أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - قسوة الشخصيات والأحداث، وفنية التقديم في رواية -ثنائي القطب- هند محمد الشتيوي















المزيد.....

قسوة الشخصيات والأحداث، وفنية التقديم في رواية -ثنائي القطب- هند محمد الشتيوي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8035 - 2024 / 7 / 11 - 22:40
المحور: الادب والفن
    



من سمات العمل الأدبي الجيد جذب القارئ بحيث يبقى مشدودا له، وعندما يقرأ في جلسة واحدة، فهذا مؤشر على قدرة السارد/ة على إمتاع المتلقي، وعلى إبداعه في صياغة عمله وإتقانه، في رواية "ثنائي القطب" نجد كل العناصر الفنية والإبداعية للرواية، فهناك العديد من الرواة، حتى لأولئك السلبيين "الأم نجلاء، الأب أدهم، العمة سمية" وهذا جعل الرواية مقنعة للقارئ، فالحرية التي تحدثت بها الشخصيات أكدت حريتها، فعندما تحدثت "نجلاء" عن خيانتها لزوجها "أدهم" مع صديقه "نبيل" لم تتدخل الساردة في حديثها، ما جعل القارئ (يبرر/يتعاطف) لو قليلا معها، وأجزم لولا الفنية التي قدمت بها الشخصيات والحيادية، لكانت هذه الرواية لا تقرأ ولا تطاق.
فحجم السواد فيها كبير جدا، وغالبية الأسر فيها مفككة إذا ما استثنينا أسرة "مؤيد وجمانة" ولم يقتصر الأمر على تفككها ـ الأب والأم ـ بل طال طريقة تعاملها، فنجلاء" تعامل أولادها الأطفال بقسوة مفرطة، والعمة "سمية" تقسو على أولاد أخيها "أدهم" "ورأفت" يعذب زوجنه "سمية" "وسهيل" يستولي على بيت أبناء شقيقه "أدهم" ويخرجهم منه، وهناك وحشية في التعامل مع "جرجس" رغم الحب والتميز في تعامله مع زملائه، ونجد "هناء" زميلة "رم" في الجامعة في مستشفى الأمراض العقلية، وفي نهاية الرواية نكتشف أن "أدهم" أحد نزلاء المستشفى، وعندما (تتوب) نجلاء يرفضها الأبناء.
نجلاء
إذن نحن أمام أحداث مؤلمة، وشخصيات غارقة في القسوة، وما كان للقارئ أن يتناول مثل هذه الأحداث دون وجود فنية أدبية، وشكل روائي مميز، ولغة سلسة خففت وسهلت الخوض في هكذا أحداث.
سنتوقف عند الشخصيات الرئيسة في الرواية ونبدأ من "نجلاء" الزوجة التي خانة زوجها وأسرتها، وكيف تحدثت عن نفسها وكيف تناولها أولادها وعائلة زوجها، وأثر فعلتها على الأبناء.
قلنا إن الفنية التي قدمت بها الشخصيات تعد أهم جزء في الرواية، فمن خلال حديثها بنفسها وعن نفسها جعلت القارئ يتعرف أكثر على طبيعة تكوين هذا الشخصيات، تتحدث "نجلاء" عن خيانتها قائلة: "أعرف نظرات الاشمئزاز التي تصوب نحو الزوجة الخائنة، أتساءل لماذا يصبح ذنب المرأة مضاعفا، ولو كانت تلك ذنوب رجل لقالوا، من المؤكد أن زوجته هي المقصرة.
تعرفت إلى بلال عن طريق زياراته المتكررة لمنزلنا، أطفالي كانوا يحبونه وفي غياب أدهم هومن يحضر حاجات المنزل، كيف أحببته لا أدري؟! لماذا أحببته أيضا لا أدري؟! والأصح لا أعرف إن كنت قد أحببته بحق، لكن ما أنا على يقين منه، أنني هربت من تعاسة سببها غياب الشغف الذي يتوارى خلف رتابة العائلة.
ذهبت إليه في تلك الليلة البائسة، وكنت في سكرة تامة وانفصال عن الحياة، ساعة مريرة من النقاش" ص 21و22، كمتلقين، (نتعاطف) مع هذا الاعتراف، لما فيه من ندم، ولما فيه من صدق، ولما فيه من (مبررات) منطقية، فالمرأة/الزوجة التي تعيش في رتابة، دون أن تأخذ حاجتها الجسدية والعاطفية من زوجها، يمكن أن تقع في الخطيئة، خاصة إذا كان (البديل) سهلا وموجودا.
ونجد "نجلاء" تندفع أكثر في (توضيح) سبب خطيئتها: "يمكنني تفسير ما أقدمت عليه بأنني أردت أن أجد نفسي بثوب مختلف، وربما تمرد على الواقع، أو كفر بالموروث الاجتماعي" ص24، اللافت في هذا المقطع أنه يلبي رغبات (المتحررين) أولئك الذي يتناقضون مع المجتمع بصورة كلية وشاملة، كما يلبي طموح المتبنين لفكرة تحرر المرأة.
وإذا ما توقفنا عند التبرير الأول، سنجده يجذب المواطن البسيط/العادي، والتبرير الثاني يجذب (المتحررين) وبهذا استطاعت "نجلاء" جمع أكبر عدد من المتعاطفين.
لكن عندما يتحدث عنها أولادها، زوجها، سلفها، والدها، شقيقها، سنجد صورة أخرى، صورة الأم القاسية، صورة الزوجة الخائنة، صورة المرأة الفاسقة، الطفلة "رم" تحدثنا عن أمها "نجلاء" من خلال هذا الموقف: "أمسكت أذني وجذبتني إليها، ثم أعقبت تلك الآلام بصفعة شديدة البرودة، مخالفة طبيعة الأمومة!
ـ ألم تساعدي إلياس في ذهابه للحمام أيتها الحقيرة" ص31، هنا "نجلاء" لم تكن أما، وكانت أقرب إلى زوجة الأب الشريرة، لهذا تجاهلت أن دورها كأم تجاه "إلياس" وطلبت من طفلة صغيرة القيام بعلمها، وعاملت طفلتها بصورة قاسية، وبهذا يكون سلوكها جامع لكل الشرور والقبح، فلا هي أم، ولا هي مربية، ولا هي حسنة الخلق والسلوك، فأي أم هذه!!
ونجدها سوء خلقها من خلال: "والدتي التي تبدع في خلق المشكلات دون سبب، تذهب لبيت أهلها بضعة أيام وتعود تحت إلحاح والدي وكنا ـ الأطفال ـ الضحية الوحيدة في حروب البقاء تلك.
في إحدى المرات تجرأت والدتي وبصفت في وجه جدتي" ص32، نلاحظ أن "رم" لا تتحدث عن مشكلات "نجلاء" ولا عن مشاعر "نجلاء" بل تتحدث عن سلوك "نجلاء" وكأنها من خلال هذه المواقف تكذب ما قالته "نجلاء" سابقا، فهي لم تقم بدورها كأم، ولا كزوجة، ولا حتى كإنسانة، لهذا كانت تبحث عن أي طريقة للخلاص من "أدهم وأولاد أدهم" وكأنهم ليسوا عائلتها ولا أسرتها، من هنا نجد "رم" تفسر/تحلل أسباب هذه الأفعال ودوافعها: "تركتنا لتجدد عقد النكاح مع قلبها ورغباتها، لم تؤمن يوما بمبدأ التضحية.
...فكانت شمسنا صراخ والدتي في وجه والدي كي تستفزه للطلاق" ص32 و33، من خلال هذا القول لا يمكن لأي قارئ أن يتعاطف مع "نجلاء" فهي امرأة شبقة، وزوجة فاسدة، وأم قاسية، بمعنى أنها لا تصلح للقيام بأي دور أنثوي/أمومي/نسائي، إذا ما استثنينا شبقها الجنسي.
تعرفها "رم" على "نجلاء" أكثر من خلال: "كان أول نجمة توضع على دفتري، كنت أركض في الشارع وأسراب الأمل تعانقني، كنت متيقنة أن أمي ستسعد من إنجازي الأول...
ـ أمي .. أمي!
..فجأة ودون تنبيه أو إنذار كان كفها يرتطم بوجهي بشدة، فأوقعتني أرضا.
ـ لماذا توقظيني هكذا يا بلهاء؟!" ص34، اللافت في هذا المشهد أن "رم" تتحدث عن كونها طفلة صغيرة في الصف الأول، من هنا تحدثت عن النجمة الأولى التي وضعت على دفترها، وما فعل "نجلاء" القاسي جسديا ونفسيا على "رم" إلا تأكيدا لفقدانها الأنوثة/الأمومة/الإنسانية.
وهنا نلمس جانب فني في تقديم الأحداث الرواية وشخصياتها، "رم" لم تحدد عمرها، بل قدمته من خلال "النجمة الأولى" وهذا يشير إلى ابتعاد الرواية عن المباشرة والوضح، وعلى القارئ أن يصل إلى هذا الأمر بتفكيره وتوقفه، وهذا له علاقة بمسار الأحداث وطبيعة الشخصيات، فطريقة تقديم الرواية تدفع المتلقي ليفكر ويتوقف عند كل الأحداث والشخصيات ـ خاصة أنها بمجملها تحدثت عن نفسها ـ وعندما يأتي حديث الآخرين عنها، يفترض أن يتخذ القارئ موقفا منها ومن سلوكها.
بعد هذا المواقف والأحداث نجد "رم" تغير طريقة حديثها عن أمها "نجلاء" بحيث لم نعد نقرأ/نسمع كلمة "والدتي، أمي" بل "نجلاء" وكأنها شخص غريب ليس بينهما أي علاقة أو ارتباط: "الشمعة التي أطفأتها نجلاء أذبتها أنت يا أبي، اغتيالك أنت ونجلاء لطفولتنا لا يغتفر" ص49، هذا التحول يخدم بناء الأحداث الروائية، فبعد ما قدمته "رم" عن "نجلاء" أكد الفراق الكامل والنهائي معها، فليس بينهما أي جامع أو تلاقي.
هذا التحول استمر حتى نهاية الرواية، وأصبح الاسم المتداول هو "نجلاء"
لكن، لتأكيد (ديمقراطية)الساردة فقد أعادت "نجلاء" لتتحدث بلسانها مرة أخرى: "بعد مفارقتي أبنائي الثلاثة، وخيانتي أدهم، لم يتفهم أحد أن ما فعلته كان بناء على ما في قلبي وتفكيري، فزوال الشغف مبرر لما في داخلي أنا فحسب، لكنه غير مبرر عند مجتمع متعايش معه بمبادئ مفروضة عليه" ص 65، نلاحظ أن "نجلاء" تخاطب (المتحررين) فهي تقدم سوء أمومتها بطريقة (ناعمة) "مغادرتي" ولم تقل "تخل" فالمغادر يمكنه العودة، لكن من يتخلى عن شيء/مكان يصعب عليه العودة، ونلاحظ أنها تتلاعب في الأحداث من خلال جعل خيانتها لأدهم بعد تخليها عن أسرتها، والصحيح أنها خانته قبل ذلك، خانته والأسرة موجودة وحاضرة، وخانت الأسرة وهي موجودة فيها.
ونجدها تحاول كسب تعاطف القراء من خلال حدثتها عن الطريقة التي لاقتها من أهلها بعد الخيانة: "صرخ سامي ثم إنهال عليّ ضربا، ... ابنتكم جلبت لنا العار" قالها بهستيريا مرعبة" ص68، هذا الدور (المكشوف) واللعب بالكلام، واستخدامها آيات قرآنية، وتغيير الأحداث يؤكد أننا أمام أمرة توغل في غيها وفسادها، فهي تبدو كلص وقح، رغم أن ضبطت بالجرم المشهود، إلا انه يحاول أن يبرر/يتلاعب بالآخرين، لكن طريقته مكشوفة، مما يجعل تبرير "نجلاء" لأفعالها القبيحة والفاسدة والشريرة ينطبق عليها "عذر أقبح من ذنب"
بعد هذه الديمقراطية تضعنا "رم" أمام حوار دار بينها وبين "نجلاء" التي تزوجت من شخص آخر غير "نبيل" الذي خانة زوجها من أجله ودمرت حياة أسراتها، يتركها زوجها لتجد نفسها وحيدة بلا زوج ولا أسرة:
"ـ نجلاااااء...!!! ...ماذا تفعلين هنا؟
ـ أريد الاطمئنان عليكم
ـ أنا أمامك... والشبان بخير
، لم كل هذا البرود؟
ـ وهل علاقتنا سابقا كانت دافئة؟
ـ لا أحتمل هذا التعذيب هذا يا رم
ـ الواقع جزء التعذيب
ـ والمطلوب
ـ نلم شملنا من جديد
ـ مزحة جديدة؟
ـ أنا تعبت
ـ وما هو ذنبي؟ الخراب الذي كنت سببه لم يزل تأثيره ينهش فينا، ماذا تريدين بعد...؟ تكرار التعاسة؟" ص140و141، نلاحظ أن محاولة "نجلاء" إصلاح الخراب الذي أحدثته جاء بعد سنوات عديدة، ف"رم" ابنة الست سنوات التي اضطهدت طفولتها، أصبحت في الجامعة، بمعنى أنه مضى على تلك الأحداث ما يزيد على الاثنتي عشرة سنة، وجاء ندمها متأخر زمنيا، وبعد أن فشلت مع عشيقها "نبيل" وفي زواجها الثاني، لهذا يمكن لأي شخص أن يقف مع طريقة تعامل "رم" "لنجلاء" التي تستحق معاملة أكثر قسوة.
أدهم
الأب "أدهم" رغم أنه ضحية "نجلاء" إلا أنه لم يقم بدوره كأب، فترك الأسرة وحيدة أمام "سهيل" العم الذي يطمع في الاستيلاء على بيت عائلة شقيقة "أدهم"، وأمام العمة "سمية" التي لم ترحم الأطفال، ضحايا الأم الفاسدة، والأب الضحية الذي أهمل أسرته بعد خيانة زوجته.
كما تعاملت وخاطبت وقدمت "رم" والدتها، تعاملت وخاطبت والدها، لكن بحدة أقل، وبقسوة أقل، وبقليل من الحنان والعاطفة، فبدأت الحديث عنه بقولها والدي/أبي: "الشمعة التي أطفأتها نجلاء أذبتها أنت يا أبي، اغتيالك أنت ونجلاء لطفولتنا لا يغتفر" ص49، لكن عندما تجد نفسها أمام واقع قاس ومؤلم، ومجتمع لا يرحم الأطفال ولا الضعفاء، تخاطبه باسمه: "حياتنا تتأرجح بين وجود أدهم وغيابه" 53، وعندما تكون هادئة تخاطبه بأبي/والدي: "لحقنا بوالدي الذي كان يجلس على حافة السرير" ص58، وعندما تكون (محايدة) تستخدم "أدهم" ووالدي/أبي: "وقفت بذهول وتسمرت عيناي تجاه المريض، ثم صرخت وقلبي يدق كما طبل إفريقي في مجاهل غابة قصية: "أدهم... أبي" ص187، هذا الاستخدام له علاقة بحالة التعاطف التي تكنها "رم" لوالدها، فهو ضحية كباقي أفراد الأسرة، وما مرضه النفسي إلا نتيجة عدم قدرته على تحمل وقع الخيانة التي اقترفتها "نجلاء" التي أحبها ووضع فيها ثقته.
وإذا ما توقفنا عند حالات تناول "رم" أو الساردة للأب "أدهم" سنجدها قليل إذا ما قورنت مع الحالات التي ذكرت فيها "نجلاء" وهذا يعود إلى حجم الخطيئة التي اقترفها كل من نجلاء وأدهم" فالأولى كانت مجرمة بكل معنى الكاملة، والثاني كان ضحية أكثر منه جلادا، وما حالة ضعف والاستسلام التي لازمته بعد الحادثة، إلا صورة عن كونه ضحية، فهو من خلال ضعفه أصبح مساهما في جلد أسرته، على النقيض من "نجلاء" التي مارست القسوة تجاه أسرتها، بدء من أولادها الأطفال، وصولا إلى زوجها المحب، وحتى حماها الشيخ.
المجتمع الذكوري والطائفي
الساردة تتوغل أكثر في كشف طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه، فكما كان حال أسرتها قاسيا معها ومع شقيقيها، كان المجتمع قاسيا هذا الأمر كشفته "نجلاء" عندما تحدثت عن خطيئتها: "أعرف نظرات الاشمئزاز التي تصوب نحو الزوجة الخائنة، أتساءل لماذا يصبح ذنب المرأة مضاعفا، ولو كانت تلك ذنوب رجل لقالوا، من المؤكد أن زوجته هي المقصرة" ص21، بموضوعية إذا كان هناك خيانة فيجب أن يُحاسب/يُعامل مقترفيها بالقصاص ذاته، لكن المجتمع الذكوري يعاقب المرأة ويترك الرجل، أو يتجاهله، وهذا الانحياز له علاقية بهيمنة الذكور وعقليتهم، فحتى الساردة تجاهلت ذكر "نبيل" ولم يعد له أي حضور/وجود في أحداث الرواية، وكأنها من خلال تجاهل ذكره تؤكد هيمنة العقل الذكوري حتى على النص الروائي، بمعنى أنها حتى روائيا تخضع لهذا العقل المسيطر الذي يتجاهل الطرف الثاني في (الجريمة).
لم تقتصر قسوة المجتمع على النساء فحسب، بل طالت أيضا الطرف (الأقل) سكانيا، فالمجتمعات العربية بغالبيتها تدين بالإسلام، ثم يأتي المسيحيون، وبما أننا مجتمعات تفكر بعقلية القبيلة/العشيرة التي تعتمد على الكمية وعدد أفرادها وليس على نوعيتهم وطريقة تفكيرهم، يتم التعامل مع المسيحيين بطريقة لا تليق بالمجتمعات المدنية، تحدثنا "رم" عن "جرجس" الذي يصطدم بفتاة بالخطأ فكان هذا السلوك منها ومن بقية الطلبة:
"ـ تتحرش بي يا مسيحي؟؟
ـ والرب لم أرك والعذراء؟
ـ وكيف سأصدق يمينك يا كافر؟
...الإهانة التي تعرض لها جرجس لا يمكن تلطيفها أو التقليل منها، كانت ندبة في حياته الجامعية، وقد أنهت علاقته بالكلية، رغم توسلنا إليه بالرجوع عن قراره" ص171 و172، نلاحظ أن القسوة، الجهل وسوء التصرف يعم طليعة المجتمع (الجامعة)، فالخلل يكمن في تركيبته العقلية، في طريقة تعامله، فإذا كان المكان (جامعة)، التي يفترض أن يكون طلابها على قدر من الحس الأخلاقي والمعرفي، يتصرفون بهذه الطريقة المتخلفة مع زميلهم، فكيف سيكون حالة المجتمع خارج الجامعة!؟.
العنوان "ثنائي القطب"
بعد قراءة الرواية لا نجد أي ذكر للعنوان بصيغته، إذا ما استثنينا ما قالته "رم": "فوددت حل طلاسم تلك الأحجية التي تشكل ثنائي مختلف القطب" ص119، لكننا نجد معناه في الأحداث، وفيما قاله شخصيات الرواية، كما هو حال "علي" الذي غادر الحياة منتحرا: "يقول إن حياته عبثية، بل إنها غير موجودة، كتاب مهترئ على رفوف الحياة الازدواجية في العطاء والمنع" ص182، فالثنائية نجدها في الشخص ذاته، عندما يكون جلادا يظهر القسوة والشدة، وعندما يكون ضحية يبدي الشفقة والضعف، هذا الأمر وجدناه في العديد من شخصيات الرواية، فنجد "نجلاء" القاسية والقوية عندما قضت على أسرتها لتبلي شبقها، ونجدها ضعيفة (مسكينة) عندما عادت مكسورة بعد تركها "نبيل" بعد الحادثة ماشرة، وفشلها في زواجها من شخص تركها بعد عام، فكانت وحيدة ضعيفة.
وهذا الأمر ينطبق على "سمية" التي عاملت أولاد شقيقها "أدهم" وهم اطفال بصورة قاسية: "أنا لا أطيقهم" ص43، ونجدها ضعيفة ضحية لزوجها "رأفت" الذي عاملها بقسوة ووحشية: "ضرب وإهانات، حتى فقدت الثقة بذاتي...بعد أنجابي طفلي الثالث فقدت عائلتي الأمل في حفظ كرامتي، فتركوني أجمع طعناتي وحدي.. ألجأ إلى أهلي ثم أعود لقهر رأفت بعد كلمة واحدة فقط.
إحدى المرات ضربني داخل غرفة نومنا، وأطفالي الثلاثة جالسون في البهو دون حركة...اتكأت على الحائط أبكي، ثم أنصت على عذاب أطفالي الصامت" ص96، هذه الثنائية نجدها حتى عند "رم، زياد، إلياس" فعندما كانوا أطفالا تعرضوا للقسوة من العمل سهيل، الأم نجلاء، الأب المهمل، العمة "سمية" القاسية، لكنهم عندما اشتد عودوهم، تعاملوا مع أمهم من منطلق القوة وتجاهلوا أنهم يتحدثون عن أمهم، هذا ما وجدناه في الحوار السابق بين "رم ونجلاء" ونجد "زياد" أصبح قاسيا إلى درجة تجتمع فيه المازوشية مع السادية: "لم أعد أحتمل رؤية إنسان سعيدا، هذه المشاهد التي تحدث الآن تشعرني أن هناك من هم مثلنا، بنفس درجة المعاناة" ص98و99، كل هذا يجعل يشير إلى ازدواجية/ثنائية الشخصيات.
أما فيما يتعلق بفنية تقديم هذه الثنائية، فنجدها في مشهد حينما تم اقتياد "نجلاء" بعد الخيانة إلى بيت والدها، حيث تعود بها الذاكرة إلى يوم زفافها من أدهم وكيف كانت البهجة والفرح، بينما في حالها بعد الخيانة الغم والبؤس: "خلقتك في مخيلتي قبل أن تأتي، فيشعر قلبي بآلام الولادة عندما يراك، وها أنت حورية الأرض تكبرين بين يدي، أنت جميلة بلا حد ولا سقف، أحبك يا نجلاء
حينها شددت على يده، والتقطت نفس الحياة في تلك اللحظة فما...
ـ أنزلي أيتها الكلبة" ص66، فنية هذا المشهد تكمن في ثنائية التناقض، بين خروج "نجلاء من بت أهلها إلى بيت زوجها، وعودتها من بيت زوجها إلى بيت عائلتها، ففي المشهدين كانت تركب السيارة، وبجانبها زوجها، لكن الحال/الطرف/الواقع مختلف تماما، وشتان بين الولادة والموت، وبين الجنة والنار.
ونجد ثنائية القطب في سرد الرواية، فالعديد من الشخصيات تحدثت بنفسها عن الحدث، لكن كان هناك آخرون يرووا/يحدثوا عنه، إن توافقوا مع المتحدث أم اختلفوا معه، فتقديم الحداث/الشخصية من أكثر من جانب خدم ثنائية العنوان.
وإذا ما توقنا عند شخصية "مؤيد" الإيجابية المطلقة التي لم تخدش بتاتا، وبين شخصية العم "سهيل" السلبي المطلق، نجد أيضا فكرة الثنائية، فمؤيد الإيجابي لم يرتبط برابطة بيولوجية مع أسرة "أدهم" لكنه كان الأقرب عليهم، والأكثر عطاءً وخدمة لها، بينما العم "سهيل" شقيق الوالد، كان سلبيا في كل شيء، وفي كل ظرف.
من هنا يمكننا القول إن العنوان كان موافقا ومتوافقا مع أحداث الرواية وشخصياتها، ومع الطريقة التي قدمت بها.
الرواية من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، الطبعة الأولى2021.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعد الملحمة في كتاب -أشباح ديرتنا- هاشم غرايبة
- التداخل والتشابك في قصيدة -أكذب- مهدي نصير
- المكان وانسياح الشخصيات في رواية -ما لا نبوح به- ساندرا سراج
- الفلسطيني والاحتلال في مجموعة -على جسر النهر الحزين- محمد عل ...
- رواية ذاكرة في الحَجْر تفضح أنظمة الاستبداد كوثر الزين
- المثقف في رواية -موسم الهجرة إلى الشمال- الطيب صالح
- الصوفية والحرب في -أجيء إلى ذراعيك- جواد العقاد.
- الشاعر والوطن في ديوان -لا أكتب الشعر- جمال قاسم
- تناسق الشكل والمضمون في -ديوان ما ظل مني- عبدالسلام عطاري
- الهدوء والقسوة في -ولي لغتي- جمال قاسم
- العدوان واللغة في قصيدة -نهار متوحش- جواد العقاد
- عناصر الفرح/التخفيف في أنا لا أكتب لأحد جروان المعاني
- الهزيمة والنصر في قصيدة -أمطار حزيرانية- علي البتيري
- رواية الحكاية في رواية -تزوجت شيطانا- كفاح عواد
- القصيدة الساخنة -رسائل لم تصل- سميح محسن
- انحياز المرأة للمرأة في -نساء في غزة- هند زيتوني
- الواقع الفلسطيني في قصيدة -سجل- هنادي خموس في ذكرة الخام
- درب الآلام الفلسطيني في قصيدة -وكبر الرحيل- منير إبراهيم
- الطرح الكامل في قصيدة -جذور- سامي البيجالي
- المسموح والممنوع في -شرط- مأمون حسن


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - قسوة الشخصيات والأحداث، وفنية التقديم في رواية -ثنائي القطب- هند محمد الشتيوي