آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8035 - 2024 / 7 / 11 - 18:45
المحور:
الادب والفن
كم من ميت احياه البشر، وصلوا له وسجدوا وركعوا وقدموا له القرابين والنذور ورشوا عليه البخور وبكوا فرحا بمتعة شديدة.
واستمنوا على جثته وسبحوا عليه وسبحوا باسمه كجثة هامدة.
وتاريخ الإنسان، تاريخ استمناء وخواء
النص الميت منتج حصري لمجتمع ميت.
عندما يكون الإنسان متدينًا يتحول تلقائيًا إلى شخصين متصارعين، يتصارعان على امتلاك القرار، قراره الداخلي.
ينفصل الإنسان الطبيعي، العاقل، المفكر عن مكانه، عن ذات هذا الإنسان، ويحل محله كائن أخر، يأتيه من خارجه، يوجه خطاه، بل يفرض عليه السير في طريق ربما لا يكون متوافقًا مع رغباته وأهدافه وآراءه.
هذا الصراع التناحري بين الأنا والأخر، يحول المؤمن إلى كائن عاجز.
يحاول، بل يريد أن يوفق بين ذاته الحقيقية، والذات الأخرى القادمة له. تتخلخل شخصيته، يضيع الطريق عليه، يدخل عالم الحيرة والتوهان، يغرق
في أزمة نفسية عميقة، بين ما يريده هو وما يريد الأخر، لا يعرف كيف يخرج منهما.
في عصر الحداثة العليا أضحى الأمر أكثر من خطير في ظل كثافة المعلومات القادمة لكل إنسان على كوكبنا، معارف، علوم، جنس مفتوح ومفصل بدقة، أخبار، التطور الهائل في الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي على كل المستويات.
إلى أين سيذهب المشوش الذي لا يملك إرادته وقراره، ولا من معين يأتيه أو يساعده؟
الدين المسيحي مات في ظل الحداثة، وسيأخذ معه رفاقه، حبايبه، الإسلام واليهودية وجميع الأديان إلى الحقيقة.
الموت قادم لا محالة في المستقبل القادم.
إغلاق العقل هو الموت، والإسلام المعاصر أغلق عقل الإنسان المسلم، حوله إلى كائن مستلب.
أرى الوهم يرقص في الساحات والشوارع، يركض من مكان إلى مكان للفوز بالنهاية، بالعدم.
للوهم معول كبير، أنه بذرة الفناء، نحت في موت، أوروبا ألف سنة وجفف منابع الجمال فيها، ونحت الشرق ألف أخرى.
عندما يستيقظ الوهم، يوقط الموتى من موتهم، يأخذ بيدهم إلى العدم، هذا الخيط الرفيع بينهما لا زال مستمرًا.
في السابق كانت الفلسفة أم العلوم.
إذا كان الأغريق قبل 2300 سنة قد وصلوا إلى معرفة أن القمر جسم صلب متوهج، على سطحه سهول وجبال وأخاديد، ويستمد ضوءه من الشمس، وهو أقرب الأجرام السماوية إلى الأرض.
ويُخسف القمر إذا توسطت الأرض بينه وبين الشمس، كما تُكسف الشمس إذا توسط القمر بينها وبين الأرض.
أليس هذا إعجازًا؟
بينما الإله الواحد العاجز، الذي يسمى سماوي، قدس نفسه عبر اتباعه:
ألغى الجمال والفن، كالرسم والغناء والنحت والموسيقا، والمسرح والغناء والرقص لإبقاء الخلاء والصمت، واستبدله بالخضوع والسجود وطمس الوجه، ودفنه في الرمال.
يعيش الإنسان الكاره للجمال حياته، دون فرح أو غناء أو رقص او محاكاة للطبيعة ونبلها، حفر في ذاته اليباس، الجفاف بكل أبعاده، إلى أن تحولت حياته إلى صحراء.
نحن نتاج الصحراء، وشرف الصحراء أن تبقى بلا ماء، وعروق أشجارك يابسة.
وجوهنا جافة، ملامحنا جافة، وسلوكنا وممارساتنا، نتحاور بالصراخ والضرب، وفي الليل نحول نساءنا إلى بغايا، إلى أداة نفرغ فيهن ساديتنا العطشى للعنف.
الأرض الخالية من الجمال، من الطبيعي أن تجف الأنهار فيها، ويزداد التلوث الأخلاقي، وتكبر وتزداد ذرات الرمال فيها، لتناسب وجه وأخلاق الكائن الجاف.
الرعشة فيها لذة عالية مترافقة مع الألم حزنًا على الرحيل إلى العدم.
في القرن العشرين كانت فرنسا ورشة ثقافية فكرية فلسفية هائلة أنتجت كتاب ومفكرين وفلاسفة كبار، كجيل تولوز وميشيل فوكو وجان بول سارتر ورولان بارت والتوسير وجاك دريدا غيرهم.
اليوم نتحدث عن الإسلام الذي مات في العام 633 ميلادي، وعن التحولات الخطيرة في بلد الأنوار والثقافة والفلسفة.
لا استغرب هذا، فالتاريخ يحتضر، وهناك أموات كثر سيحملون نعشه، في مقدمتهم الولايات المتحدة الميتة منذ زمن ولادتها.
لقد تمازج الوهم مع العدم، وانقلب عالمنا على نفسه، وبدلًا من إنعاش التاريخ وإعادة الحياة له، نراه ذاهب إلى العدم.
عمليًا الدين هو العدم أو مبخر له، وأن خلط العدم بالدين هو الخلطة المناسبة.
والدين هو قمة العبث.
إذا الدين دخل أرض قوم، فإن الله يرحل منها هاربًا إلى مكان آخر.
الله والدين على تفارق تام، لا وحدة بينهما ولا ترابط.
إن الدين مفهوم عاجز يستمد قوته من خارجه، يتكئ على العجز والدوغما في تسويق نفسه.
الدين هو نتاج العقل البسيط الساذج، ممكن يناسب العقل الأولي للإنسان، لكن في زمن التغول الحداثي ما بقى بيمشي الحال، شوف كيف يتمزقون يوميا، يريدون اعتراف الاخرين بهم بأي طريقة أو وسيلة. في الزمن السومري كان العقل منفتحا وفي الزمن الاكادي والبابلي، والاشوري والارامي والفينيقي والاغريقي والروماني، كان هناك فن ورسم وكتابة وشعر وملاحم، الاستثناء هو الدين اليهووي، وتناسلاته، رافض للحياة
فتاة تذبح في الشارع أمام مرأى ومسمع الجميع، اسمها نيرة.
المأساة أن قتلها تم مرتين، مرة بالسكين، والمرة الثانية تعاطف نسبة كبيرة من المجتمع مع القاتل، منهم كتاب وصحفيين ومحامين ورجال دين وسياسة.
أنظروا إلى أي درك وصل إليه المجتمع المصري، وكيف يفكر؟
أغلب آراء المصريين وقناعاتهم نابعة من الدين، لأن زاد هذا المجتمع أصبح الدين بعد أن فتح أنور السادات حنفية الاخوان المسلمين، وسلمهم المجتمع، وبدأوا بتهميش العقل والفكر، ومضوا يتدخلون في كل شاردة وواردة، عبر شيوخهم وبرامجهم وجلساتهم ومجالسهم، إلى أن أصبح لهم اتباع بالملايين.
تريفت مصر، عادت للبداوة، للتصحر، ماتت المدنية والمدن والإنسان فيها. اليوم هي عارية تمامًا، لا ثياب عليها، هي بلا عقل.
الدين المسيحي مات في ظل الحداثة، وسيأخذ معه الإسلام واليهودية وجميع الأديان إلى الحقيقة، الموت في المستقبل القادم.
إغلاق العقل هو الموت، والإسلام المعاصر أغلق عقل الإنسان المسلم، حوله إلى كائن مستلب.
لقد زرعوا في عقولنا البريئة منذ فترة الولادة والطفولة، على أننا مذنبون، الشيطان الرجيم، العاق، الرجس جالس في داخل كل واحد منّا، يلاحقنا أينما ذهب.
وكأننا ارتكبنا عيب كبير أو جريمة نحاسب عليها.
نكبر، ويكبر معنا الإحساس بالذنب.
ودائما نحتاج إلى مطهرات كثيرة، نطهر بها أنفسنا من الرجس.
بصراحة، هذه ثقافة مريضة، مازوشية، تعذيب سادي مجاني للذات.
ولا يمكن للمرء أن يخرج إلى الحياة إنسانًا سويًا أو متوازنًا أو واثقًا من نفسه، إلا إذا قتل الله ورديفه وصديقه الشيطان في داخل عقله.
في ممارسة الجنس سترى الله واقفًا او جالسًا فوق فراشك ينظر إليك بغضب شديد، يلوح لك بيده على أنك مذنب وأقدمت على فعل مخجل، وأصبعه على فمه يقول لك يا عيب الشوم عليك على هذه الفعلة القبيحة.
تشعر أن الله حزين جدًا من فعلتك، والشيطان سعيد جدًا، وأنت يا أنت تعيش الثنائية الدائمة، صراع عبثي دائم بين الأنا والأنا، تتقلب، تريد ولا تريد، تحب وتكره في ذات الوقت، تمارس وعقد الذنب تلاحقك سواء بإرادتك أو غصبًا عنك، سواء كنت مدركًا او لا.
هذا الانفصال عن الذات والعودة إليها بقوة الضرورة والحياة سيبقى مستمرًا كتواتر دائم، كحركة سيزيف العبثية
نحن مشوهون من أعلى رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا إلى أن نقتل كل الأصنام المجنونة القابعة في عقولنا المريضة.
الحب هو الملجأ الوحيد للخروج من قوقعة الذات، والذهاب بعيدًا إلى عوالم أخرى.
يحتاج المرء إلى مركب وأشرعة من أجل السباحة في الحياة، والحب هو الحامل والمحمول، يزين لنا البحر والسماء والأنهار والتراب بالألوان الذي نريد، يدفعنا إلى المغامرة في ثنايا الزمن.
الحب إن لم يكن مجهولًا غامضًا لا يمكن أن يكون ذلك الذي نتعرش عليه للوصول إلى مفترق الطرق.
الحب شغف، محاولة اكتشاف، بحث دؤوب عن الزمن الأخر البعيد، محاولة القبض عليه والرفرفة فوق أجنحته، للوصول إلى المكان الذي لا يمكن القبض عليه.
هناك أصدقاء كثر بينك وبينهم حالة وجدانية، رابط روحي وعقلي وفكري، تسأل عنهم مرات كثيرة، ويخطر في بالك أن يفتحوا صفحاتهم ويعودوا إليك، ثم تكتشف أنهم عملوا بلوك لك دون ذكر السبب.
أصدقاء لم تدخل معهم في حوار أو نقاش فيه مشادة أو ملاسنة أو إشكالية سلوكية أو بدر منك إسادة لأحدهم.
المؤذي في الأمر، أن من يعمل لك بلوكًا يتوارى خلفه حتى لا يكتشف. وبعد أن تكتشف، تكتشف أن لا حيلة لك في مخاطبته أو معاتبته
من الجميل أن يقدم أحدهم على هذه الخطوة بعد أن يخبر صديقه بأسباب القيام بهذا العمل.
البلوك هو اعتداء أو قمع معنوي يقدم أحدنا على معاقبة الآخر في إشارة إلى قسوة الموقف وسادية ومازوخية من يقدم على هذا الفعل.
أنا لا أبرأ نفسي، فأنا لدي الكثير من الحماقات، بيد أني أحاول دائما العمل على قصقصة حراشف الوحش القابع في داخلي.
لنقصقص حراشف الوحش الذي في دواخلنا حتى نكون معتدلين.
لقد أدت داعش مهمتها القذرة على أكمل وجه. فرغت العقد النفسية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية من النظام الروسي والأمريكي وأعطتهم حقنة عملية وفعلية لجني المال عبر تشغيل المصانع الحربية وتجريب أو اختبار اسلحتهم المتطورة في البلدان الصغيرة كسوريا والعراق وافغانستان واليمن.
إن النظام الدولي نظام مريض قائم على استثمار القوة من أجل جني الأرباح على حساب الناس المشردين والقتلى والفقراء واللاجئين ودمار مرتكزات حياتهم العادية.
الزمن بلا ذاكرة، ولا زمن. إنه كائن غريب كغربة هذا الوجود والعدم، يذهب إلى نفسه ثم يعود ثم يتبدد.
إن الزمن، لازمن. وإن المكان كظل نفسه، كسعدان أهوج يركض إلى ظله كرياح عابرة لا يلوي على شيء.
إن الوجود أو العدم، ضحايا، يتقاذف أحدهما الآخر ليرميه، ثم ليعيد تشكليه من جديد، ثم قذفه في وجه الأبد.
الأبد، هو الوجود، وهو العدم.
لقد زرعوا في عقولنا منذ فترة الطفولة, أننا مذنبون, الشيطان في داخلنا, يلاحقنا أينما ذهبنا. وكاننا ارتكبنا عيب كبير أو جريمة نحاسب عليها.
نكبر, ويكبر معنا الاحساس بالذنب. ودائما نحتاج أن نطهر أنفسنا من الرجس. بصراحة, هذه ثقافة مريضة, مازوشية, تعذيب مجاني للذات. ولا يمكن أن تخرج إلى الحياة إنسانا سويا أو متوازنا أو واثقا من نفسه.
نحن مشوهون من أعلى رؤوسنا حتى اخمص أقدامنا.
في المسيحية يزرعون في نفوس الاطفال فكرة انهم مذنبون من الخطيئة الاصلية, من جراء علاقة أدم الجنسية بحواء, في احتقار كامل لهذه العلاقة الطبيعية. ولن يدخل المسيحي ملكوت الله الا بعد ان يتعمد ويصبح مسيحيا, وخذ على هذه المساطر. طبعا المسلمين كل ثانية لازم يستغفر ربه من الشيطان. وكأنهما, الإنسان والشيطان في صراع أبدي. جوهر الموضوع هو محاولة إيجاد إنسان خالي من الرغبات والحاجات والدوافع.
كتابي, الرحيل إلى المجهول, لم يكتب عنه باللغة العربية إلا مقال واحد في القدس العربي, محمد حيان السمان, بالرغم من ان الكتاب يتناول موضوع السجن, سوريا المعتقلة. وعندما ترجم إلى اللغة الفرنسية كتبت الصحف عنه بحدود أربعين أو خمسين مقال باللغة الفرنسية, عدا عن اهتمام الناس والتلفزيون والراديو.
السؤال:
هل القضية السورية مهمة للفرنسيين أكثر منا, نحن أصحاب الشأن؟
بصراحة, وأقولها بالفم الملان, لا احترم المثقف العربي على الاطلاق, ليس من هذا الجانب, انما لأنه كذاب, أولا على نفسه, ثم على محيطه.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟