أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - في قتل الأطفال وعودة الإبادة إلى الاعتياد














المزيد.....

في قتل الأطفال وعودة الإبادة إلى الاعتياد


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 8041 - 2024 / 7 / 17 - 11:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



من الطبيعي أن يكون القصف الروسي الذي طال مستشفى للأطفال في العاصمة الأوكرانية كييف وقتل العشرات في الأسبوع الماضي، قد أثار موجة عارمة من الاستنكار في العواصم الغربية، لا سيما أنه حصل عشية انعقاد قمة دول حلف الناتو في واشنطن. فقد أدانه بأقسى الكلمات معظم الزعماء الغربيين، وفي طليعتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي رأى في الأمر «تذكيراً مروّعاً بوحشية روسيا»، ورئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، الذي وصف ما جرى بأنه «أكثر الأعمال فسقاً». وحيث إن المذكورَين من أبرز المتحمّسين لنصرة إسرائيل، وقد اشتهرا بتبريرهما لأبشع الفظاعات التي ارتكبها الجيش الصهيوني والتي ذهب ضحيتها عددٌ هائل من الأطفال، لا بدّ من أن يتبادر إلى ذهن كل صاحب ضمير يضع الاعتبارات الإنسانية فوق الانتماءات الجيوسياسية، أن هذا المشهد إنما ينمّ عن درجة مذهلة من النفاق وتعدّد الأكيال والمعايير.
والحال أن المنظمات الإنسانية دقّت ناقوس الخطر بخصوص الأطفال منذ بداية الاجتياح الصهيوني لقطاع غزة، على غرار البيان الصادر عن «الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» بتاريخ 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والذي لفت في عنوانه إلى أن «عدد القتلى الأطفال في أقل من شهر في غزة عشرة أضعاف قتلى نظرائهم في العام الأول لحرب أوكرانيا»، وشرح في متنه «أن عدد القتلى الأطفال في 24 يوماً من هجمات إسرائيل الجوية والمدفعية في قطاع غزة تجاوز 3457 طفلاً إلى جانب أكثر من ألف آخرين مفقودين تحت الأنقاض. ويمثل هذا الرقم أكثر من عشرة أضعاف قتلى الأطفال في حرب روسيا على أوكرانيا خلال العام الأول في الفترة من نهاية شباط/فبراير 2022 إلى نهاية شباط/فبراير 2023 وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.»
هذا وتشير أحدث الأرقام المتوفرة لدى اليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) إلى أن عدد القتلى من الأطفال في قطاع غزة بات يفوق 14.000، فضلاً عن عدد المفقودين والجرحى والمعاقين إلى الأبد والأيتام الذي يبلغ أضعاف العدد المذكور. أما عدد الضحايا من الأطفال في أوكرانيا منذ بداية الاجتياح الروسي في شباط/ فبراير 2022، فيبلغ وفق المصدر الأممي ذاته ما يزيد عن 600 قتيل و1350 جريحا. أي أن عدد القتلى من الأطفال من جراء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة بلغ خلال تسعة أشهر 23 ضعفاً مما بلغه عدد القتلى من الأطفال من جراء الاجتياح الروسي لأوكرانيا خلال ثلاثين شهراً، بحيث تكاد «وحشية روسيا»، كما أسماها بايدن، تبدو معتدلة جداً مقارنة بوحشية الدولة الصهيونية التي يدعمها.

ويكاد لا يمرّ يومٌ بدون أن يصدر تقريرٌ عن أحد مصادر الإعلام أو إحدى المنظمات الإنسانية يشير إلى فظاعة ما يرتكبه الصهاينة إزاء الفلسطينيين، ليس في قطاع غزة حيث فاقت كثافة القتل والتدمير كل ما شهده التاريخ المعاصر وحسب، بل في الضفة الغربية أيضاً كما وفي السجون الإسرائيلية حيث يتعرّض السجناء الفلسطينيون إلى ممارسات أسوأ بكثير من تلك التي اقترفها جيش الاحتلال الأمريكي في سجن أبو غريب في العراق وأثارت سخط العالم في عام 2004.
وقد رأينا مؤخراً مثالاً صارخاً عن وحشية الجيش الصهيوني في الهجوم الذي استهدف محمد الضيف في منطقة المواصي، التي سبق للقيادة الإسرائيلية أن عيّنتها ملاذاً لأهل غزة. وقد أودى الهجوم بحياة أكثر من تسعين فلسطينياً. فالطريقة التي جرت بها تلك المجزرة، إنما تدلّ بصورة فاقعة على تعمّد الجيش الصهيوني قتل أكبر عدد من الناس بلا أي تمييز بين المقاتلين المزعومين وعامة الناس، بمن فيهم الأطفال. ذلك أن الجيش الصهيوني أطلق صاروخاً على المبنى الذي ظنّ أن الضيف متواجد فيه، ثم أطلق صاروخاً ثانياً على المبنى ذاته لاستكمال تدميره، ثم صاروخاً ثالثاً في محيط المبنى يستهدف الساعين إلى إنقاذ من بقي حياً بين الأنقاض، ثم صواريخ إضافية خارقة للتحصينات لتدمير ما قد يوجد من أنفاق تحت المنطقة المستهدفة.
وينمّ هذا التصميم على القتل بدون أي مبالاة بمصير المدنيين، أطفالاً وشيوخاً ونساءً ورجالاً، والذي أدّى إلى أن نسبة المدنيين للمقاتلين في حرب إسرائيل على من تطلق عليهم تسمية «الإرهابيين» في غزة، فاقت بكثير نسبتهم من قتلى الحروب الأخرى التي خيضت في شتى الساحات تحت راية «الحرب على الإرهاب» منذ مطلع القرن الراهن. وهذا يحيلنا بدوره إلى سمة أيديولوجية تُميّز الفكر الصهيوني، بلغت ذروتها في الزمن الراهن بعد عقود من انزلاق المجتمع الإسرائيلي إلى أقصى اليمين وصولاً إلى الحكومة الحالية التي هي جمع من الفاشيين الجدد والنازيين الجدد.
هذه السمة تشترك فيها الصهيونية مع كافة أصناف الاستعمار الاستيطاني التي تبغي الاستيلاء على أرض ما، فتنكر حقوق السكان الأصليين، بما فيها حقهم في الحياة. فيتم التبرير الأخلاقي لهذا المشروع اللاأخلاقي بامتياز، بإنكار إنسانية المعتدى عليهم وعلى أراضيهم، حيث يُحالون إلى مرتبة البشر الدونيين الذين لا يستحقون الحياة. وقد دخل هذا المنطق إلى عقر الدار الأوروبية في القرن الماضي، مع النازيين الذين صنّفوا فئات بعينها من الناس في مرتبة البشر الدونيين (Untermenschen) بحيث وصل بهم الأمر إلى إبادتهم.
ومن غير المستبعَد أن يعود منطق الاستعمار الاستيطاني إلى الربوع الأوروبية مجدداً بعد اضمحلاله عقب هزيمة النازيين إثر عملية الإبادة الجماعية التي اقترفوها في القرن الماضي، لا سيما أن أقصى اليمين صاعدٌ من جديد في شتى أنحاء الشمال العالمي، بشرقه وغربه. ومن سخريات التاريخ القاسية أن يكون الذين يدّعون النطق باسم ضحايا الإبادة النازية، هم القائمون بأبشع حملات الإبادة في تاريخ الاستعمار الاستيطاني المعاصر، يُلهمون بسلوكهم أقصى اليمين في العالم المعاصر ويجعلون من الإبادة أمراً اعتيادياً من جديد، وذلك بتواطؤ من «الليبراليين» الذين تخلّوا عن أبسط القيم الإنسانية إزاء حرب الإبادة الجارية في غزة بينما يتذرّع بعضهم بعطفه على ضحايا الإبادة النازية.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس الأسوأ دائماً أكيداً
- عندما تصبح تهمة اللاسامية سلاحاً بيد الفاشية الجديدة
- هل يمهّد قرع طبول الحرب على الجبهة اللبنانية لحرب شاملة؟
- خلفيات الصراع الدائر بين بايدن ونتنياهو
- في سرّ تحوّل بايدن إلى حمامة
- الهدنة في غزة ومعضلتا نتنياهو و«حماس»
- خلفيات اتهام كريم خان باللاسامية
- فح والفاشر: حرب الإبادة والتضامن الواجب
- بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قض ...
- لعبة القمار بين «حماس» ونتنياهو
- مصير فلسطين في ضوء العدوان على غزة
- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- «دولة فلسطين» بين تصفية القضية ومواصلة النضال
- إن يسارا مغايرا ممكنٌ
- درسان ثمينان من الانتخابات التركية
- نفاق الإدارة الأمريكية والصفاقة الإسرائيلية
- صراعات على منصب بلا سلطة: السجال حول تعيين محمد مصطفى
- السيسي يفوز بأوسكار أسوأ إدارة اقتصادية
- 24، 41، 834: ثلاثة أرقام من إيران


المزيد.....




- خصوم سابقون -يقبلون خاتم ترامب- دعما وولاء.. 3 من أبرز لحظات ...
- نجل ترامب يعلق على تصرفات الحرس السري لحظة محاولة اغتيال وال ...
- محمد بن سلمان يتصل بالرئيس الإيراني الجديد مهنئا بفوزه
- بالفيديو.. قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على منزل شرق خان يون ...
- أفيلال: تحلية مياه البحر ليست حلا نهائيا
- منظمات إغاثية تنتقد خطط برلين لتقليص مخصصات التنمية
- مشهد مرعب.. إسرائيلية تقتل ابنها وتتجول بالفأس في الشارع وهي ...
- -رويترز-: ألمانيا ستقلص مساعداتها لأوكرانيا بمقدار النصف في ...
- الولايات المتحدة.. بيع أحذية رياضية تحمل صورة لترامب بعد محا ...
- نتنياهو: -المخطوفون يعانون لكنهم لا يموتون-


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - في قتل الأطفال وعودة الإبادة إلى الاعتياد