أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - عبد الرحمان النوضة - في مَنَاهِج النِضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَـرَك















المزيد.....


في مَنَاهِج النِضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَـرَك


عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)


الحوار المتمدن-العدد: 8052 - 2024 / 7 / 28 - 16:20
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


حَضرتُ البَارحة في نشاط سيّاسيّ، نظّمه «حزب فِيدِيرالية اليَسار الدِّيموقراطي»، في يوم الجمعة 26 يوليوز 2024، في قاعة "نادي المُحامين" بمدينة الرباط. وكان عنوان هذا النشاط هو «الإعلان عن تَأسيس الْإِئْتِلَاف الوطني لِدَعْم حراك وَاحَة فِيجِيجْ». وكُنْتُ مُغْتبطًا. وقُلتُ في نفسي: خلال الأيّام الماضية، كُنْتُ أنتـقد تَهَرُّب مُجمل قِوَى "اليسار" من أَيّ شكل مِن أشكال التَشَاوُر، أو التـنسيق، فيما بينها. بينما اليوم، أَرَى قِوَى "اليسار" (في هذه المُبادرة) تُـقْدِمُ على إنجاز صِنْف مِن «النِّضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَرَك». وهو إِنْشَاء نوع من «التَنْسِيـق»، أو «التحالـف»، أو «الجبهة»، في مَجال دَعْم «حِرَاك وَاحَة فِيجِيج». وَفَرِحْتُ، وقُلْتُ في نَـفسي : «هذا تَقدّم عظيم؛ هذا أكثر مِن تَنْسِيـق؛ هذا صِنْف من النضال الجماهيري المُشْتَرَك؛ هذه مُبادرة تَستحقّ كلّ التشجيع» !
ومنذ أن دَخَلْتُ قاعة الْلِّقاء، بدأتُ أُحِسُّ بِأَخطاء سَلبية قديمة، أعرفها جيّدًا، منذ سنوات 2011. لأنها تَتَكَرّر منذ قُرابة خَمْسَة عشر عامًا. وقد سبق لي أن اِنْتَـقَدْتُها شَفَوِيًّا، وَكِتَابِيًّا، خلال العديد من المُناسبات. وَلَوْ أنّ مُجمل قِوَى "اليسار" لَمْ تَهْتَم بهذه الْاِنْتِـقَادَات. ومن بين هذه الأخطاء، نجد ما يلي :
1) حضرَ هذا الْلِّقَاء، في المَجموع، ما يَتَرَاوَح بين 150 و 200 مناضلًا. وَيَنـتمون إلى مُختلـف أحزاب، وجمعيّات، ومجموعات، قِوَى "اليسار". وهذا الرّقم مُهِمٌّ وَمُشَجِّع. وبدأ المناضلون المُنَظِّمُون يَشتغلون. والمشكل الأول، وَالمُعْتَاد، هو أنّ لَا أحد مِن بين مُنَظِّمِي اللّقاء فَكَّر في تَهْوِيَة القاعة. فَهَل يُعْـقَل أن يَجْتَمِعَ في قاعة صغيرة قُرابة 200 شخص، في فَصْل صَيْف حَارّ، دُون أن يُـفَكِّرَ أحدٌ مِن المُنظِّمِين (وَقَبْل عَقْد الْلِّقَاء) في أَنْ يُوَفِّر للحاضرين تَهْوِيَة كَافية (عَبْر فتح النَوافذ، والمَمَرَّات، والْأَرْوِقَة، وَتَشْغِيل المِرْوَحَات، أو مُكَيِّفَات الهَواء، في حالة وُجودها، الخ) ؟ ولماذا يَنْسَى المُناضلون المُنَظِّمُون، أن الحاضرين لِهذا النشاط هم بَشَر، وَيَحتاجون باستمرار إلى تَنَـفُّـس هواء نَـقِـيٍّ ؟ وَنَتِيجة هذا الْإِهْمَال، هي أن الـقاعة تَتَحَوَّل بسرعة إلى نوع من الحَمَّام. وَيَنْزَعِجُ الأشخاص الحاضرون مِن شُعُورهم بِتَبَلُّـل أَيَادِيهم، وَوُجُوهِهِم، وَثِيّابهم، من كثرة العَرَق. وَيَشْعُر بعض الحاضرين في الـقاعة أنهم بَدَأُوا في النُّعاس بسبب نَـقص الأكسجين في الهواء. ويكفي هذا الإنزعاج وحده كَمُبَرِّر لِمُغادرة الـقاعة، دُون الْاِكْتِرَاث بما يجري فيها.
2) المُشكل الثاني، والمُتَـكَرِّر، هو مُشكل نِظَام تَضْخِيم الصَّوت داخل قاعة الْلِّقَاء. وقد تَكَلَّف مناضل (من حزب الفيديرالية) بِإعداد مُكَبِّر الصَّوت، والأبواق، والأَسْلَاك. لكن هذا المناضل المُتَطَوِّع لَا يَتَوَفَّر على أيّة خِبِرَة في مَيدان تَضْخِيم الصَّوْت. وأتساءل : لماذا أَلِـفَت الأحزاب (أثناء تَنْظِيم أنشطتها الجماهيرية) أنْ لَا تَسْتَـعِين بِمُهندس، أو بِتِـقْنِي، له خِبِرَة في ميدان تَضْخِيم الصَّوْت ؟ هل تَظُنّ قـوى اليسار أنّ أيّ شخص ذِي حِيلَة يُمكنه أن يُعالج مَشاكل الصَّوْت ؟ أَلَا تُدْرِك هذه الأحزاب أن أَيّ شخص يَـفْتَـقِدُ خبرةً تِقْنِيَة في مجال تَضْخِيم الصَّوْت، سَيَـفْشِل حَتْمِيًّا في ضَبْط الصَّوْت بِالمُسْتَوَى المَطلوب ؟ الشَّيْء الذي يَتَسَبَّب في مَشَاكل في جَوْدَة الصَّوت. وَغَالِبًا مَا يَـكون لِمَشَاكِل الصَّوت تَأْثِير سَلْبِي على النشاط السياسي أو الثـقافي بِرُمَّتِه. وهكذا يَنْضَاف مُشكل غِيَّاب التِـقْـنِيِّين الخَبِيرِين، إلى مُشكل غِيَّاب الثَّوْرِيِّين المُحْتَرِفِين.
ومنذ أن بَدَأ المُنَظِّمُون في تَشغيل الصّوت في الـقاعة، اِنْزَعَجَ الكثيرون مِن بين الحَاضِرين مِن تَضخيم الصّوت المُبالغ فيه. وذلك إلى درجة أنّ هذا الصَّوْت المُفْرِط في التَضْخِيم، مَع مَا يُصاحبه مِن صَوْتِ صَفِير عَالِيّ التَرَدُّد، يُحدث أَلَمًا في الأُذُنَيْن. وَرَغم ذلك، يَصْبِِرُ المُنظِّمون، والحاضرون، وَيَسْتَمِرّون في الاستماع، كَأَنّه لَمْ يَحْدُث أيّ مُشكل في القاعة. وَيَكْفِي هذا الْاِنْزِعَاج وحده كَمُبَرِّر لِمُغادرة الـقاعة، دُون الْاِكْتِرَاث بما يجري فيها.
قد يـقـول قائل لِي : «هذه مشاكل تِـقْنِيَة، وَبَسيطة، وصغيرة، وَتَافِهَة، ولا تستحقّ هذا الْاِهْتِمام. وأنـتَ شخص سَلْبِي، وَمُتَشَائِم، وَمُـفْرِط في النَّـقْد، وَكَأَنَّك تحرص في كلّ مَرّة على تَشْوِيه، أو تَخْرِيب، كل ما تَقـوم به قِوَى اليسار»! لِيَكُن ذلك، إذا أردتَ. وَ لِنَفْتَرِض، كما قُلْتَ، أنها مشاكل تَافِهَة. لِنَتَنَاوَل الآن المَشاكل الأخرى المُهمّة.
3) مِن المَفهوم أن «مِهْرَجَان الْإِعْلَان عن الْإِئْتِلَاف الوطني لِدَعْم حِرَاك فِيكِيك» يَدْخل ضِمْن مَا أُسَمِّيه بِمَفْهُوم «النِضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَرك». وَيَحْتَوِي (نَظَرِيًّا) هذا العمل، ليس فـقط على «التَشَاوُر»، وعلى «التَنْسِيـق»، بَل يَحْتَوِي أيضًا على «النضال الجماهيري المُشترك» فيما بين جُزْء هام مِن قِوَى "اليسار". فهل حَـقًّا كان «التَشَاوُر»، و«التَنْسِيـق»، حاضرين، بِمَا فيه الكِفَايَة، في تَهْيِئ، وفي إِعْلَان، إِنِشَاء «الْإِئْتِلَاف الوَطني لِدَعْم حِرَاك فِيكِيك» ؟ جوابي: ليس بِالـقَدر المَطْلُوب. وهل اِحْتَرَم المُنَظِّمُون قَوَاعِد «العَمَل المُشْتَرك»، أو مبادئ «النضال الجماهيري المُشترك» ؟ جوابي: لَيْس بِمَا فيه الكِفَايَة. وَلِمَاذَا ؟ لِلْاِعْتِبَارَات التَّالِيَة :
4) حضر في الـقاعة مُناضلون مِن "حزب فِيدِيرالية اليسار" (وهم الأغلبية في القاعة)، ومِن "حزب النّهج العمالي"، ومن "حزب الاشتـراكي المُوَحَّد"، ومن نـقابة "الكُونْفِيدِيرَالِيَة الدِّيموقراطية للشّغل"، ومن نـقابة "الاتحاد المغربي للشّغل"، ومن عدّة "جمعيات حُقُوقِيَة". وحضر كذلك مناضلون من «حراك فِيكِيك»، وقد تَحَمَّلُوا عناء سَـفَر بَعِيد المَسافة. ولم أُلَاحظ حُضور مناضلين من "حزب الطّلِيعة"، ومن تَنْظِيمات أو تِيّارات يسارية أخرى صغيرة. وَإِنْ حَضَر الأمين العام مِن "حزب فِيدِيرَالِيَة اليسار"، فإن الأشخاص الآخرين، المُمَثِّلِين لِمُختلـف قِوَى "اليسار"، الذين حَضروا في هذا الْلِّقَاء، كانوا من الصَفِّ الثَالِث، أو الرَّابِع، وليس من الصَفِّ الْأَوَّل. وهذا المُسْتَوَى المَحْدُود أو المُتَدَنِّي في الحُضُور، يُعَبِّر طَبْعًا عن نَوْع مِن التَحَفُّظ لَدَى مُختلـف قِوَى "اليسار".
5) ظهر جَلِيًّا أثناء هذا «المِهْرَجان»، أنّ مُنَظِّمَه، وَمُدَبِّرَه، في مُجمل تَفاصِيلِه، هو «حزب فيديرالية اليسار الديموقراطي»، وليس تَنْسِيـق مُحَدَّد فيما بين قِوَى "اليسار". وهذا مَجهود يُشْكَر عليه "حزب فيديرالية اليسار". لكن الْأُسلوب الذي كان يُرْجَى العَمَل به، إِنْ أمكن ذلك، كان هو اِسْتِـعْمال لَجْنَة تَنْسِيـقِية مُشتـركة (فيما بين مُختلـف قِوَى "اليسار")، لِكَيْ تَـقُوم بِتَهْيِِيء هذا «المِهْرَجَان»، وَبِدِرَاسَة تَـفَاصِيل اِشْتِـغَال هذا «الْإِئتِلَاف لِدَعْم حِرَاك فِيكِيك». وكان المَطلوب هو تَدْقِيـق الْأَسَالِيب المُحْتَمَلَة لِاِشْتِـغَال هذا «الْإِئْتِلَاف».
وقد يَقـول مناضلو "حزب الفيديرالية" : «لَقد أنجزنا كلّ ما يَجب فعله. وَرَاسَلْنَا كل الـقِوَى اليسارية المعنية. وبعثنا إليها مَشروع أرضية "الْإِئْتِلَاف". وطلبـنا منها ملاحظاتها واقتراحاتها. وأغلبية هذه الـقِوَى لَمْ تُجِبْ، أو أَنَّ إِجاباتها بَقِيَت طَفِيـفَة، أو جُزْئِيَة. وَلَوْ اِعتمدنا على باقـي قـوى اليسار، لَمَا أُنْجِزَ هذا الْلِّقَاء الذي يُـعْلِن عن تَأسيس الْإِئْتِِلَاف». فَنَرْجِع إِذَن إلى نَفْس المُشكل الذي سبق لي أَنْ اِنْتَـقَدْتُه. وهو تَهَرُّب مُجمل قِوَى "اليسار" من التَشَاوُر، أو التَنْسِيـق، أو التَعَاوُن، أو التَكَامُل، أو النضال الجماهيري المُشترك. (أُنظر مقالي الذي يَحمل عُنوان: "أَحْزَاب اليَسَار تُمَارِسُ التَجَاهُل المُتَتَبَادَل").
6) كنـتُ أَتَمَنَّى في هذا الْلِّقَاء، أن يُفتح نـقاش حول تَفَاصِيل كَيْفِيَة تـنظيم واشتـغال هذا «الْإِئْتِلَاف لِدَعْم حِرَاك فِيكِيك». لكن هذا اللّقاء اِقتصر على عرض شَريط حول وَاحَة فِيكِيك. ثمّ أَعْطَى الكلمة لبعض المُمثِّلِين السياسيّين والنقابيّين. ثم قَرَأَ مُقَدِّم اللِّقاء أرضيته. ثمّ صرّح المُنظِّمُون أن «الْإتِلَاف يبقى مَفتوحًا أمام كل القِـوَى والـفاعلين الديموقراطيّين والتـقدّميّين». ثُمّ اِعْتَبَرَ المُنظِّمُون «حُضُور كلّ فَاعِل في هذا الْلِّقَاء بِمَثابة توقـيع على أرضيته».
7) قَد يَـبْـقَـى في ذِهن كثير من المناضلين أن «الْإِئْتِلَاف لِدَعم حراك فيكيك»، لَا يُوجد فيه تَوَازُن فيما بين قِوَى اليسار، وَإِنّما يَسُود فيه "حزب الفِيدِيرالية". وهذه الصُّورة قد تَكُون مُـعِـيـقَة لِتـنظيم الدَّعم لِحِرَاك فيكيك. وَلَوْ سَأَلنا بعض المناضلين : «هل أنـت رَاضٍ على دَرَجَة مُشاركة مُختلـف قـوى اليسار في هذا الْإِئْتِلَاف» ؟ لَكَان الجواب الأكثر احتمالًا هو النَّـفْـي.
وَأَعْرف أنّ مُناضلي "حزب الفيديرالية" سيقـولون بِصِدق: «نحن لم نُرد أبدًا السَّيْطرة على هذا الْإِئْتِلَاف. وَلَوْ وَجَدْنَا قُوّة يسارية أخرى تَضْطَلِع بِالسَّهَر على إنشاءه، لَكُنَّا أوّل مَن يُصَفِّـق لها. لأننا نَوَدّ التَفَرُّغ لمهام نضالية أخرى».

وهنا نَرجع إلى المُشكل الأصلي، وإلى التَنَاقُض المُضِر. وهو التّالي: إِذا قُلْتَ لِإِحْدَى قِوَى اليسار : «هَيَّا، إِنْهَضُوا، وَبَادِرُوا، وَنَظِّمُوا لنا نِضالًا جماهيريا مُشْتَرَكًا، وَأَتْـقِـنُوا هذا النضال، وَكُنُوا أنـتم الـقِيَّادة، وأنـتم الطَّلِيعة الثورية، ونحن مُستـعدُّون لِلْعَمَل مَعَكُم، وَلَيْسَتْ لَدَيْنَا أيّة عُقْدَة في أنْ نَـعْمَل تحت قِيّادتـكم، أو تحت زَعَامتكم. يَكْفِي أن يَكُون عَملكم مُرضيًّا» ! وماذا سَيَحْدُث في هذه الحالة؟ الاحتمال الكبير هو أنّك لَنْ تَجد هذا "الحزب اليساري" الذي سيقـوم بهذه المُبادرات، وَلَو اِنْتَظَرْتَ خلال وقت طويل. وما معنى ذلك ؟ معناه أنّه مَهْمَا فَعَلْتَ، سَتَكُون دائمًا مُلَامًا. إذا بَادَرْتَ، تُلَام. وإذا لم تُبادر، تُـلَام. فإمّا أن نَقُوم جَميعًا بِثَوْرة ثَقَافِيَة شُمُولِيَة في أفكارنا، وفي مُعتـقداتنا، وفي عَادَاتـنا، وفي مَنَاهِجِنَا، وفي أَسَالِيبِنَا، وفي سُلُوكِيَّاتِنَا، وإمّا أنّنا سَنَبْـقَى نُدُور في حَلْقَة مُفْرَغَة، أو في تَـنَاقُض مُكَبِّل. هذه هي الصَّراحة.
8) قد يَتَسَاءَل قَارِئ : لماذا يَهْتَمّ رحمان النوضة بهذه التَفَاصِيل الصّغيرة ؟ ولماذا يَكتب عن هذه الشُؤُون البَسيطة ؟ لماذا لَا يَهتم بالـقضايا الاستـراتيجية الكبرى ؟ جواب: لأن هذا المشاكل، وَلَوْ ظَهَرَت صغيرة، فإنها تَتَكَرَّر عند كلّ مُحاولة لِإِنْشَاء أَيِّ «نِضَال جَمَاهيري مُشترك». ولأنّ تَأْثِير هذه المشاكل يَكون دَائِمًا سَلْبِيًّا، وَمُـعِيـقًا، وَمُكَبِّلًا، لِكُلّ صِنْف مِن العَمَل الجماعي.
وإذا مَا اِهْتَمَمْتُ هُنَا بِبَعْض تَفَاصِيل «مهرجان الْإِعلان عن الْإِئْتِلَاف الوطني لِدَعْم حِرَاك فِيكِيكْ»، فَلِأَنّ المشاكل السيّاسية الموجودة فيه، هي نَـفس المَشاكل الـقديمة، والتي تَتَـكَرَّر في كلّ مُحاولة لِـخَوْض «الْعَمَل الجماعي»، وَتَتَرَدَّد في كلّ اِجْتِهَاد لِـتنظيم «النضال الجماهيري المُشتـرك»، فيما بين قِوَى "اليسار". فَلَا مَفَرَّ إِذَنْ مِن دراسة هذه المشاكل، وَتَقْيِيمها، وَنَـقْدِهَا، وَتَقْوِيمها، وَمُعالجتها.
9) مِن المَوْضُوعِي أنْ تَكُون قِوَى "اليسار" مُتَعَدِّدَة، وَمُخْتَلِفَة، وَمُتَنَاقِضَة، وَمُتَبَايِنَة في أَفْكَارِها وَسُلُوكِيَّاتِها. لأنها تَختلـف في تَرْكِيبَتِها الطَبَـقِيَة، وفي نَوْعِيَّة أَعْضَائِهَا، وفي طُمُوحاتها، الخ. ونحن لَا نَطلب مِن قِوَى "اليسار" أنْ تَتَوَحَّد في حِزْب واحد. وَلَا نَطلب منها حتّى أنْ تَنْخَرِط في «تَحَالُف»، أو «فِيدِيرَالِيَة»، أو «جَبْهَة». لأننا نُدرك جَيِّدًا أنّ ذلك صَعْب، إِنْ لَم نَقُل مُسْتَحِيل، في الفتـرة الحالية. وَنَـكْتَـفِي بِأَنْ نَقُول لِمُختلـف قِوَى "اليسار" : «لِيَبْقَ كلّ حزب يساري كما هُو، وكما يُحب أنْ يَكون. لكن المطلوب منكم جميعًا، هو أن تَرْتَبِطُوا بِجماهير الشّعب، وأنْ تُوَسِّعُوا صُفُوفَكُم، وَأَنْ تُكَوِّنُوا أَنْصَارَكُم، وأنْ تُشاركوا في أَكْثَر ما يُمكن مِن بين النضالات الجَماهيرية المُشْتَرَكَة، الجارية في المَيْدَان. فَإِمَّا أنّ مُجمل قِوَى "اليسار" سَتُسَاهِم في النِضَالَات الجَمَاهِيرِيَة المُشْتَرَكَة، وفي هذه الحالة سَنَهْزِم مَعًا النظام السياسي الاستبدادي الـقائم، وَسَنُحَقِّق طُمُوحات الشعب، وَإِمَّا أنّ قِوَى قِوَى "اليسار" سَتَبْـقَـى مُتَحَفِّظَة، أو مُنْـعَزِلَة، أو مُتَـفَرِّقَة، أو مُشَتَّتَة، أو ضَعِيـفَة، وفي هذه الحالة سَيَسْحَقُنَا جَمِيعًا النظام السياسي الاستبدادي القائم. فَاخْتَارُوا بِحُرِّيَة مَا تُفَضِّلُون» !
10) لِكَيْ يَكُون «النضال الجماهيري المُشْتَرَك» مُمكنًا، يجب الْاِلْتِزَام بِمَجموعة مِن المبادِئ. منها القَوَاعِد التّالية :
10.1- يجب على كلّ حزب من بين أحزب "اليسار" أَنْ يُعَامِل أحزاب اليسار الأخرى مِثلما يُريد هو أنْ تُعَامِلَه هذه الأحزاب. (كما لَا يَجوز لأيّ حزب من بين أحزاب اليسار أنْ يُعَامِل أحزاب اليسار الأخرى بِأُسْلُوب لَا يَقْبَل هو بِأَنْ يُعَامَلَ به).
10.2- يَجب التَنْبِيه إلى أنّ نِسْبَة حُضور مُختلـف قِوَى "اليسار" في أيّ «نِضَال جَماهيريّ مُشْتَرَك»، تَكُون دَائِمًا، وَبِالضَّرورة، مُتَفَاوِتَة (أيْ غَير مُتساوية). وَيَبْـقَى كلّ حِزب مَسؤولًا عن دَرجة مُشاركته، وليس مَسْؤُولًا عَنْ دَرَجَة مُشاركة أحزاب "اليسار" الأخرى.
10.3- لَنْ يَقْبَلَ مِنْكَ أَيّ حزب من بين أحزاب اليسار، أن تَدْعُوَّه إلى نَشاط سيّاسي، أو إلى نِضال جماهيري مَفْتُوح، وأن تَـقُوم أنـتَ بِوَحْدِك بِتَنْظِيم وَتَـقْرِير كل شيء في هذا النشاط؛ وَأَنْ يَتَأَلَّـقَ حِزْبُك وَحده في هذا النشاط؛ وأنْ تُسَيْطر أنـتَ وحدك على هذا النشاط؛ وَأَنْ تَسْتَثْمِر أنـتَ وَحدك هذا النَشَاط لِمَصْلَحَة حزبك الخاصّ بك؛ وأن تَسْتَعْمِلَ الحِزْب المَدْعُوَ أو الضَّيْف كَـمُجَرَّد "دِيكُور"، أو زَخْرَفَة، لِتَأْتِيت مَشْهَدِ نشاطك السياسي الخَاصِّ بك.
10.4- كُلَّمَا عَرَف عنك أحزاب "اليسار" أنّ حِزْبَك يَجْنُحُ إلى اِسْتِصْغَارهم، أو إلى تَهْمِيشِهم، أو اِحْتِـقَارِهِم، فإنهم سَيَبْتَعِدُون عنك، وَسَيَتَلَافَوْن أيّ لِقاء مع حزبك، وَسَيَتَجاهلون حزبك وَكَأَنّه غير مَوجود. فَلَا بُدَّ إِذَنْ مِن حَدٍّ أَدْنَى مِنَ التَوَاضُع، وَمِن الاحتـرام المُتبادل، وَمِن التَـقْدِير المُتبادل، لِكَي يُصْبِح مُمْكِنًا التَشَاوُر، والتَنْسِيـق، والتَعَاوُن المُشتـرك، والتَـكَامُل المُشترك، والنِضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَرَك. مع العِلْم أن الاحتـرام المُتبادل لَا يُلْغِي النَّـقْـد المُتَبَادَل.
10.5- كُلّما عرف عنك أحزاب اليسار الآخرون، أن حزبك يَمِيل إلى السَّيْطرة على كلّ شيء، وَأنّك تُريد استـعمال أحزاب اليسار الأخرى كَمُجَرّد "دِيكُور"، أو كَزَخْرَفَة، لِتَأْتِيت أنشطة حزبك، أو مَشاريعك، فَـلَنْ تَسْتَجِيب بَـقِيَة أحزاب اليسار لِدَعَوَاتِك. وَلَنْ تَهْتَمّ بِاقْتِرَاحاتك. وَلَن تَـقْبَل التَـعَاوُن معك. وَلَوْ كانـت اِقْتِرَاحَاتُك مُهِمَّة، أو مُفِيدة، أو سَخِيَّة.
10.6- لَا نُريد تَنْغِيصَ رفاقنا المُناضلين المُنْحَدِرِين مِن «المَدرسة الْاِتِّحَادِيَّة». (وَنَقْصِد بهم المناضلين الذين يَنْحَدِرُون من تَجَارب "حزب الاتحاد الوطني لِلقـوّات الشعبية"، أو مِن تَجارب "حزب الاتحاد الاشتراكي"). لكن مِن الواجب الْإِشَارة إلى سَلْبِيَة هذه الظّاهرة. وهي ظاهرة المُيُول إلى السَّيْطَرة على الأنشطة السياسية المُشتركة. وهي ظاهرة مَأْلُوفة في «المَدرَسة الْاِتِّحَادِيَة». وهي مَعروف في «التَـقَالِيد الْاِتِّحَادية». حيث نَـقُول عن المناضلين «الْاِتِّحَادِيِّين» أنهم لَا يُشاركون في أيّ نشاط سيّاسي جماعي، إِلَّا إذا كان بِمَقْدُورهم أنْ يُسَيْطِرُوا عليه، وَأن يُوَظِّفُوه لِمَصلحة حزبهم وحده، مع تَهْمِيش، أو إِخْفَاء، بَاقِي أحزاب "اليسار" المُشَارِكَة، أو المُخَالِفَة، أو المُنافسة. لكننا نَعتـرف أنّه مع مُرور الوقت، اِنْتَـقَلَت عَدْوَى هذه النَّزْعَة الهَيْمَنِيَة إلى مُجمل قِوَى "اليسار"، وإلى مُجمل النـقابات، وإلى مُجمل الجمعيّات. وَكُلَّمَا وُجِدَت ظَاهرة المُيُول إلى السَّيْطَرة على الْأَنْشِطَة السياسية المُشْتَرَكَة، لَدَى بعض قِوَى "اليسار"، فَإِنّ خَوْضَ «النِضال الجَماهيري المُشترك» فيما بينها، يُصبح صَعْبًا، أو مُسْتَحِيلًا.
10.7 الـقاعدة العامّة هي التالية: أحزاب "اليسار" التي تُساهم في «النضالات الجَماهيرية المُشتركة» سَتَتَـقَوَّى، بينما أحزاب "اليسار" التي تَنْـفُر دائمًا مِن «النِضالات الجَماهيرية المُشتركة» سَتَنْـعَزِل، وَسَتَضْعُف، إلى أَنْ تَمُوت، أو أنْ تَزُول.
11) أَعْلَنَ الْلِّقَاء عن إنشاء «إِئْتِلَاف وَطني لِدَعم حِراك فِيكِيكْ». ومعنى ذلك، أن هذا «الْإِئْتِلَاف» سيكون على شكل تَنْظِيم، أو جبهة، أو شَبَكَة، مُنَظَّمَة على الصّعيد الوطني. وسيكون مركز هذا التـنظيم هو مدينة الرباط. فهل هذا التَصَوّر سليم، أو مُلَائِم ؟ جواب: من الصّعب جدًّا خلـق تَنْظِيم على الصّعيد الوطني، يكون مركزه هو مدينة الرباط. بَل الوَاقِعِيَة، وَالمُرونة، تَسْتَوجِبَان تَـرك الحُرِّيَة للمناضلين في كل مدينة، وفي كلّ قرية، لكي يَتَضامنوا مع «حِرَاك فِيجِيج»، حسب إمكاناتهم، وحسب إِكْرَاهَاتهم المَحَلِّيَة. وبعد ظُهور عدّة حركات نضالية تضامنية مع «حِرَاك فِيجِيج»، في عدّة مُدن أو قُرَى، آنَئِذٍ يُمكن خلـق تَنْسِيـق على الصَّعِيد الوَطني، فيما بين هذه الحركات، وذلك بغض النظر عن مَكان وُجود مَرْكَز هذا التنسيق.
12) مَنْ يُمكنه أن يكون عُضْوًا في «الْإِئْتِلَاف» ؟ هل نَحْصُر عُضْوِيَّة «الْإِئْتِلَاف» فـقط عُضْوِيَة الْأَحزَاب، والجمعيّات ؟ أم هل يَنْبَغِي أن نُتيح العُضْوِيَة في «الْإِئتِلَاف» إلى الأشخاص المُواطنين الرَّاغبين في المُشاركة في النضال الدَّاعِم لِحِرَاك فِيجِيج ؟ عدّة تجارب كانـت فيها العُضْوِيَة مَقْصُورة على الأحزاب والجمعيّات، أَدَّى بها هذا الْاِخْتِيّار بِسُرعة إلى تَوَقُّـف عملها. وَبَـقِيَت وِعَاءً فَارِغًا. منها مثلًا تجارب : «الجبهة الوطنية للدّفاع عن المدرسة العُمومية»، و«الجبهة الاجتماعية المغربية»، و«الهيئة الوطنية لدعم حركة 20 فبراير»، الخ.
13) أقتـرحُ أن يَكون شِعَار «الْإِئْتِلَاف الدَّاعم لحراك فيجيج» هو : «لَا لِاسْتِحْوَاذ الشَّركات الرَّأْسَمَالِيَة على تَدْبِير الماء في فِيجِيج، نَعَم لاستمرار تَدْبِير الماء في فِيجِيج مِن طرف هَيْئَة جَمَاعِيَة شَعْبِيَة غير رَأْسَمَالِيَة». لأن الجَوْهر في هذا المشكل هو أنّ الدّولة تَعْمَل بِهَدَف فَرْض سَطْوِ الرَّأْسَمَالِيَة على كل ما هُو جَمَاعِي في المُجتمع، مثل التـعليم العُمُومِي، والصِحَّة العُمُومية، والْأَرَاضِي الجماعية، الخ. والشركات الرَّأْسَمَالِية لَا تَهْتَمّ سِوَى بِالرِّبْح الخُصُوصِي.
14) «حِرَاك فِيجِيج» له مَنْطِقُه الخاص به. وله إِكْرَاهَاتُه الخاصّة به. كَمَا لَهُ إِمْكَانَاتُه المُبدعة. وله إِشْعَاعُه الخاص به. فَيُسْتَحْسَن أن يَبْـقَى «حراك فيجيج» مُستـقلًّا عن «الْإِئِتِلَاف الدَّاعِم لحراك فيجيج». ودور «الْإِئْتِلَاف» هو دَعْم هذا الحِرَاك، دُون التَدَخُّل في تَدبيره.

رحمان النوضة. السبت 27 يوليوز 2024.



#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحزاب اليسار تـرفض التـنسيـق
- الرَّأْسَمَالِيَة هِي اِنْتِحَار جَماعِي بَطِيء
- نَظَرِيَة «الْأَنَا»، و«الْأَنَانِيَة»
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 3/3
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 1/3
- هِجرة الأدمغة المُمْتَازَة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
- الحَلّ الجَذْرِي لِمُشْكِل الجِنْس خارج الزَّواج
- لِمَاذَا اِنْهِيَّار إِسْرَائِيل حَتْمِيٌّ
- فَلْسْطِين وَانْهِيَّار أَمْرِيكَا
- لِمَاذَا القَضَاء على إسرائيل
- دُرُوس زِلْزَال المغرب
- دَوْلَة الجَوَاسِيس
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
- أُطْرُوحَات حَوْل الدَّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة
- هَلْ نَـقْد اسْطَالِين تَآمُر ؟
- فَنُّ النَقْد السِيَاسِي 3/3
- فَنُّ النَقْد السِيَاسِي 2/3


المزيد.....




- في مراسم تنصيبه.. بزشكيان يتحدث عن العدالة الاجتماعية والحري ...
- ضربات تركية جديدة ضد حزب العمال الكردستاني في العراق
- بيان استنكاري للجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي FNE ...
- بلينكن يلتقي نظيره الصيني ويبحثان تايوان واتفاق الفصائل الفل ...
- «الحاضنة الشعبية للمقاومة»
- الاثنين القادم، مؤتمر واعتصام رمزي في نقابة الصحفيين تضامنًا ...
- إخلاء المهاجرين والمشردين من باريس خلال دورة الألعاب الأولمب ...
- مباشر: مهرجان خطابي وفني بمناسبة الذكرى الثانية للإعلان عن ت ...
- ورقة حول حصيلة عمل فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب خلال ...
- شاهد.. الشرطة البلجيكية تعتقل متظاهرين يرفعون العلم الفلسطين ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - عبد الرحمان النوضة - في مَنَاهِج النِضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَـرَك