|
الكريبكائية المكية بين الميثولوجيا والدين السياسي
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8032 - 2024 / 7 / 8 - 10:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مع اقتراب نهاية قوم لوط ، خرج إبراهيم من الأرض التي بارك الله فيها ، لبناء البيت ، سالكا طريق القوافل التجارية البرية الممتد من مملكة بلاد الشام ، باتجاه البحر الأحمر محاذاة الساحل ، الى القرى الظاهرة للمحور الإقليمي لمملكة سبأ ، وعلى الطريق البري آبار ماء تتزود منه القوافل ، وعند بئر زمزم ، بوأ الله لإبراهيم مكان البيت ، فما نقله التراث الإسلامي عن قدسية بئر زمزم ، وعلاقته بأم إسماعيل لا صحة له ، من المعروف ان البناء يحتاج الى الماء كمادة أساسية ، أما بقية المواد الأخرى كالتراب والحجر توفرهما الطبيعة في كل مكان ، بعد ان أنهى إبراهيم بناء البيت وأوشك على الرحيل ، ترك بعض من ذريته عنده ، داعيا ربه قائلا {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } ورغم الطبيعة القاحلة والخالية من الزراعة والنبات الطبيعي ، إلا ان البيت تحول بفضل الله الى مركزا تجاريا جاذبا للبضائع من كافة الأقاليم ، كما ان اختيار الله لمكان البيت له أبعاد جغرافية ، حيث شطر المسافة ما بين مملكة بلاد الشام ومملكة سبأ الى نصفين ، فالقوافل التجارية القادمة من كلا المملكتين تلتقيان عنده ، أما شعائر الحج لقد استخلصت من سعي إبراهيم وأبنائه في المنطقة ، لجمع مواد البناء ، مثلا تم نقل صخرة كبيرة من جبل عرفة ليقف عليها إبراهيم لرفع بناء الكعبة ، سميت بمقام إبراهيم ، بما ان مقام إبراهيم طاف على أركان الكعبة الأربعة ، فمحيط الكعبة من أربع جهات هي مصلى ، وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ، وكذلك شعيرة السعي بين الصفا والمروة ، هي لجمع الأحجار المختلفة الصلابة
كان للتحول العقائدي لمملكة سبأ على يد سليمان من عبادة الشمس ، الى عبادة الله وحده ، دور كبير في زيادة النشاط التجاري مع مملكة بلاد الشام ، ولا سيما بعد اكتشاف معدني الحديد والنحاس ، اللذان ساهما في التحول الصناعي من الفخار الى المعدن ، بما ان مملكة سبأ أول مملكة تاريخية تؤمن بالله واليوم الأخر، ذلك مما ساهم في ظهور السياحة الدينية الى بيت الله ، فكان الحجيج ينقلون بضائعهم الى مكة للمتاجرة بها ، كما ان نزول التوراة والإنجيل في القرن الأول الميلادي على محور مملكة بلاد الشام ، له دورا كبير في تنشيط حركة الحج ، حيث أمر الله الحواريين أتباع عيسى ابن مريم بالحج الى بيت الله ، فبعض آيات سورة البقرة وسورة آل عمران حاورت الدين السياسي لأهل الكتاب بخصوص بناء البيت ، ونبوة وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، وبهذه الجغرافية المكانية حول الله مكة الى مركزا تجاريا جاذبا للاستيطان استجابة لدعاء إبراهيم ، لم يذكر القران ان إبراهيم بنا المسجد الحرام ، أنما ذكر بنا الكعبة فقط ، التي قال عنها ، جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، أما المساحة المحيطة بالكعبة اتخذها إبراهيم مصلى ، ثم أحيط البيت الحرام ، ومقام إبراهيم ، بتصميم عمراني مقوس بأعمدة وقبب أطلق عليه اسم المسجد الحرام ، بناء المسجد الحرام ، مرحلة متطورة شهدها البيت في القرن الثاني الميلادي ،على يد النبي إيليا الياس أخر أنبياء الدعوة الإنجيلية ، {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ }الذي بنا المسجد الأقصى ومساجد كثيرة في مدينة بعلبك ، ثم انتقل الى مكة لتطويرها بانيا المسجد الحرام ، ذلك مما ساهم أيضا في زيادة الحجيج الى بيت الله ، ونظر لقدسية المسجد الحرام والمسجد الأقصى عند طوائف الدين السياسي لأهل الكتاب ، رد التنزيل على تساؤل في سورة الإسراء ، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى
بعد الانقلاب العقائدي الذي طال مملكة سبأ ، والتحول من عبادة الله ، الى عبادة الجن ، بما يسمى ميثولوجيا غيبية عام الجن ، والانشقاق التاريخي لكتاب الإنجيل في القرن الثالث الميلادي ، وظهور ميثولوجيا ابن الله ، نقلت القوافل التجارية والسياحة الدينية ميثولوجيا الديانات والطوائف الى مكة ، مما انعكس ذلك سلبا على عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر التي أرساها ابرأهيم ، فظهرت ميثولوجيا الملائكة بنات الله ، كفكر سياسي يتلاءم مع الميثولوجيا الأخرى ، تغلغلت ميثولوجيا الملائكة بنات الله في كافة مفاصل الحياة المكية العقائدية والسياسية ، والاقتصادية والمعيشية ، والأمنية والغيبية ، فلم يبقى مفصل إلا واستحوذت علية ، حتى شعائر الحج لم تسلم من التحريف، فلم يبقى في مكة شيء لله غير اسمه الشكلي ، سورة يس من السور المكية ، التي نزلت بشكل كامل ، لمحاورة ميثولوجيا الملائكة بنات الله ، يس حروف مقطعة لها علاقة بأرشفة السور المكية ، يس والقران الحكيم ، انك لمن المرسلين ،على صراط مستقيم ، تنزيل العزيز الرحيم
يس{1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ{2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{3} عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{4} تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ{5}
كانت مكة في القرن السادس الميلادي ، مجمع لكل الديانات والطوائف ، ورغم العمق التاريخي والعقائدي للبيت الحرام ، إلا أن المجتمع المكي عاش في غفلة عن مفاهيم الدين الحقيقي ، فلم يحضا بأي دعوة دينية على يد نبي أو رسول ، سوى محمد ، فالتنزيل انذر المجتمع المكي على وجه الخصوص للخروج من غفلة الإيمان بالله واليوم الأخر ، الذي طمسته الميثولوجيا والدين السياسي لتسيطر علية الطبقة الرأسمالية والأسياد وأشراف مكة مستغلين شعائر الحج والموقع الجغرافي التجاري لمصالحهم السياسية والاقتصادية ، لتنذر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون
لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ{6}
ان التراكم الزمني لميثولوجيا الملائكة بنات الله ، والطبيعة الصحراوية القاحلة ، والتنافس التجاري على المنافع الاقتصادية ، قلب موازين شعائر الحج لصالح الرأسماليين ، والأسياد والكهنة ، ومنظري الدين السياسي ، فتحولت الديانات الى مكاسب سياسية واقتصادية ، مما انعكس ذلك سلبا على الوعي المجتمعي ، فظهرت الدوغمائية - الكريبكائية والتعصب الفكري ، والانغلاق العقلي ، تجاه اي دعوة تغير عقائدي جديدة ، ولقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{7}
عبر التنزيل عن الدوغمائية - الكريبكائية ، بوصف معنوي ، يعكس مدى التعصب الفكري والانغلاق العقلي الرافض للتغير العقائدي فقال ، إنا جعلنا في أعناقهم أغلال ، أغلال العنق هي جامعة ذو طرفين ، طرف يمسك بالعنق وطرف أخر يجمع القدمين ، وغالبا ما تكون جامعة العنق عرضية ، لجعل الرأس منتصب لا يتحرك ، لأنها طوقت العنق الى الذقن ، فهي الى الأذقان فهم مقمحون ، مقمحون عازمون على الرفض ، ثم ينتقل التنزيل الى وصف معنوي أخر ، وجعلنا من بين أيديهم سدا ، بين أيديهم ، من أمامهم حاجزا ، ومن خلفهم سدا حاجز أخر، فأغشيناهم ، غطيناهم بغطاء يمنع الرؤية ، فهم لا يبصرون
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ{8} وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ{9}
بعد أمثال الدوغمائية - الكريبكائية ، التي ضربها الله على المعارضين للدعوة القرآنية ، باتت الاستجابة للتغير العقائدي شبه معدومة ، فاخبر الله محمد ما معناها ، لا تتعب نفسك ، وسواء عليهم أأنذرتهم ، أم لم تنذرهم ، فهم لا يؤمنون
وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ{10}
الإنذار الدنيوي تحذير يصب في مصلحة الفرد أخرويا ، لرفع عنه العذر يوم القيامة ، لان إمكانية الإنكار والتبجح بالأعذار، ستختفي نهائيا ، كما ان فرصة العودة لتعديل المسار، وتصحيح الاعتقاد مرفوضة إطلاقا ، فمن اخذ بالإنذار على محمل الجد ، سوف يتغير تلقائيا وفقا لما جاء به التنزيل ، فأعلى درجات الانضباط بالإنذار الأخروي، مخافة الله بالغيب ، فعندما تكون لديك القدرة على الغش والسرقة وطرق ملتوية للكسب المالي ، وأساليب شيطانية للتلاعب بفطرة الإنسان ، ثم تتغاضى عنها خوفا من الله ، هذا يعني انك حققت أهم شرط أخروي ، إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ، فبشره بمغفرة واجر كريم إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ{11}
من خشي الرحمن بالغيب ، لن يخضع لأي محاسبة أخروية ، لأنه حساب نفسه قبل ان يحاسب ، أما من نسى لقاء الله ، سيخضع للمحاسبة الكلية وفق آليات أعدها الله لهذا الغرض، منها تدوين الأقوال والأفعال ، ونكتب ما قدموا ، ما قدمه الإفراد والجماعات من وسائل التصدي لقول الحق ، سواء ان كانت ، مادية أو حشدية أو معنوية أو سياسية ، وآثارهم ، وانعكاسات تلك الوسائل على الإيمان بالله واليوم الأخر، وفق إحصائية ميدانية لكل شاردة ووارده ، وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ، في كتاب يعرض عليهم ، ليطلعوا على أعمالهم
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ{12}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغيب مسرح أفكار العقائد السياسية
-
الميثولوجيا الطائفية والكتب المنزلة
-
لله في خلقه شؤون
-
الميثولوجيا وبيولوجيا الحمل والإنجاب
-
الميثولوجيا وسيكولوجية عدم الرغبة في التغير الفكري
-
العقيدة السياسية بين الميثولوجيا والدين السياسي
-
الاقتصاد السياسي للرأسمالية الوثنية
-
ميثولوجيا مادية الجن والملائكة
-
الدين السياسي تاريخ مخزي للشعوب
-
الريح والجن وسليمان بين الدين السياسي والتنزيل
-
الدين السياسي وميثولوجيا عالمي الجن والإنس
-
العذاب الأدنى
-
لقاء الله بين الميثولوجيا والدين السياسي
-
فوبيا الميثولوجيا أولياء الله وشفعائه
-
من راحت الاشتراكية راحت البركة
-
سوسيولوجيا المسخرات وسيكولوجية المخاتلة
-
الأممية الاشتراكية والنضال ضد الصهيونية والإمبريالية.
-
السوسيولوجيا - بين الكتب التراثية والكتب المنزلة
-
غزة بعيون سليل ناجين من معسكرات الاعتقال النازية
-
السوسيولوجيا والسيكولوجية في وصايا لقمان لابنه
المزيد.....
-
أمريكا.. القبض على طالب فلسطيني في جامعة كولومبيا قبل حصوله
...
-
تركن أحلامهن ونسجْن السجاد، أفغانيات يتحدّين قيود طالبان رغم
...
-
بمشاعل مضيئة... قرية في كشمير تحيي مهرجانًا صوفيًّا يعود إلى
...
-
البيت الأبيض يجمد 2.2 مليار دولار من دعم جامعة هارفارد بعد ر
...
-
ترامب عن إيران: اعتادت التعامل مع أغبياء في أمريكا خلال المف
...
-
لقاء مناقشة حول موضوع “مستجدات الحياة السياسية الوطنية وإصلا
...
-
إيقاف الدروس بتونس بعد وفاة 3 تلاميذ في انهيار سور مدرسة
-
عرائض الاحتجاج في إسرائيل تمتد إلى لواء غولاني
-
يائير نتنياهو متطرف أكثر من أبيه هاجم أميركا وسب ماكرون
-
الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا وتشن هجوما لاذعا على ريتايو
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|