|
الغطرسة
خالد بطراوي
الحوار المتمدن-العدد: 8036 - 2024 / 7 / 12 - 12:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هنا نتحدث أيها الأحبة عن غطرسة قطاع الخدمات وتغوله على باقي القطاعات وخصوصا قطاع الإنتاج. وقد بلغ الأمر بأن أصبح هذا القطاع، في عالمنا - وتحديدا عالمنا العربي - بهذا المستوى المتقدم من الغطرسة العالية حتى أضحى "دولة داخل دولة". حتى شريحة المستوردين "الكمبرادور" في المجتمع وهي من ضمن طبقة البرجوازية التي تغولت أيضا على قطاع الإنتاج وضخت في بلادنا كل ما هبّ ودبّ من سلع مستوردة أدت الى إغلاق بعض المنشآت الإنتاجية الوطنية، فقد نالها هي الأخرى ما نالها من غطرسة وتغول قطاع الخدمات. والمقصود بشكل أساسي بقطاع الخدمات هو ذلك القطاع المتحكم بالخدمات اللوجستية لباقي القطاعات. وفي أيامنا الحالية فإن الذي يتربع على كرسي رئاسة وقيادة هذا القطاع هي شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية والبنوك والشركات الوسيطة. بنك يرفض أن يأخذ أصغر قطعة عملة نقدية متداولة، وآخر يرفض أن يجري المواطن أية معاملة ما لم يكن لديه حساب في ذات البنك، وبنك أسس محفظة نقدية يقدم خدمة الدفع الإلكتروني يتأخر في الدفع الى الجهة التي أودعت نقودا لتدفع لها تسديدا لفاتورة كهرباء أو ماء أو ما شابه فتأتيك الفاتورة الجديدة متضمنة غرامات تأخير، وشركات إتصالات لهاتفك المحمول أو لشبكة الإنترنيت تحجب الخدمة عنك مؤقتا " لأعطال في الشبكة والنظام" كما يدعون ولا تأبه لتأثير ذلك على نشاطك وأعمالك ومعاملاتك ولا تشعرك مسبقا بموعد حجب الخدمة ثم وفي أول ثانية تتأخر عن موعد تسديد فاتورتك الشهرية تحجب عنك فورا الخدمة. قالت لي زميلة مهندسة أنها بعد ان سددت قرضا لأحد البنوك تفاجأت بإيقاع مبلغ إضافي عليها أن تدفعه ولم ينتظر البنك حتى أن توافق أو تقتنع بهذا المبلغ الاضافي ومقداره أو إستحقاقه بل قام البنك على الفور بخصمه من حسابها الشخصي دون أي مسوغ قانوني. المواطن مرغم على تسديد بعض الرسوم الرسمية وكذلك له خيار تسديد بعض الفواتير لدى البنوك التي تتقاضى منه مبلغا ماليا تحت مسميات مختلفة منها "عوائد نقدية" أو "إيداعات نقدية" علما بانه من المفترض أن يتم إستيفاؤها من الجهة الرسمية التي يتم الإيداع لها وليس من المواطن هذا إذا ما كان هناك داع أصلا لإستيفاء هذه المبالغ فالأصل أن البنك يستفيد من حركات الإيداع هذه في ضمان توفر السيولة اليومية لديه بدلا من الإضطرار الى الصرف من إيداعاته. بنوك أخرى، ترفض إستقبال أية إيداعات أو تحويلات باليورو وترغمك على تحويل المبلغ الى الدولار أو أي عملة أخرى. هناك المثل الشعبي المعروف والقائل " قلو يا فرعون مين فرعنك ... قلو ما لقيت حدا يردني" ذلك أن الجهات الرقابية وبضمنها "سلطة النقد" في أي بلد قلما أخذت أية شكوى على محمل من الجد، هذا إذا لم تبرر للبنك فعلته، أما منظومة التقاضي فتستغرق وقتا طويلا لإصدار قرارها القطعي. ومشكلتنا أننا كمواطنين في بلاد "العرب أوطاني" نسعى للحلول الفردية التي تتضمن شرب "فنجان القهوة" لطي صفحة أية إشكالية تواجهنا مع هذا القطاع المتغطرس حيث أن البعض منا – ولشديد الأسف – مقتنع تمام القناعة بمقولة " لمين بدك تشكي إذا غريمك القاضي " رغم أنني لا أتفق مطلقا مع هذه المقولة فالسادة القضاة لهم مكانتهم ولا يخاصمون المواطن. أيها الأفاضل ... مرد ذلك أن ما يحصل لأن "السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد"، إذ أن إقتصاديات السوق الرأسمالي المكرس بالأساس "لإستنزاف المواطن" وتكديس الأموال والثمرات بأيدي رأسماليي البلاد يفرز منظومة مجتمعية ومنظومة قانونية تخدم التوجه الرأسمالي وليس "الإشتراكي" المناصر للمواطن، وإن أردنا التعمق أكثر فاكثر فإن كل ما يحصل من غطرسة هو نهج ضارب الأعماق لخروج الإستعمار بشكله القديم من الباب بعد الإستقلال الشكلي للدول ودخوله بشكله الجديد من الشباك عبر سياسة الالحاق والتبعية ودعم قطاع الخدمات والوسطاء وشريحة المستوردين على حساب قطاع الإنتاج الصناعي والزراعي. خلاصة القول، ما لم تتحول دولنا "المستقلة" باتجاه "التحولات الإشتراكية" لنصرة المواطنين من العمال والكادحين والمزارعين وحتى شرائح البرجوازية الرثة والصغيرة والمتوسطة وإنشاء إطار قانوني ناظم يسير بإتجاه "تصفير" وإنهاء غطرسة قطاع الخدمات، فإن المواطن في عالمنا العربي وغيره سوء يتم سحقه أكثر فاكثر. بعد الإستقلال الشكلي للدول فشلنا فشلا ذريعا في تكريس توجه هذه الدول الى التوجه الإشتراكي وهرولنا حتى دون شد أحزمة على بطوننا المتكرشة نحو التوجه الرأسمالي فإنطبق علينا المثل القائل " جاجة حفرت ع راسها عفرت". أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .. فيا فوز المستغفرين ... إستغفروا الله .... وقوموا الى صلاتكم.
#خالد_بطراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة بلا نهاية
-
المحقق كونان
-
البوصلة
-
تعرف الكذبة .... من كبرها
-
البنيان المرصوص
-
كعكة العالم
-
سحابة صيف في الجامعات الأمريكية أم ماذا؟
-
موسيقى المسدس
-
حق الرد
-
علامة الرسوب هنا، في السجل ... والباب هناك
-
فاظفر بِحُبِ الناس ... تَرِبَتْ يداك
-
الصراع الطبقي
-
بوركينا فاسو وإبراهيم تراوري ... نموذجا
-
أمير الظلام ... حميدان
-
النضال في سبيل تحرير الانسانية
-
عن أحمد سعيد والصحاف ومن في حكمهم
-
توزيع الادوار
-
-كل أرض ... ولها ميلادها-
-
ذهب مع الريح
-
الجمعة المشمشية
المزيد.....
-
-جزيرة إنستغرام-.. أكثر من 200 زلزال يضرب سانتوريني في اليون
...
-
-لم أتوقف عن البكاء-.. رصاصة تخترق جدار منزل وتصيب طفلًا نائ
...
-
تشييع جثمان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في 23 فبراير.. وهذا
...
-
-9 آلاف مجزرة وأكثر من 60 ألف قتيل- في غزة.. أرقام مرعبة يكش
...
-
الرئيس الكولومبي يصعّد انتقاداته لسياسات الهجرة الأمريكية وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يفجر 23 مبنى سكنيا في مخيم جنين
-
كيف نطق الإنسان؟ أهم الفرضيات حول أصل لغة البشر
-
ملك الأردن يلتقي ترامب بواشنطن في 11 فبراير
-
نائبة أيرلندية: إسرائيل دولة فصل عنصري والعالم بدأ يدرك ذلك
...
-
دفعة ثانية من الجرحى والمرضى تغادر قطاع غزة عبر معبر رفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|