|
قراءة أحمد إسماعيل لنص -ذَاكِرَةٌ لِلْبَيْعِ- ل فاطمة شاوتي
فاطمة شاوتي
الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 15:11
المحور:
الادب والفن
قراءة أحمد إسماعيل لنص الشاعرة المغربية Fatima Chaout "ذاكرة للبيع"
مسحْتُ صدْرَهُ بِرأسِي سحَبَ نبْضَهُ منْ سيجارةٍ يُدخِّنُهَا بِشِعْرِي أَشُمُّ الدّخّانَ يتَفَتَّتُ الرّمادُ منْ شَعْرِي وجْهُهُ دونَ ملامحَ فِي نظَّارَتَيْهِ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ لِلْخوفِ
أسْندْتُ قلْبِي علَى قلْبِهِ سحبَهُ مِنِّي وغادرَ وحيداً اِبْتَعَدَ أنْظرُ خطْوَهُ شفتَاهُ تُهَمْهِمَانِ بسْمةٌ صامتةٌ وقُبْلةٌ باردةٌ في خطْوِهِ السّاخنِ..
كنْتُ الطّفْلةَ الْجائعةَ أمامَ بائعِ مُثَلَّجَاتٍ يخافُ حرارتِي تُذِيبُ شفتَيْهِ
ذابَ الْآيْسْ كْرِيمْ بِأصابِعِي فابْتعدُ اِنْخَرَطْتُ فِي بكاءٍ أَلْحَسُ مِلْحَهُ وَأُقَرْمِشُ لِسَانِي
جلسْتُ فِي الْقصيدةِ نَبْكِيَانِ طارتْ منْهَا /مِنِّي / فراشةٌ ترْشقُ بِالْعزاءِ شفتيَّ وتبْتعدُ فأبْتعدُ
كَنُقْطَةٍ دُونَ سطْرٍ سألْتُ بائعَ أَشْرِطَةِ فِيدْيُو : يَاعَمِْي الْيَزِيدْ ! هَلْ تشْترِي ذِكْرياتِي... ؟
ضحكَ مِنْ أسْنانِهِ الْمَفْرُومَةِ وَعَضَّ خُوخَتِي الْمُجَفَّفَةَ : سَأَشْتَرِي ذاكِرَتَكِ حتَّى لَا تُكَرِّرِي الْبيْعَ مَرَّتَيْنِ !!
القراءة الانطباعية للنص بقلم أحمد إسماعيل /سوريا
أجمل مافي الشعر أن يتعاطى مع الحب كمشكلة إجتماعية، يظهر فيها كل وجوهه و تقلباته، حسب الذات و تعاطيها مع هذا النمط في الحياة، هذا النمط هو الذي يعطي للحياة طعما و لونا و أوكسجينا... لكن ماذا لو انعدمت الثقة؟ ماذا سيحدث للحياة؟ ماذا سيحدث للحب؟ تلك هي الأسئلة التي أرادت مبدعتنا؛ أن تطلقها في ذهن المتلقي من العتبة العنوانية.( ذاكرة للبيع.) فكلنانعرف متى ينهار الجسد و الروح؛ و يطالبان أن يرميا ما علق من تلك الذاكرة أو يبيعها، و لو بثمن بخس... هنا لغة السرد تتفوق على عمق الألم، و ترسم الحوار بطريقة الومض الشعري المكثف، و الممزوج بسكر الانزياح، مع لمسة ساحرة من لغة التضاد... لاحظوا مطلع النص و كيفية الدخول إلى لب القارئ:
"مسحْتُ صدْرَهُ برأسِي" شاعرية عالية "سحبَ نبضهُ" دهشة و تساؤل عميق من قبل المتلقي ماذا حدث حتى انقلب المشهد رأسا على عقب؟ و هذه ميزة تتفرد بها مبدعتنا، فعامل التشويق كان يحفز المتلقي في نهاية كل جملة أو سطر... لاحظوا العودة إلى شاعرية أعلى، بالإحساس من مطلع النص بقولها، و هي تتابع قولبة الومض بالدهشة سحب نبضه من سيجارة يدخنها... هنا جعلت الشاعرة السيجارة تشارك في الحوار، من خلال بصمتها في جعل نبض الحبيب، يتدفق كبركان ثائر يتدفق من فمه كل أطياف حسنها، كدخان يتخيلها و هي ترضي كل غروره؛ و جموحه؛ و هيجانه؛ هل انتهت الدهشة؟ لا ااا لاحظوا كيف جعلت سحب النبض؛ و التدخين؛ من خلال شعرها و قصيدتها التي بثتها في لحظات الحب، لتعود في السطر الذي بعده إلى إحساس الألم و هكذا... فهنا ندرك أن الشاعرة تمسك المتلقي بجاذبية تقنية الأصوات... و هذه التقنية عادة يستخدمها المعلمون في الصفوف التعليمية، من خلال التنويع الصوتي في إلقاء و طرح الجمل. فمن خلالها تبعد الرتابة و يصبح الصوت بين مد و جزر... وهذا الأسلوب استخدمته الشاعرة لأمرين: الأول :هو الرسائل السامية التي تبلغها، كمسؤولية على عاتقها في السعي، لحل المشكلات الإجتماعية من خلال أدبها... ثانيا :يقينها أن هذا الأسلوب هو الأقرب وللمتلقي، فهي هنا كالمايسترو تعلو و تتوسط وتهبط، بإيقاع الصورة لتخلق مع المتلقي عدة أمور: روح التساؤل...روح التأمل..الاندهاش
أيضا لابد من الإشارة إلى المونولوج الداخلي، الذي يتدفق في نسق الحوار، و التنويع في الأزمنة الفعلية، و التنويع بين الأنا و ال هو مثال: "أسندْت > سحبه" "غادر > أنظر" ومداومة الذات في حديثها مع نفسها، في صمتها المؤلم في لحظات انسحابه التكتيكي... "شفتاه تهمْهمان بسْمةٌ صامتةٌ قبْلةٌ باردةٌ في خطوهِ الساخنِ" هذا كله تمهيد لفقدان الثقة... هنا لابد أيضا من الإشارة إلى هذه الرسالة المهمة، التي تقوم بتبليغها الشاعرة، و هي نضوج اختياراتنا... فالشاعرة تشير إلى الخيارات الطائشة بمجاز فاخر، " الطفلة الجائعة" التي لا تعي خواتيم تلك الاختيارات. وهنا رسالة أخرى مهمة توجهها الشاعرة، لكل أنثى و لكل رجل، لأن النص يوجه الرسالة لكلا الجنسين، الرسالة هي أن لايكون همنا الوحيد هو الحصول على الشيء... الأهم الحفاظ على استمرارية الشيء، لاحظوا الالتفاف الرائع لمعنى زوال هيبة الحب، بذوبان الآيس كريم، و مع زوال هيبة الحب، يبدأ الندم بالجريان في الدم، و تظهر بوادره واضحة ،كما في قول الشاعرة: "أنْخرطُ في بكاءٍ ألْحسُ ملْحهُ و أقَرْمشُ لسانِي" لاحظوا مدى المعاناة في قرمشة اللسان... وهل تنتهي الدهشة عند الندم؟ لا فالشاعرة تتنتقل لمرحلة أعمق في الوجع، و هي رثاء الذات للذات، وفي هذه المرحلة تبحث لنفسها عن روح، تساندها و تخفف آلامها، و لا تجد خيرا من القصيدة... فهي أصدق من الجميع و خير من تثق به، ليخرجها من هذه التغريبة... لذلك قالت:
"جلسْتُ في القصيدةِ نبْكيانِ" قد يتساءل البعض لم كتبت الفعل بصيغة المثنى و هي لوحدها؟ الجواب بكل سهولة من يبكي هنا؟ إثنان الجسد و القلم.. و الثمار التي أنتجتها شجرة المأساة، هو مجموع قصائدها أو ديوانها الذي يتحدث عن نكبتها، و الذي جفف روحها... هنا أيضا ترسل الشاعرة رسالة مهمة، و هي سؤال بحد ذاته: ماذا تعني لك تلك التجربة؟ هي أمر يدفع للنسيان.... نسيان كل ما سبق وما هي السبل لبيع الذاكرة؟ فهنا عودة للعتبة العنوان، لكن بفنية عالية من المجاز... فالشاعرة لا ترسم هنا بوادر للانتحار، صناعة المجاز عند فاطمة شاوتي، هي كالسلسلة يجب أن تحصل على جمالها، من خلال التتبع و التقصي في مفاتيح السرد، التي تبثه فهي من خلال رثاء ذاتها أنتجت ديوانا، جففت من خلاله كل جروح الذات... فالذاكرة هي نفسها القصيدة، و هي نفسها الخوخة؛ التي عضها المشتهي؛ ليتذوق مدى لذة المعنى في الكتابة، ففي القفلة مساحة عالية من الأمل بمستقبل و تطلعات جديدة، تنسيها ما سبق... وهذه الرسالة ترسلها الشاعرة، لكل من فقد الثقة في الحب.. هي تشجع على رمي الماضي؛ و بيعه؛ و الانطلاق في حياة جديدة؛ ففي الحياة الكثير ممن يستحق الحب... وفيها أيضا رسالة عميقة، هي للأنثى الأجمل في حياة الجميع، ألا و هي الوطن... الوطن الذي يقع في اختياراته الخاطئة، في حب أنظمة فاسدة، هي حث أن الخيانة للأوطان، لا يعني موت الوطن. ففي الوطن من يستحق حبها من أبنائها، لذلك دائما تسعى في تطلعاتها، لحياة مليئة بالحب و السلام. نثرية عالية عميقة و مبهرة، بشاعريتها و أسلوبها الومضي، الذي يشع مع مد و جزر، إيقاع الصور... ترفع القبعة لكل هذا الجمال و السحر أ. فاطمة شاوتي...
#فاطمة_شاوتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة انطباعية في نص فاطمة شاوتي -سَقَطَ سَهْواً قَلْبِي-ل k
...
-
قراءة نقدية للأستاذ عزيز قويدر في نص فاطمة شاوتي-سهر الليالي
...
-
قراءة الأستاذ حسن بوسلام في نص فاطمة شاوتي -ضجيجُ الطّباشيرِ
...
-
قراءة نقدية..
-
قَلَقُ الْوَقْتِ...
-
رَقْصَةُ السَّلَمُونِ...
-
نُكْتَةُ الْقَرْنِ...
-
سَاعَةُ الْقَلْبِ...
-
أَسْرَارُ السَّمَاءِ...
-
لَحَظَاتُ الْعَبَثِ...
-
الْمَوْتُ مَسَاحَةٌ شِعْرِيَّةٌ...
-
لَيْسَ عَوْرَةً صَوْتُكِ...
-
الْمَكَانُ وَالشِّعْرُ...
-
مَمْنُوعٌ السُّؤَالُ...
-
تَرْتِيلَةٌ مُجَنَّحَةٌ...
-
لَيْلٌ بِأَلْوَانِ الطَّيْفِ...
-
سُلُوكٌ غَرِيبٌ...
-
سَفَرٌ غَرِيبٌ...
-
فِنْجَانُ عِشْقٍ...
-
وَتَمُوتُ الْعَصَافِيرُ تِبَاعاً...
المزيد.....
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|