أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الشاعر العراقي كريم ناصر ل - الحوار المتمدن -: الشعر يستدعي المغامرة، ولا أحد يزعم امتلاكه- لغة صافية















المزيد.....

الشاعر العراقي كريم ناصر ل - الحوار المتمدن -: الشعر يستدعي المغامرة، ولا أحد يزعم امتلاكه- لغة صافية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1766 - 2006 / 12 / 16 - 11:01
المحور: مقابلات و حوارات
    


يجمع الشاعر كريم ناصر في قصيدته بين ثنائية " اللوغوس " الغربي، و " الميتوس " الشرقي، وبكلمات أُخر بين النص العقلاني، وما ينطوي عليه من لغة ذهنية، وتقنيات حديثة، ورؤى جديدة تتفتق عن المخيلة الشعرية الفاعلة والمنفعلة، وبين النص الحسي المنبثق عن التجليات الأسطورية، والذاكرة العجائبية، وآليات السرد التي ورثناها عن المبدعين الأوائل. ومن قلب هذه المنطقة الضبابية غير المتعينة التي تفصل ما بين العقلاني والروحاني، وما بين الذهني والحسي تنطلق قصيدة كريم ناصر التي تحمل بعضاً من عناصر المنطقتين الشعريتين، ولكنها تحتفي بميزاتها الخاصة بها، والتي تنتمي إلى روح النص الشعري المغاير الذي لا يستعير الصور الشعرية، أويستوحي أجواءها، أو يولِّدها من صور شعرية سابقة لها، وإنما يتفرّد الشاعر الأمهر بخلقها، لكي يخترق بها السائد، والمألوف، ويتجاوزه. وبتعبير أدونيس لا تعاني قصيدة كريم ناصر من " التضخم الوصفي " على رغمٍ من إعتماده الكبير على لغة جزلة تبدو منحوتة بجهد فائق على حساب عفوية النص الشعري، وسلاسته، وبراءته الأولى التي تنتمي إلى الغامض والمجهول أكثر من إنتمائها إلى السائد والمعروف والمستباح أيضاً، لكن ما يشفع له هو حذقه اللغوي، وبراعته، ومهارته ليس في الصياغات حسب، وإنما في إشاعة جو من اللغة الشعرية المحايدة، ذات الوهج الخاص الذي يتأجج عبر العلاقة الجديدة التي ينشئها الشاعر في جملته الشعرية المشحونة بالمعنى التعبيري البعيد عن الترهلات اللغوية، والتزويقات اللفظية المُستنفدة التي تثقل كاهل النص، وتفقده بريقه، وتعرّيه من قيمته الشعرية. ولمناسبة صدور مجموعته الشعرية الجديدة " أرخبيل الحدائق " إلتقته " الصباح الجديد " وكان لنا معه هذا الحوار:

*تحرّضنا مجموعتك الشعرية الجديدة "أرخبيل الحدائق" إلى الولوج في متن السؤال اللغوي، منطلقين من مفردة " أرخبيل " المُستعارة من القاموس اليوناني. ما دور الشاعر كريم ناصر في ترويض المفردات الأعجمية في نصوصه الشعرية التي تزدان ببعض الكلمات الوافدة من لغات أُخَر بهدف كتابة نصٍ مهجّنٍ محتفٍ بلغة الآخر وثقافته وشعريته في آن معاً؟
ـ كلّ منا يعلم أنه لا تخلو لغة من لغات العالم من أبجدية أعجمية، ونحن هنا لسنا بصدد ذكر المراجع لتأكيد هذا الأمر، لأنَّ ذلك من اختصاص علماء اللغة..إنطلاقاً مما سبق نستطيع القول: إنَّ مجموعة "أرخبيل الحدائق" لا تنزع إلى الإستاتيكية الركودية، ولا يذهب بنا الظنّ إلى أنَّ استعمال المفردات الأعجمية هدفها الأساس هو التهجين، وفي وسعنا أن نقول إنَّ الشعر حافل بأمثلة كثيرة من الاستعارات عند الشعراء المعروفين، وهي تعتبر تجسيداً أدبياً، ومعرفياً في الآن نفسه.. فنحن لا نرى ما يدعو إلى الاعتراض على الاستعارة، فاستعمالها في الكتاب لم يأتِ اعتباطياً في الفهم الشعري، إذا تابعنا القصائد بعين فاحصة. إنه لمن المفيد أن ندرس الكلمات من حيث أنظمتها الدلالية المرتبطة بجوهر النص ووحداته اللغوية، لا من حيث هي مفردات محضة.. إنّ الكلمات الوافدة كما تسمّيها أنت ليست في واقع الحال مظاهر لفظية، وإنما هي في الحقيقة مظاهر تركيبية ولغوية واستعارية تكون جزءاً من عملية مدروسة لتوليد المعاني في نطاق أوسع، وتلقيح لغتنا بمديات اللغات العالمية الكبيرة.. "ولكن لا أحد يزعم امتلاكه" لغة صافية، ويمكن للمتتبع للشعر العالمي أن يجد نفس الشيء في المؤلفات الشعرية الفرنسية على سبيل المثال.. صفوة الكلام: تقوم المجموعة بشكل صريح على أنظمة غير ثابتة، لا على المستوى اللساني ولا على مستوى التأويل الدلالي، ولا نغالي إذا قلنا إنَّ المجموعة تؤسس لفرادة شعرية لا تقترب من التقليد الشعري كثيراً، ولا تحفل دوماً بشعرية غربية، قدر ما تحاول تأكيد آلياتها الخاصة بها، بطرائق مختلفة انطلاقاً من فهمنا للحداثة على أنها تجسيد للعملية الإبداعية.
* أنتَ لا تميل إلى إخفاء خبرتك اللغوية، وتضعنا بالنتيجة أمام سؤال الموازنة بين الحرفة اللغوية القائمة على تراكم القراءات، واكتساب الخبرات، وبين عفوية الشاعر المطلوبة وتلقائيته. هل أنّ الذهاب بالمغامرة اللغوية إلى أقصاها يهدّد عفوية النص، ويضعه في مواجهة مخاطر جدية قد لا تُحمد نتائجها؟
ـ من الممكن القول إنَّ الشعر صنعة قبل أن يكون حالة عابرة لقضايا عامة، أو نتيجة لإفرازات عفوية، وسنناقض أنفسنا حتماً إذا تحدّثنا عن عفوية النص وتلقائيته، ولم نتحدّث عن هيبة النص وشعريته.. ومهما كانت نسبة الاعتراضات كبيرة يبقى أن نقول إنَّ الشعر أصلاً يستدعي المغامرة.. والحال أنَّ كلّ صورة شعرية لا تطبّق قانون اللغة تسقط في العامية، والمقصود بقانون اللغة أسلوبيتها بلاغة وتصويراً وسمات.. ولضمان سلامة الشعر يتطلّب غالباً استعمال المعجم اللغوي الذي لا يمكن العمل من دونه، ولا نقصد المعجم بمعناه القاموسي، بل بالاصطلاح الفنّي، وإلاّ كيف نستطيع التمييز بين الأُسلوب الشعري والأُسلوب غير الشعري. ولا بدّ من الإشارة إلى أنَّ أكثر النصوص الشعرية التي تعتمد على هذا المبدأ الأساسي، إنّما هي النصوص التي تقوم غالباً على التكثيف والاختزال. فاللغة جوهر دلالي وصيرورة دائمة تؤدي إلى الإحساس الجمالي بالأشياء، والنص الشعري يقوم على التأويل اللغوي في درجة أوسع. إذاً فاللغة نقيض التفكك، وهذه الخاصية هي التي تقوّم النص الشعري وتجعله بمرتبة الأدب الراقي..وما يُعتبر معياراً اليوم في الإنتاج الشعري المبني على هذا المبدأ هو الأساس، وما له خصوصية أيضاً أنَّ الجنس الأدبي لا يعدو دلالياً بمعزل عن التوسّع في اللغة، إنَّ ما ندعوه اليوم قصيدة النثر تؤيد فكرتنا هذه، لأنها لا تضع (السمات العروضية: القافية والوزن والتضمين) كمبدأ أولي لها في العملية الشعرية، حتى لو افترضنا أنها تُنجز بمعنى من المعاني وظيفة دلالية حسب مبدأ الموازاة الصوتية الدلالية بنظر (جان كوهن).
أمّا ما يسمّى السهل الممتنع فيبقى موضوعاً لا يمكن الخوض فيه، إلاّ مع نمط معين من الشعر الذي يهدف إلى توضيح المعاني على أمثلة كثيرة، ومثل هذا الشعر لا يستطيع بطبيعة الحال إثارة الاهتمام لدى قارئه، ونحن لا نرى شعراً من مستوى أدنى يجرؤ على ملامسة الواقع الجديد، ويقف أمام هيبة اللغة وقضايا المعاني والسيميولوجيا، وموضوع اللسانيات..وكما نعرف أنه لم يخفت بريق الشعر كجنس أدبي مقنّن الصرامة لغوياً منذ أمد بعيد، مع الإشارة إلى الصعود والهبوط أحياناً في مستوياته المعرفية، ولكن في النتيجة يبقى ما هو أساسي وما هو دلالي في العمل الأدبي.
* لكلّ شاعر عالمه الماورائي، وقناعاته الخاصة به، والتي لا يستطيع أن يصرّح بها في كل محفل. هل لك ميتافيزيقيا محددة تؤمن بها، وفلسفة شعرية متأصلة، قائمة على الرؤى تحديداً، أم أنك تخفي، كما هو دأب الكثير من الشعراء، مصادر نصك الشعري، على اعتبار أن عملية " الإخفاء " هي جزء أساسي من لعبة الشدّ والتشويق والتصعيد الدرامي اللامرئي؟
ـ الحديث عن الشعر يفتح الشهية للجدل والمناقشة المستمرة، ومثل هذا الأمر سيتيح لنا أن نقول أيضاً رؤيتنا عن فلسفة الشعر وماذا نحن نريد بالضبط، ولماذا نكتب: قبل أن نتحدّث عن التأصيل والتلقّي، علينا أن نضع نصب أعيننا الشعر بوصفه مادة ثقافية أدبية وليس فناً فقط..
إنه ليس خطئاً أصلاً تحميل الشاعر العبء الأكبر من الانهيار الذي أصاب المنظومة الشعرية برمّتها، لقد بيّنا ذلك في مقالات سابقة، ومن وجهة النظر النقدية كان على الشاعر المعني بالحداثة تثقيف المتلقين في الأول، وتغيير ذائقتهم أو عتقها في الأقل من ربقة القصيدة ذي الطبيعة الموسيقية، لأنَّ الشعر من حيث الكثافة والاتّساع يتطلّب وعياً ثقافياً عالياً لفهم عوالمه الجوّانية وتفكيك رموزه، وإذا كان المتلقّي يجهل لغته العربية، وهي أساس وجوده أصلاً، فكيف به إذاً أن يفهم الأدب بكونه مزيجاً من المتناقضات يصعب تفكيك أبنيتها بسهولة.. ولا نستبعد أن تُعارضَ (الأنتلجنسيا) بعض ما تنشره الصحافة والإنترنت، وربّما تعارض حتى النشر على صعيد الكتب الشعرية، نحن نتفق مع النخبة من هذه الناحية، ولكن مع الإشارة إلى أن ليس كلّ المنشور لا يندرج في إطار الشعر.
الواقع أنَّ غياب الشعر الحقيقي، مردّه غياب القرائن الشعرية التي تؤلف أهم العناصر في إنتاجه، وخلافاً لذلك تبرز إلى الوجود ظاهرة الانفصام الكبيرة بين النص والمتلقّي، فمنذ الرومانسيين والرمزيين والسرياليين والدادائيين والتكعيبيين والحداثيين يشكو الشاعر من اختلال دلالي ومعرفي وثقافي بسبب عدم التجانس بين الاثنين، وهذه مسألة طبيعية، كما الحال بالنسبة لشعر التفعيلة وكذلك الشعر العمودي.. لا أظنّ أنَّ المتلقي في تلك الحُقب كان يمتلك وعياً عالياً كالشاعر. فالشعر الحداثي نفسه، هو جنس أدبي خالص لنموذج دلالي لا يقبل التفكك، إلاّ ضمن آلية تحليل نقدي تفكيكي أو غير تفكيكي، ونحن نعرف أنَّ هذا الشكل الجديد استطاع أن يحتل بقوة أماكن حسّاسة من الثقافة العالمية، ويفتح إمكانية الجدل والنقاش لمراحل زمنية مختلفة، قد تطول لمائة عام قادمة، لذلك ذهب بعض النقاد إلى تسمية قصيدة النثر بقصيدة العصر الذهبية، لكونها الوحيدة التي حافظت على خصوصيات الشعر الحداثي، وشكله الإبداعي، هناك فرق كبير بين الشاعر الحقيقي والشاعر البسيط، لأنّه من البديهي ليس كلّ شاعر يعتبر مثقفاً، وهذه مشكلة. على الشاعر أن يكون ملمّاً بلغته، ناحتاً لها، مبدعاً بها، ولكن بشرط ألاّ يخرق القاعدة الأساسية، كما فعل بعض الشعراء بحجة أنَّ اللغة هي أداة إيصال فقط، وليس أداة معرفية.
لذلك يتطلّب من الشاعر أن يقرأ في كلّ الأحوال علوم اللغة، والصرف، والبلاغة، والفقه واللسانيات، مثلما يتطلّب أيضاً قراءة الجغرافيا والتاريخ، وعلم الآثار والإركيولوجيا، وعن تاريخ المدن والأنهار الخ.. فعلينا إذاّ أن نجد طريقنا الشعرية، فالفرق واسع الدلالة بين الشعر الحقيقي والشعر (المسفسط) من السفسطة، بكون الأول دلالي والثاني مجرّد نظم لا يخضع لأية ضرورات شعرية.. يفترض أن يكون الشاعر الحقيقي متابعاً حصيفاً لكلّ المعارف والعلوم الإنسانية، مثلما يتطلّب منه متابعة الأجناس الأدبية (الأُخَر) كالرواية، والقصة، وقراءة النصوص المسرحية، وحتى سماع الموسيقى، وإلاّ كيف يسمّي نفسه شاعراً..
لذلك تصبح مسألة التأصيل للشعر أمام العصابية الشعرية اللامسؤولة واردة، ولكننا نرى أيضاً أنَّ فهمنا للشعر مرتبط بإعادة إنتاج النص الشعري، ما دامت اللغة لا تكتسب صفتها من خارجه، وليس النص الشعري وحده، بل الطرائق الشعرية إجمالاً لإيجاد قاعدة أكبر من المتلقين النموذجيين.
* أكّد الشاعر محمود درويش غير مرة بأن " الشعر هو النص الغامض، وهو الشيء الذي لا يُفسّر " ما رأي الشاعر كريم ناصر في ثنائية الوضوح والغموض الشعريين؟ وفي أيّ فضاء يحلو لك أن تزاول فاعليتك الشعرية؟
ـ ما يقوله الشاعر محمود درويش هو عين الصواب، وكما لاحظنا ذلك سابقاً في معظم تصاريح الشعراء الكبار.. أنظر إلى "ملارمي الذي ارتبط اسمه بفكرة الغموض" من دون أن يؤدي ذلك إلى إضعافه، ولنأخذ الجواهري مثالاً أيضاً وهو الأكثر جدلاً، ومعياره يكمن في متانة أداته اللغوية المعقّدة، مع الإشارة إلى وجود القافية والجناس في شعره..
ولكن في رأينا أنه لا يكفي مطلقاً أن نكتب شعراً غامضاً يصعب تفكيكه، قبل أن نحضَّ القارئ على مشاركتنا، وهو يمكن أن يساهم أيضاً في إنتاج المعاني الدلالية، إننا في هذه الحالة أمّنا له علاجاً لشحن مخيلته في إطار عملية جدلية متجسّدة لغوياً وفكرياً ومعرفياً. وهذا بالضبط هو جوهر الفن الشعري الذي يضمن للشعر قيمته العليا بمعنى مُغاير تماماً..
ومن جانب آخر فلن يكون مقنعاً أبداً الحديث عن فكرة الغموض في الشعر، ما لم يرافقه بطبيعة الحال حديث عن تثقيف المتلقّي الذي يهمنا هو في الدرجة الأولى، لكونه قارئاً ضمنياً وليس قارئاً عابراً، وكل ما يخرج عن هذا السياق لا يعبّر إلى حدّ بعيد عن الحقيقة، وكما بيّنا أنه لا يوجد شعر يخلو من الغموض، ولكن ليس كلّ ما يحمل تعبير الغموض نسمّيه شعراً، وإلاّ لاختلف إحساسنا المعياري به كتعبير قوي له خصوصيته الشعرية.
نحن نعلم أنَّ الشعر الدلالي كما يسميّه الشاعر محمود درويش ـ النص الغامض ـ هو الأبقى دائماً، لكننا لا نعلم الشيء الكثير عن الشعر الذي لا يتضمّن التأويل الدلالي، ولا تتّضح سماته اللغوية بالقياس إلى قرائنه من الأجناس التي تسعى لتأصيل نموذجها التقني.
* في قصيدتك الأولى من ديوان " أرخبيل الحدائق " ورد ذكر أكثر من أربعين حيواناً، ونحو خمسة عشر نباتاً، ومثلها من أسماء الجماد. هل يمكن القول إن قصيدتك تنتمي إلى فضاء الطبيعة، وما عليها من كائنات حية وجماد أكثر من انتمائها إلى القصيدة الذهنية، أو التي تنتمي إلى أعماق الكائن البشري على وجه التحديد؟
ـ إنَّ الذي تقوله يؤكد صحة هذا الأمر.. الحقيقة أنَّ لهذه الظواهر اللغوية أهمية كبرى على مستوى التقنية الكتابية في النصوص، وما هذه الوحدات إلاّ تنويع لغوي من تنويعات مختلفة تبدو من الوهلة الأولى غريبة، لكنها في الواقع ليست كذلك.. إننا نعرف أنَّ الإنسان في كلّ الأحوال هو حيوان اجتماعي، والنباتات هي أيضاً مادة الحياة المرتبطة بعالمه الفيزيقي، فالحديث بلسان الحيوانات أو عن الحيوانات مسألة قابلة للجدل، يمكن قبولها ويمكن رفضها بنفس الوقت، بوصفها طريقة من طرائق التعبير الحضارية، لكن مع ذلك لا يمثّل هذا الأسلوب بالضرورة البديل عن الثيمات الشعرية المتولّدة من اللغة الذهنية، غير أنه لا يرفضها أيضاً كمكوّن دلالي يفتح مجالاً فسيحاً للتجوال في فضاء التغريب والفنتازيا، (لتصوير أفعال غريبة) إذا ما قورنت بما هو واقعي يمثل ثمرة التقليد المبتذلة.
وفي صلب هذا الموضوع يمكننا القول إنَّ النص الشعري ليس آلياً إلى هذا الحدّ عندما نقرنه بأحداث الواقع وتداعياته، فالنص الشعري قابل للتشظّي في أية لحظة ممكنة، وهو أكثر انشطاراً من أيّ جنس أدبي آخر من حيث اللغة والصنعة والتأويل..
فالتغريب يعني ضمناً تجسيد المختلف، ويمكن أن يعني أيضاً تصوير المغاير، في حال إذا توفّر العمل الأدبي على أنماط شعرية جوهرية، أو معرفية، أو رؤيوية تأخذ بعين الاعتبار الإبداع قبل كلّ شيء.. إننا نعرف جيداً أنَّ اجتراح الأفعال الجديدة مسألة في غاية الصعوبة، لذلك يتطلّب دائماً جهداً أضافياً في البحث والاستشراف، من أجل خلق بنى تتضمّن معانيَ مختلفة كليّاً عن السائد.
* تحفل العديد من نصوصك الشعرية بتقنية "الأنسنة" أو ما يسمّى بالإنكليزية "personification " مثل "فتق الشارع حذائي، ورمى بأحجاره صوب الشبّاك"، و "بصقت
العواصف" و "يعرقل الصيف المرعى" وعشرات الأمثلة الأُخَر المبثوثة في قصائدك. كيف تفسّر اهتمامك بهذه التقنية الاستعارية، وما هو دورها في كتابة نص شعري مغاير لا ينتمي إلى النصوص السائدة والمألوفة والتي تبدو وكأنها تستنسخ بعضها عن بعض؟
ـ الأسماء الجامدة التي تدل على معنى محسوس "كالأرض والدار والحجر وغيرها كثير، مما نسمّيه اسم ذات الجماد" هذه الأسماء على أهميتها الدلالية غفل عنها شعراء معاصرون لجعلها ظواهر لغوية مهمة، بينما هي في الحقيقة "علامات دالّة على المعنى الحقيقي في أصل نشأة اللغة" كما أنَّ الاسم الجامد: فعل دال يدل على معنى، ولكن يبقى هناك من يفجّره ويشحذه بمخيّلة شعرية عالية، كالجبل/المنارة/ الشجر على سبيل المثال..
إنَّ هذه العناصر تؤلف بنىً حركية لها فحوى استعاري عميق، كما أنَّ إلباسها لباس الديمومة والحركة يعني بمنزلة ضخّ الدم لها، وأنسنتها، واستيقاظها بمكوّن دلالي لتمارس نشاطاً متماسكاً على مستوى الوظيفة الشعرية.. بعض الشعراء لم ينتبه إلى هذه الأوليات وقدراتها، لأنه غير معني بالغوص في بحرانها، معتبرها على حدّ تعبيره حقيقة غير ثابتة..
"والأسماء الجامدة التي تدل على معنى ذهني غير محسوس مما نسمّيه أسماء المعاني أو المصادر التي منها تشتق الأفعال، كالصدف والشجاعة والوفاء" والسعادة والحلم، وهي تمارس فعلها كنماذج فيزيقية حيّة تمتلك مشاعر مشتركة تتحرّك وتموت وتمرض وتعاد إلى الحياة مرة أخرى..ولكن من باب أولى يمكننا أيضاً إطلاق هذه الميكانزمات من أجل التحليق في فضاء تخيّلي أرحب.. من الواقع يمكن أيضاً أن يتحوّل الجامد بفعل إستعاري إلى كائن حيّ فعّال له مزايا الأحياء وإحساسات الإنسان وذلك "كعناصر بنية تتلمّس التأثر والتأثير" ليس كصفة للحركة والوصف والتشبيه، لكن على نحو أكثر بداهة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائي المصري رؤوف مسعد: يجب أن أخرج بقارئي من المألوف المع ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد: أدلِّل النص و- أدلَِعه - مثلما أدل ...
- صباح الفل - لشريف البنداري: الإمساك بالمفارقة الفنية عبر رصد ...
- المخرج التونسي الياس بكار ل :- الحوار المتمدن-: أشعر بأنني ل ...
- الواقعية الجديدة في - العودة الى بلد العجائب - لميسون الباجج ...
- الفنانة فريدة تُكرَّم بدرع المُلتقى الدولي الأول للتعبيرات ا ...
- المخرج ليث عبد الأمير يصغي لأغاني الغائبين
- في باكورة أفلامها الوثائقية - أيام بغدادية -: المخرجة هبة با ...
- عادت - العذراء - و - الصرخة - المسروقة الى جدار متحف مونش
- كتابة على الأرض للمخرج الإيراني علي محمد قاسمي إدانة الإرهاب ...
- درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك - للمخرج الياباني كيسوكي س ...
- غونتر غراس يعترف. . ولكن بعد ستين عاماً
- كاسترو يتنحى عن السلطة مؤقتاً، وراؤول يدير الدكتاتورية بالوك ...
- رحيل القاص والكاتب المسرحي جليل القيسي . . . أحد أعمدة - جما ...
- برئ - ريهام إبراهيم يضئ المناطق المعتمة في حياة الراحل أحمد ...
- الروائية التركية بريهان ماكدن: المحكمة حرب أعصاب، وعذاب نفسي ...
- تبرئة الروائية التركية بريهان ماكدن من تهمة التأليب على رفض ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن -: أعتبر النها ...
- (المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن-: أريد فضاءً ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم للحوار المتمدن :أحتاج الصدمة لكي ...


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الشاعر العراقي كريم ناصر ل - الحوار المتمدن -: الشعر يستدعي المغامرة، ولا أحد يزعم امتلاكه- لغة صافية