|
الطبقة الحاكمة والأفكار الحاكمة
خليل اندراوس
الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 02:04
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"النظرية تصبح قوة مادية حالما تستولي على أذهان الجماهير"
علاقات الإنتاج الرأسمالية تحلق دائما أفكار ومؤسسات مهيأة للإبقاء على هذا الأساس ودعمه وتطويره، وهي أفكار تتقبل ضمنا هيمنة وسيطرة طبقة رأس المال، وتبررها، وكذلك تقيم وتدعم مؤسسات تعمل على المحافظة على العلاقات الطبقية في المجتمع الرأسمالي، وتعمل على إدارة هذا الشكل من اشكال الملكية الرأسمالية، وتدعم هيمنته وسيطرته وتطوبره.
فلا يستطيع الناس أن يقوموا بالإنتاج الاجتماعي دون أن يدخلوا في علاقات انتاج محددة. ولا يمكن الإبقاء على علاقات الإنتاج الرأسمالية وخاصة في المرحلة الامبريالية دون الأفكار والمؤسسات الملائمة.
والنظام الرأسمالي أوجد وبلور عملية من النشاط الأيديولوجي، ونشاط المؤسسات داخل هذا النظام، شبكة من الأفكار والأحزاب والمؤسسات – تخدم وظيفة محددة هي المحافظة على بقاء النظام القائم- الرأسمالي.
وتصوغ طبقة رأس المال أنواع من الأيديولوجيات والمؤسسات والسياسات والمعتقدات الدينية والمدارس الفلسفية والأدبية والفنية والتي تكتسب مكانة خاصة كقلاع للمجتمع الطبقي الرأسمالي.
منذ تحلل الشيوعية البدائية، انقسم المجتمع الى طبقات متناحرة، الى مستغلين ومُستغلين. وهذه الطبقات ذاتها هي نتاج للتطور الاقتصادي. وفي توافق مع التركيب الاقتصادي للمجتمع في مرحلة معينة من التطور، في توافق مع النظام المعين لعلاقات الإنتاج، احتلت هذه الطبقة او تلك المركز السائد في الاقتصاد، وتولت قيادة المجتمع ككل.
وهناك طبقة بعينها تلعب الدور القيادي في إرساء – ثم في دعم – نظام اقتصادي معين تكون فيه هذه الطبقة هي الطبقة السائدة الطبقة الحاكمة. وبالتالي فان هذه الطبقة، وفي عصرنا الحاضر طبقة راس المال، هي المسئولة عن إرساء الأفكار والمؤسسات لحماية النظام الاجتماعي وفي عصرنا الحاضر حماية المجتمع الرأسمالي فالمؤسسة والدولة هي مؤسسة طبقة تطورت على أساس اشكال الملكية والعلاقات الطبقية التي ترتبط بها مصالح الطبقة الحاكمة.
يقول ماركس في (الثامن عشر من برومير): "وفوق الاشكال المختلفة للملكية، فوق ظروف الوجود الاجتماعي ويبزغ تركيب علوي كامل من العواطف والأوهام وأساليب التفكير والآراء عن الحياة متميز ومشكل بطريقة خاصة، وتخلقه الطبقة بأسرها وتشكله من أسسها المادية، ومن العلاقات الاجتماعية المتوافقة معها". (ك. ماركس: الثامن عشر من برومير. لويس بونابرت. الفصل الثالث).
وتتمكن الطبقة الحاكمة من تحقيق ذلك بسبب ملكيتها للوسائل المادية للإنتاج، وسيطرتها – عن طريق الدولة – على السلطة المادية.
يكتب ماركس وانجلز:
"والطبقة التي هي القوة المادية المسيطرة في المجتمع هي في الوقت نفسه قوته الفكرية الحاكمة. فالطبقة التي تضع تحت يدها وسائل الإنتاج المادي تسيطر في الوقت نفسه على وسائل الإنتاج الفكري ومن هنا، فان أفكار أولئك الذين يفتقرون الى وسائل الإنتاج الفكري تخضع لها عموما". (ماركس انجلز: الأيديولوجية الألمانية).
وهكذا أعلن ماركس وانجلز في " البيان الشيوعي" أن: الأفكار الحاكمة في كل عصر كانت دائما أفكار طبقته الحاكمة".
وهذه السيطرة الأيدولوجية لطبقة راس المال في عالمنا المعاصر هي عنصر أساسي من عناصر السيطرة الطبقية. فلا يمكن ان تستمر سيطرة طبقة راس المال ما لم تستطع ان تُرسي مؤسسات حاكمة تتوافق مع افكارها، وأن تكفل عن طريق التقبل العام لهذه الأفكار التقبل العام لمؤسساتها وحكمها.
وعلى الطبقة الحاكمة دائما لكي تبقى على حكمها المادي ان تبقي على سيطرتها، على اذهان الناس. فلا بد أن تربط القوى الفكرية في المجتمع بها، وتكفل انتشار الأفكار التي تعبر عن سيطرتها وبهذا تمنع أي تحد لهذه السيطرة.
ومن خلال مؤسسات المجتمع الرأسمالي تنشر طبقة راس المال الحاكمة قيمها اللاأخلاقية والسياسية والاجتماعية والثقافية وتجعلها المُهيمنة على المجتمع.
ومن خلال هذه الهيمنة، يستطيع جهاز دولة راس المال إبقاء رعاياه بعيدا عن النضال السياسي الثوري. وهكذا استطاعت وتستطيع طبقة راس المال التحكم بالطبقات المقهورة وخاصة الطبقة العاملة ليس فقط بحكم القوة المادية فحسب بل أيضا من خلال القيم الثقافية والسياسية والأخلاقية. وهذا يعكس هيمنة طبقة راس المال في عصرنا الحاضر.
وهذه الهيمنة تشمل الاكراه من قبل آلة الدولة. وهيمنة اليمين العنصري الصهيوني الشوفيني على المجتمع الإسرائيلي الآن أكبر مثل على ذلك. وهنا اذكر أيضا التعبئة التي قامت بها المؤسسات السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة بين عشية وضحاها، حيث قام اليمين الأمريكي وخاصة المحافظون الجدد، ومؤيدي وداعمي الحركة الصهيونية العالمية الذين تم تكليفهم بتبرير الحرب على العراق، وجعل هذه السياسة العدوانية الإرهابية الامريكية مقبولة لا بل جذابة في نظر الراي العام الأمريكي.
وهذا ما يجري الان داخل المجتمع الإسرائيلي الذي أصبح بأغلبيته يدعم حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وفي المجتمع الرأسمالي يشكل مثقفو الطبقة الحاكمة – طبقة راس المال – طالما ظل هذا الحكم ثابتا – القوة الفكرية السائدة في المجتمع، والتي تشكل "عواطفه وأوهامه وأساليب تفكيره وأراءه عن الحياة".
وهذا ما يحدث الان في الولايات المتحدة حيث تُهيمن وتُسيطر عواطف وأوهام اليمين الأمريكي وأوهام المحافظون الجدد ومنظري منظمة الايباك وما يحدث في إسرائيل من هيمنة لليمين العنصري الصهيوني الشوفيني.
ومطالبة أمريكا الشيطان الأكبر بالعدالة واتخاذ مواقف عادلة إزاء القضية الفلسطينية وإزاء حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وهي شريكة في هذه الحرب لا يمكن تحقيقه في ظل الأوضاع العربية الراهنة المُتسمة بالضعف الشديد. وهذا ما يجري في عالمنا العربي وأنظمته الاستبدادية حيث تحول الخضوع الى قيمة ثقافية واجتماعية وسياسية. فالحرص على طاعة العائلات المالكة "ولاة الأمر" خلقت مفاهيم الاستسلام والحفاظ على مصالح الطبقة البرجوازية الكومبرادورية (الوسيطة) الحاكمة، والمتحالفة استراتيجيا مع راس المال العالمي والصهيونية العالمية. ولذلك أمريكا وإسرائيل لا يقيمان وزنا للدول العربية بسبب مواقف أنظمة الاستبداد الرجعية العربية، لا بل الامريكية، وهذا واضح الان من تعامل الشيطان الأكبر والاصغر مع هؤلاء خلال فترة حرب إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.
وطبقة راس المال تعمل بشكل دائم على جذب كثير من مفكري البرجوازية الصغيرة وحتى من الطبقة العاملة، الى صفوفها والى خدمتها. وهنا اذكر ما قاله ماركس في " راس المال" انه " كلما زادت قدرة الطبقة الحاكمة على استيعاب أبرز رجال الطبقة المحكومة زاد حكمها رسوخا وخطورة". (كارل ماركس راس المال المجلد الثالث، الفصل 36).
ولكن على الطبقة العاملة ومؤسساتها واحزابها ان تجد الوسائل ليس فقط لصياغة افكارها وتنظيمها فحسب، بل أن تكفل كذلك تقبل المجتمع بأسره لها. وهنا يكون للمثقفين الثوريين وللفكر والدعاية الثوريين دور هام.
وكما قال ماركس، حين قال في " نقد فلسفة القانون عند هيغل" : "ان النظرية تصبح قوة مادية حالما تستولي على أذهان الجماهير".
#خليل_اندراوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن جذور اليمين الصهيوني – العنصري الشوفيني
-
لا تنازل عن حق العودة
-
الحركة الصهيونية وتولرث التفاخر بالموبقات
-
حول قضية اللاجئين الفلسطينيين
-
100 عام على وفاته: من اقوال لينين9 (حلقة 9 وأخيرة)
-
100 عام على وفاته: من اقوال لينين (8)
-
100 عام على رحيل لينين (6)
-
100عام على رحيل لينين (5)
-
100 عام على رحيل لينين (4)
-
100 عام على وفاة لينين (3)
-
100 عام على رحيل لينين - صفحات من حياته (2)
-
مئة عام على رحيل لينين: صفحات من حياته
-
سلام الشعوب بحرية الشعوب
-
الصهيونية والامبريالية وشلال الحروب في منطقة الشرق الأوسط
-
ضد قتل الابرياء والاحداث في غزة والجنون العنصري الشوفيني الم
...
-
حول التطور التاريخي للفكر الجدلي وملامح المستقبل
-
الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية وخلق خرائط من الدم في الشرق
...
-
حول نضال البلاشفة - الشيوعيين- ضد الصهيونية
-
الصهيونية وأخطبوط الارهاب
-
شعب يحتل شعب آخر... لا يمكن أن يكون حرا وديمقراطيا
المزيد.....
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
-
انتهاء إضراب “النساجون الشرقيون”.. وهيكلة المرتبات خلال 15 ي
...
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
-
غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف
...
-
النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|