد.....

- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - هاني عبيد - استراتيجيات الدول الكبرى في فلسطين عشية قرار التقسيم