عبداللطيف هسوف
الحوار المتمدن-العدد: 1768 - 2006 / 12 / 18 - 09:45
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
1- تقديم:
ينتمي أبوليوس إلى شمال أفريقيا، وهو واحد من الذين برزوا في ميدان الأدب اللاتيني، إلا أنه فاقهم جميعاً من حيث غنى معارفه، وتنوع كتاباته، خاصة الكتابات القصصية والروائية. ومن ثم اعتبر أبوليوس بحق ممثل السرد اللاتيني الأفريقي ووصف بأمير خطباء أفريقيا وأكثرهم نفوذاً وشهرة في عصره، حتى ولو أهمله معاصروه من الأدباء ولم يتحدثوا عنه.
يعد لوكيوس أبوليوس (Lucius Apeleius) صاحب رواية الحمار الذهبي التي تحكي عن تحول إنسان إلى حمار، روائي العصور القديمة الأول بلا منازع ومؤسس الرواية، لا بمعني السرد وإنما بالمعني الاصطلاحي الذي يتشكل من بطل وأحداث وعقدة وشخصيات وفضاء وزمن. هذا الفن الذي صار بعد ذلك نمطا أدبيا متميزا عن غيره من الأجناس الأدبية وهو فن الرواية . وتعد رواية أبوليوس الحمار الذهبي أول رواية قديمة وصلت إلينا كاملة، وشكلت نوعاً أدبياً جديداً، هو النوع الذي يعرف اليوم بالرواية، وتضم هذه الرواية مجموعة من القصص يرويها المؤلف بضمير المتكلم. وإن كان أبوليوس من شعب البربر بشمال أفريقيا إلا أنه ليس هناك من شك أن روايته استمدت روحها من أنفاس يونانية.
وتعد رواية الحمار الذهبي في واقع الأمر محاكاة ساخرة تنتمي إلى أنموذج قصة المغامرات أو المخاطرات، ومن ثم يبدو أن التحول الساخر من إنسان إلى حمار له صلة بالجنس الأدبي يعتمد التحول كنهج للتعبير النثري. إنها رواية تجمع بين السخرية والاستعراضية والفكاهية والهزلية الماجنة والنكات والهجو اللاذع. كتب أبوليوس روايته بحرية متناهية غير مقيد بالمعايير الصارمة، غير أنها لا تخلو من مشاهد القسوة والجريمة والغرابة والجنس المقنع من حين لآخر.
وكما مسرحيات ترنس، أخذ الروائي أبوليوس المصدر اليوناني على أنه إطار لإضافة حكايات أخرى تتخلل خط الرواية الرئيسة. وقد اعتمد أبوليوس بالإضافة إلى المصدر اليوناني على المصدر الأمازيغي فيما يتعلق بالمعتقدات الوثنية لذلك العصر (الأعمال السحرية التي كانت في الشمال الأفريقي). وبالتلي فإن أبوليوس تجاوز المصدر اليوناني، عندما حل في نهاية الرواية محل بطله، وتحدث فيها عن حياته الخاصة، ففصل بذلك الحدث الرئيسي عن مجراه واهتم بتمجيد عبادة الإلهة إيزيس التي كان يمجدها سكان شمال أفريقيا، حيث أن معاناة البطل عند أبوليوس تجد حلها في الأسرار المقدسة. وأسلوب الرواية مليء بالعبارات الشعبية والاقتباسات الأدبية القديمة، متوفر على المحسنات البلاغية وشيء من الشاعرية ومليئ بالمتعة، لذا خاطب أبوليوس القارئ في تقديمه للرواية قائلاً: انتبه ستنال حظك من التسلية!.
2- حياة لوكيوس أبوليوس:
ولد لوكيوس أبوليوس (أو أفيلاي في الأمازيغية) ببلاد النوميديين، بمدينة دارووش (Madauros) المدينة الجزائرية بالقرب من الحدود التونسية حوالي سنة 125 ميلادية. وقد اختار الإقامة بقرطاج، وهو مدين بشهرته وبتكريسه كاتبا كبيرا لهذه المدينة الفينيقية. تعلم بقرطاج، ثم بأثينا حيث درس على الخصوص الفلسفة الأفلاطونية. يجهل كل شيء عن تاريخ وفاته، لكن ما يعرف عنه هو أنه قام بأسفار عديدة جريا وراء المغامرة والبحث عن المعرفة. سافر إلى روما حيث امتهن المحاماة، وخلال سفر من بلاده الأصلي إلى مصر، توقف بطرابلس حيث تعرف على أرملة غنية جدا كانت تكبره بكثير، وهي تسمى إميليا بيدونتيلا. تزوجها وورث كل ما تملك بعد وفاتها. وأمام حرمنهما من إرث ابنتهما، ما كان من أبويها إلا اتهامأبوليوس بالسحر وبتسليط الأرواح على ابنتهما لتعشقه وتسحر به وتوصي له بكل ما تملك. تقدم الأبوان بدعوى قضائية للقنصل الروماني كلوديوس مكسيموس بطرابلس. خلال هذه الفترة، كتب أبوليوس دفاعه بقلمه (فهو دارس للقانون) ليحكم عليه بالبراءة ويستقر بعدها بقرطاج حيث درس البلاغة.
كان أبوليوس خطيبا متمرسا يخطب في الجمهور العريض في عدد كبير من مدن شمال إفريقيا. كما اعتبر واحدا من أولائك السحرة المستعينين بالغيبيات والذين ينعتون دائما بأنهم ضد المسيح. ورغم كفاءاته تلك، لم يتقلد أبوليوس أي منصب رسمي في مجال القضاء، كما يخبرنا سان أغسطين. وفي إطار مناخ قرطاج الثقافي، أنجز أبوليوس أعماله الفكرية والأدبية وكتابه الذائع الصيت تحت عنوان التحولات أو قصة الحمار الذهبي . ويعد هذا الكتاب من أهم الأعمال الأدبية الخالدة التي ترجمت أيضا إلي العربية، وهي تروي قصة إنسان مسخ حمارا. ولربما يحكي فيه الكاتب ذكرياته في اليونان القديمة وفي بعض أماكن من شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
3- أعمال لوكيوس أبوليوس
يمكن القول بأن رواية الحمار الذهبي رواية قديمة ارتبطت بالغيبيات والسحر... ورغم أنها تغرق في الغيبيات وتبتعد عن العقلانية، إلا أن وصف الكاتب لحياته كحمار كان إبداعا جيدا يذكرنا اليوم برواية النمساوي فرانز كافكا الذي اعتمد تقنية المسخ إذ يتحول بطله في إحدى رواياته التي تحمل نفس العنوان التحول إلى صرصار. لكن الفارق طبعا، وإن لم يكن إبداعيا، لأن الروايتين في قمة الإبداع، الفارق هو أن أبوليوس الأمازيغي سبق كافكا النمساوي بما يقارب ألفي سنة.
بكتابه التحولات {أو الحمار الذهبي}، احتل أبوليوس الصف الأول مع كبار الكتاب العالميين الخالدين. وفي كتابه ذاك، اتخذ الرواية الطويلة النفس مطية لوصف الأوضاع الإجتماعية وانتقادها في سخرية حينا، وفي شدة وصرامة أحيانا. دافع عن المستضعفين، وطرق بكيفية غير مباشرة موضوعات فلسفية، مظهرا لنزعته الصوفية، ولميوله إلى الديانات المشرقية النشأة وولوعه بعبادة الآلهة المصرية إزيس عوض المسيحية السائدة وقتها، فوصف ب النوميدي المزعج ، ولكن اعترف له بصدق التعبير وبالبراعة في فني القص والكلام. وكان هو نفسه يصرّح بأنّه تأثر بعمق الفكر اليوناني. (محمد شفيق).
سافر أبوليوس إلى أثينا وتشبع بثقافتها ليصبح أكثر هيلينية من المجتمع الهيليني نفسه. كان يسلك مسلكا فلسفيا جديدا لما بعد الأفلاطونية، أو لنقل الأفلاطونية الجديدة حينئذ. كان أبوليوس يعتز بأنه كتب شعرا كأوبدوكل، وكتب حوارات كأفلاطون وقصصا ككسينوفان، وتراتيل كسقراط، ومسرحيات كبيشارم... كما أنه كتب أيضا باللغة اللاتينية والإغريقية في الحساب والموسيقى والفلاحة... وأهم مؤلفات أبوليوس التي وصلتنا، نذكر:
1- كتاب الدفاع أو السحر، حيث يدافع عن نفسه بحرارة إثر اتهامه بالشعودة ويكشف القناع عن إحساس حاد بقيمه الشخصية. كما أنه سيرة ذاتية تمد القارئ بمعلومات عن قناعات واعتقادات الكاتب أبوليوس وموطنه أفريقيا خلال تلك الفترة. كل هذا يتم تحت قناع بلاغي من حيث التعبير يعرض فيه الكاتب للأنا الأمازيغية مقابل الآخر اللاتني-الإغريقي.
2- كما ترك لنا أبوليوس كتابا آخر هو الفلوريدات Les Florides، ويمكن ترجمة هذا العنوان إلي اللغة العربية ب الورديات أو الزهريات ، وهي أنطولوجيا تضم مختارات من أعماله وندواته وخطبه. كما يجمع مناقشات شفهية في عدة مجالات. إنه بالأساس عبارة عن آراء كاتب مسافر باستمرار، بالمعنى المادي والمعنوي لكلمة السفر.
3- كتاب التحول، وهو رواية ساخرة سماها الحمار الذهبي حيث يحكي عن الحب والنفس والآلهة والجن وعادات الإمبراطورية الرومانية.
4- كتاب حول إله سقراط يتطرق لعالم الأرواح والجن. شخصيات غريبة يقدمها الكاتب تجد مكانها في العالم الإلهي وعالم البشر. شخصيات من ثلاثة أنواع: أرواح داخل جسد، أرواح تحررت من الجسد وأرواح لم يسبق لها أن سكنت الجسد المادي. ورغم أن نص الكتاب يبحث عن الجوانب الروحية عند سقراط، إلا أنه دعوة صريحة للبحث عن الحكمة.
5- كتاب فلسفي حول مذهب أفلاطون يتعرض للأمور الأخلاقية والمادية. إنها قراءة مراوغة لمسألة الأخلاق عند أفلاطون.
6- كتاب يتعرض لعلم الفضاء وموضوع الدين. هنا يذهب أبوليوس إلى تقديم فكرته التي تفيد بأن الله أصل الحياة.
بالإضافة إلى كتب أخرى في الحياة وفي المذهب الأفلاطوني. وقد كانت بحق كتبا مهمة أغنت تاريخ اللغة اللاتينية بإفريقيا الشمالية خلال القرن الثاني من الميلاد. ويعد لوكيوس أبوليوس من المدافعين عن الخصوصية الأمازيغية الإفريقية المتعلقة حد الهوس بمعتقداتها وعاداتها في مواجهة الطقوس التي كانت تفرضها روما تمجيدا وتبجيلا وتعبدا للقيصر، وكذا في مواجهة المد المسيحي.
لا يعرف أي شيء عن وفاة أبوليوس: أين ومتى وتحت أية ظروف مات. لكن الأكيد هو أنه توفي حوالي 170 ميلادية قرب قرطاج، مدينته المحببة.
مراجع:
• البرغوثي عبد اللطيف محمد، التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح الإسلامي، منشورات الجامعة الليبية، الطبعة الأولى، 1971.
• شفيق محمد، لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغن، دار الكلام للنشر والتوزيع ـ المحمدية ـ المغرب 1989.
• علي فهمي خشيم (ترجمة عن الإنجليزية)، تحولات الجحش الذهبي/لوكيوس أوليوس ، الطبعة الأولى- المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، 1980، (موقع توالت: Tawalt ).
• الغرباوي محمد المختار، في مواجهة النزعة البربريّة وأخطارها الانقساميّة، دراسة ـ من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق – 2005
• الكعاك عثمان: البربر ـ سلسلة كتاب البعث ص 101 تونس 1956.
• المحجوبي عمار، الحمار الذهبي، أبوليوس لوليوس، دائرة المعارف التونسية 1991، (موقع توالت: Tawalt ).
• BANHAKEIA Hassan; Étude: APULEE, ECRIVAIN AMAZIGH (Université d’Oujda).
• BERTHIER, André - La Numidie, Rome et le Maghreb, Paris, Picard, 1981.
• Brett Michael and Fentress Elizabeth, The Berbers, Collection: The Peoples of Africa, Blackwell Publishers, USA 1996.
• BRUNNEL, Pierre, JOUANNY, Robert: - Les grands écrivains du monde, Paris, F. Nathan, 1976.
• Camps G., Les Berbères, mémoire et identité, Paris, Errances 1987.
• DIDEROT, Réflexions sur Térence, 1762
• Encyclopédie Berbère - Aix-en-Provence : EDISUD, 1987, Volume IV.
• Grimal P., Apulée, Métamorphoses, IV, 28 – VI, 24, Collection Erasure, Paris 1963.
• Monceaux M., Apulée, Paris 1889.
• SAINT-QUENTIN, Louis de. 3000 ans avec les Berbères - Paris, Delagrave, 1949.
• TLATLI, Salah-Eddine. - La Carthage punique - Paris, Librairie d’Amérique et d’Orient, Maisonneuve, 1978.
#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟