أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - قصر رمادي، ونغمات هادئة قديمة للتروما .. قصة قصيرة















المزيد.....

قصر رمادي، ونغمات هادئة قديمة للتروما .. قصة قصيرة


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 8049 - 2024 / 7 / 25 - 22:51
المحور: الادب والفن
    


القصر الرمادي يبدأ في التشكل والتصاعد ليلا في هذه المساحة الفسيحة المملوءة بأصداء الماضي السحيق، وأصواته، وأحلامه؛ ويبدو تكوين القصر الرمادي مثل مادة رخوة شفافة تكشف عن مساحات اللون الكثيفة، والفراغات الداخلية، ويرتفع التكوين عن الأرض، ويتجه إلى المساحة الهوائية بينما تتشكل أسفله بركة قديمة، تزداد الأصوات المتداخلة كثافة فيها، وتميل إلى تشكيل تنويعة من الأصوات الغليظة أو الباص العميقة، ونغمات أخرى حلمية شديدة الحدة من طبقة السوبرانو؛ ونشاهد على واجهة القصر رأسا لعملاق أعور يخرج لسانه الطويل، ويرتدي العملاق زيا فلكلوريا صحراويا مملوءا بتشكيلات الذهبي والأحمر الداكن والأسود، وقد تشكلت في مساحات الصدر تكوينات لوجوه فتيات، نعاين فيما وراء أنصاف وجوههن اليمنى ابتسامات ساخرة، بينما تنفتح أعينهن اليسرى فيما يشبه الخوف، وقد تنغلق مع انحناءة نحو الأسفل؛ وتومئ عين العملاق المظلم اليسرى الواسعة بالرعب، والسخرية، والدهشة، وتلقي بأمواج، ومنحنيات، وكرات من النيران اللامرئية نحو المقبل على القصر.
وحين ندخل من البوابة التي تنفتح داخل فم العملاق نواجه محاربا داكنا قد تشكل من أمواج المياه المظلمة بالداخل، ويقودنا المحارب المائي إلى بركة قديمة تحيطها أصوات تذكرني بأصوات السيرينات في الأوديسا؛ هذه الأصوات لها حضور هادئ يبدو وكأنه يخرج من داخلنا، أومن المساحة الهوائية الرمادية حول البركة، بينما تتصاعد حولنا أصداء لصرخات نسائية أخرى صاخبة وحادة وممزوجة بإيقاع طبول يتصاعد تدريجيا فيما يشبه الكريشندو بداخلنا حتى يعلو الإيقاع مع وصول الصرخات إلى مستوى عبثى من التصاعد حولنا، وتستمر أصوات أشباه السيرينات الهادئة داخل الغرفة الرمادية، ونكاد نميز من بين كلماتها، ونغماتها الخافتة السحيقة:
"تروما، البحر، أوليس، البحر، تروما، تروما، تروما، الدم، البحر، بينلوب، الفتاة في سجن مائي، ضحك هستيري، بكاء هستيري، تروما، البيت الفارغ المهجور، البحر، الوليمة في مسرح أسفل المنزل الرمادي، تروما، موجة مظلمة سريعة، تروما، الموجة الهادئة ترسم الدوائر حول الكرة المضيئة، الفتيات يضحكن، تروما، الفتاة تضحك بعبث في غرفة رأسية، الضوء، إيفيجينيا، وأنتيجوني، الفراغ مملوء بكرات حمراء وبقع مظلمة، وأضواء وموجات تدور ببطء".
مسرح دائري، ومجموعة من الممثلين، يرتدون زيا مملوءا ببقع الأسود، والأزرق الداكن، يخفي وجوههم، يبدأون في صنع تشكيلات حركية تشبه البيوميكانيك في مسرح مايرهولد التجريبي، يلتفون الآن بكثافة نحو المركز؛ ثم تتجه الرقصة نحو الانفراج والتفكك، ويبدو المركز فارغا مثل دائرة رمادية، يتسع الفراغ بين شبكة الممثلين بينما تتجه مجموعة من العصي من مساحة الدائرة الرمادية الفارغة وتخترق التكوين الحلمي للخشبة نحو الأسفل؛ ونشاهد الآن آثارا لعواصف، وتيارات هوائية متداخلة تتلاعب بالعصي بينما تتشكل في المساحة السفلية دائرة مظلمة تجذب العصي ذات الحركات المختلفة متنوعة الاتجاهات بداخلها بقوة، بينما نعاين أطياف الممثلين تتضاعف بين مساحة المسرح، والمساحة السفلية؛ وكأنهم يبدأون نقاشا حول استراتيجيات جديدة للأداء، بينما يشيرون باهتمام إلى كل من المساحتين، والدائرتين؛ الرمادية، والمعتمة.
غرفة مظلمة داخل قصر رمادي قديم آخر، الفتاة أو الممثلة تضع يديها فوق وجهها بينما تنظر إلى الأرض، المياه المعتمة تحيطها من كل جانب، وتبدأ الفتاة الآن في وضع مجموعة من الأقنعة على وجهها؛ قناع لدب كأنه في وضع استعداد للهجوم، قناع لامرأة تشبه سيدة الويندول في فيلم المحارب الثالث عشر، قناع لبومة، وآخر لغراب، وقناع لمهرج يبدو نصف وجهه ضاحكا بسخرية بينما نصف وجهه الآخر مغطى بكف سوداء ذات أظافر حمراء داكنة قد تتوسع اليد وتمسك برأس الفتاة بالكامل وتسقطها في المياه أو تدور بجسدها في مرح في مجال الغرفة الهوائي.
الفتاة تبدأ الرقص بعصا وهمية، وقد تقوم بعمل رقصات وتشكيلات مرحة حول العصا داخل الغرفة، وبعد أن دارت حول العصا وسبحت في المياه المظلمة الكثيفة، انفك تكوينها إلى طيفين يقعان ضمن مجالين مكانيين؛ أحدهما تبكي فيه ويتخلل صوتها بقع داكنة من الصمت، ثم تحلق بعض قصاصات شعرها، وقد تختفي ثم تظهر مرة أخرى؛ أما المجال المكاني الآخر فنراها الآن تواصل الرقص فيه حول العصا اللامرئية، تتحرك بمرح بين سقف الغرفة المظلمة والمجال الهوائي المملوء بضوء القمر أعلى القصر.
أقيم مع كلبي الهادئ الصامت وحدنا في تلك الغرفة الواسعة التي تطل عبر نافذة كبيرة على ضوء القمر بالخارج، وأستمع كثيرا أثناء فترات الصمت والتأمل إلى معزوفتي ضوء القمر، والعاصفة لبيتهوفن؛ تمر بنا حالات من البطء، والصمت، والتأمل الطويل، ونتجول بصورة دائرية في الغرفة، ثم نعود إلى وضعنا الأسبق، وقد يغلبنا النعاس قليلا.
الغرفة تصير الآن خشبة مسرح يمتلئ سطحها الأسفل بالأنياب التي تتصاعد من تحت الخشبة إلى أعلى مثل الأشجار، أوالنخل، بينما تحيط بنا في الهواء بقع تجريدية حمراء دينامية، وغير منتظمة، ويخرج من حفرة وسط الأنياب تكوين ظلي لشخصية تشبه شخصيات الرسام فرانسيس بيكون؛ تبدو الشخصية مفككة الملامح، وتنمو ببطنها عين واسعة سوداء، ويأتينا صوتها:
ألا تقومان بدوركما في المسرحية؟
أجد كلبي يتحرك الآن بنشاط ويبدو كأنه يرقص، أو يحارب رؤوسا مقطوعة شفافة لثيران، وتتجمع الرؤوس المقطوعة في سلسة حديدية تطير في الهواء، وتحيطها أصوات غليظة لبشر وحيوانات وطيور؛ أما أنا فقد وجدت نفسي أجلس في مساحة تقع بين ظل شخصية فرانسيس بيكون، ومساحة الجمهور المظلمة، وقد بدأت في بسط يدي، ثم تأملت قليلا المسرح والبقع الحمراء والمساحات الفارغة، وأبدأ الآن في جذب أصوات خافتة هادئة لأطياف ذئاب من الماضي، أو من عصور تاريخية موغلة في القدم، بينما أتقدم ببطء نحو فم أنثوي كبير مفتوح ومظلم يبدأ في التشكل أمامي وتبرز منه ألوان الروج الأحمر الداكن الذي يصير بنفسجيا داكنا أحيانا.
أهو بوابة لقصر رمادي آخر؟ أم معبر إلى مسرحية جديدة؟
وبينما يمتد تكويني الطيفي نحو مساحة الفم الأنثوي أجد كرات من النور تعبث وتدور داخل الفم وتدفعني، بينما أمتلئ الآن بدوائر ومنحنيات من الضوء، والأمواج البيضاء الممزوجة بالأزرق والتي تتلاطم بداخل تكويني الهوائي، وتتحول في عالمي إلى نغمات بطيئة وفيرة متكررة.



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم طويل آخر .. قصة قصيرة
- حلم طويل .. قصة قصيرة
- مياه مظلمة كثيفة .. قصة قصيرة
- الجماليات التجريبية للمسرح الأسود في العرض المسرحي انعكاس
- التجربة الإدراكية الذاتية، واستشراف أخيلة الآخر وأطياف الأشي ...
- التداخلات التأويلية بين الأنا والآخر في - رسائل لم تعد تكتب ...
- الصوت الجمالي للشخصية .. قراءة لمجموعة سلامتك ياراسي لهدى تو ...
- الحكي كنغمات جمالية .. قراءة في مجموعة ( الأمنية الأخيرة ) ل ...
- تقديم وترجمة بهجة الماضي والأحلام لآن برونتي
- تجاوز ثنائية الإغواء، والغياب في مسرحية النداهة لنسرين نور
- نوستالجيا الصور والحكايات وتوظيف مسرح الغرفة في العرض المسرح ...
- تشكيل الكينونة والمحاكاة الساخرة لبنية السارد العليم في رواي ...
- المحادثة الكثيفة الموحية مع الآخر في مجموعة الأحمر لميرفت يا ...
- التجسد التجريبي للموضوع الجمالي في قصص سيد الوكيل
- التصوير الفوتوغرافي بين الاتساع الإنساني و تجدد إدراك الظواه ...
- إشكالية الزمن ورمزية الشخصية الفنية والفضاء في مسرحية الأسطو ...
- الغياب المؤجل، وتعددية الفضاء في العرض المسرحي التوهة
- شعرية الوعي وتفاعل الهويات الثقافية في رواية صراخ الطابق الس ...
- الإنتاجية الإبداعية للعلامة، وتجاوز مركزية الوعي في إصدارات ...
- إيماءات الاختفاء ومراوحات الظهور والغياب في العرض المسرحي شب ...


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يرد على تدوينة لعلاء مبارك طالب فيها الفنانين ...
- إشكالية المعرفة.. من الميثولوجيا إلى الرؤية المعرفية الإمبري ...
- باقري: تفتيش مركز هامبورغ الإسلامي انتهاك لقواعد الحرية الفك ...
- الشعور القومي والتأثر بالغرب.. كيف حاك باموق نسيج التحولات ا ...
- فيلم -النونو-.. تركي آل الشيخ يرد على علاء مبارك
- وجهة بغدادية عصرية.. مقاهي الثقافة والفنون تغادر الصبغة التق ...
- سوريا.. جائزة الدولة لفنان وأديبة وكاتب سياسي
- بمشاركة عربية.. -جائزة بريكس- لتلاوة القرآن تنطلق في قازن (ف ...
- -دخله 300 مليون جنيه سنويا-.. أزمة أحمد عز وزينة تعود من جدي ...
- عيش أجواء زمان.. استقبل تردد قناة روتانا سينما 2024 وشغل مسل ...


المزيد.....

- مختارات هنري دي رينييه الشعرية / أكد الجبوري
- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - قصر رمادي، ونغمات هادئة قديمة للتروما .. قصة قصيرة