أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غسان ابو نجم - مَسرَحَةُ الرِّوايةِ وجَدَلُ الغايات















المزيد.....

مَسرَحَةُ الرِّوايةِ وجَدَلُ الغايات


غسان ابو نجم

الحوار المتمدن-العدد: 8041 - 2024 / 7 / 17 - 04:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منشور في مجلة "فنون" الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية، العدد 52 (2023- 2024)

"عائد إلى حيفا" و"المهطوان" نموذجًا
مجدولين أبوالرُّب
كاتبة أردنية

"الشخصيّة التي تستطيع القفزَ من بين طيّات الورق لتقفَ على الخشبة، أو تلك التي تستطيع التَّحديق في عيْن الكاميرا هي الشخصيّة المُعافاة فقط، هي شخصيّة مبنيّة جيدًا، وغير محكومة بمناخ، وبهذا نجحت في الارتسام في مخيّلة فنّان آخر، من بيئة جماليّة أخرى، محلِّقة خارج حدود حقلها".
(الرِّوائي أكرم مسلّم)
تقتضي مَسرَحَة الرواية، إعداد أو تكييف النص السردي المقروء (الرواية) لتحويله إلى نص مسرحي يُؤدّى على خشبة المسرح، فتنقله من فضائه السردي إلى فضاء حواري درامي، وهي عملية شاقة؛ فالرواية حقل أدبي ذهني يعتمد تقنيات السرد، بينما المسرح حقل فني يجسَّد حيَّا على المسرح ويعتمد تقنيات الفعل، وعلى الرغم من وجود جوانب يلتقي فيها الجنسان (الرواية والمسرح) إلا أنَّ الخطاب الروائي في أساسه محصور في اللغة، بوصفها أداة تواصل، بينما لا يعتمد الخطاب في المسرح على الكلمات فقط، بل وأيضًا على عناصر أخرى مختلفة، إيمائية وجسدية وغيرها. ومن جانب آخر فإنَّ مَسرَحَة الرواية تتطلب من المُعِدّ أو المُكيِّف أن يفهم الرواية وأبعادها ورؤيتها، وفي الوقت نفسه تحتاج إلى معرفة عميقة بفن المسرح وخصائصه واشتراطاته الأدبيّة والتقنيّة، وتتطلّب وجود مُخرج يمتلك أدوات التجريب المسرحي ويحقق قيمة مضافة لكلٍّ من المسرح والرواية، بحيث تعكس جهوده الإبداعية مدى قدرة العرض على استيعاب فن الرواية، وتوظيفه مع مختلف الفنون البصرية؛ لإنتاج حالة إبداعية جديدة.
ومَسرَحة الرواية ليست موضوعًا جديدًا، فاستلهام المسرح للأعمال الروائية، أو الأساطير والملاحم، يضرب بجذوره في تاريخ المسرح منذ المسرح الإغريقي القديم. أمّا على المستوى العربي المُعاصر، فقد شهد القرن الماضي والعقود الثلاثة الأولى من القرن الحالي عددًا يصعب حصره من الأعمال المسرحية القائمة على مسرَحَة الرواية، ولم يكن المسرح الأردني بمعزل عن هذا المضمار فأخذ مخرجون أردنيون نصوصًا سردية وقاموا بتكييفها إلى المسرح.
فما الأسباب التي دفعت بمُعدّي النصوص المسرحيّة (المُعدّ أو المُخرج) لتكبُّد هذا العناء وخوض هذا التحدّي في محاولة قد يُحكم عليها بالنقص وربّما الفشل في حال كانت نتائجها تشويه العمل الروائي الأصلي، أو عدم استيعاب رؤية كاتب الرواية ومقاصده؟

• مَسرَحَة الرواية.. لماذا؟
ثمة أسباب ودوافع عديدة حفَّزت المسرحيين لمَسرَحة الروايات، منها؛ أولًا: مشكلة شُحّ النصوص المسرحية وقلة عدد الكتاب المتخصصين بالمسرح، وهي مشكلة تحتل الصفوف المتقدمة بين مشكلات تواجه مخرجي المسرح، وبخاصة المخرج الذي يمتلك مشروعًا فكريًا ورسالة جادة، وهذا النوع من المخرجين لجأوا إلى مسرحة أعمال روائية تتواءم مع رسالتهم في الفن ورؤيتهم، وفي بحثهم كان العمل الروائي الذي ينشدون يتَّسم أيضًا بمشهدية عالية وثرية يغريهم بتكييفه في هيئة نص مسرحي.
وثانيًا: ظهور مهرجانات المسرح التجريبي، وفتح آفاق التجريب المسرحي، فالتجريب قد يكون في النص المسرحي أو الأداء أو في تكاملية عناصر النص المسرحي، ومَسرَحَة الرواية قد تشمل هذه الجوانب كلها، لكنَّ الأهمّ أنَّ مسرحة الرواية تغذي نزعة التجريب في المسرح في سعيها المستمر للبحث عن مواطن بكر لتجاوز ما استقرَّ وجَمُدَ، ومن منطلق الإيمان بإرادة الإنسان وقدرته على صياغة المستقبل.
ومن جانب آخر، فإنَّ مَسرَحة الرواية هي عملية منشغلة بانفتاح الأجناس الأدبية على بعضها بعضًا، وانفتاح المسرح العربي على النص السردي، وقد فعلت الرواية ذلك بانفتاحها على الأجناس الأدبية واستفاد منها المسرح، كما استفادت الرواية؛ فمسرحة الرواية غالبًا ما تخدم الرواية نفسها، وتسهم في مزيد من شهرتها عبر عرضها على جمهور أكثر اتساعًا؛ فتقرِّب الفن السردي إلى شرائح اجتماعية قليلة العناية به.
هذه أبرز غايات ومقاصد مَسرَحَة الرواية، ولكننا في هذا المقال سوف نتوقف عند غايات أخرى تنضاف إلى الغايات السابقة، وهي غايات ترتبط برؤية المخرج المسرحي، وتؤكد دور الفن الجاد والملتزم في حماية القضايا الوطنية والإنسانية، وذلك عبر تناول تجربتين لمخرجين أردنيين هما المخرج الدكتور يحيى البشتاوي في مسرحته لرواية "عائد إلى حيفا" للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، والمخرج صلاح الحوراني في مسرحته لرواية "المهطوان" للروائي الأردني رمضان الرواشدة.
• مسرحية "عائد إلى حيفا"
استمدَّت هذه المسرحية حكايتها من رواية الأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" التي صدرت عام 1968، وتُعدُّ من أبرز الروايات في الأدب الفلسطيني المعاصر. وهي تحكي عن عائلة فلسطينية هُجِّرت من حيفا أثناء حرب 1948 وفي خضم المواجهات تركت الأم "صفية" طفلها الرضيع "خلدون" عندما خرجت للبحث عن زوجها "سعيد"، فيحكي غسان عن مصير تلك العائلة الفلسطينية حيث تشتتت وعانت من التهجير والنزوح والتشريد في المخيمات. ويعود الأب والأم بعد عشرين عامًا؛ بعد أن فُتحت الحدود بين الكيان الصهيوني والضفة الغربية بعد حرب حزيران سنة 1967، ليجدا عائلة يهودية تقيم في منزلهما وقد تربى "خلدون" في كنفها على أنه "ديفيد" ويخدم في الجيش الإسرائيلي. في هذه الرواية رسم كنفاني الوعي الجديد الذي بدأ يتبلور بعد هزيمة 1967، وفيها إعادة نظر في مفهوم العودة ومفهوم الوطن، فَـ"سعيد" العائد إلى حيفا تغيَّر بعد مواجهته مع ابنه "خلدون" الذي رفض التخلي عن هويته كإسرائيلي، فيرجع "سعيد" إلى رام الله مع زوجته، وتتغيَّر وجهات نظره نحو أمور عديدة؛ نحو ابنه "خالد" وانضمامه للمقاومة، وعن وطنه فلسطين، ويكتشف أنَّ "الإنسان في نهاية المطاف قضية"، وأنَّ فلسطين ليست استعادة ذكريات، بل هي صناعة للمستقبل.
قام بمَسرَحة الرواية كل من الدكتور يحيى بشتاوي والفنان غنام غنام، وعُرضت على خشبة المسرح للمرة الأولى عام 2009، في مونودراما من إخراج الدكتور يحيى البشتاوي وتمثيل غنام غنام وسينوغرافيا فراس الريموني؛ فقدَّم العرض المسرحي "عائد إلى حيفا" اسكتشات حوارية عبر توليفة من الحكايات لشخصيات تسعة نراها ونسمع صوتها على المسرح من خلال أداء الفنان غنام غنام.
وفي تكييف النص الروائي للمسرح أجرى البشتاوي وغنام "تغييرات عدة في الشكل والمضمون، منها: جعل الحكاية تنطلق من الحاضر الذي نعيشه الآن، وزيادة بعض التفاصيل التي لم تكن مذكورة في الرواية، ويمكن أنْ نعدَّها امتدادًا طبيعيًا لأحداثها، بالإضافة إلى تغيير الراوي لمقتضيات المونودراما، وتحويل اللغة الفصيحة إلى العامية، وتعديل بعض الشخصيات لتصبح أكثر مقاربة للواقع، وتعديل طريقة سرد الأحداث وتسلسلها الزمني. وقد كان المظهر الجديد للرواية من خلال العرض المسرحي نموذجًا على التدخُّل الذي يخدم رؤية المُخرج، ويُساهم في تقديم الرواية بثوب جديد يناسب الحال الراهن"(1)، فكان في تكييف الرواية إعادة قراءة للمشهد الفلسطيني مع الحفاظ على الملامح العامة لشخصيات الرواية، وجانب من الحوارات الأصلية.
وقد وصفت الباحثة د.عائشة الجمل طبيعة اشتغال البشتاوي وغنام على تكييف الرواية بـِ"التحديث المسرحي" بمعنى "تعديل النص الروائي من وجوه عدة في الشكل والمضمون عند عرضه مسرحيًا، ليواكب العصر ومستجدات الأحداث. وهو -كما ترى الجمل- تدخُّل يحتاج الكثير من الثقافة والمهارة والوعي حتى لا يصدم المشاهد أو يشوِّه النص الأصلي". فالنص المُعَدّ عن الرواية اشتغل على قضية التحديث إلى جانب المَسرَحة، بمعنى أنه لم يشتغل على شكل النص الأدبي بوصفه عملًا روائيًا فقط، وإنَّما سعى النص الجديد إلى إجراء تغييرات في عناصر الرواية التي تمسّ المضمون، أي التدخُّل في الأحداث، والشخصيات، والأسماء، وتسلسل الزمن أيضًا، ما أثَّر على مخرجات العمل وأضفى على المسرحية طابعًا جديدًا(2).
فكان من غايات مسرَحَة "عائد إلى حيفا" استكمال رسالة غسان كنفاني، وقول ما لم يقله؛ من خلال التركيز على شخصية المقاوِم "خالد" وهو الابن الثاني لـِ"سعيد". فحفلت المسرحية بالإشارات على الأحداث والتطورات التي تتعلق بالقضية الفلسطينية بعد صدور الرواية 1968 وحتى العرض الأول للمسرحية 2009، أي بعد مرور أربعين عامًا على صدور الرواية، ففي المسرحية امتداد لسرد الأحداث وتشخيصها، وفيها استشراف للمستقبل. وهو ما أكده البشتاوي في حديث للجزيرة نت؛ فهي من جانب "تُعيد طرح أسئلة حارة طُرحت عام 1968 وبقيت حارة حتى يومنا هذا"(3)، فقد أراد من خلال هذا العمل تشخيص الواقع الفلسطيني الراهن بما يعتمل فيه من أحداث وتطورات.
ووضَّح البشتاوي غاية أخرى من غايات مسرَحَة تلك الرواية تتعلق باستشراف المستقبل، وهي غاية تلتقي فيها رؤية المخرج والمُعِدّ مع رؤية كنفاني، فالرواية "تحاول رسم الطريق الذي يؤدي إلى حيفا (…) وهو المقاومة"، وعليه، ركّزت المسرحية على استشراف المستقبل لتؤكد أنه "لن يكون هناك مستقبل مشرق إلا في ظل استمرار المقاومة مع هذا العدو الذي يحتل الأرض وينتهك الحرمات"(4). فبوصلة كنفاني في الطريق إلى فلسطين كانت واضحة، وجاء البشتاوي وغنام ليكملا المشوار في فكرة أنَّ هذه البوصلة تؤشِّر على المقاومة.
غاية أخرى أرادها البشتاوي وغنام، تتثمل في تمكين صناعة الحلم الفلسطيني، فالمسرحية تُبقي فلسطين حاضرة في الوجدان، والأهم أنها تُبقي الأمل في النفوس ليس عبر الحلم حسب، ولكن بالمساهمة في صناعة ذلك الحلم وتمتين ركائزه، يقول غنام: "للحلم الفلسطيني صُنّاع أقوياء على صعيد الأدب والفن والغناء على مستوى الوطن العربي في مقدمتهم غسان كنفاني وناجي العلي وإبراهيم نصرالله ومحمود درويش والشيخ إمام، وغيرهم ممن حملوا رسالة المقاومة"(5)، وبهذا يدشِّن البشتاوي وغنام اسميهما مع المئات من صُنّاع الحلم الفلسطيني، ليبقى رديفًا للأمل القويّ الذي لن تنطفئ جذوته حتى يتحقق.
• مسرحية "المهطوان"
رمضان الرواشدة كاتب يدرك أهمية انتماء الرواية الحديثة إلى بيئتها المحلية وهويتها الوطنية، ويؤمن أنَّ المحليةَ منطلقٌ إلى العالمية، وهذا خطه الروائي في كل رواياته التي أصدرها وكان آخرها رواية "المهطوان" التي صدرت في آذار 2022، وقام المخرج صلاح الحوراني بمسرحتها في العام نفسه.
في "المهطوان" يكثف رمضان الرواشدة سيرةً سرديّةً في عملٍ أدبيٍّ يتناول فترة زمنية مفصليّة من تاريخ الأردن، مازجًا السياسي بالإنساني، وقارئًا فترة ما قبل مرحلة 89 وما بعدها في الأردن. فهي تتناول التحولات الاجتماعية والسياسية في الأردن وما رافقها من تحولات في الأحزاب السياسية ما قبل 1989 وما بعدها من انفراج سياسي وإلغاء الأحكام العرفية وعودة الحياة البرلمانية والسماح بالأحزاب، وتعالج قصة عودة (المهطوان) ابن قرية راكين؛ الشاب الذي ينتمي لحزب وبالتالي يتعرض للمضايقات والملاحقات... ولكن لم يكن التسليط في الرواية على المعاناة السياسية فقط، وإنما تناولت أيضًا البعد الاجتماعي.
الرواية تُقدم رؤية تظهر من خلال أيقونات ثلاث: الهوية الوطنية الأردنية، وعملية التغيير الاجتماعي، والدور الأردني في النضال الوطني الفلسطيني. وهو ما تواءم مع فكر وقناعات المخرج الأردني صلاح الحوراني، فهو من المسرحيين المتحمسين لقضايا الحق والعدالة والإنسان ودور الفن مسرحيًا في التغيير الاجتماعي، فتلقَّف نص الرواية وعمل على مسرَحَتِها وإخراجها، وإبراز هذه الأيقونات الثلاث لتكون بمثابة غايات تفنّن في إيصال رسائلها للجمهور بذكاء واقتدار، وبخاصة في توظيفه للموسيقى والغناء، كما سنرى لاحقًا، وشاركته في تجسيدها على خشبة المسرح أسرة العمل المكونة من الفنانين: ناريمان عبدالكريم، أمجد حجازين، سارة بلبل، يوسف كيوان، لونا الحكيم، والملحن مراد ديمرجيان، والسينوغراف غسان مفاضلة، وغيرهم.
احتفظ الحوراني عند مسرحته للمهطوان بأجوائها القائمة على السخرية وبساطة التشخيص، واستطاع أن يحتفظ بدلالة النص ورؤية مؤلف الرواية، لكنه اشتغل على الإضافات النصية وبخاصة في دور "ثقلا" أم المهطوان الذي جسدته الممثلة (ناريمان عبدالكريم)، واستخدم الدمى وخيال الظل واهتم بالديكور، واهتم بشكل واضح بالموسيقى والغناء، وكانت عنايته واضحة بإظهار عناصر المحلية الأردنية التي تضمنتها الرواية: المكان (راكين، الكرك، صويلح، حي الكركية)، المفردات اللغوية، والأسماء(عودة المهطوان، رزان الحوراني، عزام اللدواي، حمد الطفيلي)، وجوانب من التراث الأردني، وهي عناصر حاضرة في متن الرواية، لكنَّنا نراها ساطعة ومُدعَّمة في العمل المسرحي "المهطوان".
اهتمت المسرحية بالبُعد الموسيقي والغنائي؛ فحفلت بالأغنية الوطنية والتراثية، واهتمَّت بفن الشيخ إمام وكمال خليل. ولعل العنصر المسرحي الأهم الذي اتكأت عليه المسرحية لإبراز الهوية الوطنية الأردنية من جانب، ودور الأردني في الدفاع عن فلسطين من جانب آخر، تمثل بالموسيقى والغناء، فحرص المخرج على أن تكون الموسيقى بطلًا رئيسًا في العمل؛ فكان الموسيقار مراد دمرجيان هو الملحن الرئيس والمؤلف الموسيقي في المسرحية (موسيقى تصويرية، وتلحين أغنيات)، وكانت أغنية الافتتاح للفنانة مكادي النحاس"سلامًا يا وطن الطيبين" للشاعر حبيب الزيودي، أمّا "الفاتحة" للزيودي فكانت تُغنى لأول مرة، حيث لُحِّنت من قبل الأستاذ مراد ديمرجيان خصيصًا لهذه المسرحية؛ ناهيك عن الصوت الشجي للفنان يوسف كيوان، وغنائه أيضًا لجانب من أغنية الشهيد المجالي المعروفة للفنان كمال خليل، وهناك ترنيمة استمرت طوال العرض المسرحي تتردَّد غناءً على لسان "المهطوان" وحبيبته الفلسطينية "سلمى" من الأغنية التراثية "ليت المنايا اللي تيجي يا سلامة" لعبده موسى، وكان في تكرار هذه الترنيمة طوال العرض المسرحي ترسيخٌ لقيم تضحيات الشهداء.
وفي مسرَحَة صلاح الحوراني لرواية "المهطوان" كان يتوق إلى غاية أخرى؛ وهي إبراز نكهة الهوية الأردنية في المسرح، يقول في حديث لتلفزيون A1TV: "أثارت شغفي هذه الرواية لأنها تؤسس لهوية مسرح أردني؛ بتجربتي وتجربة الزملاء عندما نحضُر مثلًا تجربة عراقيّة تناولت شكسبير نكتشف أن شكسبير عراقي. وإذا تناولنا "بريخت" في تونس عند زملائنا التوانسة، نكتشف أن بريخت تونسي. عندنا في الأردن نتناول مواضيع أردنية ولا نشعر أنَّ هذا العمل أردني، الإشكال بالأساس أنَّ هذا المحتوى دائمًا يخلو من الهوية... المسرحيون الأردنيون لم يتمكّنوا من فرض الهوية الوطنية بخصوصيّاتها المتنوِّعة لا محليًا ولا عربيًا"(6).
غاية أخرى أرادها المُخرج الحوراني من مسرَحَة "المهطوان" تتمثل في إظهار دور المهمَّشين في صناعة التاريخ ودفع عجلة التغيير الاجتماعي، عبر تقديم شهادة حيّة على تلك المرحلة المفصلية من تاريخ الأردن، وهو ما التقى فيه مؤلف الرواية والمخرج ومعظم طاقم العمل الذين جسَّدوا تجربة أبطال تلك المرحلة، يقول الحوراني: "ما دفعني لهذه الرواية ومسرحتها أنَّها تتحدث عن حقبة تاريخية أشخاصها ما زالوا أحياء، وبطلها حيّ، ومفرداتها ما زالت موجودة قريبة من حواس الناس، ثانيًا الرواية تتحدث عنّا، أنا شخصيًا، أنا صلاح الحوراني، تتحدَّث عنّي، وعن الأستاذ رمضان، وعن غسان مفاضلة زميلنا في العمل، شخوصها وبطلها عودة أشخاص حقيقيون، وأثّروا -وكانوا من المهمشين- في تأكيد دورهم والمساهمة في عملية تطوير البلد والمساهمة في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي، هذا من الدوافع التي دفعتني إلى الحماس لهذا الموضوع، وللعلم عدد كبير من الذين شاركوا في صناعة العرض المسرحي هم من أبطال المرحلة نفسها، ومكادي النحاس أيضًا عاشت هذه التجربة"(7).
لقد عمل الحوراني على المسرحية بقصد تقديم "مهطوان أردني"، لكنَّ ما لمسه بعد عرض المسرحية "أننا قرعنا جرس المهطوان، ليس فقط في الأردن، بل في المحيط العربي، فالمهطوان موجود في كل مدينة عربية، وفي كل قرية عربية، هذا المواطن المنتمي الصادق المطحون والمهمَّش والمقموع"(8).
• الهوامش:
(1) د.عائشة الجمل، التحديث في مسرحة الرواية: عائد إلى حيفا أنموذجًا، مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات الإنسانية، المجلد 21، ع3، جامعة الزرقاء، 2021.
(2) المصدر نفسه.
(3) توفيق عابد، الجزيرة نت، 7-10-2009.
(4) المصدر نفسه.
(5) حنان شافعي- الشارقة، "عائد إلى حيفا"- دموع في المسرح، الإمارات اليوم، 18-7-2010.
(6) تلفزيون A1TV، برنامج يوم بيوم، 17-10-2022.
(7) المصدر نفسه.
(8) المصدر نفسه.



#غسان_ابو_نجم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرارات الجزائية والعدل الدوليتين منقوصة وخجولة ومنحازة رغم أ ...
- الرد الايراني وتوازن الردع
- وليد دقه الطيف الخالد استعجلت الرحيل....
- لعبة الوقت
- اذا كان ٧ اكتوبر مغامرة فوجودكم بيننا كارثه
- نتنياهو ينكش عش الدبابير
- وزير الحرب الصهيوني:ندفع اثمان باهظه
- ابو سرور يكشف المستور
- جيش بلا أخلاق
- جولة بلينكن بالمنطقه(اميركا تدير الحرب بكل تفاصيلها)
- ثلاث رسائل هامة خلف اغتيال العاروري
- بعض تداعيات الحرب الاباده على الشعب الفلسطيني
- نهاية الحرب الفاشية على غزة
- سوريا في دائرة الدم السويداء والاسطوانة المشروخة
- فلسطين وحق العودة/غازي الصوراني
- ‎الفقعاوي يعلق الجرس ‎غسان كنفاني المعضلة التنظيمية والرؤية ...
- لفقعاوي يعلق الجرس غسان كنفاني المعضلة التنظيمية والرؤية الس ...
- الصوراني نشأة الصهيونيةوقيام دولة الكيان
- غسان كنفاني ،اديباً وروائياً وحزبياً
- ‎اتفاقات اوسلو ‎لا تقل خطورة عن هزيمة حزيران 67


المزيد.....




- ترامب يكشف ما قاله لنتنياهو بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غز ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لتفجير أنفاق في رفح
- لحظة تحطم طائرة -تو-22 إم 3- في مقاطعة إيركوتسك الروسية بسبب ...
- معركة كورسك.. مقبرة للقوات الأوكرانية
- البنتاغون: نرصد تعميق أسس التعاون بين روسيا وإيران
- سبب زيادة العواصف المغناطيسية
- الحرية الفردية في التجربة الغربية
- الفلاحي: عملية سرايا القدس نموذج بسيط من المعارك الدائرة برف ...
- الحزب الجمهوري بعد إطلاق النار على ترامب
- واشنطن وبغداد تبحثان سبل تجنب التصعيد


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غسان ابو نجم - مَسرَحَةُ الرِّوايةِ وجَدَلُ الغايات