فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري
(Fayad Fakheraldeen)
الحوار المتمدن-العدد: 1769 - 2006 / 12 / 19 - 10:35
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كثيراً ما تشبه المدن.. النساء!!..
فتنة المدن ومتاهاتها.. أسرارها البعيدة، ذاكرتها الغنية المفعمة بالعشاق والحكايات والفرسان..
قلب المدينة الكبير.. أحزانه وأفراحه.. رغباته الدفينة ورسائله الزرقاء..
بيروت وبغداد.. أجمل نساء الشرق، بكل غموضه وتناقضاته وانفعالاته التي تجافي حماقات المنطق التكتيكي وحسابات الغرف المقفلة.. والمصالح العابرة..ومشاريع الأمم والدول الكبرى القائمة على احتمالات البورصة وأسعار الذهب والنفط والدولار..
المدينة مثل المرأة.. تركع تحت أقدام فارسها عشقاً.. تراه في أحلامها وتهبه تضاريسها الفاتنة.. ليفترش مساحاتها فتزهو معه نضارةً وأنوثة.. وإبحاراً نحو عالم من الحلم..
بيروت وبغداد.. وتاريخ من ألق الكون.. ومجده .
أينما وليت وجهك، وعبر أزمان لا تنتهي، تمثل هاتان العاصمتان بحكمة شهرزاد وسحر ألف ليلة وليلة..
لزمن قريب كنا نرى في بيروت عاصمة للكون.. بكل انفتاحها على حضارات العالم.. وعلى شواطئها تستقبل المراكب البعيدة الآتية لتلمس هذه (الخلطة) العجائبية من رائحة جبال الأرز والصنوبر العتيق والزعتر البري.. ورائحة الشعر والتنوع وحرية التمدد على رمل شواطئها..
لزمن قريب كانت بيروت امرأة فاتنة.. جمعت بين أصالة العروبة وحداثة الثقافات على إيقاعات أجنحة طائر الفينيق الممتدة على شواطئ صيدا وصور.. وصولاً إلى بنت جبيل وأوغاريت.. وباقي مدن الساحل السوري..
ولزمن قريب كانت بغداد تحاكي القارات الخمس.. بأساطيرها الموغلة في عمق التاريخ.. منذ ما قبل حمورابي وسندبادها البحري مروراً بحدائق بابل العظيمة.. وعاصمة الشعر والخلافة.. وصولاً إلى عيون بلقيس..
لزمن قريب كانت بغداد بوابة العروبة وحامية أسرارها.. تحلق مثل (العقاب) في سماء العرب..
بغداد الثقل الإقليمي.. المال والرجال.. النفط والحلم العربي بمجد يليق بأمة قطنت أكثر بقاع الكون ثراءً وتعاقب حضارات وتواريخ..
بيروت وبغداد.. اليوم مثل كل النساء الثكالى.. يمتلئ قلباهما بجراح هزيمة.. وجراح تفرقة ورعب..
وتعيث غربان الخراب في فضاء كل منهما..
بيروت وبغداد ترتديان ثياب الحداد.. وتتهيئان لأحزان كثيرة.. جلبها الطغاة والغلاة والغزاة..
والعرب.. كل العرب.. ليسوا أكثر من جوقة من المعزين يتباكون على إيقاعات محمود درويش،
(سبايا نحن في هذا الزمن الرخو)!!..
#فخر_الدين_فياض (هاشتاغ)
Fayad_Fakheraldeen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟