أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسان الجودي - بطاقة الهوية الطافية














المزيد.....

بطاقة الهوية الطافية


حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8032 - 2024 / 7 / 8 - 23:08
المحور: الادب والفن
    


فقدها وهو يتجوّل في سوق المدينة الكبير. أصابه الذعر فهو من دونها مجرد نكرة. غادر السوق مهموماً، ومشى نحو أقرب مركز شرطة وقدم بلاغاً عن فقدان محفظته التي كانت تضم نقوده ووثائقه الشخصية.
نصحه الشرطي الذي حرَّر الضبط بالبحث عنها في الطرف الغربي من السوق، حيث توجد حديقة عامة واسعة ممتدة على ضفة النهر. وأخبره أنّ النشالين وخاطفي الحقائب غالباً ما يتوجهون إلى هناك بعد زيارة السوق لفحص الغنائم. يتخيرون منها الأشياء الثمينة، ويتركون الأوراق والمستندات وكل ما لا يلزمهم.
ركب دراجته وقصد طريقاً محاذياً للنهر يقصده الزوّار دائماً. انتهى بحثه بالفشل. فجلس فوق مقعد خشبي مطل على الماء، يتاخم مرج أعشاب تلهو فوقه عدة إوزات صغيرة.
هدَّأ التأمل أعصابه المتوترة لدقائق. ثم عاد إلى اضطرابه حين اكتشف وجود محفظته الصغيرة مرمية قرب الضفة وهي فارغة من كل شيء، وانتبه إلى أن هويته تطفو بعيداً فوق المياه الهادئة.
كانت هويته دون شك، وكانت حافظتها البلاستيكية الزرقاء علامة فارقة لم يكن ليخطئها.
"كيف أصل إلى هويتي؟"
سأل نفسه، فرأى أنه بحاجة إلى قارب للوصول إليها. فمن أين يأتي بالقارب ؟
"ربما أصبح أنا قارباً، وأقطع المياه إليها".
توالت الأسئلة في رأسه، فكيف يتحوّل إلى قارب، وهو يعود في أصوله إلى جدٍّ كان صياداً برياً يصيد الحبارى ولم تكن لديه خبرة بشؤون الماء.
"إذا لأتحوَّل إلى طائر عقعق أطير إليها والتقطها بمنقاري وأعود بها إلى الضفة".
أعجبت الفكرة الجديدة والده الذي كان يعمل في تنجيد الوسائد المصنوعة من ريش الإوز. ولم تعجب والدته التي وصفت العقعق بطائر غريب لا يمكن الثقة به.
بدأ تيار النهر بالتسارع. ابتعدت الهوية الطافية، فنبذ الأفكار النظرية التي تراوده وقرر طلب المساعدة.
توجه إلى الأسماك التي كانت تسبح هانئة فاعتذرت منه، وأخبرته بأنها لا ترغب في إفساد حياتها الروتينية من أجل غريب ليس من بيئتها.
توجه إلى الضفادع الصغيرة القافزة بين أعشاب الضفة، فاعتذرت وأسرت له أنها تخشى على حياتها من لقلق عدو يترصدها دائماً.
نفدت منه الحلول، وقرر أخيراً العودة إلى المنزل، وترك الهوية لمصيرها، ما دام قادراً على الحصول على هوية بديلة خلال فترة قصيرة.
شعر بالرضا العميق، وما لبث أن تحول الرضا إلى قلق وخوف، فقد تساءل في نفسه، ما هي الهوية الجديدة التي سترضيه: إقامة مؤقتة، إقامة دائمة، جنسية؟ وماذا عن جواز سفره الذي فقده؟ وما هو البديل له، وهو هنا بعيد عن وطنه الأم؟
رفض عقله فكرة القبول بالهوية القديمة التي ستبدّلها الحكومة له. ووقع في ورطة أخرى، حول ماهية الهوية الجديدة التي يريدها.
غادر ضفة النهر وقد شعر بالتعب بعد هذه الجدالات. سلك مع دراجته مشياً ممر الدراجات المحاذي للضفة. فانتبه إلى غدير صغير يتبعه. كان الغدير قد انشق عن النهر حاملاً هويته الطافية.
شكر الغدير، وأمسك بهويته الضائعة من جديد وشعر بطاقة روحية دفعته لرميها من جديد صوب الماء. وتمنى لحظتها أن تذوب البطاقة في المياه. أن تصبح هي بدورها ماءً متدفقاً جارياً تحده الضفاف والأشجار والمدن القادمة.



#حسان_الجودي (هاشتاغ)       Hassan_Al_Joudi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (قولة الحق)
- حوار افتراضي بين شيطانين
- هل العالم وطن؟
- مونودراما -قلب المدينة-
- صانع الغزالة
- آنا سارسكا والزرافة
- بعيداً عن الشكل
- سنة طحينة مباركة للجميع
- رحلة زمنية
- عن الشوكلاه والذات والصداقة
- فخ الأسماء
- النص المقدس
- بخاخ أنف للحياة
- عن الهوية السائلة
- اللغة بيت الموت
- الحرب!
- يوم خميس تفجيرات أصابع نوبل
- الموت الرحيم في هولندا
- آنابيل
- الخزانة القديمة


المزيد.....




- فتح باب الترشح لـ جائزة كتارا لشاعر الرسول لعام 2025
- الدفن عمل شاق.. تراجيديا الكتابة عند الحاجز في رواية -عبور ش ...
- أضبطه الآن .. تردد قناة Fox Movies لعرض الأفلام الأجنبية الا ...
- 20 مليون دولار ضاعت على الغناء.. موظفو حملة هاريس مهددون بعد ...
- حرب الروايات.. هل خسرت إسرائيل رهانها ضد الصحفي الفلسطيني؟
- النسور تنتظر ساعة الصفر: دعوة للثوار السنوسيين في معركة الجب ...
- المسرح في موريتانيا.. إرهاصات بنكهة سياسية وبحث متواصل عن ال ...
- هكذا تعامل الفنان المصري حكيم مع -شائعة- القبض عليه في الإما ...
- -لا أشكل تهديدًا-.. شاهد الحوار بين مذيعة CNN والروبوت الفنا ...
- مسلسل حب بلا حدود الحلقة 40 مترجمة بجودة عالية HDقصة عشق


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسان الجودي - بطاقة الهوية الطافية