غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمريكا والمشهد العربي .
ـ1ـ
الذبح اليومي للمواطن العراقي وما يدور في لبنان وفلسطين والمحكمة الدولية وتقرير بيكر ـ هاملتون حول ألوضاع في المنطقة والعراق تحديدا , انهالت علينا سلسلة من المقالات والكتابات التي تحاول إعادة التاريخ إلى نقطة البدء . إلى عام 1990 اللحظة الأخيرة قبل سقوط السوفييت . حيث النظام الرسمي العربي قابض على عنق هذه المجتمعات بطريقة مرعبة . رغم كل هذا الدم وهذا التزوير الذي يمارس على وعي المواطن العربي دعونا نأخذ نفسا عميقا ونحاول أن نتبين بعضا من مؤشرات . ضاعت في هذه الزحمة , وانبرى لهذا الضياع من ينظر للعودة إلى الديكتاتورية في صيغة احتجاجية ربما أو عن قناعة ــ الدكتور فيصل قاسم في مقالته عن حاجة لبنان والعراق إلى ديكتاتور ـ وغيره الكثيرين ولكن الدكتور فيصل قاسم كان أوضح منهم جميعا وهذه ميزة نحترمها في الرجل مهما علا صراخه أو صراخهم . ورد عليه كثير من الكتاب العرب والغريب أن الكثير من الردود جاءت أيضا على قاعدة فيها من التضليل الكثير . وهي القاعدة التي تضع التجربة العربية بعد عام 1990 خارج سياقها التاريخي هذا . اليوم التجربة الأمريكية في العراق تتعرض لأبشع هجوم تلقته منذ قبل تحريرها للكويت . من قبل غالبية النسق الثقافي والسياسي العربي .
لا شك بالمطلق أن غباء السياسة الأمريكية في العراق قد عقد الوضع العراقي وأدى فيما أدى إلى هذا الانفلات الجهنمي للوضع الأمني وبات الدم العراقي أرخص من عشرة دولارات ثمن أي قطعة سلاح فردي يمكن شراؤها . أو عشرات الأطنان من التي أن تي . بحجة صيد السمك بطريقة غير مشروعة ! كل هذا متوفر في السوق السوداء الأقليمية والعراقية والدولية . وبهذا أمريكا والدول الكبرى تتحمل في ذلك مسؤولية أضافية . وكما هو معلوم فالسلاح الفردي قد انتشرت معامله المرخص منها وغير المرخص في أصقاع هذه المعمورة . حتى أنه قيل لنا أن في سورية لا يتعدى ثمن بارودة كلاشنكوف أكثر من خمسة وعشرين دولارا أمريكيا . كنا قد كتبنا سلسلة مقالات عن الوضع العراقي , فإذا كانت أمريكا تتحمل جزءا ليس يسيرا من هذا الانفلات فإن السبب الرئيسي يكمن بالضبط كما بينا في مخلفات الديكتاتور نفسه وإرادة سلطته . هنا تكمن الأشكالية والأسباب . هذا الديكتاتور الذي سمح لنفسه أن يقبض عليه كجرذ في مخبأه . ولكننا هنا لن نعود إلى هذا الموضوع كثيرا . بل أننا لو استعرضنا بعضا من المشهد العربي الرسمي والمعارض لوجدنا التالي :
المجتمعات العربية برمتها ــ ماعدا ليبيا وسورية ومع ذلك لهما وضعا خاصا ــ دخلت طورا دعنا نسميه الديمقراطية الشكلية . ولكن هذه الديمقراطية الشكلية قد نسفت أي أساس لقيام نظام ديكتاتوري من جديد في معطم البلدان العربية . وكأننا أمام قطيعة تاريخية ــ نظريا على الأقل ــ مع قيام ديكتاتوريات جديدة في المنطقة . وهذا المشهد من المغرب إلى الجزائر مرورا بتونس ومصر والسودان ودول الخليج ــ واليوم تجري انتخابات لأول مرة في تاريخ الأمارات العربية المتحدة ـ والأردن .. وحتى السعودية والتي يجب أن يفرد المرء بحثا خاصا عن مجمل التحولات التي تجري في المجتمع السعودي ــ ولم يتبق على هذا الصعيد الشكلي ــ رغم أنه ليس شكليا تماما بل بات في العمق المغرب الجزائر واليمن ومصر والكويت ــ خارج السرب سوى سورية وليبيا . وتعالوا لنضم إيران لهذا الجو الأستثنائي لكونها أصبحت ماشاء الله متحدثة رسمية باسم الوجه العربي للصراع العربي الإسرائيلي ! ولو عدنا بعد هذا إلى أن التحولات الديمقراطية منذ بداياتها في تاريخ البشرية عبر المجتمع الأوروبي وكيف بدأت مبادئها تتعمم لو وجدنا أن أنها أكبر تحولات عرفتها البشرية بما هي تحولات رسالة وضعية جاءت مشفوعة بالدم والعرق والتغيير المنهجي للوعي الإنساني .
هذه الرسالة الديمقراطية التي أصبحت رسالة لكل البشر مهما تلونوا . ولا أحد قادر على التنازل عنها . حتى أنها تحولت إلى نموذج ــ للمستحيل التفكير في التخلي عنه لدى غالبية مجتمعات البشرية ــ في المغرب شهد لهذه التحولات الديمقراطية القاصي والداني في الجزائر أيضا , وفي اليمن حتى هذه الدولة الفقيرة , وانبثاق مجتمعات مدنية حقيقية بكل تلاوينها وتياراتها . كما أننا نجد في المجتمعات الخليجية الآن نويات باتت أكثر صلابة لمجتمعات مدنية حقيقية . وحرية رأي وإعلام , وأحزاب وانتخابات فيها من تداول السلطة الكثير . ولكنه ليس الطموح بالتأكيد . حتى السيد الرئيس حسني مبارك نقول حتى إصراره على توريث نجله فهذا التوريث يأتي هذه المرة ليس عبر توريث ابن إله . بل عبر توريث مشروع مجتمعي قابل للخسارة والربح , لأن السيد جمال مبارك لا يحمل في برنامجه السياسي الذي يدور فيه على قطاعات الشعب المصري رسالة في هزيمة إسرائيل أو التصدي للمشروع الغربي أو أنه الضامن لخصوصيات هذه الأمة الثقافية والحضارية ــ لا نعرف عن أية خصوصيات حضارية يتحدث هؤلاء الناطقون باسم هذه الخصوصيات ! نعتقد أنها خصوصيات بقاء صدام حسين في السلطة أو بشار الأسد أو غيرهم . لأنها أي هذه الخصوصيات لا تندرج في سياق أن هذه الشعوب لا يمكن لها أن تكون ديمقراطية كبقية شعوب الأرض بل هي خصوصيات تتعلق بتلاوين مجتمعاتها المدنية المقموعة وهذا موجود منه في كل مجتمعات الأرض .
إذن إلى جانب هذه التحولات التي جرت في معظم البلدان العربية توجد مأساة الشعب العراقي والفلسطيني . ولو نظرنا للمشهد بدرجة من الحيادية نجد أن التحولات الإيجابية هي الأكثر بروزا وقوة وفعلا . بعيدا عن صخب الإعلام العربي في المجازر العراقية والفلسطينية . هذه المجازر التي تحركها ثقافة بقايا الديكتاتوريات والنظم المستبدة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية وفلوسها التي نهبتها من دم هذه الشعوب وبتواطئ إسرائيلي واضح . هذا المشهد الديمقراطي في تحولاته البنيوية سببه أن الغرب عموما وأمريكا خصوصا هي من مارست العمل الحقيقي من أجل قيام هذه التحولات بعد سقوط السوفييت . وإلا ما معنى أن نصل إلى درجة يصرح بها الرئيس السوري في مقابلة تلفزيونية : أن من يطالب به الأوروبيون سيبقى في السجن ــ يقصد ميشيل كيلو وبقية المعتقلين السوريين في سجونه ــ ؟
أنه تزوير للتاريخ ألا نرى فضل الغرب في قيام هذه التحولات . وإلا ماذا يختلف الملك المغربي مثلا عن غيره ؟ أو تونس ..الخ ونفس المثال :
هذا هو الرئيس السوري يعلن أن الديمقراطية الغربية لاتصلح عندنا ويرفض القيام بأية إصلاحات سياسية ومع ذلك لم تستطع المعارضة السورية أو حتى الضغط الدولي أن ينتزع منه بعض الإصلاحات . ولهذا بالطبع أسبابه الكثيرة ولكن نحن نرى الفارق المهم الذي تولد بين إرادة السلطة في اليمن في القيام بهذه التحولات وبين إرادة السلطة في ليبيا أو سورية :
فهل الشعب اليمني قادر على ممارسة الديمقراطية أكثر من الشعب السوري ؟ إنه من السذاجة أو الخبث لا ندري ألا نرى من الوجه الغربي في سياساته داخل المنطقة سوى ما حدث في العراق .
فهذا يساهم في تضليل المواطن العربي وخصوصا الذي لازال قابعا تحت نير الاستبداد في سورية وليبيا .
دعونا للحظة نبتعد عن الجو العراقي ونرى المشهد العربي من هذه الزاوية فماذا نرى ؟
وهذا ما سنتركه لمقالات لاحقة ..
يتبع ...
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟