أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - كيف تنشأ الأزمات المالية في النظام الرأسمالي، وما تأثيراتها؟















المزيد.....

كيف تنشأ الأزمات المالية في النظام الرأسمالي، وما تأثيراتها؟


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 8049 - 2024 / 7 / 25 - 16:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قلنا في المقالة السابقة بأن من العوامل التي تختفي وراء إستمرارية النظام الرأسمالي في أمريكا على عكس أوروبا التي أعتمدت على الإستعمار، وما أنتجه من ربط لإقتصاديات البلدان المستعمرة بها هو تحسين المستوى المعيشي للعمال الأمريكيين الناتج عن ما يسميه أنطونيو غرامشي بالتنظيم الفوردي للإنتاج الذي رافقته أجورا مرتفعة جدا وأخلقة الحياة الخاصة للعامل، وذلك بهدف تحسين الإنتاج كما وكيفا.
لكن ما طرحه غرامشي يناقضه اليوم الحقيقة المتمثلة في الإقتصاد الصيني، فبعد الإصلاحات الإقتصادية الصينية في التسعينيات من القرن الماضي، والتي أدت إلى ماعرف ب"إشتراكية السوق الصينية" أو ما يسمى ب"إقتصاد السوق الإجتماعي" التي جلبت إستثمارات أجنبية ضخة بسبب العمالة الصينية الرخيصة، والقمع الذي يمكن أن تتعرض لها هذه العمالة في حالة الإحتجاج بسبب الحفاظ على النظام السياسي الشمولي قد أعطى ضمانات كبرى لهذه الشركات الرأسمالية العالمية، وهو ما أدى إلى حركة رؤوس أموال للإستثمار من المركز الرأسمالي التقليدي إلى مناطق أخرى، ويأتي على رأسها الصين بفعل العمالة الرخيصة، وبتعبير آخر إنتقال المركز الرأسمالي إلى الصين وإعادة نفس تجربة القرن التاسع عشر في أوروبا فيها بدفع أجور زهيدة للعمال بدل الأجور المرتفعة في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية، وهو ما أدى إلى غزو السلع الصينية الرخيصة للأسواق العالمية، مما أدى مما أنتج كسادا إقتصاديا وتأثيرا سلبيا على الإنتاج الرأسمالي في أوروبا وأمريكا الشمالية وبروز بطالة في هاتين المنطقتين.
يعرف عن الرأسمالية بأنه كلما زاد الإنتاج أكثر، سيؤدي إلى فائض ثم كساد إقتصادي، فتنشأ بذلك ما يسمى ب"الأزمات الدورية للرأسمالية"، وهو ما يفسر به البعض اليوم دخول العالم في أزمات مالية حادة، خاصة أزمة 2008 لأن البنوك لم تجد في حقيقة الأمر لمن تقرض الأموال بسبب الكساد ونقص الإستثمارات في القطاعات الصناعية المنتجة، فوجدت حريتها في إقراض الأموال للمستثمرين في إقتصاد الخدمات بدل الإقتصاد المنتج وللمضاربين في العقارات وغيرها، وعند حديثنا عن رجال العقار، فلأول مرة يصل أحدهم إلى رئاسة أمريكا، وذلك في 2014، ويتمثل في دونالد ترامب الذي يمكن له أن يعود مرة أخرى إلى الرئاسة الأمريكية في الرئاسيات الأمريكية القادمة. فقد أدى كل هذا الوضع إلى عجز هؤلاء المقرضين تسديد ديونهم، مما أدى إلى إفلاس البنوك، وهذا الإفلاس هو الذي أثر بدوره على الإقتصاد المنتج كلية، مما يولد إنكماشا وبطالة وغيرها من الإنعكاسات، لكن هل فعلا هذا هو التفسير السليم للأزمة المالية العالمية، خاصة عندما وصلت قمتها في2008 أم أن هناك تفاسير أخرى ؟ .
عادة ما يفسر المثقف والإقتصادي المدافع عن سلامة النظام الرأسمالي عن هذا الطرح ويضيف إليه التأثير الصيني التي أغرقت السوق بالسلع الرخيصة نتيجة للعمالة الرخيصة الصينية التي أدت بدورها إلى جلب الإستثمارات الغربية، لكن يحمل هذا المثقف المسؤولية للمضاربين بدل القول أن الخلل يكمن في النظام الرأسمالي ذاته. فبالرغم من أن العودة إلى ماركس يفسر ذلك بكساد السلع والأزمات الدورية للرأسمالية، وهذا ما يطرح أمامنا السيناريوهات المستقبلية لهذه الأزمات المالية العالمية، وتأتي على رأسها إمكانية عودة الصراع الأيديولوجي من جديد بين أنصار الإقتصاد الرأسمالي الحر وأنصار تدخل الدولة في الإقتصاد .
يمكنلنا أن نصنف سيناريوهات المستقبلية إلى نوعين: تأثيرات على العالم المتقدم وتأثيرات على العالم المتخلف أو الجنوب، ونذكر من ضمنها:
رأى البعض من أصجاب الدراسات المستقبلية بعودة الصراع الأيديولوجي من جديد بين الرأسماليين ودعاة الإشتراكية داخل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بعد أزمة 2008، فأعادوا من جديد طرح غرامشي حول المثقف العضوي الذي سيدافع عن إقتصاد إشتراكي والمثقف البرجوازي الذي سيدافع عن فعالية الإقتصاد اللبيرالي، فقالوا بأنه سيعود الماركسيون بطرح أكثر جدية، وسيستفيدون من الأخطاء التي وقعت فيها الأنظمة الشيوعية في الشرق الشيوعي، فيطرحون إشتراكية إنسانية، تسمح بالديمقراطية والحريات، وهو بتعبير آخر إنتصار للأممية الإشتراكية الثانية التي ستعيد التدخل في المجال الإقتصادي وعدم ترك حرية مطلقة للحياة الإقتصادية كما وقع بعد نهاية الحرب الباردة، ويبدو أن حتى أشد دعاة الإقتصاد الحر سيسيرون في هذا النهج مؤقتا على الأقل، حتى يستعيد الإقتصاد الرأسمالي عافيته.
لكن ما رأيناه فيما بعد هو تراجع اليسار تماما في أوروبا على عكس أمريكا اللاتينية، ويبدو أنه قد خفي على أصحاب هذا الطرح أن الأزمة المالية في2008 لم تكن هزيمة للنظام الرأسمالي بعمومه، بل هو هزيمة لمدرسة مونت بيلرن، والتي أسسسها كل من كارل بوبر وميلتون فريدمان وفريدريك فون هايك التي نشأت بأحد منتجعات سويسرا، والتي طالبت منذ الثمانينات من القرن العشرين بالعودة إلى المبدأ الرأسمالي القديم الذي دعا إليه آدم سميث، أي إنهاء أي تدخل للدولة في النشاط الإقتصادي، وقد وصل أصحاب هذه المدرسة إلى السلطة في عهد تاتشر وريغان، وأقنعوا الغرب أن هزيمة المعسكر الشيوعي كان بسبب هذه السياسات الريغانية والتاتشرية، وبتعبير آخر عرف هؤلاء كيف يستفيدون من طروحات غرامشي ذاته بتحقيق هيمنة ثقافية أمام تراجع الماركسيين الذين أذهلهم السقوط السريع للمعسكر الشيوعي.
كما لا يخفى علينا أن من طبيعة الرأسمالية كما قلنا قدرتها على التكيف بهدف الإستمرارية، حتى ولو كان ذلك بالتخلي مؤقتا على بعض أسسها المبدئية كما وقع مع الأزمة الإقتصادية عام 1929 وظهور الكينزية التي سمحت بالدولة للتدخل في المجال الإقتصادي، خاصة وأن الأمريكيين يتميزون بالبرجماتية وعدم الإنغلاق، وهو ما نلاحظه من خلال طرح كل الحلول التي تخرجهم من أزماتهم المالية، ومنها حتى العودة إلى ماركس والإستعانة به، كما ستستعين بشكل آخر اليوم بالهجمة الروسية الجديدة على النظام العالمي الرأسمالي بعد غزوها أوكرانيا والدعوة إلى إعادة الأمبرطورية الروسية كما كانت في العهد الشيوعي، إضافة إلى إنشاء منظمة بريكس إلى جانب الصين ودول اخرى للتخلص والتحرر من هذا النظام العالمي الرأسمالي وتشكيل نظاما إقتصاديا عالميا آخر بدله. فكل ذلك سيستخدم لدفع الرأسماليين إلى التكتل من جديد لمواجهة عودة خطر جديد عليها، بل ستضخم هذه الأخطار كي يتكتل الرأسماليون بعد ما دب الضعف في صفوفهم بسبب غياب الخطر الشيوعي وفشلهم في خلق خطرا جديدا، ونعتقد أنهم لن يتوانوا في إستخدام النموذج الإقتصادي الصيني، ولو مؤقتا، وذلك بعدم إطلاق تام للسوق الحرة، أي إبقاء على نوع من رقابة الدولة على القطاع الإقتصادي وإدخال نوع من المزج بين الحرية والتخطيط الإقتصاديين، كما يمكن أن يقوموا بالضغط على الصين لتخفيض إنتاجها الإقتصادي بإستخدام عدم وجود النفط لديه وإعتماده على نفط بلدان الخليج، وكل ذلك بهدف إعادة إحياء الإستثمارات اٌلإقتصادية في القطاعات المنتجة في الغرب، مما سيعيد للدورة الإقتصادية الرأسمالية حركيتها .
أما بالنسبة لعالم الجنوب، فإن تأثيرات هذه الأزمات المالية، خاصة ازمة2008 ستكون وخيمة جدا لعدة أسباب، ومنها تبعيتها الكلية للنفط والمواد الأولية، فقد دفع الكساد الإقتصادي الغربي إلى قلة الطلب على هذه المواد الأولية والطاقوية، ولو أن الحرب الروسية-الأوكرانية قد أعادت حاجة الغرب، خاصة أوروبا إلى الطاقة، خاصة الغاز اليوم. لكن قبل هذه الحرب ومباشرة بعد2008 دخلت هذه البلدان في أزمات إجتماعية حادة جدا بسبب هذا الكساد الإقتصادي الغربي. وقد توقع الدارسون في 2008 إلى إمكانية وقوع 94 ثورة إجتماعية في هذه البلدان، ومن بينها بلدان شمال أفريقيا، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى فوضى كبيرة، مما سيؤدي بدوره إلى إندلاع حروب أهلية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تدخل القوى الغربية الكبرى في هذه الدول لضمان الإستقرار ومواجهة أخطار الهجرات إليها، مما سيجعل هذه البلدان في قبضة القوى الإستعمارية القديمة بشكل أو بآخر، وهو ما سيساهم في حل بعض المشاكل المالية للغرب الرأسمالي، فهذا ما وقع بالفعل في 2011 بإندلاع ما يسمى ب"الربيع العربي" أي بعد ثلاث سنوات من أزمة2008.
وإذا أدركت هذه البلدان هذه الأخطار المحدقة بها، فبإمكانها العودة إلى فكرة تعاون جنوب-جنوب لحل بعض مشاكلها الإقتصادية قبل فوات الآوان، كما حاولت بعض الدول دخول منظمة البريكس للتخلص من النظام الإقتصادي العالمي الرأسمالي المجحف من جهة والبحث عن دعم سياسي روسي وصيني لمواجهة الهيمنة الأمريكية، وهو ما يسمى بعمل هذه الدول من أجل نظام عالمي متعدد الأقطاب بدل العالم أحادي القطبية الذي نتج عن إنهيار الإتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينيات القرن20، والذي كان كارثة على الدول الضعيفة سياسيا وإقتصاديا، والتي اصبحت محل إستغلال رأسمالي بشع.



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أستمر الإستغلال الرأسمالي الغربي لمنطقتنا بعد خروج الإ ...
- كيف أنقذ الإستعمار النظام الرأسمالي في الغرب؟
- مراحل تطور النظام الرأسمالي في الغرب
- هل فعلا النظام الرأسمالي وراء تقدم الغرب؟
- نحو مشروع إنساني بديل
- هل تم تكفير علي شريعتي في إيران؟
- نجيب محفوظ بين الحقيقة والمروج عنه
- هل ناقض أندريه غروميكو التفسير الماركسي لحركة التاريخ؟
- قراءة في أوراق سفير جزائري بباريس
- هل تخلت الصين عن الماركسية؟-قراءة في نموذجها-
- ماذا ترك هنري كيسنجر بعد رحيله؟
- الصهيونية أعلى مراحل النازية
- ماذا يختفي وراء عملية طوفان الأقصى في فلسطين؟
- محمد حسنين هيكل والربيع العربي-قراءة نقدية لطروحاته-
- انها فرصة لتحقيق التحرر الفعلي لشعوب منطقتنا
- أفريقيا في حاجة إلى مقاعد دائمة في مجلس الأمن الدولي بدل مقا ...
- أفريقيا فوق بركان
- مجموعة البريكس وبناء نظام عالمي جديد
- ماوراء دعوة زيلينسكي إلى القمة العربية بجدة؟
- علاقة طه حسين بالجزائر


المزيد.....




- فيديو لشرطي يدوس رأس رجل وآخر يضرب شخصا في مطار مانشستر يثير ...
- سيلين ديون، ليدي غاغا، آية ناكامورا... من ستحيي حفل الافتتاح ...
- هاريس: بايدن سيواصل قيادة البلاد خلال الأشهر المتبقية من ولا ...
- الجيش الإسرائيلي يستعيد جثث خمس رهائن في غزة
- شاهد: أمطار غزيرة تضرب شمال اليابان وتسبب فيضانات وانهيارات ...
- مصر تبدي مرونة في بقاء القوات الإسرائيلية على حدودها مع غزة ...
- هل روسيا منفتحة للتفاوض مع أوكرانيا بقيادة زيلينسكي؟
- تونس.. -الحزب الدستوري الحر- يتمسك بتقديم ملف ترشح عبير موسي ...
- لقاء بوتين ولوكاشينكو في جزيرة فالام
- -عملية وموثوقة-.. منظومات -ستريلا- الصاروخية الروسية تظهر كف ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - كيف تنشأ الأزمات المالية في النظام الرأسمالي، وما تأثيراتها؟