أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مالك ابوعليا - الدفن الانساني الطقوسي الواعي: العصر الحجري القديم الأوسط، بدايات العصر الجليدي الأخير















المزيد.....



الدفن الانساني الطقوسي الواعي: العصر الحجري القديم الأوسط، بدايات العصر الجليدي الأخير


مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)


الحوار المتمدن-العدد: 8047 - 2024 / 7 / 23 - 14:26
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مؤلف المقال: يوري الكساندروفيتش سميرنوف*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

"يبدو أن الموت هو انتصار قاسي للنوع Species على الفرد، ومُناقضاً لوحدتهما، لكن الفرد المُحدَّد ليس سوى كائن نوعي species-being، وهو باعتباره كذلك، فإنه فانٍ"

كارل ماركس(1)

بقدر ما أدرَكَ البشر هذا التناقض الواضح، الذي ذكره ماركس في عباراته، فقد حاولوا حلّه بطُرُقٍ كثيرة، منها إظهار اهتمامٍ خاص بالموتى من خلال طريقة دفنهم. كان الدفن المُتعمّد واحداً من أهم المُساهمات التقدمية التي ابتكرها الانسان البدائي في الثقافة الانسانية. ولم يكن تمظهر هذا الدفن ينحلّ في التناقض الرئيسي بين النوع والانسان، بل كذلك بين الحياة والموت. في حين أن الموت، بحسب غوته، يضع نهايةً لوجود الفرد، فإن الدفن يمنحهُ مجازياً حياةً أُخرى. بعبارةٍ أُخرى، يُمكن أن يُنظَرَ الى بداية الدفن المُتعمّد على أنها نوعٌ من انتصار النوع الانساني على الموت.
تَظهَرُ أقدم الآثار المؤكّدة لهذا النوع من التخلص من جُثث الموتى منذ حوالي 70 ألف سنة، في العصر الحجري القديم الأوسط(أ). إنها تُمثّل بداية المُمارسة الجنائزية في أحد أشكالها الرئيسية، أي الدفن. اكتُشِفَت مدافن العصر الحجري القديم الأوسط لأول مرةٍ منذ أكثر من قرنٍ من الزمان، وكانت منذ ذلك الحين، ذات أهميةٍ كبيرةٍ لمؤرخي ما قبل التاريخ، لأنها كانت تُمثّل مصدراً خاصاً جداً للمعلومات حول الانسان وجوانب حياته المُختلفة. إنها تُمكننا من دراسة الأشكال الأولية للدفن وعبادة الموتى، وتطوره، وهي ظواهر كانت نادرةً في العصر الحجري القديم الباكر، وأصبَحَت أكثر شيوعاً في العصر الحجري الوسيط، وصارت تقليديةً بحلول العصر البرونزي، ومارسها أغلب البشر عبر التاريخ لاحقاً.
قبل استحداث الممارسة الجنائزية، كان السلوك البشري مقصوراً بشكلٍ أساسي على الأنشطة النفعية الصرف، ويُمكن اعتبارها مُكونةً من نوعين مُتكاملين من أنواع التكيّف: 1- التكيف الطبيعي، و2- التكيف الثقافي (الثقافة القديمة من العصر الحجري). تضمّنَ التكيّف الطبيعي التحكم في الموارد (في هذه الحالة، البحث عن الطعام، بما فيها اللقاط، والصيد العَرَضي للحيوانات الصغيرة وربما التقمُّم)، والتحكم بالمكان (الانتقال الى المشي على قدمين بالكامِل) و(التحكم بالبيئة الأولية والاستيطان فيها)، كما كانت تتضمن أيضاً تثبيت وتنظيم اعادة الانتاج البيولوجي بما في ذلك تنشئة النسل. تضمّنَت التكيفات الثقافية (أي غير المُتأصلة في الجنس البشري) مزيداً من السيطرة على الموارد (صيد الحيوانات الكبيرةكجُزءٍ من البحث عن الغذاء، وجمع المواد الخام لصُنع الأدوات وبناء المأوى)، ومزيد من السيطرة على المكان (صنع الأدوات واستخدامها)، والسيطرة على الطاقة (النار). ومع ذلك، يُشير السجل الأثري الى أن التكيفات الثقافية بالكاد تجاوزَت هذه المُحاولات البدائية للسيطرة. وهكذا، كانت الأنشطة البشرية في عصور ما قبل التاريخ تهتم، في المقام الأول، باشباع احتياجات الانسان الأساسية، أي التكيّف مع البيئة، والعمل فيها بنشاط، من أجل الحفاظ على النوع وتوفير احتياجات الفرد.
في ضوء ما سَبَق، يُمكننا أن نفترض أن بدايات الدفن المُتعمّد يُمثّل مرحلةً جديدةً في تطور المُجتمع البشري، عندما ظَهَرَت الى الوجود أنشطة لم تكُن تكيّفيةً بشكلٍ مُباشر وكان هناك انتقالٌ من السلوك الثقافي القديم الى السلوك الثقافي الجديد. أعتقدُ أن بداية الدفن المُتعمّد، كان حدثاً تاريخياً هائلاً للغاية. ظَهَرَت المُمارسات الجنائزية في سياق ثورة صناعة الأدوات في العصر الحجري الوسيط التي انتشرَت على نطاقٍ واسع، وفي سياق الانتشار الجغرافي الكبير لإنسان النياندرتال، وسيطرته على أجناس البشر في أوراسيا. يُمكن تأريخ هذه الأحداث في المراحل الأُولى من العصر الجليدي الأخير(ب). في الواقع، إن ظهور الدفن المُتعمّد يُمكنه أن يُسوّي الخلاف حول ما اذا كان ينبغي اعتبار العصر الحجري القديم الأوسط مرحلةً مُنفصلةً في تاريخ البشرية أم لا(2)، حيث أن العصر الحجري القديم المُتوسط تميّز بمعايير من نفس ذلك النوع الذي يُستَخدم لتمييز العصر الحجري القديم الأعلى: انتشار الهومو سابيان، وهيمنته على الأنواع البشرية الأُخرى، والتوزّع العالمي لصناعة أدوات العصر الحجري الأعلى، وظهور الفن.
هُناك أسباب تجعلنا نفترض أن الانسان البدائي لم يكن سيتبنى نمطاً جديداً من السلوك الا بعد أن تكون المجموعة الاجتماعية البدائية الواعية بذاتها، قد طوَّرَت روابط اجتماعية قوية ومُستقرة بما فيه الكفاية. يُمكننا أن نستنتج من أشكال الطقوس الجنائزية في العصر الحجري القديم الأوسط أنه بحلول تلك الفترة، كان الحاجز الذي يفصل بين عالَم الأحياء وعالَم الأموات معروفاً بالنسبة الى الناس تماماً. من المُحتمل جداً أن الممارسات الجنائزية أدَّت أيضاً الى ظهور أقدم أنواع الأساطير، في ابتكار عالَم الموتى وابتكار تاريخ البشر الأُسطوري الخاص.
تعود بدايات تاريخ البشرية الآن الى ما لا يقل عن 2.5-3 مليون سنةٍ مضت. ولكن لا تُوجد أي عملية دفنٍ مُتعمدةٍ واحدة معروفةً تقريباً طوال هذه الفترة الزمنية الهائلة. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن البشرية، حتى لحظة مُعينة، كانت تتجاهل موتاها تماماً. فمثلاً، في فتراتٍ أسبق على الدفن، نعتقد أنه كانت تُؤدّى طقوس مُعينة، وومن ضمنها أكل لحوم البشر، ويُمكن لهذه الطقوس أن تكون قد اتخذت أشكالاً أُخرى مثل عبادة الجُمجمة، أو أنها لم تترك آثاراً يُمكن للأركيولوجيا الحديثة أن تستردها.
هُناك أدلّة ظرفية تُشيرالى أن عبادة الجُمجة والفك السُفلي في العصر الحجري الأدنى كان موجوداً. فمن الصعب ايجاد أي تفسيرتافونومي taphonomy (جـ) للوقائع التي تُشير أن عدد لُقى الجماجم البشرية (50% من اجمالي العدد) يفوق بكثير عدد لُقى بقايا الجسم الأُخرى (15% من اجمالي العدد)، وأن لُقى الفك السُفلي mandibles هي أقل شيوعاً بنسبة 20% من الجماجم (على الرُغم أنها مُمثلة نسبياً بشكل مُتساوي). وبالمثل، يظهر أن لُقى الفكوك السُفلى للأطفال دون سن الرابعة عشر في مواقع العصر الحجري القديم الأدنى والأوسط في افريقيا، والعصر الحجري الحديث الأعلى في آسيا، هي أكثر شيوعاً بنسبة 30% من لُقى الفك السُفلي الخاص بالبالغين، و20% أكثر شيوعاً من لُقى جماجم البالغين والأحداث. لا يُمكن تفسير هذه الفروقات من خلال علم التافونومي، ولا من خلال مسألة انحياز المُنقّبين للجُمجمة والفك السُفلي، أو حتى من خلال فرضية تهشيم العظام osteodontokeratic التي طَرَحها ريمون دارت Raymond Dart (1957)(د). إن أفضل تفسير لهذا النمط، يكمُن في الاهتمام الباكر الذي أولاه الانسان بالجُجمجة والفك السُفلي لجُثث موتاهم، ولا سيما الأطفال منهم. كان من المُمكن أن يؤدي هذا الاهتمام، الى أخذها وحفظها في أماكن السكن، بدلاً من القاءها في القُمامة، حيث كانت ستتحلل أسرع نسبياً عندما تختلط مع البقايا العضوية.
على أية حال، لا توجد عمليات دفن مُتعمدة معروفة قبل العصر الحجري القديم الأوسط. ومع ذلك، فحتى أقدم حالات الدفن تُظهِر تعقيداً كبيراً. لذلك لا يجب أن ننظر الى الأمر وكأن طقوس الدفن تخضع لتطوّرية Evolution بسيطةٍ ما، كما يفترض بعض الباحثين. تخضع دراسة عملية الدفن نفسها الى اعتباراتٍ مُعقّدة، مثل شكل وحجم الجسم المدفون، وقوانين الطبيعة العامة والخاصة، ومنطق الطقوس الجنائزية وطريقة الدفن نفسها. حافَظَت أنماط الدفن على شكلها منذ العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر. ونجد فيها منذ بداية ظهورها ذُخراً من تنوعات واختلافات أساسية كاملة. وهذا يتوافق من المُلاحظة الشائعة لمسألة أن أنماط التنظيم الاجتماعي المُختلفة يُمكن أن تُنتِجَ نمط الدفن نفسه، وعلى العكس من ذلك، قد تَنتُجُ ممارسات جنائزية مُتنوعة من أنماط تنظيمٍ اجتماعيةٍ مُتماثلة.
تَظهَر اولى حالات الدفن الطقوسي في العصر الموستيري (قبل 160000-40000).ولكن في الوقت الحاضر ، يصعُبُ- باستثناء عددٍ قليلٍ من الحالات- تصنيف الحالات التي حَصَلَت في هذه الفترة، على أنها دفنٌ مُتعمّد. في أوروبا وآسيا، هناك ما يزيد قليلاً عن 60 حالةٍ من حالات الدفن المُتعمّد خلال آخر 30 أف عامٍ من العصر الموستيري: أي بمُعدّل مرتين في كُل ألف عام.
في هذا المقال، نتناول الدفن الطُقسي في زمن العصر الحجري القديم الأوسط 250000-50000، في اوراسيا، حيث لا يُعرَفُ غيرها في أي مكانٍ آخر باستثناء افريقيا، حيث لا يُوجد هُناك سوى 4 احتمالات: ثقافة أومو 1 كيبيش Omo 1-Kibish بالقُرب من نهر أومو جنوب غرب اثيوبيا، موقع كهف الحدود Border Cave 3 غرب جبال ليمومبو الواقع شرق دولة جنوب افريقيا، وفيش هويك 1 Fish Hoek في جنوب افريقيا، ومدفن بوسكوب Boskop شمال غرب دولة جنوب افريقيا. من الصعب مُقارنة العينات الافريقية مع تلك الأوراسية. بالاضافة الى ذلك، من المُحتَمَل أن يكون الدفن الطقوسي في كهف الحدود وفيش هويك أحدث. وقد تكون سياقات الهياكل العظمية التي عُثِرَ عليها في اومو كيبيش وبوسكوب غير واضحة تماماً.
من الناحية التاريخية، لم تكن هذه المدافن المذكورة أقدم من العصر الجليدي الأخير، وكلها تعود الى المرحلتين الأوليتين وورم 1 Würm وورم 2 والمرحلة الفاصلة بينهما، وهذا يتوافق مع الفترة ما بين 70 ألف الى 60 ألف عام و35-30 ألف سنة مضت.
من الناحية التصنيفية، تنقسم جميع المدافن الى مجموعتين رئيسيتين. تضم الأولى نياندرتاليي أوروبا الغربية من نمط لا تشابيل Chapelle-aux-Saints، وبعض النياندرتاليين من القرم وآسيا الوسطى والشرق الأدنى. أما المجموعة الثانية فتتكون من هوموسابيان من مغارة السخول Skhul جنوب حيفا وكهف القفزة Qafzeh جنوب الناصرة وكهف ستراسيليا Staroselye في القرم. تقتصر العيّنة على المدافن المُرتبطة بالتنويعات التكنيكية العائدة للفترة الموستيرية، أي بين 160000-40000 سنة، وبالتالي، تم استبعاد الهيكل العظمي للنياندرتال من الطبقة الشاتيلبيرونية(هـ) Chatelperronian من منطقة سان سيزير Saint Cesaire.

- الخلفية التاريخية
عُثِرَ على المدافن الموستيرية الأولى في سباي Spy الواقعة في بلجيكا عام 1886. تم افتراض وجود دفن طقوسي مُتعمّد في العصر الحجريالقديم الوسيط بعد 22 عاماً من هذا الاكتشاف، أي بعدما عُثِرَ على كهف لا تشابيل في فرنسا. وكان هذا الاكتشاف الأخير هو الذي أدى أيضاً الى أول صياغة نظرية جديدة لإمكانية وجود صلة بين الدفن المُتعمّد والمُعتقدات الدينية. لقد أثارت فرضة الدفن المُتعمّد الذي قام بها النياندرتال عاصفةً من الجَدل بين مؤرخي ما قبل التاريخ. دَعَمَت المُكتشفات التي تمت في العشرينيات والثلاثينيات، مثل كشوفات مغارة السخول ولا فيراسي La Ferrassie في فرنسا وغيرها، دَعَمَت أنصار فرضية الممارسات الجنائزية في العصر الحجري القديم الأوسط، واعتَرَفَ مُعظم العُلماء الغربيين بأن المدافن الموستيرية كان لها جانب ديني.
حاوَلَ بعض المؤرخين السوفييت اثبات عدم وجود مدافن موستيرية مُتعمّدة (بليستسكي 1952)، في حين أشار آخرون الى طابعها البدائي وغير المُتطور (ايفيمينكو 1953). هناك عدد من العُلماء اعترفوا بوجود الدفن الطقوسي الواعي وأشاروا أيضاً الى أن لها جذور اجتماعية ودينية (نيكولسكي 1923، زامياتنين 1961، اوكلاديكوف 1952). ومع ذلك، كان الجميع يفترض بأن "الديانة الموستيرية غير مُتطورة".
انقسمت دراسات الدفن الباكر الى مجموعتين رئيسيتين: تكوّنت الأولى من الدراسات المسحية الشاملة التي أكّدَت على الجوانب الدينية في كثيرٍ من النواحي (جان بويسيني Jean Bouyssonie 1954، فريدريك بورغونيو Frédéric-Marie Bergounioux 1958، سيرجي توكاريف 1964، ويوري سيمينوف 1966). ونَزَعت المجموعة الثانية الى تجاهل الجوانب الدينية، فكانت مُهتمةً بتفصيلات كشوفات مُعينة (آليش هارليتشكا Aleš Hrdlička 1930، زامياتنين 1961، فانديرميرتش 1965 و1982، بينفورد 1968، غريغورييف 1968، هارولد 1974، كوروبكوف 1978، تيليير 1982، ديفلور تانيو 1982).
شَهِدَ العقدان الأخيران تطوراتٍ كبيرةٍ في هذا المجال: فقد تم تأريخ المواقع بدقّةٍ أكبر، وتم تحديد الصلة بين المدافن والأدوات الموستيرية، وتم تحديد تاريخ المواقع التي كانت قد اكتُشِفَت في بداية القرن العشرين بدقّة أكبر. ومع ذلك، لا يزال الجانب الطُقسي للدفن غير معروف جيداً، مما أربَكَ الباحثين، بالاضافة الى بروز تباين واسع في الآراء بشأن مدافن مُعينة والخلاف حول عددها، والتأكيدات حول الطبيعة "غير المُتطورة" للدفن، وحتى مُحاولات انكار وجود الممارسات الجنائزية في العصر الحجري القديم الأوسط.

- الخلفية النظرية
أ- التافونومي
يجب النظر الى التعامل مع الموتى على أنه مجال من مجالات النشاط الانساني، وهو مُستقل في كثيرٍ من النواحي عن المجالات الأُخرى. إنه نشاط، مثل النشاطات الأُخرى، يتضمّن غاياتٍ ووسائل مُعينة، والتي تُحدد بدورها مسار النشاط ونتائجه. ولهذا السبب، أستخدم هُنا مُصطلحاً خاصاً، وهو التافولوجي، للاشارة الى مجموع المعارف التقليدية حول الطقوس الجنائزية والتعامل مع الأموات في مُجتمعٍ مُعيّن، والتي تدرس هذا النشاط.
يخضع التخلص من جُثث الموتى الى قوانين مُعينة، والتي علينا أن نفهمها لكي نستطيع تفسير الظهور الأول للمدافن الأولى المُتعمدة. هناك مسألة أُخرى، تتمثل في أن أشكال الدفن الطقوسي لم تتطور الى أشكال مُختلفة نوعياً. أولاً، كانت المواقع التي دُفِنَت فيها الجُثث هي نفسها منذ العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر، أي أن الدفن كان يحصل في نفس الأماكن منذ العصر الحجري القديم الأوسط. ثانياً، كانت جميع هياكل المدافن سواءاً كانت طبيعيةً أم صناعية ، منذ العصر الحجري القديم الأوسط، تقوم على نموذجين معروفين: الدفن في الحُفرة Pit والدفن في التل Mound. ثالثاً، في أغلب الأحيان، تكون المواد المدفونة مع الميت (سواءً مواد طبيعية جاهزة أم من صُنع الإنسان) خاصّة بذلك الميت، والتي كان يستخدمها أثناء حياته (أو كانت تُدفَن تلك المواد التي تُصنَعُ خصيصاً للدفن). ويُمكن تصنيف تلك المواد الى ثلاثة فئات: أدوات العمل، الطعام أو/و الشراب، والأدوات ذات الطابع "الايديولوجي". تُظهر المدافن العائدة للعصر الموستيري 160000-40000، تنوعاً من هذه الفئات الثلاث. وتجدُر الاشارة هُنا الى أنه من المُحتَمَل أن عناصر تلك الفئات كان يُراد منها أن تؤدي وظائف مُختلفة عند دفنها عما كانت تقوم عليه أثناء حياة الشخص الميت، وقد تتغير وظائفها عبر الزمن، وتنتقل العناصر من فئةٍ الى أُخرى.
تُتيح لنا دراسة قوانين التخلّص من الجُثث ودفنها أيضاً، الى فهم كيف يُمكن أن تقود الأنماط العلاقات الاجتماعية على اختلافها، بالاضافة الى اختلاف المُعتقدات الدينية بين هذه الجماعة البدائية أو تلك، الى بروز شكلٍ واحدٍ من أشكال الطقوس الجنائزية. ولهذا الغرض، يجب علينا أولاً، أن نُميّز بين الإندفان الطبيعي والدفن الذي قام به البشر عند عمد. يُمكن النظر الى الدفن على أنه نقل البقايا العضوية من بيئتها الأساسية الى بيئةٍ ثانوية(و). أول من صاغَ القوانين الأساسية للدفن الطبيعي ايفريموف في الثلاثينيات، وهو مؤسس علم التافونومي، وهو علم يدرس بقايا النباتات والحيوانات وعملية اندفانها، وكذلك عملية اندفان البشر في المرحلة التي سبَقَت الممارسات الجنائزية الأُولى، بالاضافة الى حالاتٍ مُماثلة حصلَت بعد هذه المرحلة.
قبل أن نقترح تعريفاً للدفن المُتعمّد، من الهام النظر الى التعريف العام للحظة الموت الجسدي، وهي الانتقال من حالة النشاط الحيوي Vital الى علاقة جديدة نوعياً مع البيئة.

ب- التعامل الجنائزي مع الموتى
تتبع طقوس الدفن الأولية أحد هذين الطريقين المُتعارضين: تهدُف الأولى الى الحفاظ قدر الأمكان على الجُثة، والتي شَمِلَت في أزمنة لاحقة صَون الجُثة Embalming وتحنيطها Mummification، أو قد تهدُف في الاتجاه النقيض، الى التدمير الكامل للجسد، مما يؤدي الى تحويل أنسجة العظام الى شظايا وقِطَع صغيرة أو حرقها بالكامل cremation. وبعد الموت، قد يخضع الجسد لطقوس وسيطة، مثل الغسيل والتضميد ووضع الطلاء عليها. يُمكن أن تتم هذه الاجراءات بشكلٍ مُستقل، ثم تتبعها عملية الحفاظ عليها أو تدميرها. يُمكن لعملية التخلص من الجثة أن تسير باحد الاتجاهين، ثم السير في الاتجاه المُعاكس . على سبيل المثال، قد يتم تقطيع أوصال الجُثة ثم تحنيط الأجزاء، أو قد تُحرَق الجُثة بعد أن تخضع لعملية الحفظ (الصون). بالاضافة الى ذلك، قد تكون أجزاء من الجسد فقط، هي الخاضعة لنشاط التخلص من الجثة في أيٍّ من الاتجاهين المذكورين أعلاه.
بعد خضوع الجسد للطقوس الأولية، تصير أنشطة الطقوس النهائية نُقطة انطلاقٍ أُخرى. يؤدي أحد المسارات البديلة الى إخفاء الجثة، حيث تُنقَل الجُثة الى مُحيط اجتماعي آخر، وتنتهي هذه الدورة بالدفن. في المسار الثاني تُحفَظ الجثة للعرض. في الحالة الثانية، حتى لو لم تُنقَل الجثة من مكان الموت، فقد يُنقَل الميت أو بعض مُحيطه الى مجال العلاقات الاجتماعية من خلال الطقوس، مثل فرض تابو على الجسد والمسكن الذي يُحفَظ فيه.
وكما هو الحال، يمكن أن تتوقف العملية وقد يخضع الميت أو بقاياه الى عملية مُعاكسة، بحيث يُدفَن الجسد غير المدفون، أو تُستَخرَج الجُثة المدفونة ويُعاد دفنها، أو تُنقَل الى المُحيط الاجتماعي للعرض. قد يخضع الجسد بأكمله الى هذه الاجراءات أو أجزاء منه فقط. بالاضافة الى ذلك، قد يكون العرض والدفن بحد ذاتهما مُجرّد حلقةٍ من سلسلة الطقوس الأولية، وهذا يشمل الدفن المؤقّت في الأرض أو في الماء لفصل العظام عن الجسد قبل عرضها، أو عرض الجُثة لكي يزول اللحم عن العظام من أجل دفنها.
هُناك كذلك اجراءات أُخرى قد تُصاحب عملية الدفن بأكملها، مثل صُنع مكان الدفن واختيار المواد المُراد وضعها في القبر وإرشاد الأحياء الى كيفية القيام بطقوس الجنازة، والتي تسبق أو تُصاحب عملية الدفن.
وبالتالي، يُمكن تعريف الدفن على أنه نقل مُتعمّد للجسد من مُحيطٍ اجتماعيٍّ الى آخر (الانتقال من التعامل الاجتماعي معه على أنه حيّ، الى التعامل الاجتماعي معه على أنه ميّت). عندما يُحصر الميت في مكانٍ مُعيّن (المدفن، المكان المُخصص للعرض الخ)، ينشأ في العلاقات الاجتماعية، ما يُسمّى المُجمّع الجنائزي. العاملان الأكثر أهميةً في عملية الدفن هُما النقل المُتعمد والنهائي للجُثة الى عالَم الطقوس الاجتماعية، وعزلها بشدّة عن مُحيطها الأصلي.

جـ- المُجمّع الجنائزي
العُنصر الرئيسي للمُجمّع الجنائزي، هو الهيكل الجنائزي: دوره الوظيفي الأكبر هو الدفن الفعلي وجعله نُصًباً تذكارياً.
اذا نظرنا الى المُجمّع الجنائزي ككُل، فهو عبارة عن نظام من الأجزاء المُنظمة المُرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعضها. بقايا الميت هي الجُزء الداخلي من هذا المُجمّع، في حين أن هيكل الدفن هو جُزءه الخارجي. ونحن نقصد بـ"هيكل الدفن" أي وعاء أو صندوق يُستخدم خصيصاً لايواء الموتى. تحتلف الأوعية والصناديق في شكلها والمواد المصنوعة منها. كان الدفن في هذه الأوعية شائعاً منذ العصر الحجري الحديث، ولكنها ربما ظَهَرَت في وقتٍ أبكر من ذلك، خلال العصر الحجري القديم.
تُوضع المواد والأدوات مع الرفات البشرية أحياناً، وقد تُدفَن مع الجثة أو بعيداً عنها. تخضع تلك المواد والأدوات أحياناً الى نفس المُعاملة التي تخضع لها الجثة.
قد يشتمل مُجمّع الدفن أيضاً على معالِم اضافية وذات صِلة: أماكن العبادة وشواهد القبر، وغيرها، سواءاً داخل هيكل المدفن أو خارجه، بالاضافة الى المواقد والحُفَر وما الى ذلك، والتي ترتبط ارتباطاً غير مباشر بالدفن، وتُصنَع قبل الدفن أو أثناءه أو بعده. يُمكن التمييز بين هذه المعالم المذكورة أعلاه، والمواد الجنائزية المُخصصة للدفن مع الميت، على أساس موقعها وعلاقتها بهيكل الدفن، بالاضافة الى شكل هذا الأخير ودرجة تعقيده.
وهكذا، عُثِرَ على مواد وأدوات الدفن الى جانب الجُثة. وعُثِرَ عليها كذلك خارج القبر ولكن في إطار هيكل دفن مُتطور نسبياً، مثل قبرٍ على تلّة. وبالمثل، عُثِرَ على معالم مُجاورة للجثة داخل القبر، لكنها ليست مُكونات لهيكل الدفن (مثل وعاء يحتوي على رُفات بشرية، أو موقد أو حُفرة). يُشار الى أنه يُمكن لتلك المعالم أن تكون طريقاً مؤدياً الى أرض الدفن أو الخندق المُحيط بمُجمّع الدفن. وهكذا، فإن المُجمّع الجنائزي هو نظام يتكون من ثابتين اثنين (هيكل الدفن والرفات البشرية) ومُتغيرين اثنين (المواد والأدوات الجنائزية والمعالم المُرتبطة بها). ظَهَرَت مثل هذه المُجمعات في وقتٍ مُبكرٍ من العصر الحجري القديم الأوسط ولم تتطور أي ميزات أو تصميمات جديدة عليها بشكلٍ حاد، منذ ذلك الحين.

-المنهجية
أ- انتقاء العيّنة
يُمكن تعريف الدفن المُتعمّد على أنه سلسلة من الاجراءات لنقل الجُثة من البيئة الرئيسية أو الطبيعية، الى بيئة غير طبيعية. ويَنتُج عن ذلك عزل الجسم كُله أو جُزءٍ منه، مما يؤدي في النهاية الى الحفاظ عليه. في النظام الحيوي، لا يُمكن أن يتحقق ذلك سوى بانشاء أو استخدام مساحة خاصة مُغلقة، وبالتالي تحويلها الى هيكل جنائزي. وفي بعض الأحيان، يكون "حبس" الموتى هو ما يُقدّم الدليل على قصدية الدفن.
في العينة المدروسة هنا، يتم التخلص من الرفات البشرية بوضعها في الأرض وتغطيتها بالتربة والحجارة.
لن نُحلل الحالات التي تُعرَضُ فيها الجثة والتي لا يُصاحبها عملية عزل الجسد أو جزءٍ منه، على الرغم من أنه غالباً ما يتم تفسيرها على أنها دفن للجثة. تُعَد الجمجمة التي عُثِرَ عليها في مونتي سيرسيو Monte Circeo مثالاً مُحتملاً لتعرضها لجنازةٍ طُقسية في العصر الحجري القديم الأوسط.
من الناحية المادية، يتكون الدفن المُتعمّد من نظامٍ مُفتَعَل من بنائين مُرتبطين ببعضهما: خارجياً، هيكل الدفن، وداخلياً، بقايا الميّت. ولذلك فإن العثور على هيكل مصنوع أو مُغلق يحتوي على رُفاتٍ بشرية، يُعد شرطاً أساسياً للدفن المُتعمد. وفي ضوء ذلك، فإن لُقى كومب غرينال Combe Grenal التي عُثِرَ عليها في فرنسا، لا تُعتَبَر عيناتٍ تُمثّل دفناً مُتعمداً.
وباعتباره موضوعاً للبحث، فإن الدفن المُتعمّد هو ذلك الجُزء المُتحوّل من الواقع الذي عُثِرَ عليه وتم حفظه في السجل الأركيولوجي سواءاً المادي أو المكتوب. ذلك الجُزء، هو ناتج عن تحولات المكونات الأصلية للمُجمّعى الجنائزي مع مرور الزمن، مما يؤدي الى انحلال ذلك المُجمَّع جُزئياً أو كُلياً. دعونا نتفحص مُكونين من مُكونات ذلك المُجمَّع الجنائزي في ضوء ذلك.
عندما يكون الجزء الداخلي (الرُفات) قد انحلَّ بالكامل ولكن الهيكل الخارجي لا زال سليماً، فليس لدى الباحث معايير موضوعية لتفسير ذلك على أنه مُجمَّع دفن، لأنه لا تُوجد صورة نمطية واحدة للهياكل الجنائزية في العصر الحجري القديم في غياب الرُفات البشرية. هُناك الكثير من الهياكل التي عُثِرَ عليها بدون رُفات، والتي كان من المُمكن تعريفها بأنها مدافن لو تم العثور فيها على بقايا بشرية، على سبيل المثال كومب غرينال.
عندما يكون الجزء الداخلي سليماً ولكن الهيكل الخارجي مُنحَل أو لم يُسجَّل أثناء التنقيب (قد يكون من الصعب التعرف على الهياكل الترابية)، فحينها، تكون هُناك حاجةٌ الى التأكد من الطابع القصدي للمدفن. وبما أن استخدام هيكل الدفن بحد ذاته يؤدي على الأغلب الى الحفاظ على الرُفات البشري بأفضل حال، فإن هذه الحالة الجيدة للرفات في وقت الكشف عنها تكون بمثابة دليلٍ على دفنٍ مُتعمَّد. أشارت عدّة أبحاث دَرَسَت حوالي 2000 لُقية من لُقى العصر الحجري القديم أنه في حالة عدم وجود دليل على وقوع حادثٍ ما (انهيار جليدي، أو وقوع سقف أو انهيار أرضي)، فإن كمالية البقايا البشرية يُمكن أن تُشير الى الطابع المُتعمد للدفن البشري، حتى بالنسبة للُقى التي تعود الى العصر الموستيري أي قبل 160000-40000 عام. وبالتالي، اذا تم الكشف عن بقايا بشرية كاملة، في منطقة ما تُشكّل معاشاً للبشر، فمن المُحتمل جداً أن تكون هذه البقايا ناتجة عن دفنٍ مُتعمَّد. هذا المعيار لا ينطبق على الهيكل العظمي الكامل للنياندرتال رقم (1)، الذي عُثِرَ عليه في موقع كهف فيلدهوفر Feldhoffer Cave في ألمانيا الغربية، بسبب عدم وجود طبقة أثرية تُشير الى معيشة الناس occupation layer في هذا المكان.
ومع ذلك، فإن المُشكلة الأكبر هي تقييم الجماجم الكاملة أو شبه الكاملة المعزولة، خاصةً في تلك الطبقات الأثرية التي عُثِرَ عليها على أفراد مدفونين عمداً، مثل الجُمجمة غير المُرقمة التي عُثِرَ عليها في لا موستييه Le Moustier والجماجم 4 و5 و12-14 في كهف القفزة جنوب الناصرة. هُناك أيضاً العديد من الجماجم من الطبقات التي لم يُعثَر فيها على دفنٍ مُتعمد، مثل جمجمة الطفل النياندرتالي لاكوينا 18 La Quina منذ 65 ألف عام، وجمجمة الطفل النياندرتالي الذي يعود الى 45 ألف عام Pech-de-l Azé1 ، وجمجمة بروكين هيل broken hill في زامبيا، وجمجمة الزُطّية 1 Zuttiyeh في فلسطين. لم يتم تسجيل كشوفات من هذا النوع، على حد علمي، في هياكل يُمكن تفسيرها بأنها مدفن (الاستثناء الوحيد هو جمجمة مونتي سيرسيو 1). لذلك لم نُضمِّن الجماجم المعزولة في هذه الدراسة، ولم لم نُضمِّن الفك السُفلي في العيّنة لنفس الأسباب.

ب- وضع الجسد كمعيار للدفن المُتعمَّد
يُستخدم هذا المعيار في مُعظم الأبحاث المُتعلقة بالمدافن الموستيرية. صاغت المؤرخة سالي بينفورد Sally Binford كما يلي: هو وضعية الجسد أو أجزاءٍ منه والتي (تبدو) وكأنها تستبعد الاندفان الطبيعي"، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما هو الوضع الذي تقصده. يدّعي البعض أن الجُثث المثنية يُمكن أن تكون قد دُفِنَت عمداً، مثل اميدي بوسيوني Amédée Bouyssonie، وهارولد الذي يقول أنه "في مُعظم عمليات الدفن، يتم وضع الجثة في حالة مثنية، مما يعني ضمناً أنه دفنٌ مُتعمد". أنا أعتبر هذا المعيار غير صحيح، أو على الأقل مشكوك فيه للغاية عندما يُعثَر على أجزاء الجسد في وضعيتها الصحيحة تشريحياً. من ناحيةٍ أُخرى، عندما نجد أن العمود الفقري أُزيل من الجسد مثل روك دي مارسال 1 Roc de Marsal أو تيشيك تاش 1 Teshik-Tash في اوزباكستان السوفييتية، أو أُعيد دفنها مثل السخول 2، أو فُصِلَ جسدها عن رأسهل مثل لا فيراسيه La Ferrassie 6، أو دُفِنَ جُزءٌ منه فقط مثل ارسي سو كيور 5-7 Arcy-sur-Cure، حينها يُمكننا أن نستبعد إمكانية الاندفان الطبيعي، وقد نستخدم معيار هُنا معيار وضع الجُثة أو أجزاءها التي تحدثت عنه بينفورد.
هناك مسألة أُخرى تتعلق بوضعية الجسد الأصلية عندما دُفِنَت، وتلك التي وجدناها عليها وقت الكشف عنها. قد يكون الانحناء أو الثني بسبب ضغط الرواسب العُلوية مثلما هو الحال بتابون سي 1 Tabun C. تبدو هذه المُشكلة غير قابلةٍ للحل، لأننا لا نستطيع التحقق من الحالة الأصلية للجُثة. لذلك، تعتمد هذه الورقة البحثية على الوضعيات التي سجَّلها الأركيولوجيون (مع العلم أنها قد تكون تسجيلات غير دقيقة)، الا في عدد من الحالات التي تفتقر تماماً الى التسجيل الصحيح.

جـ- الأدوات المدفونة مع الجسد أو أجزاءه، وكيفية ارتباطها بالدفن المُتعمَّد
عند النظر في إمكانية تواجد مواد وأدوات جنائزية في مدفنٍ يعود الى طبقةٍ ثقافيةٍ ما، فإن جميع العُلماء تقريباً يأخذون في الاعتبار عُنصر الصدفة في هذه الحالة، حيث يُمكن للمواد والأشياء أن تدخل الى القبر عن طريق الصُدفة أثناء عملية ترتيب الهيكل الجنائزي وأثناء عملية الدفن نفسها، لا سيما في مرحلة الإغلاق. ولذلك، فإن مُعظم المؤلفين يُشككون في إمكانية التمييز بين المواد الموضوعة في القبر عن عمد،، وتلك المواد التي دخلت بالصدفة في الهياكل الموستيرية. ومع ذلك، فإن بعض المعايير مُفيدة في هذا الصدد. يعرف العُلماء عدداً من المدافن سواءاً تلك التي تحوي على مواد وأدوات جنائزية أو بدونها، تعود الى العصر الحجري القديم الأوسط، مما يُرجّح أحياناً أن مُعظم المواد قد وُضِعَت عمداً في القبر. يُمكننا تقييم مدى قصدية هذا الأمر، بناءاً على الأُسس التالية:
أ- حجم الأداة أو الغرض مُقارنةً بحجم الهكيل الجنائزي، والتي يكون احتمالية سقوطها الصُدَفي في هيكل مدفنٍ طفلٍ صغير أقل، مُقارنةً بالهياكل الكبيرة والواسعة. ومن تلك المدافن الصغيرة لا فيراسيه 3-6 La Ferrassie.
ب- حالة الأداة أو الغرض، مثل حجر صوانٍ غير مُحترق موجودٌ في قُعر موقدٍ في حُفرة دفن، مثل لا فيراسيه 3-4.
جـ- موضع الأداة أو الغرض: على سبيل المثال بجوار الجذع، على الزاوية التي يُشكلها العُضد الأيمن والساعد الأيسر (السخول 5 Skhul)، أو بين اليدين (السخول 4)، أو مُحاذية للعظام (لا فيراسيه 1،6 و5)، أو في مُجمَّع جنائزي مُغلق (في قبر مُغطى بألواح من الحجر الجيري (روك دي مارسال 1)، أو داخل كومةٍ من الحجارة (ريغوردو 1 Regourdou).
د- تواجد الغرض أو الأداة في قبرٍ تخلو طبقته من التواجد الانساني (آرسي 5-7 Arcy، تيشيك تاش 1، زاسكالنايا فلا سي Zaskalnaya Vla-c).
هـ- طبيعة الأداة أو الغرض: لا يُمكن اعتبار العديد من عظام الحيوانات المُرتبطة بالدفن "مخازن طعام" أو بقايا "وليمةٍ جنائزية"، حيث أن مُعظمها يتكون من قرونٍ وأسنانٍ وفكٍ سُفليٍ وعظامٌ تحتوي في حالتها الطبيعية على القليل من اللحم. (ريغوردو 1، روك دي مارسال 1، لا تشابيل 1، تيشيك تاش 1، قفزة 11 في فلسطين، سخول 5 في فلسطين وشانيدار 1 Shanidar في العراق). يُشار الى مثل تلك العظام التي وُجِدَت في المدافن المذكورة الى أنها "فيتيشات" قد تكون عبارة عن تذكارات صيد أو مُرتبطةٌ بهذه الشكل أو ذاك بآيديولوجيا الدفن.
هُناك بعض المدافن التي عُثِرَ فيها على رقائق حجارة صوان أو عظام، وهناك مدافن أُخرى لم يُعثر فيها على شيء. كما وُجِدَت مدافن عُثِرَ فيها على أكوام عظمية لوحدها، أو رقائق صوانية لوحدها.
احتوَت مدافن العصر الحجري القديم الأوسط في كثيرٍ من الأحيان على مواد وأدوات من نوع مُحدد، مثل رؤوس الرماح الحجرية المُدببة Points (12 أو 13 حالة) والمكاشط الجانبية الطويلة side scrapers (13 حالة) والتي غالباً ما عُثِرَ عليها معاً، في حين أن أنواع الأدوات الأُخرى نادرة: السكاكين (4 أو 5 حالات)، مكاشط صغيرة end scrapers (3)، الشفرات الصوانية (3). مثل هذا الفرق ليس عَرضياً، وقد يُشير الى تفضيل بعض الأدوات دوناً عن غيرها في الدفن. لسوء الحظ، لا يُمكننا اختبار فرضية تفضيل أدوات القبور، لأن الطبقات الثقافية التي عُثِرَ عليها نادراً ما تم تنقيبها بالكامل، ولأنه نادراً ما تُنشَر الأعداد الدقيقة للأدوات والأغراض المُكتشفة في القبور. لذلك لا يُمكننا تقييم التكرار النسبي لأعداد تلك الأدوات ضمن مستويات وظيفية مُعينة.

- تحليل مدافن العصر الحجري الوسيط الأوراسية
بناءاً على المعايير المذكورة أعلاه، يبدو أن لدينا ما لا يقل عن 18 موقعاً (تتضمن 59 فرداً مدفونين بشكلٍ مقصود). وهذه سباي 1-3 Spy، لا موستييه 1-2، لا تشابيل 1، لا فيراسيه 1-3، لاكوينا H5، آرسي كيور 5-7، ريغوردو 1، روك دي مارسال 1، كيك كوبا 1-2، تيشيك تاش 1، زاسكالنايا فلا سي، تابون سي 1 والسخول 1-10، القفزة 3، 6-11 و15، عمود Amud 1، شانيدار 1-9.
يُمكن تقسيم هذه العينة جُغرافياً الى مجموعتين رئيسيتين. تشمل العينة الأولى، تلك العينة أوروبية المُتضمنة 11 موقعاً تحوي بدورها على 26 فرداً: 14 طفلاً و12 شخصاً بالغاً (6 رجال وامرأتين). تتكون المجموعة الآسيوية من 7 مواقع تحوي رُفات 33 فرداً: 11 طفلاً و22 بالغاً (14 رجلاً و7 نساء) (لا يتم تحديد جنس الأطفال كقاعدةٍ عامة، ولم يتم تحديد جنس 5 أشخاص بالغين). إن توزيع المواقع عبر أوراسيا غير مُتساوٍ، مع وجود تركّز أكبر في مناطق مُعينة. ومع ذلك، لا يُمكن تفسير ذلك ببساطة بالفرضية القائلة بأن تلك المناطق ذات التركز الأكبر هي ذات بحث تنقيبي أوسع، وهي فرنسا وفلسطين كما افتَرَضَ فرانسيس هارولد Francis Harrold. إن الأبحاث والدراسات في أوروبا الوسطى والشرقية منذ الحرب العالمية الثانية كثيفة بنفس القدر، ولكن لم يتم اكتشاف أي مدافن حتى الآن (باستثناء منطقة صغيرة من القرم). وبالمثل، فقد عُثِرَ في الشرقين الأوسط والأقصى على أعدادٍ من بقايا بشرية معرزولة يُمكن أن نُرجعها الى العصر الحجري الوسيط ولكنها لم تُدفَن بشكلٍ مُتعمَّد. بالاضافة الى ذلك، على الرغم من الأبحاث المُكثفة في فرنسا وفلسطين خلال الخمسين عاماً الماضية، الا أنه لم يُعثَر سوى على 13 مدفناً آخراً (4 في فرنسا و9 في فلسطين)، وكانت 6 منها في مواقع عُثِرَ فيها في السابق على مدافن (واحدة في لا فيراسي و5 في القفزة).
يُشير عدد المواقع التي تحوي على مدافن، وتاريخها ومواطنها وتواتر عمليات الدفن المُتزامنة تقريباً في كُل موقع، الى وُجود ما يُمكن أن نُسميه مراكز النشاط الدفني للانسان البدائي، والتي تُمثل حوالي 75% من جميع المدافن الموستيرية، وأهمها دوردوني Dordogne في فرنسا وشبه جزيرة القرم والشام. إن مفهوم مراكز النشاط الدفني مُشابه لمفهوم مراكز نشاط الفن البدائي الذي وضعه الأركيولوجي السوفييتي الكسندر الكسندروفيتش فوروموزوف Alexander Aleksandrovich Formozov: كلاهما يعكس التوزيع غير المُنتظم لأنواع مُعينة من المواقع، ولكنها لا تستبعد إمكانية وُجود أنشطة أُخرى يَصعُب الكشف عنها أركيولوجيا.
تُظهِر الدراسات الحديثة التي يُجريها علم أنثروبولوجيا العصر الحجري، أن أوراسيا في العصر الحجري القديم الأوسط كانت مأهولةً بمجموعاتٍ سُكانية مُتنوعة. سيطر النياندرتال الكلاسيكي على أوروبا الغربية، في حين كان كان النياندرتال الآسيوي وهومو سابيان يتعايشان في شبه جزيرة القرم والشرق الأدنى. ولكن، كان جميع هؤلاء على دراية بنفس طقوس الدفن. بعبارةٍ أُخرى، قامت الجماعات البدائية في العصر العصر الحجري الوسيط، بصرف النظر عن نوعها وعِرقها، بدفن موتاها. وهذا يدل على ثباتية هذه الظاهرة الثقافية.
يبدو أن أقدم عمليات الدفن هي تلك التي تمت في لا فيراسي (قد يرجع تاريخها الى 68 ألف-76 ألف عامٍ مضت. والطفل شانيدار 9 (يعود تاريخه على الأرجع الى 70 ألف عام، والقفزة 11 (والتي يعود تاريخها الى 68 ألف- 78 ألف عامٍ. يُشير هذا، الى أن انسان النياندرتال وهومو سابيان بدأوا جميعاً مُمارسة الدفن المُتعمد في نفس الوقت تقريباً(ز).
اذا افترضنا أن جنس وعُمر الأفراد المدفنونين تم تحديدها بشكلٍ صحيح، فإننا نجد أن الرجال قد دُفِنوا مرتين أكثر من النساء، والبالغين 1.5 مرة أكثر من الأطفال (استمر هذا النمط في جميع أنحاء مناطق العصر الحجري الحديث في أوروبا الشرقية، على الأقل حتى العصر البرونزي). قد يُشير هذا الى الدور القيادي للأشخاص في مُنتصف العُمر في المُجتمع، وخاصةً الرجال، في حال كانت المُمارسات الجنائزية تعكس الواقع التاريخي. ومن المُثير للاهتمام أيضاً أن نُلاحظ أنه في حين كانت مجموعات الهومو سابيان تدفن البالغين بشكلٍ مُتكررٍ أكثر من الأطفال (بنسبة 1.5:1) فإن النياندرتاليين لم يُظهروا مثل هذا التفضيل، على الرغم من أن دفن الرجال عندهم كان أكثر من دفن النساء. نحن لسنا على درايةٍ بنسبة الذكور الى الاناث في مدافن الأطفال.
إن أعداد المدافن من المواقع أو الطبقات الأركيولوجية المُرتبطة بتكنيك ليفالوا(حـ) والتكنيكات الأُخرى، مُتساوية تقريباً، وهذا يعني أننا لا نستطيع ربط المدافن بأنواع مُعينة من التكنيكات الموستيرية أو بالتقدم التكنيكي الحجري بشكلٍ عام، وهذا ما يدعم فكرة أن المدافن تُمثل مرحلةً عامةً من التطور البشري.
ترتبط جميع المدافن الموستيرية بأرضيات المعيشة(ط)، باستثناء ريغوردو، والتي تمت عملية الدفن فيها فيما يُشبه ملجأً للدُببة، وهو مدفنٌ بُنيَ بشكلٍ مُتقنٍ للغاية، ولكن لم يُظهِر المكان أي آثارٍ لسكنٍ مُنتظم.
في حين عُثِرَ على مدافن النياندرتال بشكلٍ مُتكررٍ في الكهوف والمخابئ الصخرية، فقد كانت مدافن هومو سابيان مُوزعة بالتساوي بين الملاجئ وشُرفاتها الأمامية. على الأغلب، كانت المدافن تُوجَّه بشكلٍ عرضي باتجاه مدخل الكهف.
ومن الجدير بالذكر أن شانيدار 4، هي الحالة الوحيدة التي نعرف موسم دفنها (الصيف)، ويعود تاريخها قبل 60 ألف عام. لم نعثر على أي علاقة بين عامِل اتجاه الرأس وأي عامِل آخر.
يُمكن أن تكون مدافن العصر الحجري القديم الأوسط فردية، أو قد تكون مُزدوجة (شخصين) (سباي 2 و3، لا فيراسي 4أ و4ب، قفزة 6 و7 و9 و10)، أو ثُلاثية (زاسكالنايا فلا سي، وآرسي 5-7)، أو عديدة (شانيدار 4 و6-8)، مُعظم حالات التي دُفِنَ فيها أكثر من شخص واحد تتضمن جُثةً واحدةً على الأقل قد تم تقطيع أوصالها عن قصد قبل الدفن (لا فيراسي 4أ، زاسكالنايا فلا سي، قفزة 6 و 10، شانيدار 7 و8).
تُشير حالات الهياكل العظمية التي عُثِرَ عليها الى أنماط من التعامل الجنائزي معها، مثل أشكال مُختلفة من قطع الرأس (لا فيراسي 6، ريغوردو 1، شانيدار 8، عامود 1، قفزة 6، كِبارة 3 Kebara في جبل الكرمل في فلسطين)، السلخ (تيشيك تاش 1، سخول 1)، إعادة الدفن (سخول 2) وما الى ذلك. وتُشير أيضاً الى أنه كان هُناك نوعين من الدفن: دفن الجسد كُله أو دفن أجزاءٍ منه فقط. عُثِرَ على جماجم ذات فكوك سُفلية مفقودة (لا فيراسي 6، شانيدار 5، سخول 9، قفزة 3 و6). كانت هذه الأنواع من الطقوس الجنائزية معروفةً في وقتٍ باكرٍ من العصر الجليدي الأخير، وقد مارستها مجموعات سُكانية مُختلفة أنثروبولوجياً على أفراد كِلا الجنسين من جميع الأعمار. إن تفسيرات هذه الظاهرة، غير قابلة للاختبار، لكنني أؤكد أن وجود مثل هذه المدافن التي يتطلب عملها طاقةً أكبر بكثير من مُجرّد وضع الجُثة في الأرض، يُوضح أن أنماط دفن مُعقدة قد تطورت في العصر الحجري القديم والعصر الحجري القديم الأوسط، وهذا بدوره يفترض وجود نظامٍ مُعقدٍ نسبياً من العلاقات الاجتماعية والتصورات الدينية.
تم دفن الجُثث في وضعيات مُتنوعة، كان بعضها على ظهرها، وأُخرى على بطونها، ومنها على جانبها الأيمن، وأُخرى مثنية، أو على جانبها الأيسر.

- الاستنتاجات
إن ضيق هذه المقالة منعتني من إجراء مُقارنة شاملة بين استنتاجاتي الخاصة واستنتاجات الباحثين الآخرين، لذلك سوف أقصُرُ المُقارنة على عددٍ قليلٍ فقط من تلك المنشورة حديثاً.
تؤكد مُلاحظاتي فرضية جيرارد كويتشون Gérard Quechon حول العوامل التي تحفظ الجُثث في المدافن، وبعض تقديراتي لأعداد الأفراد المدفونين. ويدعم بحثي أيضاً، الاستنتاجات العامة التي توصَّلَت اليها سالي بينفورد وهارولد فيما يتعلق بالتكرارات النسبية لدفن الذكور والاناث وغَلَبة دفن الجُثث بثنيها Flexed.
وَجَدْتُ، مثل بينفورد، اختلافاتٍ اقليمية بين أوروبا وآسيا في أنماط الدفن في العصر الحجري القديم الأوسط، ونفس أنماط دفن البالغين والأحداث في أوروبا الغربية، ونمط مُختلف لأجزاء الجسد المدفونة بي أوروبا وآسيا. ومع ذلك، تختلف استنتاجاتنا عن بعضها جُزئياً،، ويرجع ذلك الى اختلاف طُرُق التحليل، ولأن سالي بينفورد وهارولد لم يتخذا مُقاربةً نقدية تجاه المادة المدروسة.
مارَسَ بشَر العصر الحجري القديم الأوسط جميع أنماط وطُرُق مُعالجة الجُثة قبل الدفن، وتقريباً جميع أنماط الدفن. وبعبارةٍ أُخرى، فقد طوّرَ هؤلاء البشر "عبادة الموتى" والتي كانت مبنيةً على شقّين مُتناقضين: إخفاء الجثة أو عرضها، دفن الجثة سليمة أو مُقطّعة، دفن الجُثة كلها أو أجزاءٍ منها فقط، دفن الجثة في وضعٍ مُمتد أو مثني، على البطن أو الظهر، على الجانب الأيسر أو الأيمن، مع تمديد الأطراف العلوية أو السُفلية)، والدفن في حُفرة على تلّة، والدفن مع أغراض وأدوات جنائزية أو بدونها، والدفن مع وجود المعالم المُحيطة أم لا، وما الى ذلك. ويُمكن أن يُلاحظ المرء جميع هذه السمات في فترةٍ واحدة، أو منطقةٍ واحدة أو موقعٍ واحد أو مدفنٍ واحد. تُظهر مدافن العصر الحجري القديم الأوسط أيضاً اختلافاً ملحوظاً في التعامل مع الأموات من الذكور والاناث.
ان الثُنائيات المذكورة أعلاه بارزة في مُمارسات مجموعات العصر لحجري القديم الأوسط الجنائزية، مما يقودنا الى استنتاج أنه كان لديهم تصوّرٌ ثنائيٌّ عن العالَم، والذي أصبَحَ فيما بعد أساساً لكل الثقافة اللاحقة تقريباً. يُشير هذا، بالاضافة الى الدفن المُتعمّد الى أن بشر العصر الحجري القديم الأوسط (أو على الأقل المجموعات الأكثر تقدماً من الناحية الاجتماعية) كانوا ينتقلون من أنماط السُلوط الثقافية القديمة الى أنماط السُلوك الثقافية أكثر تقدماً. كان هذا تحوّل تدريجي حدَثَ في وقتٍ واحدٍ تقريباً بين مجموعات سُكانية مُختلفة انثروبولوجياً. لقد حَدَثَ هذا على أساس الوحدة التكنيكية لجميع البشر واتخذ تقريباً نفس الشكل في كُل مكان، ولم يكن مُرتبطاً بعوامل جُغرافية أو زمنية أو غيرها.
أخيراً، لا ينبغي أن ننسى أن قُدرة الهياكل الجنائزية على البقاء والحفاظ على الجُثة فترةً طويلةً من الزمن، قد مكّنَت صانعيها من اعتبار أنهم يُخلّدون اولئك الأشخاص الذين يدفنونهم.
وهكذا، فإن ظهور الدفن المُتعمد الذي يُشير الى بروز نمطٍ جديدٍ من السلوك، يدل على أن العصر الحجري القديم الأوسط، كان مرحلةً حاسمةً في تطور البشرية، عندما أصبَحَ الناس تدريجياً أكثر انسانيةً وصاروا يخلقون بالفعل أشياءاً ذات قيمةٍ أبدية.

* يوري الكساندروفيتش سميرنوف 1946-2016، أركيولوجي ماركسي سوفييتي، عَمِلَ في قسم العصر الحجري في معهد الأركيولوجيا التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية. كان سميرنوف مُتخصصاً في تحليل اللُقى الأثرية للعصر الحجري، ومُحاولة وضع الخطوط النظرية العامة لكيفية حياة البشر الاجتماعية-الاقتصادية في ذلك الزمن. كَتَبَ سميرنوف عشرات المقالات العلمية.

1- مخطوطات كارل ماركس الاقتصادي لعام 1844، دار الثقافة الجديدة، ترجمة محمد مُستجير مُصطفى، ص99
أ- العصر الحجري القديم الأوسط في أوروبا، استمرّ من 250 ألف سنة الى حوالي قبل 50 ألف سنة. ويُشير المقال الى عددٍ من الدلائل التي تُشير الى الدفن من المُتعمد الذي قام به النياندرتال، ومنها، ما اكتشفه الاركيولوجي رالف سوليكي Ralph Solecki في كهف شاندر Shanidar cave شماليّ العراق في الستينيات من القرن العشرين لبقايا 10 أشخاص من النياندرتال، حيث نُثِرَت الزهور عليهم.
ب- العصر الجليدي الأخير، استمر من قبل 115 ألف عام الى قبل 11700 عام.
جـ- التافونومي، وهو فرع من الأركيولوجيا، يدرس موت البشر والحيوانات القديمة وانحلالها وظروف دفنها وحفظها وتحجّرها.
د- طَرَح ريمون دارت فرضيةً تقول أن الاوسترالوبيثيكوس كانوا مُفترسين ومُتوحشين وآكلين للحوم بعضهم، وأنهم استخدموا عظام الحيوانات والبشر كأدوات لقتل فرائسهم، ومنها عظام الفك السفلي.
هـ- الثقافة الشاتيلبيرونية، وهي أولى ثقافات العصر الحجري القديم الأعلى في جنوب – غرب فرنسا ووسطها، وتعود الى الفترة 44500-36000. أعتقد أن الكاتب استثناها لأن هذه الثقافة، هي تطور عن الثقافات السابقة لها محل البحث، أي تطور عن ثقافات العصر الموستيري.
و- يقول الكاتب، أن هذا التعريف، هو نفسه نقل البقايا العضوية للانسان من جيوسفيرٍ geosphere مُعين الى آخر. وهو يستخدم كلمة "جيوسفير" هُنا بمعناها الروسي التي تُشير الى أغلفة الكُرة الأرضية المترابطة والمُتفاعلة: الغلاف الصخري والغلاف المائي والغلاف الجوي، والتي تُشكّل معاً النظام الحيوي لكوكبنا، ويُضيف اليها "الغلاف الانساني" anthroposphere، وهو مجال النشاط الانساني.
ز- في الآونة الأخيرة، عام 2013، تم الكشف عن أقدم مدفن بشري يعتقد العُلماء أنه دفن طقوسي مقصود في افريقيا بالقُرب من ساحل كينيا يعود الى حوالي 78 ألف عام، أي في نفس الفترة التي يتحدث عنها سميرنوف، كاتب المقال. ويحتوي المدفن على طفلٍ صغيرٍ يبلغ من العمر عامين ونصف أو 3 أعوام في وضعٍ يُشبه وضع الجنين، ودُفِنَ في قبرٍ ضحل.
https://www.history.com/news/human-ancestors-bury-dead-graves
حـ- هي التسمية التي أطلقها الأركيولوجيين على نوع مميز من الصناعة الحجرية التي ظهرت منذ حوالي 250000 إلى 300000 عام خلال العصر الحجري القديم الأوسط. و هي نوع من صناعة الأدوات الحجرية استخدمها إنسان النياندرتال في أوروبا وهومو سابيان في مناطق أخرى مثل بلاد الشام.
ط- أرضية المعيشة في الأركيولوجيا، وتعني أرضاً مستوية في المُغر والكهوف، والتي تُشير الى صلاحها للسكن.

ترجمة باختصار لمقالة:
Intentional Human Burial: Middle Paleolithic (Last Glaciation) Beginnings Author: Yuri Smirnov Source: Journal of World Prehistory, Vol. 3, No. 2 (June 1989), pp. 199-233



#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)       Malik_Abu_Alia#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول مسألة دراسة تاريخ المُجتمعات البدائية انطلاقاً من الاثنو ...
- مسألة المُلكية الخاصة البدائية في الاثنوغرافيا الأمريكية الم ...
- المراكز المدينية في المُجتمع الطبقي الباكر
- تاريخ الري الزراعي في جنوب تركمانستان
- الشروط الايكولوجية لنشوء الزراعة في جنوب تركمانستان
- سوسيولوجيا الدين الانجلو أمريكية المُعاصرة: مُشكلاتها واتجاه ...
- الرد الثاني لسيرجي توكاريف على ستيفن دَن
- بعض الأفكار في طُرُق دراسة الدين البدائي- رد على سيرجي توكار ...
- الرد الأول لسيرجي توكاريف الأول على مُراجعة ستيفن دن لكتابيه ...
- مراجعة ستيفن بورتر دن لكُتب سيرجي توكاريف
- مبادئ تصنيف الأديان 2
- مسألة أصل ثقافة العصر البرونزي الباكر في جنوب تركمانستان
- مبادئ تصنيف الأديان 1
- تاريخ انتاج المعادن عند القبائل الزراعية في جنوب تركمانستان
- ردّاً على نُقادي فيما يخص مقالة -حول الدين كظاهرةٍ اجتماعية ...
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين
- بصدد الفهم الماركسي للدين
- حول جوهر الدين
- حول مفهوم -الشرق القديم-
- حول الدين كظاهرةٍ اجتماعية (أفكار عالِم إثنوغرافيا)


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل قائد لحماس خلال عملية في طولكرم.. ...
- مكتب نتنياهو: قرب التوصل إلى اتفاق لإطلاق الرهائن في غزة
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 3 ...
- الكرملين يحذر الغرب من -ردّ قاس- على أي مساس بالأصول الروسية ...
- الكرملين: تهيئة الظروف لإطلاق الاتصالات بين أنقرة ودمشق على ...
- أسباب العجز الجنسي لدى الرجال
- أبرز 5 مرشحين لشغل منصب نائب هاريس في الحملة الانتخابية
- حريق ضخم يلتهم 4 مصانع في بورصة التركية (فيديو)
- لافروف: الدول الغربية غير مستعدة للتعاون المتكافئ مع روسيا و ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 2040 عسكريا أوكرانيا وتحرير ب ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مالك ابوعليا - الدفن الانساني الطقوسي الواعي: العصر الحجري القديم الأوسط، بدايات العصر الجليدي الأخير