|
الكريبكائية المكية والمسخرات الكونية
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8046 - 2024 / 7 / 22 - 11:19
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قضى الوباء على أصحاب القرية ، فأصبحت مثلا لمن بعدها ، ثم انتقل التنزيل الى الكريبكائية المكية ، ليطلع ميثولوجيا الملائكة بنات الله ، والدين السياسي لأهل الكتاب ، على المصير النهائي لمن قبلهم من الشعوب ، قائلا الم يروا، يروا رؤية تصورية تاريخية ، وليس جغرافية كاشفة لآثار التدمير، كم أهلكنا قبلهم من القرون ، القرون الشعوب السابقة ، أنهم أي الشعوب التي سبقت ، إليهم ، الى أهل مكة لا يرجعون ، لا يرجعون حالة من الفصل الأخروي ، ما بين الشعوب والأمم ، لقطع الحاضر المكي عن الانتمائية التاريخية للماضي التراثي، وهذا أشبه بقول الله ، تلك امة خلت لها ما كسبت ، ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يفعلون ، فلا تعترف امة ، بأمة أخرى ، لكن متى هذا ، وان كل لما جميع لدينا محضرون ، يوم القيامة
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ{31} وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ{32}
تقسم العلوم الدنيوية الى نوعين ، أولا علوم الماديات أو العلوم الطبيعية ، كالفيزياء والكيمياء وعلوم الأرض وعلوم الفضاء ، وعلم الفلك وعلوم الحياة ، والكيمياء الحيوية ، وعلم الأحياء ، ثانيا العلوم الإنسانية ، كالأدب والفنون واللغات والموسيقى ، والفلسفة والتاريخ والآثار والتراث ، فمثلما للعلوم الدنيوية كتب ، أيضا للآخرة كتب ، كالتوراة والإنجيل والقران ، وتختص في علم الغيب، وغيب الماضي ، والمصير الغيبي ، وعالم الشهادة ، وغيبية الخالق ، والمسخرات السماوية والأرضية ، وعلم الآخرة ، فعندما تطرح الكتب المنزلة آيات الله ، لا يعني ذلك استشهاد علمي ، إنما لاطلاع البشرية على الخالق الحقيقي للمسخرات ، التي استحوذ عليها شياطين الميثولوجيا والدين السياسي مسخرين إياها ، لمصالحهم الاقتصادية والسياسية ، ربط الفكر الوثني الشركي لأهل مكة ، الزراعة الديمية وإنتاج الحبوب بالملائكة بنات الله ، على اعتقاد هن من يسوق المطر على مناطق الزراعة الديمية ، فينبتن الحب ، ولكي يبعد الله مسخراته عن شركائه ، قال وأية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا ، الحب هي محاصيل الأمن الغذائي البشري والحيواني ، كالحنطة والشعير ، فمنه يأكلون
وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ{33}
مصادر أخرى للأمن الغذائي غير زراعة الحبوب ، استحوذ عليها شياطين الملائكة بنات الله ، كمنتجات الأشجار المثمرة التي تعتمد على مياه الأنهر والعيون ، والتي جزء كبير من ريعها ، يهدر على النذور والهدايا وقربانا للإلهة ، مستنزفة دخل الفرد ، باسم الجنة والشفاعة وتكفير الخطيئة ، التربة أساس الحياة على الأرض ، قال الله وجعلنا فيها أي في الأرض ، جنات من نخيل وأعناب ، وفجرنا فيها من العيون ، ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم ، وما عملته أيديهم ، عملية التصنيع للثمار ، كالتعليب والتجفيف والكبس ، أو تحويلها الى عصائر ومربيات ومشروبات كحولية ، أفلا يشكرون
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ{34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ{35}
قطعت البشرية ملايين السنين على الأرض ، محدثة عليها تغيرا حضاريا وصناعيا وزراعيا وعمرانيا واسعا ، فكل شيء فوقها تغير، إلا فطرة الخلق لا زالت بدائية ، وستبقى بدائية الى نهاية الخليقة ، وخاصة في مجال التكاثر ، فمهما تقدمت العلوم في مجال التخصيب البيولوجي ، وتحسين الجينات الوراثية ، والتلقيح الصناعي ، والتهجين النسلي ستبقى بدائية ، لأنها مقتبسة من فطرة تزاوج الكائنات الحية ، قال الله سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض، كالنبات الطبيعي والغابات والزراعة الإنتاجية ، ومن أنفسهم ، ونفس البشرية ذكور وإناث ، ومما لا يعلمون ، لا يعلمون تكاثر أخر بالتزاوج بعيد عن علم الإنسان سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{36}
ينتقل التنزيل الى الظواهر الطبيعية ، والمسخرات الكونية ، التي هي جزء لا يتجزأ من الحياة على الأرض ، قلنا تكاثر الكائنات الحية على الأرض قائم على التزاوج ، بينما اختلاف الظواهر الطبيعية كالليل والنهار، قائم على لانفصال ما بين الضياء والظلام ، وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، نسلخ نفصل عنه الضياء ، فإذا هم مظلمون
وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ{37}
كانت البشرية تعتقد ان الشمس تدور ، والأرض ثابتة ، وبعد صعود الإنسان الى القمر، والنظر الى الأرض من جانب أخر ، تبين أنها تدور حول نفسها حركة يومية ، وحول الشمس حركة فصلية ، بما ان الحركة الفصلية السنوية أطول من الحركة اليومية للأرض ، فالإنسان لا يشعر بدورانها المنتظم ، فيعتقد أنها مستقرة ، بينما يشعر بدوران الشمس ، ولو وقفنا على أي كوكب أخر غير الأرض ، سنشعر بنفس الشعور بالاستقرار ، ودوران الكوكب الأخرى من حولنا ، الأرض الكوكب الوحيد الذي يكشف تفاصيل الكون بكل وضوح ، فما نقله الإسلام السياسي عن استقرار الشمس تحت عرش الرحمن لا صحة ، النظام الكوني قائم على استقرارية الجري ، الذي لا يمكن إدراكه إلا من على الأرض ، والجري المستقر هو قطع مسافة في زمن ثابت ، والشمس تجري لمستقر لها ، مستقر لها لا يعني التوقف عن الحركة ، إنما استقرارية جري الشمس في المدار المخصص لها ، ذلك تقدير العزيز العليم
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{38}
من الصعب قديما ادارك حجب الأرض لنور الشمس كليا عن القمر، مع نهاية كل شهر قمري ، فالقمر ظاهرة فلكية مرئية لها منازل مختلفة الشكل والزمن ، فكلما كبر حجم المنزلة طال زمن ظهورها ، قال الله والقمر قدرناه منازل ، تبدأ من اليوم الأول ، بظهور تصاعدي في الشكل الى منصف الشهر، ثم يتناقص الشكل تنازليا الى نهاية الشهر ، حتى عاد كالعرجون القديم ، قال المفسرون العرجون القديم ، الطلع المقوس الذي يحمل ثمار التمر ، تفسير غير منطقي لان الشكل المقوس سواء ان كان قديم أو جديد هو نفس الشكل ، الحركة الفلكية للقمر في السماء حركة متعرجة ، لأنها تتغير تصاعديا الى منتصفة، ثم تتناقص تنازليا ، فتظهر منازله بعد ذلك في الليل والنهار ، حتى عاد الى عرجه الأول القديم ، العرجون جاءت من التعرج أو العروج
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ{39}
النظام الكوني للمسخرات الفلكية ، قائم على أقطار المسافات والمدارات ، وانعدام الجاذبية ، فلا تتأثر حركة الكواكب بعضها البعض ، ولقد جعل خالق الكون لكل كوكب مدار فلكي، لا يخرج عنه ، ثم جعل لكل منهما ، حركة فلكية مدارية ثابتة السرعة ، لمنع التسابق ، قال الله لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر، أي تلحق بالقمر ، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون، يسبحون لا تعني كالسباحة بالماء ، إنما كل كوكب يؤدي وظيفة سبحانية طوعية أزلية لا يحيد عنها الى يوم القيامة
لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{40}
كان لغرق قوم نوح عبرة في اخذ الحيطة والحذر من خطر الفيضانات ، وعبرة للناجين في كيفية صناعة السفن، فما حمله فلك نوح من مؤمنين وحيوانات الإنتاجية ، علم البشرية على صناعة أنواع مختلفة من المراكب والقوارب ، بما ان أهل الكتاب ينحدرون من ذرية ممن حملنا مع نوح ، ذكَّر التنزيل الكريبكائية المكية والدين السياسي لأهل الكتاب ، بفضل الله على أسلافهم ، قائلا وأية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ، من مثله ، أشكال مختلفة من وسائط النقل البحري ، وان نشأ نغرقهم ، نغرقهم بتأثير فيزيائي لمسخرات أخرى لم تكن في الحسبان ، فلا صريخ لهم ، لا مسعف لهم ، ولا هم ينقذون ، لن يتدخل الله لإنقاذهم ، إلا رحمة منا ، ومتاعا الى حين ، إلا إذا أراد الله تأخير هلاكهم ، الى وقت أخر
وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ{41} وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ{42} وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ{43} إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{44}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكريبكائية المكية وأصحاب القرية
-
الكريبكائية المكية بين الميثولوجيا والدين السياسي
-
الغيب مسرح أفكار العقائد السياسية
-
الميثولوجيا الطائفية والكتب المنزلة
-
لله في خلقه شؤون
-
الميثولوجيا وبيولوجيا الحمل والإنجاب
-
الميثولوجيا وسيكولوجية عدم الرغبة في التغير الفكري
-
العقيدة السياسية بين الميثولوجيا والدين السياسي
-
الاقتصاد السياسي للرأسمالية الوثنية
-
ميثولوجيا مادية الجن والملائكة
-
الدين السياسي تاريخ مخزي للشعوب
-
الريح والجن وسليمان بين الدين السياسي والتنزيل
-
الدين السياسي وميثولوجيا عالمي الجن والإنس
-
العذاب الأدنى
-
لقاء الله بين الميثولوجيا والدين السياسي
-
فوبيا الميثولوجيا أولياء الله وشفعائه
-
من راحت الاشتراكية راحت البركة
-
سوسيولوجيا المسخرات وسيكولوجية المخاتلة
-
الأممية الاشتراكية والنضال ضد الصهيونية والإمبريالية.
-
السوسيولوجيا - بين الكتب التراثية والكتب المنزلة
المزيد.....
-
أمريكا.. القبض على طالب فلسطيني في جامعة كولومبيا قبل حصوله
...
-
تركن أحلامهن ونسجْن السجاد، أفغانيات يتحدّين قيود طالبان رغم
...
-
بمشاعل مضيئة... قرية في كشمير تحيي مهرجانًا صوفيًّا يعود إلى
...
-
البيت الأبيض يجمد 2.2 مليار دولار من دعم جامعة هارفارد بعد ر
...
-
ترامب عن إيران: اعتادت التعامل مع أغبياء في أمريكا خلال المف
...
-
لقاء مناقشة حول موضوع “مستجدات الحياة السياسية الوطنية وإصلا
...
-
إيقاف الدروس بتونس بعد وفاة 3 تلاميذ في انهيار سور مدرسة
-
عرائض الاحتجاج في إسرائيل تمتد إلى لواء غولاني
-
يائير نتنياهو متطرف أكثر من أبيه هاجم أميركا وسب ماكرون
-
الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا وتشن هجوما لاذعا على ريتايو
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|