أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بين الإحتمال واليقين














المزيد.....

بين الإحتمال واليقين


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8048 - 2024 / 7 / 24 - 14:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
٢ - الإحتمال واليقين

أما الإنسان الذي لا يستطيع أن يتخيل ميكانيكية ساعة إينشتاين ويعتبرها مجرد معجزة عادية من معجزات القدرة الإلهية، فإنه بالتأكيد إنسان محاصر ويرفض أن يفك الحصار عن عقله لأسباب متعددة أهمها بالتأكيد الخوف من المجهول واللامتوقع والجديد والغريب. فعندما يحاول هذا العقل المنفي عن ذاته أن يلقي نظرة من شق صغير في هذا الجدار الذي يحاصره، ينتابه فورا نوع من الرعب والهلع والخوف الميتافيزيقي، حيث يكتشف أنه وراء هذه الجدران المحيطة به يوجد العالم الفسيح المتمثل في فراغ سديمي كاسح يستدعي قوة خارقة للإحاطة به ولمواجهته والحياة بين ثناياه ونتوءاته، فيعود مسرعا إلى معبده وسجادته يسبح بحمد ربه الذي حصنه وراء أسواره ويتعود من الشيطان الرجيم الذي ينتظره في كل خطوة. ذلك أن العالم الحقيقي يعد مصدرا للرعب والفزع لمن اعتاد الإعتماد على القوى الخارقة للإجابة على تساؤلاته، ويبعث على القلق لفساحته ولا نهائيته ولضآلة الإنسان الذي لا يستطيع أن يزيد قامته طولا وعظمة إلا من خلال الختم الإلهي بمثابة شهادة الضمان. ولا يستطيع العقل المحاصر إلا أن يعود لزنزانته وسلاسله وعالمه اليقيني المنظم "عقليا" بطريقة لا يدخلها الشك، حيث لكل دوره المرسوم مسبقا، الخالق والمخلوق، السيد والعبد، الجنة والنار، الخير والشر وحيث لكل حدث سبب وعلة وتفسير موثق في الكتب المقدسة، ولكل عمل ثوابه أو عقابه. محنة هذا العقل المنفصم تكمن في كونه هو الذي خلق هذا العالم ونظمه بالطريقة التي هي عليه، هو الذي تخيل السيناريو وأبدع الحوار ووزع الأدوار، وهو مخرج المسرحية من ألفها إلى يائها، ولكنه أيضا هو الممثل والمشاهد، وفي هذه الحالة لا مفر له من مواصلة اللعبة والتضاهر بمواصلة نشاطه الطبيعي. ولهذا السبب نجد العديد من المفكرين والمثقفين الإسلاميين يرددون دون كلل بأن "العقل" هو ركيزة الإسلام وضرورة حيوية تقود إلى الإيمان كما نشاهده في الأدبيات الدينية المتعددة، كما في هذا المثال الذي ذكرناه في مقال سابق: "بالعقل يمكن الاستدلال على اثبات وجود الحق سبحانه، وفي هذا السياق سأ ل الامام الأعظم أبو حنيفة النعمان امرأة عجوزاالسؤال التالي: ما دليلك على وجود الحق سبحانه؟ فردت بلغة العقل ومنطق العقل قائلة: بحار ذات أمواج، وسماوات ذات أبراج، وجبال ذات فجاج، الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير أليس هذا دليلا على وجود اللطيف الخبير؟ فما كان من أبي حنيفة (وهو امام مدرسة العقل والرأي والقياس) الا أن أجابها قائلا: لا ايمان الا ايمان العجائز" وهكذا بواسطة إستقراء الظواهر الطبيعية يستنتج العقل الغيبي بأن العالم هو بعرة الله، متناسيا بأن فكرة الله ذاتها هي التي يجب مسائلتها قبل الذهاب إلى قضية وجوده من عدمه. وهذا الفكر الذي يلجأ إلى آليات العقل ويستعمل أدواته الأولية في الإستقراء والإستنتاج بطريقة بدائية، مرتكزا على تجاربه العاطفية والنفسية دون أن يتحقق من مصداقية هذه التجارب وموضوعيتها، هذا الفكر ينتهي به الأمر إلى أن يفقد إتصاله بالعالم الحقيقي والواقعي ويسقط في غياهب الوهم والضباب، رغم بقائه فكرا عقلانيا. فمثلا هذا الخبر الذي تناقلته الصحافة والعديد من مواقع الإنترنت الإسلامية، يقول الخبر " أتلف النمل الأبيض مخطوطة نادرة لمصحف عمره 100 عام في مدينة حيدر آباد في الهند، والغريب في الأمر أن النمل أكل اجزاء الصفحات بدون أن يمس كلمات القرآن الكريم … سبحان الله … كيف عرف هذا النمل الابيض أن هذا كلام الله " الخبر يبدو صحيحا وموثقا بالصور، حيث نرى مجموعة من الهنود يعرضون شرائح المخطوطة ونرى بوضوح كاف إختفاء أجزاء الورق غير المكتوب والذي بين السطور ولم تبق إلا الشرائح التي تحتوي على الكتابة. ومن المعروف أن النمل الأبيض يسبب أضرارًا جسيمة وخسائر فادحة من جراء تغذيتها على المواد السليولوزية للأخشاب، مثل سطوح المنازل الخشبية، وجذوع الأشجار وجذورها، وأعمدة التليفونات والأثاث، والأقمشة والمفروشات والخيش والموكيت والورق والكرتون، وكذلك الحبوب المخزونة كما عرف عنها بأنها تتغذى على المادة النباتية الحية؛ إذ تلتهم الحقول والبساتين والمراعي ومشاتل أشجار الزينة والمحاصيل الزراعية المختلفة، ويهاجم أيضا الكتب والأوراق والسجلات والمخطوطات، وقد يلتهم مكتبات بأكملها. غير أن هذا النمل لا يعرف القراءة ولا يفرق بين محتوى مخطوطة وأخرى، ولكنه بلا شك يفضل مواد سيلولوزية على أخرى، ويفضل الورق النقي على الورق الملطخ بالحبر إلخ. والعقل الغيبي لم يحلل طبيعة ورق المخطوطة التي أكلها النمل ولا الحبر الذي كتبت به وإلا لأدرك أن الأمر لا يتعلق بثقافة النمل ولا بإيمانه وإنما بما يتغذى به في الطبيعة، بما يأكله وما لا يأكله. والقول بأن النمل الأبيض لا يأكل كلام الله المقدس هو استنتاج مقولة دينية سابقة على عملية الإستقراء العقلية ولا ترتبط بالبحث العلمي عن مسببات هذه الظاهرة وتفسيرها. فالأمر يبدو وكأن هذا العقل الغيبي يقفز مباشرة إلى النتيجة، التي يعرفها مسبقا متخطيا أو مختصرا السلسلة المنطقية الطويلة التي قد تأخذ وقتا من الزمن في التحليل والدراسة. لأنه حتى لو قام بتحليل المخطوطة في المعمل وعرف بالتفصيل طبيعة الورق ومركباته وطبيعة الحبر الذي كتبت به فإنه سينتهي بالقول: سبحان الله، ويستنتج بأنه ما دام الأمر هكذا فهي إرادة الله على كل حال. فهذا العقل يبحث عن المؤكد واليقيني ويتفادى المحتمل ويرفض الشك، ويفضل أن يعيش في جنة اليقين المريحة الخالية من القلق والتردد والتساؤل وخالية من الفراغ الناشيء عن علامات الإستفهام الذي يؤرق العقل العلمي ويعذبه.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساعة إينشتاين
- حريق الظل الطويل
- عن الأخلاق واللاهوت
- الغرامشية اليمينية
- الثقافة ضد الدكتاتورية
- الثورة المضادة في فرنسا
- الخطر الفاشي في فرنسا
- القشور
- لعبة الروليت الماكرونية
- الفلسفة الأولى
- ثقوب الوعي
- عن الميتافيزيقا
- الإنفصام
- عن كون ولا كون الكائن
- نكبة الحرف المجنون
- ماهية العدم
- طرق المعرفة
- الكينونة بين المعرفة والخيال
- العقل المفكك وبعثرة المقاومة
- الكينونة كمصدر


المزيد.....




- ماذا قال نتنياهو عن تصوره لغزة بعد الحرب خلال خطابه أمام الك ...
- واشنطن قلقة إزاء تعاون كوريا الشمالية مع بيلاروس
- غارة جوية روسية تستهدف حديقة في خاركيف الأوكرانية
- نتنياهو يدعو خلال خطابه أمام الكونغرس إلى أن تكون غزة -منزوع ...
- زعيم المعارضة الإسرائيلية معلقا على كلمة نتنياهو أمام الكونغ ...
- نتنياهو أمام الكونغرس: القتال في غزة مستمر حتى تحقيق النصر ا ...
- بعد فيديو -الهدهد-..-حزب الله- يعرض مشاهد من عمليات نفذها ضد ...
- غرق 15 وفقدان أكثر من 150 في انقلاب قارب قبالة سواحل موريتان ...
- نتنياهو يقترح أمام الكونغرس تشكيل -تحالف أبراهام- لمواجهة إي ...
- ما تداعيات نشر حزب الله صورا لأهم قاعدة عسكرية في شمال إسرائ ...


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بين الإحتمال واليقين