هل سبب الظلامية المزعومة عن العصور الوسطى في أوروبا هو المسيحية؟؟؟!!!

خلدون فيلبس نصير

الحوار المتمدن-العدد: 8054 - 2024 / 7 / 30 - 19:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

إذا لماذا كانت الامبرطورية البيزنطية مزدهرة بالحضارة والعلوم وبقيت في الصدارة على الخلافة العربية حتى في أزهى عصورها بل كانت هي مصدر الكتب و الخبراء والعلماء إلى جانب العلماء السريان المسيحيون والصابئة ويهود ليبنوا دار الحكمة لتكون كمكتبة جندي سابور الفارسية الشهيرة والتي بناها سابور الشاه الفارسي أيضا من العلماء البيزنطيين قبل الخلافة الاسلامية بل حتى الخلافة الاسلامية بزعمها حضارة إسلامية هي في حقيقتها حضارة المسيحيين السريان واليونان و البيزنطيين المسيحيين جميعا مع حضارة الصابئة واليهود والفرس و من ثم نتج عنها صوفيون كابن سينا وملحدون كالخيام والرازي
وحضارة المسيحية الشرقية التي ازدهرت على طول طريق الحرير على يد السريان الآشوريون والكلدان وامتدت لتتشعب في فارس و آسيا الوسطى والهند والصين وماتزال آثارها جلية ويذكرها أباطرة الصين والهند ووسلاطين آسيا وتم إبادتها على مراحل رغم أنها كانت أكبر من حيث الأتباع من المسيحية الهيلينية في بيزنطة واليونان والبلقان وروسيا وشرق أوروبا الأورثوذكسية وفي وسط وشمال وجنوب وغرب أوروبا الكاثوليكية. هذه الكنيسة الشرقية طورت كافة نواحي الحضارة في الأماكن التي تواجدت فيها بإمكاني أن أرشدكم على خبراء ويوتوبر دارسين مثل تاريخ بلاد آشور حتى لغات كالكورية والصينية والسنكريتية تحمل بصمات من اللغة الآرامية التي كانت لغة هذه الكنيسة بفروعها السريانية والكلدانية و الآشورية .....
بل حضارة مصر العظيمة التي حمل إرثها وكانت المفتاح لفك لغز الكتابة الهيروغليفية هم الأقباط شعب مصر المسيحي الفرعوني وماكان لشامبليون أن يفك الهيروغليفية لولم يعلمه القبطية قسيس قبطي طبعا سيتم ذكر موجات من اضطهادات واعتداء وتكسير للمعابد القديمة الفرعونية ومأساة قتل العالمة الشهيرة هيباتا وقد أدانها الجميع وتبرأت منها الكنيسة لكنها لم تكن عمليات تدمير ممنهج للحضارة هي حوادث ارتكبها رعاع جهلة متعصبون من بعض المتدينين الجهلة في حين أن مكتبة الاسكندية التي أحرقها أولئك الرعاع نقلت كل معارفها الناجية من العلماء المسيحيون في مصر من أقباط ويونان ورومان و
....... ونقلوها في مخطوطات
توزعت في بقاع كثيرة حفظت في بيزنطة و اليونان وبغداد وغيرها
حتى أن شخصيات و أعلام مكتبة الاسكندرية وغيرهم من أتباع الفلسفة اليونانية اعتنقوا المسيحية فترةتبشير مرقس وتابعوا عملهم الحضاري العظيم في مكتبة الاسكندرية لقرون فلماذا المسيحية لم تتسبب هنا بعصر ظلام كما تدعون أنها السبب لظلامية أوروبا في العصور الوسطى
بل أن عصر النهضة التي انطلقت في إيطاليا والتي ادعوا أن مصدرها هو كتب الحضارة الاسلامية المزعومة التي جاءت مع الصليبيين ومن الأندلس فإذا لماذا لم ينطلق عصر النهضة من اسبانيا أو من فرنسا أو ألمانيا وهي إذا لماذا انطلقت من إيطاليا تحديدا دون غيرها ومقر البابا للفاتيكان فيها وهو من المفترض أنها المحرض على ظلامية أوروبا؟؟؟!!
الإجابة أن عصر النهضة في أوروبا انطلق من ايطاليا تحديدا وبعد سقوط القسطنطينية هو النزوح اليوناني و البيزنطي وغيرها من شعوب بيزنطة مع علماءها وكتبها ومخطوطاتها بمافيها لعلوم اليونان و الرومان قد نزحت إلى ممالك ودوقيات إيطاليا المتحاربة مع العثمانيين في البحر في جنوى وفينيسيا
..... ومنها توزعو في إيطاليا وكانوا بذور النهضة في كل ايطاليا حتى روما و الفاتيكان
إضافة للرهبان الايطاليون الذين يتقنون اللاتينية وكانوا يترددون على خرائب الامبراطورية الرومانية بمافيها روما ويقرؤون المدونات الحجرية مثل الراهب الاصلاحي دي كولا الذي قرأ الكتب والمحفورات الحجرية
وتأثر بها وغيره من رهبان إيطاليا المصلحين كفرنسيس الأسيزي وحركته الاجتماعية الانسانية العظيمة مع سانتا كلارا وقبلها الرهبنة البندكتية ورهبة النيكلاوسية التي انبثقت منها اسطورة بابا نويل فقد كانت راهبات هذه الرهبنة يضعون الطعام و الاحتياجات للفقراء و المرضى ويذهبوا دون إعلامهم بعد قرع الباب كما كان يفعل القديس نيكلاوس وحركات كثيرة وشخصيات كثيرة استمرت حتى في العصر الحديث إلى جانب العلمانيون كدون بوسكو وفيليبو نيري وأسماء كثيرة جدا
في مواجهة أمراء الاقطاعيات الفاسدون المجرمون الذين غزوا المناصب القيادية الدينية في الفاتيكان أزاحوا الصالحين وحولوها لمافيا سلطة وفساد مدمرة كآل دي بورجيا مثلا وجميعهم تقريبا ينحدرون من الغزاة البرابرة وغير المسيحيين من قبل من شعوب شمال أوروبا ووسطها الذين غزوا ودمروا روما
وهنا مربط الفرس والنقطة المفصلية الواضحة التي تشرح وتوضح وتضع النقط على الحروف
أوروبا التي نعرفها اليوم وفي العصر الحديث وعصر التنوير وعصر النهضة لا تعطينا صورة حقيقية لأوروبا في العصور القديمة ومجتمعاتها
أوروبا العصور القديمة و القسم الأعظم من العصور الوسطى باستثناء اليونان وايطاليا هي قبائل بربرية بدوية همجية محاربة تعتاش على الغزو و القرصنة و الرعي
لم تكن تحوي تجمعات سكنية حضرية دياناتها تقدس الحرب و الموت بشجاعة مع أضاحي بشرية بل حتى أكل للحوم البشر كالسلتيين و الجرمان والاسكندناف و السلاف في شرق أوروبا
بل حتى اليونان وجزرها وإيطاليا كانت كذلك حتى فترة متقدمة من العصور القديمة والغالبية العظمى من علماء التاريخ يرجحون أن غزاة البحر الذين دمروا حضارات العالم القديم هم قبائل هذه المناطق قبل أن تبدأ تتشكل فيها التجمعات الحضرية وتتنتقل لها الحضارة ثم تبدأ هي بدورها تبني وتطور الحضارة ثم عصر الاسكندر الأكبر الذي أدى لولادة الحضارة العالمية الهلينستية الأغزر في الانتاج الحضاري عبر كل العصور القديمة في الشرق والغرب
غزوات القرطاجيين و الرومان في حروبهما لأجزاء من اسبانيا بدأ يشكل بعض التجمعات الحضرية المحدودة ومذكورة الصعوبات التي واجهت أحد أشهر القادة العسكريين في التاريخ االقرطاجي حنبعل في غزوه لروما في الحرب البونية الثانية حين عبر جبال البرنيه وبلاد الغال وجبال الألب
كانت موصوفة
أنها مناطق مقفرة موحشة تسكنها قبائل متوحشة خطرة وكان الرومان مصدومين من قدرة حنبعل التي مكنته من عبورها ليصل إلى روما
إذ بدا هذا مستحيل وتقع غالبيتهم بأنه مجنون وسيهلك مع كامل جيشه على الطريق
فعلا حين وصل إيطاليا معظم جيشه مات على الطريق
و الذي بدأ فعلا يقتحم أوروبا الوحشية هذه ويبني المستوطنات والحصون هو يوليوس قيصر أقوى أباطرة روما وقادتها العسكريين العبقري القاسي الذي بطش بقبائل الغال والسلت والجرمان ......
حتى بعد غزوات قيصر الكبيرة وتوسعات الاباطرة بعده في أوروبا فهي لم تغطي أبعد من شمال البلقان وفرنسا وجنوب بريطانيا وحدود نهر الراين
هذا شكل بذور منتشرة من مستوطنات حضرية رومانية كجزر حضرية محاطة ببحر هائج من القبائل البربرية التي كانوا في صراعات دموية قاسية معها أغلب الأحيان مثل باريس ولندن وفيينا وعدد من المدن التي كانت بأساسها مستوطنات رومانية
أما شمال أوروبا وشرقها فهي بكل معنى الكلمة مسرح قبلي لا علاقة له بالحضارة فالسلاف و الفايكنغ و الجرمان رعاة يعبدون أودن العظيم وإله الحرب ثور بمطرقته وعقليتهم التي كانت تؤمن بأضاحي بشرية من أبنائهم وأعدائهم بل حتى أكل لحومهم للحصول على قوتهم أو إطعام لحوم قتلاهم للنسور لتصل أرواحهم للسماء كالسلت في اسكتلندا وايرلندة
و المعروف عن الأمير فلاديمير مؤسس مملكة روس كييف قبل أن يتعمد ويعتنق المسيحية الارثوذكسية كان أن سبق وقدم بنت من بناته أضحية للإله ثور قبل خوضه أحد حروبه
ومن المعلومات التي لا يعلمها إلا القليل أن أحد أباطرة بيزنطة التي كانت تعاني بشدة من حروبها و الغزوات التي كان يشنها السلاف البلغار خصوصا إلى جانب القوط الشرقيين في رومانيا قد أرسل مبشرين مسيحيين إليهما فكان الرومانيون قد تلقوها باللاتينية ولكن السلاف البلغار لم يكن وسيلة لتدوين الكتاب المقدس بلغتهم غير المكتوبة بعكس الرومانيون الذين دونوا لهم الكتاب المقدس باللاتينية فأرسل لهم عالم لغات قام بدراسة لغتهم ووضع لهم أبجدية استخدمتها كل الشعوب السلافية بعد اعتناقها المسيحية وهي الكتابة والحروف التي كتبت فيها لغاتهم من روس وأوكران وهنغار وبلغار ......
طبعا هذه القبائل من سلاف وقوط شرقيين ساهموا مع امبرطور القسطنطينية وامبرطور روما و القوط الغربيين في مواجهة اجتياح قبائل الهون وزعيمها المرعب أتيلا الجبار
أما الجرمان القوط الغربيين بمدهم وانتشارهم غربا بضغط من غزو قبائل الهون اجتاح الفاندال منهم شمال أفريقيا واسبانيا وحكموها
100 عام
وأطاحوابروما ونهبوها مع كافة مدن شمال أفريقيا وإيطاليا
وغني عن التعريف غزوات القبائل الاسكندنافية قراصنة الفايكنغ عبر تاريخ أوروبا ماأحاطها من قصص مرعبة عن وحشية ودموية هؤلاء الذين أرعبوا أوروبا
باتت الصورة واضحة ماذا كانت أوروبا خلال العصور القديمة والقسم الأعظم من العصور الوسطى يعني لم تكن حضارة اتلانتس المفقودة بل كانت شبيهة بأدغال أفريقيا في عصر الكشوفات الاستعمارية
كمثال قبائل الجرمان وهم أصل الألمان وقبائل الفايكنغ أصل السويديون والنرويجيون وهم أكثر شعوب العالم تحضرا في عصرنا وتقديسا للإنسان والحياة واحتراما للعمل و العلم
وفي شروح المؤرخين لطبع السلاف والجرمان والاسكندناف والسلت والغال ......
كان الجرمان الرجال لا يعملون فقد كان هذا عار كان النساء و العبيد فقط يعملون مهمة الرجل الغزو و القتل و القتال أما الفايكنغ كان كذلك لكن بسبب مناخ اسكندنافياالأقسى كان لابد أن يعمل أيضا إلى جانب النساء و العبيد من يصدق هذا الانقلاب الجذري ؟؟؟!!!
بحكم لعبة الصراعات و السياسة للمالك والامبراطوريات لجأ اباطرة بيزنطة للتبشير بي السلاف لتهدئة وترويض تلك القبائل وجذبها لصفهم عوضا من محاربتها المرهقة طوال الوقت بل حتى تعليمها الكتابة والقراءة كما لاحظنا سابقا مع البلغار والروس والرومانيون ....
وكذلك بابوات الفاتيكان الذين كانوا في وضع أسوأبكثير من أباطرة بيزنطة كون روما وإيطاليا تحت سيطرة هذه القبائل حصرا فكان التبشير لتهدئة وترويض تلك القبائل وبحكم أنهم هم الحكام فقد كان التفاعل بخلاف بيزنطة الذي كان بمعظمه عطاء فقد كانت علاقتهم أخذ وعطاء فأمراء وزعماء القبائل الحاكمون توجهم البابوات ملوك وعمدوهم وأطلقوا لآخرين ألقاب أمراء وآخرون كونت أو بارون أو......
فهؤلاء المحاربون البرابرة أصبحوا مسيحيين ملوك وأمراء وإقطاعيون ملاك أراضي تعمل تحتهم الناس وبيدهم السلطة طبعا الشرعية الدينية لابد أن يمسكوها أيضا فتغلغلوا في البابوية وسيطروا على قيادتها وباتت محصورة بأيديهم وثقافتهم الهمجية لن تزول في يوم وليلة بل أنها باتت تأثر على الكنيسة نفسها وتسيرها من قيادتها التي صارت منهم بل جعلوا منها زعامة لكل أوروبا وراحوا يشنون الحروب باسمها لنشر الايمان المسيحي بالقوة بدل التبشير و أشهرهم شارلمان وملوك آخرون تسابقوا على هذا وكان البابوات أرسلوا مبشرين وصلوا الاسكندنافية فتوقف الفايكنغ عن القرصنة وتحولوا بنفس الآلية وجميع هؤلا الملوك والأمراء و الاقطاعيون تمركزوا في قصور وقلاع الخرائب الرومانية وبعد ذلك بدأوا يبنون غيرها ويشكلون قرى وتجمعات قروية للعبيد و الأقنان بجانبهم أديرة ليديروا حياة البسطاء ويجنون منهم تعبهم
هكذا كانت بذور أوروبا و الذي لا يعلمه الكثيرون رغم أن الكنيسة الكاثوليكية صارت بربرية متسلطة ومناهضة للحضارة بجانب لكنها كانت تبني الجامعات والمدارس في كل هذه التجمعات السكانية التي شكلت أوروبا فهي من كانت تحتمي فيها المخطوطات و العلوم من نهب الغزاة البرابرة و أشهر جامعات العالم وأوروبا أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية والتي من داخلها أيضا تحركت حركات النهضة والإصلاح والتنوير كجامعة بلونيا والسوربون وكامبردج و أكسفورد ..........
بل حتى في عصر النهضة كان رواد النهضة رهبان مثل برونو الذي أحرقه. والفاتيكان طلب من أحد أشهر عباقرة عصر النهضة ببناء تحف معمارية رائعة على يد رافاييل وانجلو ودافنشي
وحتى قبلها في العصر القوطي كانت كنائس عملاقة بمثابة ملاجئ ومشافي ومدارس بناها الرهبان بعضها تحف مثل كاتدرائية كولونيا ونوتردام
فبذرة أوروبا نبتت من المسيحية نعم هذه هي الحقيقة حتى عصر النهضة وعصر الإصلاح وعصر الأنوار لم تكن كل الكنيسة ظلامية فقد كانت قياداتها بمعظمها كذلك أما طبقاتها الأدنى العكس و المسيحية الانسانية التي انطلقت في السويد بعد انكسارها أمام روسيا هي بذرة السويد اليوم وقيم من الاصلاح البروتستانتي بنت قيمة العمل و الاتقان عند الألمان
وأحد أشهر فلاسفة عصر الأنوار فولتير الملحد الساخر ذي اللسان الاذع في مسرحيته الساخرة من الأديان حين قابل فيها المسيح قال أريد أن أكون تلميذ لك
وسبينوزا وإلهه الطبيعة وهو أحد أشهر فلاسفة عصر النهضة الملحد اليهودي السابق وصف المسيح أنه أعظم معلم أخلاقي على الإطلاق عيبه الوحيد أنه ادعى أنه إله

نعم القيم الأخلاقية المسيحية مكون رئيسي أساسي مع الفلسفة اليونانية والقانون الروماني لحضارة الغرب ومكون أساسي معهما لأوروبا القرون
الوسطى والنهضة والإصلاح والتنوير والعطر الحديث

وفترة القرون الوسطى كانت ظلاميتها نتيجة طبيعية بسبب التخلف الحضاري الشديد لشعوب وقبائل أوروبا في ذلك الوقت التي هي من أثر في الكنيسة وليس العكس
ومع التطور الاجتماعي انتقلت أوروبا ومعها الكنيسة في مراحلها اللاحقة

#خلدون_فيلبس_نصير (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات