|
كفانا نمارس السياسة حربا
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1768 - 2006 / 12 / 18 - 07:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مثلت مرحلة انتقال العراق من نظام الحكم الملكي الى النظام الجمهوري ـ عقب انقلاب 14 تموز/يوليو1958 بقيادة العسكرـ بدأ مرحلة ممارسة السياسة كحرب مع سبق الاصرار والتخطيط .ورغم ان معظم ساسة العهد الملكي كانوا من كبار ضباط العسكر الذين تلقوا علومهم العسكرية في الاستانة ،ومارسوا تدريباتهم العملية واكتسبوا خبراتهم في حروب الدولة العثمانية ،الا اننا نجد ان تاريخ اولئك الساسة وممارستهم للحكم كانت سياسية وبعيدة عن روح العسكرتاريا التي صبغت ممارسات تلاميذهم ، من ضباط الجيش ، في عهد الدولة الجمهوري الذي دشنه عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف في انقلاب 14 تموز/يوليو .الغريب في الامر هو ان ممارسة السياسة كحرب ،قد تحولت الى صبغة مميزة لحقبة الحكم الجمهوري ،وازدادت قتامة ودموية مع تقدمنا في عقود عمر هذه الحقبة وتوالي مراحلها (انقلاباتها) على حكم العراق .المحزن المبكي واللافت للنظر هو ان تكون المرحلة المدنية ـ حكم المدنيين ـ الاولى في تاريخ عهدنا الجمهوري (الجمهورية الرابعة التي نعيش ايامنا الحاضرة في كنفها ) هي الاشد ممارسة لحرب السياسة او سياسة الحرب ؛ والاكثر ضراوة والافقع دموية في تاريخ العراق الجمهوري .واذا ما احتاج القرئ الكريم الى دليل يثبت صحة دعوانا هذه فاننا سنذكره بوقائع تاريخ انقلاب 14 تموز /يوليو الذي من المفترض ان يكون قد نقل العراق من حقبة تاريخية الى حقبة ثانية ،اختلفت عنها شكلا وممارسة وثقافة ؛الا انه ، في حقيقة الامر ، لم يكن الانقلاب ، اكثر من عملية ازاحة لوجوه ارضاء" لرغبة وطموح حفنة من ضباط الجيش ـ وهذا ما أثبتته الايام وممارسات قادة الانقلاب ـ في الوصول الى سدة الحكم والتنعم بمميزاته السلطوية .فالثابت في صفحات في صفحات التاريخ المعاصر (المكتوب والمتداول على ألسنة كبار السن ) ان ابن النجار (عبد الكريم قاسم)وابن البزاز (عبد السلام عارف) لم يحتاجا ان يجيشا جيوشا كبيرة او ان يستعينا بقوات اجنبية من اجل الاطاحة بنظام الحكم الملكي ،الذي كان اغلب قادته السياسيين من العسكريين المتمرسين ،لأنهم كانوا يمارسون حكم العراق بروح السياسة لاالحرب او روح العسكرتاريا ؛رغم تصنيفنا لبعض ممارساتهم تحت عنوان العنف ،وتشكيك اغلبنا في صحة ادعاءاتهم للديمقراطية .حقيقة الامر ، وعلى الضد من كل ما اضفي من تزويقات سياسية وتاريخية وايديولوجية لتبريرذلك الانقلاب ولصبغه بالصبغة الوطنية ،فان انقلاب 14 تموز/يوليو لم ينفذ الا من اجل ارضاء شهوة حفنة من ضباط العسكر في الوصول الى سدة الحكم ،بدليل ما آل اليه امر الانقلاب من تجاوز زعيم الانقلاب (عبد الكريم) على( حصص) زملائه ومعاونيه في ذلك الانقلاب وتفرده بالسلطة ،بما فيها مجلس الرآسة الاعلى للبلاد ،في حين انه لم يكن يشغل سوى منصب رئآسة الوزارة ،في بلد عطل دستوره ولم تحدد صفات او صلاحيات رموزه السلطوية ،ليتحول عبد الكريم قاسم الى الزعيم الاوحد والقائد الملهم والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع ،ولتطبع صوره الشخصية ـ مزينة بابتسامة الفرح والحبور ـ على أباريق الشاي والصحون الخزفية واغطية الفرش المدنية والبطانيات العسكرية ، وليصم آذان ابناء الشعب المغلوب على امره بخطب رنانة واحاديث ملئها الوعود بالديمقراطية والرفاه ،لم تنته الا بنهايته مقتولا على يد زملائه من قادة الانقلاب في استديو البث المباشر في دار الاذاعة العراقية . وربما لحسن او سذاجة طوية او تفكير ساسة العهد الملكي ،او لحسن الظن الاحمق ـ كما يقول كاظم الحجاج ـ برجال العسكر فقط ،لم يحتاج ابن النجار وابن البزاز الا لبضعة جلسات لاتخاذ قرار الانقلاب وتحديد يوم وساعة تمردهم على سلطة الدولة ،بتوجيه الالوية العسكرية التي كانوا يقودونها لدخول بغداد واحتلال دار الاذاعة العراقية ومهاجمة القصر الملكي لتنفيذ اعمال القتل في ساكنيه من رموز العائلة المالكة واعلان انفسهم قادة منقذين للبلاد .وتوالت الانقلابات في عهد الجمهورية الثانية والثالثة مداولة بين قادة العسكر الذين احتكروا السلطة لانفسهم ، ومارسوا السياسة حربا فيما بينهم ومع الشعب الاعزل ،بل وحتى مع دول الجوار ،(ليضطر!)المدنيين من الجمهوريين الى الاستعانة بالقوات الامريكية والبريطانية ،للاطاحة بجمهورية العسكر الثالثة واقامة جمهورية الحكم المدني !فبماذا تميز او اختلف حكم المدنيين عن حكم السكر ، بعد مضي ما يقرب من اربعة اعوام على حكمهم للعراق ؟ الحقيقة انهم لم يتميزوا الا بالايغال ، والغرق حتى الاذنين في ممارسة السياسة كحرب او بادواتها وقوانينها في ما بينهم وفي ما بين فصائلهم وجهاتهم ومع ابناء هذا الشعب المغدور ،سواء عن طريق اجهزة الدولة الامنية او عن طريق ميليشياتهم المسلحة او عن طريق (وسائلهم الخاصة)!فلماذا هذا الاصرار ، من القادة الجمهوريين على ممارسة السياسة بادوات الحرب ،حتى بعد ان صاروا من المدنيين ، وزينوا واجهة حكمهم بالممارسات الديمقراطية ،كصناديق الاقتراع التي انتخبتهم وانتخبت مجلس نوابهم (البرلمان )، ويحكمهم دستور ـ مبارك شعبيا ـ ارضت مواده كل نزعاتهم وهواجسهم ،بل وحتى عقدهم النفسية !وفوق هذا وذاك ،فان اغلب وجوهه قد حصلت على نصيب مرضي من كعكة السلطة او مقاعدها السلطوية .يؤسفني ان اقول ان ليس بين قادتنا الجمهوريين ، من عبد الكريم قاسم الى جلال طالباني من يؤمن بالحوار كاداة للتعبير فضلا عن التغيير ؛والا لما احتاج ،هولاء القادة ،الى ثلاث انقلابات واحتلال انقلابي اجنبي لتغيير وجوه مناوئيهم من المتسيدين على رقاب العراقيين .أكاد احصر اسباب اهتمام او طموح اغلب الطامحين الى السلطة ،واختيارهم للغة الانقلابات العسكرية ـ كطريق مشروع ،بل وثوري ـ للتغييرفي بخل الحكومات التي توالت على حكم العراق الجمهوري .فقد استاثرت حكومات الجمهوريين بثروات البلاد واهملت عملية بناء وتنويع المؤسسات الثابته التي كان من المفترض ان تتولى عملية استيعاب واشباع طموحات شرائح وطبقات المجتمع ،وفقا لمبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص التي تحيل وثن السلطة ـ بعد تقييده بالدستور ورقابة البرلمان ـ الى مجرد وظيفة مرهقة ،قد لاتعود على صاحبها بغير التعب وقلة الراحة .ولرب قائل يقول : اليس هذا هو ما تعمل عليه حكومتنا المدنية الحالية وتسعى الى تحقيقه ،لولا حزمة المعوقات التي تعترض عملها ،والتي تبدا بالفساد الاداري والمالي (الموروث!)،ولاتنتهي بالسيارات المفخخة والحرب الاهلية غير المسماة ،(أي كانت اسبابها)؟ وعندها سنقول: ان الديك الفصيح في البيضة يصيح ،وكان على حكومتنا ان تكون اولى خطواتها في هذا المشروع ـ على فرض توفر الجدية في تطبيقه ـ ان تتعرف وتعترف ان اسباب تمرد اعضائها على النظام السابق مازالت على حالها الاول وان هذا الشعب المنكود مازال يعاني من كل مايحسسه بغياب العدالة الاجتماعية وهضم الحقوق وعدم توفر الفرص الجادة التي تلبي طموح كل مواطن في حقل اختصاصه داخل حاضنة دولة المؤسسات ،وعدم جدية الدولة في العمل على ارساء دولة الرفاه واحترام حقوق المواطن وتكريس قواعد القوانين التي تحفظ له حقوقه كرامته الانسانية وحقه في دولة المؤسسات التي توفر له فرص الاشباع في العمل والحياة الكريمة المساوية لحياة ورفاه اصحاب الوظائف السياسية وقادة الاحزاب السياسية العاملين في مؤسساته هو ـ المواطن ـ لامؤسسات الحكومة المحصنة في القصور (الخضراء)،والتي ينعم اصحابها بامتيازات ما انزل دستور المواطن ـ فيما لو كان هو كاتبه ـ من سلطان .وفي دولة بمثل هذه المواصفات ،ستكون الحكومة على استعداد لفتح قنوات الحوار مع (منافسيها على هموم كرسي السلطة ) أي كانت هوياتهم السياسية ، باعتبار انه لم يعد امام هولاء المنافسين مايزايدون عليه امام الشعب ، ما دام الشعب قد حصل على جميع حقوقه وتفتحت امام ابناءه الافاق الفسيحة لتلبية طموحاته واشباعها .ولكن اين هذا من دولة مازالت احزاب الكتلة البرلمانية الواحدة فيها ، تتعارك فيما بينها على الاستئثار بهذا الموقع او ذاك ، ليعود اصحاب الحزب الواحد للعراك على ذلك المنصب فيما بينهم !في حين ان هذه الدولة ، وفي ما يخص المواطن ، ما زالت تحارب وتساوم اولى حلقات بناء دولة المؤسسات ، الا وهي النقابات المهنية ، وما تزال اغلب مؤسسات وزاراتها بلا نقابات تدافع عن حقوق العمال فيها !بل ان احزاب هذه الحكومة تتقاتل على من اجل الاستحواذ على مجالس ادارات هذه النقابات وتعمل على ازاحة منافسيها بادوات واساليب الحرب في اغلب الاحيان!فماذا يتبقى ياترى ،لشعب مغلوب على امره ،لايسوسه ساسته الا بادوات الحرب وتنافس احزاب السلطة مواطنيه على منصب ادارة مدرسة ابتدائية ،ولو كانت في قرية ريفية لاتذكرها حتى الاطالس المدرسية على صفحاتها ؟!
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غباء اليمين المزمن
-
احزابنا السياسية ومسؤولية بناء المجتمع
-
اشكاليات الرواية العراقية
-
فرائض ضلالاتي
-
من قتل جلوريا بيتي ......؟
-
استراتيجية الشرق الاوسط الجديد واعادة رسم جغرافية المكان
-
من اجل تكريس قواعد الحوار المتمدن
-
التخبط الامريكي في العراق
-
المعارضة العراقية وخيار الممر الواحد
-
هزيم الحماقات الليلية
-
قراءة افتراضية في ذهنية صانع قرار مشروع الشرق الأوسط الجديد
-
ماذا تبقى في جعبة د بليو بوش ؟
-
هامش على سفر(جدارية النهرين
-
الدور البريطاني في صناعة المستنقع العراقي (سياسة النملة العا
...
-
لعبة صناعة الأهداف
-
!بلد يبحث عن زعيم
-
ركود ثقافي أم ثقافة ركود
-
لعبة صناعة الاهداف
-
المشروع الامريمالكي يتارجح على قرن ثور
-
المصالحة .. سياسية ام وطنية؟
المزيد.....
-
-أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س
...
-
فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر
...
-
الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
-
تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
-
مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن
...
-
-فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات
...
-
مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني
...
-
بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب
...
-
أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
-
كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|