أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - قراءة في كتاب -هيغل والإسلام- لحسين عزيز الهنداوي (الجزء الرابع والأخير)















المزيد.....

قراءة في كتاب -هيغل والإسلام- لحسين عزيز الهنداوي (الجزء الرابع والأخير)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 01:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بكل بساطة، حذف هيجل البيت الثالث من هذا النص لأنه يتعارض مع أطروحته حول الإسلام (ص: 437). إن وحدة الله والإنسان، التي نجدها عند المتصوفة المسلمين الآخرين، لا تتناسب مع تصوره عن الإسلام "اللاكوني"، العاجز عن التعبير عن وحدة اللامتناهي والمتناهي، الله والعالم. علاوة على ذلك، في كل مرة تتم مناقشة هذه الوحدة، يفقد هيجل رباطة جأشه المعتادة ويصبح جدليًا إلى حد ما. فهل نعزو ذلك إلى الجدل المحتدم الذي أثاره تولوك وفكرته حول وجود نظرية التثليث في الإسلام؟
نترك جانبا، لضيق الزمان والمكان، كل التحليلات المهمة التي يقدمها لنا هيغل عن الفن والفلسفة الإسلاميين. باختصار، في ما يتعلق بالفن الإسلامي، لا يستطيع هيغل أن يرى فيه تعبيرا عن إبداع فني حقيقي، بل مجرد إبداع ما قبل فني، وذلك لسبب بسيط وهو أن نقطة انطلاقه هي الحدس المستمد من الطبيعة. لكي يستحق الفن اسمه، يجب أن يتجاوز اتحاد الإنسان بالطبيعة ليعبر عن الذاتية الحقيقية.
أما فيما يتعلق بالفلسفة، فيخبرنا هيغل أن الأمر في الإسلام لا بتعلق سوى بفلسفة دينية، أو بالأحرى حكمة دينية. وبما أنها ضرورية بإطلاق لولادة أي فلسفة مستقبلية، فيمكن اعتبارها فلسفة... بل فلسفة خارجية. فالفلسفة الحقة، التي تقيم المعرفة لذاتها، لا توجد إلا في الغرب. يشرف هيغل الفلسفة الإسلامية بوظيفة إضافية، وهي الترحيب بالفلسفة اليونانية من أجل نقلها إلى الغرب. ومن المؤسف حقا أن نلاحظ أن مصادر العصر، المتناثرة والمحدودة جدا، ما سمحت لهذا العقل العظيم أن يقدر، بقيمتها الحقيقية، حقيقة الفلسفة الإسلامية، والعلاقة بين الإيمان والعقل، والصراع بين السياسي والديني... اكتفي بذكر أسماء بعض الفلاسفة المشهورين ولكن دون ذكر تطوراتهم التي فرضت ذاتها.
في نهاية هذه القراءة، لا يسعنا إلا أن نحيي العمل الذي قام به الأستاذ الهنداوي والذي يسمح في نهاية المطاف لعلاقة هيغل بالإسلام أن تكون موضوعًا لعمل تركيبي. يعرف جميع مؤرخي الفلسفة مدى صعوبة التعامل مع نجم فلسفي مثل هيغل. ويبدو التعامل مع علاقته بالإسلام أكثر صعوبة ويمكننا القول أن الهنداوي نجح في مواجهة تحدي ثلاثي: أولاً تقديم فلسفة التاريخ الهيغلية ببراعة في تولبفة متماسكة ومقنعة للغاية، ثم توفير الولوج إلى معظم نصوص هيغل عن الإسلام - المعروفة لدى المبتدئين، لكن لم تتم دراستها أبدا في حد ذاتها - بطريقة قوية ومناسبة. وأخيرا تحليلها بطريقة واضحة ومتميزة، دون الخضوع لصفارات الإنذار لهذا النظام التأويلي أو ذاك الذي أصبح رائجا أو على وشك أن يكف عن أن يكون كذلك.
اسمحوا لي هنا بإبداء بعض الملاحظات حول الكتاب:
1. يبدو طويلا، بل طويلا جداً في بعض الأماكن. حجمه المهيب (486 صفحة) مثقل إلى حد كبير بالاقتباسات الطويلة من نصوص هيغل. وكان من الضروري في بعض الأحيان الرجوع إليها دون تقديمها كاملة، خاصة إذا كان محتواها لا يضيف أي جديد إلى التحليلات المقترحة.
2. من المؤكد أن التصور الهيغلي الذي يتمثل في رؤية الإسلام والوعي الإسلامي كصورة بسيطة للمبدإ الشرقي، حيث يحكم الواحد على حساب الإنسان والملموس، يمكن اعتباره تحديدا ماهويا للإسلام. إنه تحديد ماهوي، بالتأكيد فلسفي ومبني بشكل جيد، لكنه تحديد ماهوي في نهاية المطاف، لأنه منع هيغل من الانفتاح على ما في هذا الوعي من تنوع واختلاف. لا يرقى منتقدو الهنداوي في كثير من الأحيان إلى مستوى التحليل الهيغلي. إنهم يفتقرون إلى هذا البعد الفلسفي الذي يستعمله هيغل على أكمل وجه. والأكثر من ذلك، يرد الهنداوي على التحديد الماهوي الهيجلي بتحديد ماهوي آخر. هناك مثال سيعطينا فكرة عن إجراءات الهنداوي: عندما يعلن هيغل أن الواحد المطلق في الإسلام يقدم نفسه فقط كنفي مطلق لكل ما هو محدود وموضوعي، منفصل عن الإنسان الحقيقي، يلجأ الهنداوي إلى القرآن، الذي لم يستشهد به هيجل أبدا، وكذلك إلى الحديث، البحث فيهما عن العناصر التي تثبت العكس، أي العناصر التي تبين أن الإنسان جوهر إلهي في ذاته. لكن إذا وجدنا آيات قرآنية تؤيد موقف الهنداوي، مثل الآيات 71-72 من سورة صاد (XXXVIII)، فمن الواضح أن مثل هذا الموقف لا ينطبق، بطريقة فعالة، سوى على الإسلام الباطني، وبالتالي على أقلية هامشية من الإسلام. إن الموقف الذي يعارضه مؤلفنا من هيغل بعيد كل البعد عن الإجماع في اللاهوت الإسلامي. هذا الأخير يردد في عدة مرات أن الله خلق الإنسان فقط لكي يعبده، وهو ما يثبت جزئيا صوابية هيغل، الذي لا يتوقف أبدا عن التأكيد على أن العلاقة مع الواحد المطلق لا تأتي إلا من خلال العبادة. إن القول بأن الموقف الهيغلي "غير دقيق ولا يكاد يتوافق مع التمثيل القرآني الحقيقي" يترك المرء متشككا (ص: 257). لا ينبغي للنقد أن يسلك هذا الطريق الجدلي الذي حاول هيغل في كثير من الأحيان تجنبه. سيكون من الأفضل اختيار موقف يدعو إلى الانفتاح ولا يختزل الإسلام بشكل صارم في المجال الديني. أو، إذا استخدمنا لغة توماس باور، فمن الأفضل أن نسلك موقفا فلسفيا يعتبر القرآن ننوذجا مثاليًا لعملية "تدجين الغموض".
3. من العار أن نرى الهنداوي يعبد فتح الملفات التي أثبتت أبحاثها مرارا عدم جدواها، بل وتفاهتها. ومن خلال مهاجمة الفن الشعري، يخبرنا هيغل أن الشعر الملحمي لا يمكن أن يتعايش مع الإسلام، “لأن مبدأ الأخير لا يتفق مع هذا الشكل من الشعر ” (ص: 375). إن الموقف الهيغلي أكثر سذاجة مما نعتقد، لسبب بسيط هو أن هيغل لا يعرف شيئا عن هذا الشعر، ورغم أنه يدرك شكل الملحمة في الشاهنامة*، فإنه لا يعتبر الفردوسي شاعرا ملحميا: بل هو فقط الشكل الخارجي للملحمة، وكمسلم، لا يستطيع أن يضفي على عمله الروح الحقيقية للملحمة. وبدلاً من انتقاد هذا الموقف، الذي لا يمكن الدفاع عنه من وجهة النظر التاريخية والنظرية، قام الهنداوي يهاجم "الكوميديا ​​الإلهية": إذا كان هيغل يعتبر هذا العمل بمثابة الملحمة الحقيقية للعصور الوسطى المسيحية والكاثوليكية، فإنه ينسى، وفقا لمؤلفنا، أن هذا العمل اعتمد إلى حد كبير على أعمال الشعراء المسلمين. هنا يحيلنا الهنداوي إلى كتاب آسين بالاسيوس "العالم الٱخر في الكوميديا الإلهية" La escatologia muslimana en la “Divina Commedia الصادر عام 1919، والذي يؤكد، حسب قوله، التأثيرات “المحققة” للشعراء المسلمين على دانتي (ص: 377). ومع ذلك، ورغم الاهتمام بعمل بالاسيوس، فإنه بعيد كل البعد عن إقامة علاقة معينة بين دانتي والشعراء المسلمين المعنيين؛ وليس كل صدفة بالضرورة تأثيرا. علاوة على ذلك، فإن التأثير المفترض لهؤلاء الشعراء على دانتي لا يرد على موقف هيغل ولا يثبت بأي حال من الأحوال أن الشعر الملحمي كان موجودا بالفعل بين الشعراء المسلمين.
4. إن ذكر بالاسيوس يقودنا إلى الإشارة إلى إشكالية أخرى في هذا العمل، وهي أن معظم مراجعه قديمة، وهو أمر مؤسف حقا بالنسبة لدراسة تهدف إلى أن تكون شاملة ورائدة في علاقة هيغل بالإسلام. أحدث مرجع لكتاب نُشر عام 2021 يعود تاريخه إلى عام 1983 (كريستيان جامبيه: "منطق المشارقة" La logic des Orientalaux ، Paris، Seuil، 1983). إن كتاب إيف لاكوست، "ابن خلدون، ميلاد التاريخ، ماضي العالم الثالث" ، الذي يذكر عام 1985 سنة النشر، هو في الواقع طبعة ثانية فقط، الطبعة الأولى تعود في الواقع إلى عام 1965.
5. كما نأسف لعدم وجود خاتمة. كنا نود أن نرى الهنداوي يقدم لنا خلاصة نتائج هذا البحث أو تذكيرا مختصرا بالمراحل المختلفة التي مر بها محتوى هذا الكتاب. يبدو غياب الخاتمة محرجا لأننا، في نهاية هذه الدراسة، لا نعرف شيئا عن الصعوبات التي واجهها المؤلف، ولا عن وجهات النظر البحثية التي يفتحها، ولا عن السبل التي لا يزال يتعين علينا حصرها. ونأمل أن يعوض المؤلف هذا الغياب في الطبعة القادمة.
_____________________
(*) الشاهنامه ملحمة فارسية ضخمة تقع في نحو ستين ألف بيت، من تصنيف أبي قاسم الفردوسي، و«تُعتبر أعظم أثر أدبي فارسي في جميع العصور». نظمها الفردوسي للسلطان محمود الغزنوي مصوراً فيها تاريخ الفرس منذ العهود الأسطورية حتى زمن الفتح الإسلامي وسقوط الدولة الساسانية منتصف القرن السابع للميلاد. نقلها إلى اللغة العربية، نثراً، الفتح بن عليّ البُنداري المتوفى 643 هـ.



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عضوات في رابطة كاتبات المغرب يتقدمن بطعن في الجمع الاستثنائي ...
- عمداء كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان يطالبون عزيز غالي بالا ...
- الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان يراسل النيابة العامة طالبا من ...
- ردا على من ادعى أن عزيز غالي يريد الاستقواء على المخزن بلجوئ ...
- الهيئة المغربية لحقوق الإنسان تخلد الذكرى 14 لتأسيسها وهي تع ...
- خنيفرة: المجلس الإقليمي للحزب الاشتراكي الموحد عقد دورته الأ ...
- قراءة في كتاب -هيغل والإسلام- لحسين عزيز الهنداوي (الجزء الث ...
- فرنسا: لا أثر لمحمد عمرا الملقب ب-الذبابة- بعد مرور شهرين عل ...
- قراءة في كتاب -هيغل والإسلام- لحسين عزيز الهنداوي (الجزء الث ...
- جمال العسري يقيم أحداث الأسبوع الماضي على ضوء الصراع بين الح ...
- محاولة إغتيال ترامب: زعماء العالم يعبرون عن غضبهم وسخطهم
- قراءة في كتاب -هيجل والإسلام- للدكتور حسين عزيز الهنداوي (ال ...
- الاشتراكي الموحد يسجل عدم التزام الحكومة بما تعهدت به في برن ...
- الخطاب حول الكذب من أفلاطون إلى القديس أوغسطين: استمرارية أم ...
- الخطاب حول الجسد من أفلاطون إلى القديس أوغسطين: استمرارية أم ...
- طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة في مواجهة خراطيم المياه عوض ا ...
- الخطاب حول الكذب من أفلاطون إلى القديس أوغسطين: استمرارية أم ...
- تقرير جديد يحذر من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بحل ...
- السينما المغربية: تطور، تحديات و آفاق
- الخطاب حول الكذب من أفلاطون إلى القديس أوغسطين: استمرارية أم ...


المزيد.....




- انقلبت وتحطمت على الطريق.. كاميرا ترصد سيارة تصطدم بأخرى بعد ...
- ما هو -وجه الكورتيزول- الذي كثر الحديث عنه على تيك توك؟
- -أمريكا أولا-.. عودة ترامب -المحتملة- تؤرق أوروبا
- زجاجة صلصة حارة تتسبب بإغلاق مسبح أمريكي شهير
- تركيا سترسل قوات بحرية للصومال للتنقيب عن النفط والغاز
- ??مباشر: الفلسطينيون يشيدون بموقف محكمة العدل الدولية وإسرائ ...
- المؤتمر العالمي لمناهضة عنصرية إسرائيل يدعو لمقاطعتها ويحشد ...
- لماذا اختار -الناتو- الأردن لفتح أول مكتب اتصال له في المنطق ...
- ترامب يقدم وعدا لزيلينسكي في حال فوزه بالرئاسة
- -جريء-.. زوكربيرغ يعلق على رد فعل ترامب إثر محاولة اغتياله


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - قراءة في كتاب -هيغل والإسلام- لحسين عزيز الهنداوي (الجزء الرابع والأخير)