أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة















المزيد.....

مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8046 - 2024 / 7 / 22 - 14:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدولة هي إرادة واحدة تسعى لفرض نفسها على أكبر عدد ممكن من العامة فوق أكبر رقعة ممكنة من أراضيهم وثرواتهم وأبدانهم، والاحتفاظ بهذه الإرادة الموحدة نافذة فيهم لأطول مدة ممكنة. من ثم، يمكن قياس ضعف وقوة الدول بمقياس حجم الخارجين عن إرادتها ومساحة الأراضي المستعصية على الإذعان لها. هذه الإرادة لكي تُترجم فعلاً إلى واقع ملموس على الأرض يجب أن تُصاغ في صورة "قانون" نافذ يراعي الظروف الراهنة وقابل للتطبيق، لكيلا يرتد على مُصدره بنتائج عكس ما كان يُرتجى منه. لكن القانون وحده لا يكفي، لابد من يدٍ، أو بالأحرى أيادٍ كثيرة، غليظة تحمله إلى العامة وتُنفذه فيهم وتسهر على عدم مخالفته أو تحديه من أحد. الدولة هي هذا القانون النافذ الذي يعبر عن إرادة واحدة مقروناً بأذرع القوة الغليظة التي تنفذه وتراقب إذعان العامة له. لذلك حين تضعف القوانين تكثر الاضطرابات الأهلية- الوضع الذي ساد حقباً واسعة من التاريخ السياسي العربي- وقد تسقط الدول القائمة تمهيداً لمقدم أخرى محلها. مع ذلك تبقى حياة العامة في أوطانهم وأراضيهم وممتلكاتهم ووسط ذويهم سارية كعادتها دون توقف، رغم تأثرها الذي لا شك فيه بهذا الفراغ الدولتي على المستويين الأمني والسياسي.

تتحدد طبيعة الدولة على أساس طبيعة تكوين الإرادة الواحدة النافذة فيها. هذه الإرادة قد تكون لفرد واحد، حلقة ضيقة، مجموعة صغيرة، طبقة بعينها، عدة طبقات مختارة خصيصاً وبعناية وحذر من جملة المجتمع، أو لكل العامة الراشدين على قدم المساواة عبر المشاركة بأصواتهم في اختيار ممثليهم الذين يصنعون الإرادة السياسية للدولة. في كل حالة من تلك، تعكس إرادة الدولة بالضرورة وفي المقام الأول رغبات وطموحات ومصالح القائمين على صناعتها، من الملك أو الفرد المطلق، إلى البلاط أو الحاشية الضيقة، إلى الأرستقراطية أو الأوليغارشية المستفيدة من الدولة والداعمة لها، إلى الأغلبية الجماهيرية العامة الذين من خلال أصواتهم الدورية في صناديق الاقتراع يمكنهم إملاء إرادتهم الغالبة عبر إزاحة وتنصيب من يصنعون وينفذون بالنيابة عنهم إرادة الدولة لما يلبي بالضرورة وفي المقام الأول رغباتهم وطموحاتهم ومصالحهم العامة.

لكن الإرادة وحدها لا تكفي لا لصناعة دولة، ولا لتشغيلها. لابد أن تقترن الإرادة المعنوية بقوة مادية، اليد الغليظة التي تُعيد تشكيل الواقع في صورة مطابقة قدر المستطاع لما قد قررته ورسمته الإرادة المعنوية. كما يوثق التاريخ السياسي للدول، كانت اليد الغليظة، القوة المسلحة، أشبه بصورة مرآة مُكبرة من حيث بُنيتها التكوينية لبُنية تكوين إرادة الدولة، فضلاً عن البُنية التكوينية للدولة ذاتها كدولة الفرد الواحد أو الأقلية أو الأغلبية. فحين تكون إرادة الدولة من صنيعة فرد واحد أو حلقة ضيقة من الأفراد، فإن بُنية وهيكلية قوتها المسلحة سوف تعكس بالضرورة اختيارات ومعايير وأهداف هؤلاء. بينما حين تكون إرادة الدولة من إنتاج عملية ديمقراطية شاملة، فإن بُنية وهيكلية ومهام القوات المسلحة فيها سوف تعكس بالضرورة اختيارات ومعايير عموم المواطنين. الجيش يخدم قادته الآمرين. ولما كانت الدولة لا تقوم سوى بإرادة آمرة واحدة، سواء كانت لفرد واحد أو مجموعة ضيقة أو أغلبية؛ وكان الجيش، مثل سائر الأذرع التنفيذية في الدولة، يتلقى الأوامر من هذه الإرادة الواحدة فإنه إما أن يُلبي أوامر، ومن ثم رغبات ومصالح، شخص واحد أو مجموعة ضيقة أو أغلبية الأشخاص في الدولة.

قبل الإسلام، لم يعرف العرب ثقافة الدولة ولم يُنشئوا واحدة أبداً. كانت القبيلة هي أقصى تنظيم سياسي يعرفونه ويمارسونه. ثم بعد ظهور الإسلام، نحو ألف وخمسمائة سنة قبل اليوم، بدأ العرب تجربتهم الأولى مع الدولة كإرادة واحدة ويد غليظة تأتمر بأمرها. ولأنها تجربتهم الأولى، كانت بدائية وبعيدة كثيراً عن القدرة على الصمود والعمل كسائر الممالك والإمبراطوريات السابقة والمعاصرة لهم بالجوار. كانت اتحاداً للقبائل أكثر منها دولة. وهو اتحاد لم يكن جديداً ولا غريباً عليهم بالمرة. كانت تقتضيه من وقت لآخر ضرورات وطوارئ الدفاع والغنيمة، لكنه سرعان ما ينفك فور اشباع الغرض منه ثم تمضي كل قبيلة في حال سبيلها حُرة في قرارها وفعلها كسالف عهدها. هكذا كانت الإرادة السياسية لدولة الخلافة تتكون من مجموع إرادات شيوخ القبائل وتعكس توازنات القوة فيما بينهم. كانت القوات المسلحة للدولة الوليدة مؤلفة من رجال القبائل أنفسهم، الذين تحت رايات قبائلهم ربما قد خاضوا من الحروب ضد بعضهم أضعاف ما خاضوا ضد عدو مشترك. في جلسة الشيوخ معاً، كانوا بالإجماع يقررون الإرادة العامة للدولة، ثم ينفذون بأيديهم أنفسهم ما اتفقوا عليه. ولما كانت القبائل بالضرورة متفاوتة فيما بينها من حيث الحجم والقوة والنفوذ والثروة وخلافه، كان يُنتظر من قرار الدولة وقوتها التنفيذية أن تعكس هذا التفاوت، الذي يُترجم إلى حصص متفاوتة بالتوازي في المناصب القيادية والفتوحات والغنائم. وبالنظر إلى أن إرادة الدولة العربية الأولى وقوتها التنفيذية ظلت خلال عمرها القصير عربية خالصة، لا يُستغرب أن تعمل دولة بهكذا تكوين معنوي ومادي لخدمة رغبات وطموحات ومصالح العرب بالضرورة وفي المقام الأول حتى رغم توسعها المطرد فيما بعد واستيعاب العديد من العُجم وقوميات أخرى.

الإرادة كلمات فارغة تُطلق في الهواء حين تفتقر إلى القوة الصُلبة لترجمتها إلى واقع ملموس على الأرض. من ثم، لا غني للإرادة عن القوة. وهذا له ثمن. حاجة الإرادة إلى القوة تكون مدفوعة الثمن مقدماً، عبر إشراك أصحاب القوة في عملية تصنيع وإقرار إرادة الدولة. إذا كانت القبائل العربية لا تزال تتمتع بهامش من الاستقلالية يتيح لها أن تقبل أو ترفض الالتحاق بالاتحاد، وكانت هي المنوط بها في نهاية المطاف أن تُنفذ بقوة سواعد رجالها مضمون إرادة دولة الخلافة، إذن لابد من إشراك نفس هذه القبائل في عملية صنع الإرادة العامة للدولة والحصول على موافقتها أولاً. كانت مشقة فوق طاقة البشر وضعت على أكتاف أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، استرضاء قبائل متنافرة لا غنى عن حشد قواتها المشتركة لاستمرار بقاء دولة الخلافة الأولى، المرهونة بدورها باستمرار تماسك اتحاد القبائل العربية. في جميع الأحوال، كانت النتيجة متوقعة وحتمية- الفشل الذريع والسقوط المدوي في فتنة حرب الكل ضد الكل.

لم يكن كل العرب سُذَج سياسياً. حتى لو قليلون، لم يعدم العرب أدهياء من شاكلة عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان، اللذين أسسا معاً أول دولة عربية حقيقية، الخلافة الأموية. هذا لم يتحقق إلا بعد أخذهما بما كان معمولاً به آنذاك داخل الممالك المعاصرة: الفصل والمباعدة لأقصى حد ممكن ما بين العنصرين التكوينيين الأساسيين للدولة- الإرادة والقوة- عبر طرد عناصر القوة من دهاليز صناعة الإرادة والقرار العام. وقد ترتب على ذلك إنهاء العمل بنظرية توزيع الغنائم واستبدالها بنظرية الأجر مقابل الخدمة الاحترافية، الذي أدى بدوره إلى ظهور أول جيش احترافي عربي معتمد على الدخل ومعزول عن السياسة. عندئذٍ، عبر شراء القوة بالمال، استتبت الإرادة العامة للدولة، ومعها اليد الطولي والغليظة، كملكية خاصة وحصرية لآل معاوية. وحين اتحدت الإرادة مع القوة في يد واحدة ونفس اليد، بدأ عهد دولة الحكم المطلق والاستبداد السياسي العربي الذي استمر بدرجات متفاوتة ما بين القوة والضعف حتى انتهى بسقوط آخر الحكام العرب، العباسيين، تحت حوافر جيادٍ اشتروها بأموالهم لكي يمتطيها فرسان عُجم مدفوعي الأجر بسخاء لحمايتهم من رعاياهم، عرباً وعجماً.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُلُم الدولة العربية المُجهض
- أصحاب الجلالة والسيادة والسمو
- عبادة المقاومة - حدود حق الدفاع عن النفس
- تفكيك السلطوية العربية-2
- تفكيك السلطوية العربية
- اللهُ في النفسِ الفردية والجَمْعِية
- جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25
- شرعية الحكم والأمر الواقع
- من خواص العقل العربي المعاصر- حماس عينة
- اللهُ في السياسة
- هيا بنا نَكْذب
- حقيقة الأجهزة السيادية في الدولة الوطنية
- لماذا نَظْلمُ النساء؟
- لَعَلَّنَا نفهم الخير والشر
- لا الشمسُ تَجري...ولا الليلُ يُسابق النهار
- الخير والشر، بين المطلق والنسبي
- نظرية العقد الاجتماعي 2
- نظرية العقد الاجتماعي
- إشكالية الشريعة والاجتهاد
- ماذا كَسَبَت العراق بعد صدام


المزيد.....




- رأسه في سويسرا وساقاه بفرنسا..ليبي يشارك تجربته بـ-أغرب فندق ...
- مصدر: كامالا هاريس تتحدث مع أوباما وبيل كلينتون وهيلاري لحشد ...
- هل تم استبعاد السلاح النووي بإيران بعد فتاوى خامنئي والخميني ...
- بعد قطيعة دامت ثماني سنوات عودة العلاقات الدبلوماسية بين الس ...
- غزة: الجيش الإسرائيلي يجبر الفلسطينيين بمواصي خان يونس على ا ...
- المستشار الألماني يفتتح اليوم مؤتمر الإيدز العالمي في ميونخ ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1970 عسكريا أوكرانيا خلال 24 ...
- الجمارك الروسية تضبط رمالا مشعّة في أحد مطارات موسكو
- أوزبكستان تختبر ناقلة جنود مدرعة جديدة (فيديو)
- هل أنت مستعد للاستسلام يا زيلينسكي؟


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة