|
تأثيل الغابة والصحراء
المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)
الحوار المتمدن-العدد: 8036 - 2024 / 7 / 12 - 20:50
المحور:
الادب والفن
هذا تأثيل خفيف لموضوع "الغابة والصحراء" تلك الجمعة الشعرية التي سطع نجمها في سماء ثقافة افندية مدينة الخرطوم في ستينيات القرن العشرين قبل ان ينطفي ذلك النجم الوضاء ويتحول إلى تقب كوني في سماء الثقافة والسياسة السودانية
1- اهتم عدد من الكتابات عن أنشطة الثقافة في السودان أو انشطة السودان في الثقافة بتقديم معالم موضوعية في تاريح وجود وتأثير جماعة "الغابة ولبحراء"، وكيف انها ترمزت بالغابة ويالصحراء معاً كمعالم أصولية وتجذيرية لوجود السودان السياسي الاجتماعي قبل أو بعد تاسيس "السلطنة الزرقاء" على ضفاف النيل الأزرق (الزرقة سمة السواد في السودان).
من المنظار المألوف للنظر إلى الموضوع كجماعة تجدبد شعري بالإمكان رؤية أوضاع هذه "الغابة والصحراء" كمسرحية لها موضوع وجماعة ممثلين. لكن في مختلف التناولات لم يتم إوضاح انها كانت مسرحية عفوية بلا إخراج أو تسلسل أو تشابك منطقي اذ ان كل شاعر كان يؤدي دوره فيها بشكل مفرد (مونولوج) يعبر فيه عن نفسه وقريحته اكثر من التزامه بسردية متكاملة التأسيس أو معنى متفق عليه غير العنوان الجميل والغاية السامية.
2- كان في كل شاعر وفي الشعر والمسرحية كلها زعم المثنوية ومحاولة جذر السودان إلى الغابة والصحرالء وإهتبال من هذه المثنوية وسقي لها، لكن القصيد كله في نخويته قصيد واحدي تسري قوافل المعنى فيه من كل شاعر محملة بوزنها العربي في تلافيف الدماغ في شعر بديع فيه طبل قافية ورقص في الشجون. وقد نفذ ذلك الشعر إلى مجالس سمر الأفندية في الخرطوم ثم الى منتدياتها المتفرقة وكانت ابياته تؤكد تمكن الشاعر وشأوه ولطبيعة الاشياء لا يمكنها أن تشمل شذرة من معاني حيوات الغابة أو شسوع الصحراء وانفتاحها.
3 تم تقديم فكرة "الغابة والصحراء" في قوالب شعرية في منابر نخبوية فكان هذا التقديم أوروبي الأسلوب تزيد أوروبيته في السودان بتخيل أمور الغابة من خارجها وبتخيل الصحراء من خارجها. حيث تم تصوير طبيعة الغابة وطبيعة الصحراء في وجدان الأفندي المستمع تصويراً إنتقائياً رومانسياً نخبوية تخيلت جماليات الوجودين جماليات وجود الغابة وجماليات وجود الصحراء وسكتت عن ما فيهما من قبح مألوف في كل منهما.
كان شعر هذه "المدرسة" يتزلف إلى وجود الأفندي وفكرة الوطنية الجامعة بمعالم منسوبة إلى الغابة ومعاني منسوبة إلى الصحراء أكثر من ظاهر الشعر المتكلم بوطنية عن وجود الغابة والصحراء كميسم لسودان ما بعد تأسيس سلطنة سنار/السلطنة الزرقاء رغم انها تمثل أقل من ربع السودان الكبير.
4- نعم، أسلوب تكوين إتجاه شعري مركزه الواقعي هو المدينة ومنابر جامعتها أسلوب أوروبي لا هو من أساليب الغابة ولا هو من أساليب الصحراء.
-5- كانت ولادة الجماعة وقيامتها ولادة وقيامة شقية وانشقاقية وشقائية وشقوقية شق للفكر الليبرالي بفكر اشتراكي وشق للفكر الاشتراكي والفكر الاشتراكي العربي بفكر اناسوي وانثربولوجاني وشق للتفكير الانثربولوجي آنذاك بتعميق وتفريع سياسي وشق لفكرتي الزنوجة والعروبة اللتين كانتا أحياناً تلونان طنقعة نخب الأفندية بل كانت تلك الجماعة وشعرها تمثل راية كبيرة تتوسطها علامة استفهام كونها جماعة من المائزين يبحثون عن وجود لهم في الحياة التائهة بين صلابة الايديولوجيا وميوعة التجارة السياسية يجمع كل الأفكار تحت اسم محايد يسمح بانتقاد كل الأوضاع الواقعية وضربها بمدافع الخيال وكذلك تقوم ظلال فكرة الجماعة بانتقاد الأفكار الكبيرة العامة السياق وضربها بصواريخ "النسبية".
6- مدرسة بحالها بذلت لها الصحف والدراسات لم تحدد طبيعة الغابة ولم تحدد طبيعة الصحراء ولا طبيعة تمثلهم واختلاف وجودهما في نفس كل مجتمع من مجتمعات السودان. بل اخذتهما ازاء الواقعية كوجدان وازاء الوجدان كوتقعية مجتمعية في اجتهاد له اجران وطني واجتماعي وفيهما له خطأ البواقعية في أمر مثالي وخطأ المثالية في أمر واقعي وهذا أمر اقرب إلى طبيعة الشعر وأبعد عن مختصرات السياسة والحزبية في بناء الأوطان. مدرسة بحالها لم تحدد طبيعة "الثقافة" ولم تحدد طبيعة "الهوية" ومن هذين النقصين لم تأتي بأي إشارة الى التناقض بين حركية الحياة والثقافة والكلام عن هوية ثابتة خالدة لا تتغير.
7- مثل كل منتجات النخبة كانت فكرة الجماعة ضربة قوية في الفراغ وقفزة كبيرة في فهم الوجود بشعر انثربولوجي وفهم للانثربولوجيا بشكل شاعري سواء بجمع بعض المعاني من وجود الغابة ومن وجود الصحراء أو بتمييز بعض جماليات هذين الوجودين وهذا أمر طبيعة يغلب التطبع فما النخبة وأفكارها وكل جهودها سوى احتفاءات كبرى متقدمة داخل عربة في قطار ساقط إلى قعر هاوية.
8- كأي آيديولوجيا ناظمة لأفكار بؤس الحاضر وتبيين معالم اصلاحه في المستقبل تكونت فكرة "الغابة والصحراء" وبدأت في التحول إلى او استلهام ايديولوجيا وفكرة "الرفض" وهي الفكرة كانت معروفة بشبابها في غرب أوروبا وبالتظاهر ضد المباني والمعاني الهرمية في السياسة والمجتمع وكانت موضة شبابها انذاك مع الموسيقى المختلفة بسرعتها وصخبها شعور طويلة للذكور وشعور قصيرة للإناث وأزياء غريبة وهي على خلاف بنيوي وعداوة ضد النقابات والأحزاب الشيوعية باسم تنقية الثورة وعلى مودة معهم باسم التصدي للرجعية!.
9- كانت الموضة الثقافية في اوروبا هي الرفض، ومعها افكار العودة إلى الطبيعة وأفكار العودة إلى الجذور وأفكار الهوية وأفكار ألثقافة مع أو بمعزل عن أفكار الطبقة، وكذلك في استغفار اوروبي دعمت فكرة الزنوجة. وفي السودان التخبوي كان مختصر الحديث ضد "الرجعية" وضد "العنصرية" وخلاصة الكلام ضدهما عن تعدد مكونات المجتمع هو كلام "الغابة والصحراء"، وهو كلام أكثره ساكت عن التناقضات والصراعات داخل كل من الغابة والصحراء وعن الصراع بين الغابة والصحراء. فكان جهد اولئك الأنوار احتفاء يغير اذهان المشاركين فيه دون تغيير واقعهم وتغيير لديكور عربة مثقفي النخبة في قطار ساقط إلى قغر هاوية.
إنتهى النص
#المنصور_جعفر (هاشتاغ)
Al-mansour_Jaafar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شقا الليبرالية العلماني والإسلامي
-
تأثيل العمال والمحافظين
-
ما هو الميزان الصحيح؟
-
أهمية تكامل العملية الثورية
-
الصوفية والسلام
-
تمحيص خفيف لكلام فرزعة الحزب
-
رحلة ذهن من العاشات الى التأثيل
-
معالم فهم النخبة لوقف الحرب والسلام
-
الخراب زاد ضرورة التغيير الجذري في العمل السياسي
-
نقطة من الصراع الطبقي في الأحزاب الثورية
-
الزراعة، أزمة في أوروبا وإزدهار في الصين
-
ضد الماركسية الغربية
-
جزء من تأثيل الآيديولوجيا
-
النخب والليبرالية أساس للأنانية ونزاعاتها
-
إضرار بعض الكلام القومي بالكلام الاشتراكي
-
لمحات من تاريخ الإدارة الأهلية
-
لمحات من تاريخ الإدارة الأهلية
-
تأثيل في جدل القبيلة والدولة والعمال
-
تأثيل الكلام عن تلازم إصلاح الدين وإصلاح الدولة
-
كمال الجزولي .. غياب ثلاث شموس
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|