أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العرجوني - قراءة في نص: لا أشجار مثمرة..















المزيد.....

قراءة في نص: لا أشجار مثمرة..


محمد العرجوني
كاتب

(Mohammed El Arjouni)


الحوار المتمدن-العدد: 8031 - 2024 / 7 / 7 - 22:50
المحور: الادب والفن
    


لا أشجار مثمرة أرميها
بحجارتي كما اعتدتُ أن أفعل.
الأشجار العارية من باب الله حتى باب قلبي، أضعف من أن تُرمى بحبة بندق!
و في كل حال، عليّ ادخار البندق لفصل العزلة و الحجارة
لما بعد الهدنة !
.
في حال لم ألحق بناري، أو أني لم أتمسك جيداً بحمم بركاني
على الأقل سأصير تربة سوداء غنية و قد تنبت تحت جلدي أشجار مثمرة
و عندها!!
لن أضرب نفسي بحجر بل بنيزك الشعر اللاهب!
.
ما يفور تحت عنقي
شتاء هربتُ منه لأحتمي بعراء أقسى و أشد إنهاكاً!
.
ما يختمر الآن من " خلق " أكيد بين العينين
أقرب من تفاحة آدم إلى عنقه و من تفاحة نيوتن لفكرة جنونية.
.
ليس عليك يا غائب الرؤى، أن
تعترف بالرعد و البرق في شعري..
بل أن تصير أنت كل ما يلي
من أمطار !
نص للشاعرة السورية: مريم الأحمد

ما يغري في هذا النص هو نمط بنائه الذي يستدعي في نظري، لمقاربته، نظرية التلفظ كما نظر لها اللساني إميل بنفنيست. وفي نفس الوقت لن تزيدنا هذه المقاربة إلا اهتماما باللغة التي إشتغلت بها الشاعرة عفويا أو إشتغلت عليها في عملية التنقيح المفترضة، وذلك على ضوء بعض من الوظائف التي حددها اللساني رومان ياكوبسون، وخاصة الوظيفة الشعرية منها.
فلدينا اذا كل مكونات التلفظ:
من متلفِّظ أو مرسِل إلى مرسَل إليه في سياق سوف نكتشفه أثناء تقدمنا في قراءة النص. وهي العناصر التي سوف نتطرق إليها تباعا لنتعرف عليها بصفتها مكونات النص وفي نفس الوقت لاستخراج منها ما قد يفيدنا في فهم الرسالة مع وضع الإصبع على ماهية النص الشعرية.
أما بالنسبة للعنصر الأول فضمير المتكلم لا يترك أي مجال للشك في تحديد المتلفظة. يوجد متصلا في كل ملفوظ، إما بالفعل : "أرميها" ، "كما اعتدتُ ان أفعل"، "لم ألحق"، " لم أتمسك"، الخ... أو بالإسم: "بحجارتي"، "باب قلبي"، "بناري"، "حمم بركاني" إلخ... أو بحرف جر: "عليّ ادخار"، أو حرف نصب: "أني لم أتمسك"إلخ... وهو ما يدل على أن الملفوظ تحت هيمنة المتلفظة، وهذا طبعا من خصائص النصوص السيرية أو الوجدانية التي تتمركز حول الذات، ومنها تنطلق نحو العالم الذي يأويها في علاقة تفاعلية وحسية معه، تتطلب خطابا شعريا يتسم بجمالية قد تشد المتلقي كما هو حال هذا النص. فإذا تحدثنا عن الهيمنة، من غير ذكر المرسل إليه مباشرة مع انطلاق الخطاب، فلأن ذلك في اعتقادي اختيار إرادي للمتلفظة، وراءه هدف معين تسعى إلى تحقيقه الشاعرة. فهي تبدو وكأنها تريد غمره بما يسمى في المسرح ب"دش" الإنارة لتسلط عليه "الضوء"، وتفرزه للمتلقي، وهو ما نستشفه في المقطع الأخير، حيث تقول:
" ليس عليك يا غائب الرؤى، أن
تعترف بالرعد و البرق في شعري..
بل أن تصير أنت كل ما يلي
من أمطار !"
فبعد أن كان ضمير المخاطب متصلا بحرف الجر :" عليك"، ومتصلا بالفعل :" تعترف" ، "تصير"يصبح منفصلا تحت "إنارة الدش": "أنت" ، رغبة منها في عزله شخصيا، فوق "ركح" الفقرة الأخيرة التي جاءت كقفلة ممتازة للنص، توحي بأمل في إحياء ما قضى عليه الجفاف، كما سوف نرى، ولو بزخات أمطار، رغم ما قد تتسبب فيه من "فيضانات"، لأنها وليدة رعود وبرق.
بعد أن حددنا عنصري التلفظ، المرسل والمرسل اليه، بقي لنا أن نحدد سياق التلفظ. ولهذا السياق دفتان : سياق زمني وآخر مكاني. وبما أننا في حضرة نص /ملفوظ ينتمي للشعر، ما يجعل هذا التحديد صعبا، ليس أمامنا سوى أن نستنبط أولا السياق الزماني الداخلي، أي زمن التلفظ (وليس زمان نشرالنص الذي تشير إليه صفحة الفيس بوك)، في غياب إشارات واضحة تدلنا عليه. عدا أنه لدينا ظرف زمان: "الآن" في قولها: " ما يختمر الآن من " خلق " أكيد بين العينين ". إلا أن هذا الظرف يبقى مبهما و لا يحيل زمانيا، إلا على لحظة التلفظ هذه، غير المعروفة بدقة. كما يمكن لنا استعماله أمام مقطعين أخريين: "(الآن) لا أشجار مثمرة..."، و "(الآن) ما يفور تحت عنقي...". ما عدا هذا، لم يتبق لنا إلا فك رمز الشيفرة من خلال بعض المؤشرات اللغوية التي تصبح رموزا دلالية يمكن الاستناد عليها.
وهكذا قد نستنبطه من أول إشارة في البيت الأول : "لا أشجار مثمرة..."، لنستنتج حسب المدلول، بأن المرجع الزماني هنا يحيل على فصل الخريف حيث تثمر أغلب الأشجار، والتي لم تثمر نتيجة للجفاف ، كما سبق الذكر. أو ربما لظروف أخرى قاهرة. ثم هناك الإشارة أيضا إلى " البندق" وهو نوع من المكسرات التي يتم جنيها أيضا في الخريف. وأخيرا لدينا إشارة ثالثة للزمان في هذا المقطع:
"... عليّ ادخار البندق لفصل العزلة و الحجارة
لما بعد الهدنة !".
فكلمة "فصل" تحيل على ربع الحول المقسم إلى أربعة فصول. إلا أن كلمة "فصل"، عوض أن تشير إلى الزمان كالمعتاد، أصبحت تحيل على حالة نفسية قد تكون مفروضة، معبر عنها ب: "العزلة"، التي قد تأتي بعد شجار أو صراع إلخ..، مادامت هناك الإشارة إلى "هدنة". ثم ما يثير انتباهنا أيضا، بما أن "الهدنة" و "العزلة" و "الحجارة"، كلها تصب في اتجاه هذا الشجار أو الصراع، أي حالة غير طبيعية ولا تعرف استقرارا سلميا، قد تحمل حكاية مسكوتا عنها، تعطي لهذه الكلمات الثلاث، رغم اختلافها كدوال، نفس المدلول، أي نفس "الفصل". لتصبح العزلة فصلا، والحجارة فصلا، والهدنة فصلا، وكأن اللغة هنا فقدت سمتها الأولى فأصبحت الدوال الثلاثة هو المدلول الزماني نفسه، بما أنها مرتبطة بالإضافة، بكلمة "فصل"،لنقول مع الشاعرة بأن الزمان هنا هو "فصل العزلة والحجارة" ثم "فصل الهدنة".
هذا فيما يخص السياق الزماني. فماذا عن السياق المكاني أو الفضائي؟
انطلاقا من أول بيت دائما، وحديث المتلفظة عن "الأشجار التي لم تثمر"، نتيجة لظروف ما، فهذه الأشجار تحيلنا على أرض مغروسة، قد تكون غابة طبيعية وقد تكون حديقة أو مزرعة. وإظافة إلى هذا، هناك أيضا إشارة بالمعنى الواضح إلى المكان حيث تقول بصيغة شاعرية عفوية، قد تبدع بالمتلقي الذي لا يعرف بأن "باب الله"، إسم قرية بمنطقة أريحا بمحافظة إدلب بسوريا: " الأشجار العارية من باب الله حتى باب قلبي". فيصبح الفضاء محددا، مساحته تمتد من القرية: "باب الله" وهي قرية معروفة بأشجارها المثمرة التي أصبحت عاقر (لظروف ما)، إلى "باب قلب الشاعرة". وكأننا هنا أمام مدخل "قرية الشعر". وهو ما يفسر شعرية النص الناتجة عن تفاعل المتلفظة مع فضائها. إلا أن هذه "القرية"، خلافا لباب الله، مثمرة وقد تعوض هذه الظروف الصعبة التي تعرفها القرية. وهروبا من مساحة أشجار عارية، لم تعد تثمر، فباب قلب الشاعرة مفتوح، وما وراءه مساحة مثمرة شعرا. وهكذا بعد أن سيجت الفضاء الخارجي القاحل، فتحت أمام المتلقي فضاء بداخلها معوضة هكذا هذا الفضاء الخارجي الذي اعتادت أن تسقط ثمار أشجاره برميها بأحجار كما يفعل غالبا الأطفال، في زمن الخصوبة الذي قد ولى، بفضاء آخر، هو هذا النص/الفضاء/الشجر المثمر شعرا، لينعم المتلقي برحابة شعرها ويستعيد طفولته بجني ثماره. هكذا حققت اللغة هذا التفاعل بين الذات المعبرة والفضاء الذي تعيش فيه الذات، من خلال تقنية الموازاة بين "باب الله" و "باب القلب"، لنستشف أربع وظائف للغة في نفس الوقت، كما تحدث عنها اللساني ياكوبسن، وهي الوظيفة الإخبارية (إسم القرية)، والانتباهية (تتمثل في إلحاق بعض الكلمات بعلامة التعجب) والتعبيرية، والشعرية.
أما فيما يخص طبيعة الملفوظ، فهو يتميز بخاصية الخطاب، حيث المتلفظة حاضرة بقوة، كما سبق الذكر، عبر استعمالها ضمير المتكلم وأفعال المضارع مع الإشارة الزمانية للحظة التلفظ، كما سبق الذكر :"الآن"، في قولها: "ما يختمر الآن من "خلق" بين العينين". وبطبيعة الحال أيضا بمخاطبتها متلق تعرفه جيدا بأنه "غائب الرؤى". إلا أن هذا الخطاب الذي يبدو طاغيا على صيرورة النص، تنتابه بعض اللحظات السردية التي يمكن لنا بفضلها استشعار حكاية من خلال تذكرها عملية رمي الأشجار المثمرة، كما سبق لنا أن أشرنا إلى ذلك، وهي تقول:
" لا أشجار مثمرة أرميها
بحجارتي كما اعتدتُ أن أفعل".
ولو أن الحكاية غير واضحة المعالم، وربما المراد من ذلك هو إثارة شغف وفضول المتلقي بشكل عام، والمخاطب، "غائب الرؤى"، بشكل خاص، كي يجتهدا لاستخراج الحكاية المسكوت عنها. إضافة إلى هذا فإن النص /الملفوظ ينتمي إلى جنس الشعر النثري، وبطبيعة الحال ليس دوره أن يسمي الأشياء ويسرد الحكاية من بدايتها إلى نهايتها كما هو معروف في النصوص السردية، والإخبارية إلخ...وإنما دوره هو الإيحاء حتى يحافظ على هيبته الشعرية.
هكذا نعتقد بأننا قمنا بتحليل لساني لهذا النص، حيث راعينا كل ما يجعل منه نصا ملفوظا كما عرفه إميل بنفنيست.
فماذا عن الرسالة المراد إيصالها؟
أكيد أن ما يهدف إليه التحليل التلفظي، مادام يشتغل في نطاق التواصل بين المتلفظ والمرسل إليه أو المتلقي، هو التمكن من ضبط الرسالة المراد إيصالها. وهو ما سنحاول التوصل إليه. لكن لابد من إعادة التذكير بأننا لسنا أمام نص إخباري أو سردي حيث يسود منطق التواصل. إننا أمام نص "شعري نثري"، كما سبق للمهتمين بتسميته بهذا المصطلح الهجين والذي استعمله فقط لأنه متداول، ولست مقتنعا به. وقد سبق لسوزان برنار، الباحثة في قصيدة النثر أن اعتبرتها بمثابة نص نثري يشكل وحدة كاملة متميزا ب"الاعتباطية"، حيث غايته ليست سرد قصة ولا إيصال معلومة، لكن هدفه هو البحث عن المفعول الشعري. ومع ذلك نحاول فك شيفرته ما دمنا كلنا "آكلي المعاني" (sensivores)، كي نشبع حاجتنا إلى المعنى.
الفكرة المحورية التي تبدو للعيان هي فكرة العنف التي تقودنا إليها مجموعة من الكلمات والتعابير: " أرميها بحجارتي"، " تُرمى بحبة بندق"، " ادخار البندق لفصل العزلة و الحجارة لما بعد الهدنة !"، " ألحق بناري، "أو أني لم أتمسك جيداً بحمم بركاني"، " لن أضرب نفسي بحجر بل بنيزك الشعر اللاهب!"، " ما يفور تحت عنقي"، " هربتُ منه لأحتمي بعراء أقسى و أشد إنهاكاً!"، " تعترف بالرعد و البرق في شعري"، "تصير أنت كل ما يلي
من أمطار !".
كل هذه التعابير لا تخلو من مدلول العنف. إلا أن هذا العنف يختلف من مقطع إلى آخر:
فالحجارة التي تُرمى على الأشجار، في المقطع الأول، عنفها طفولي النزعة، وهدفه الحصول على الثمار التي تثير شهية المارين، وخاصة شغب الأطفال منهم. وهو ما يثير خيالنا لنسرد حكاية الأطفال في هذه الحالة مع الأشجار المثمرة، وربما الشجار مع مالكي الأشجار.
أما المقطع الثاني، فنجد أنفسنا أمام عنف داخلي، وهو شعور خاص بالمتلفظة، وتعبير عن ثورة داخلية. لكن ما يثير انتباهنا، وهذه من مزايا التحليل اللساني لظبط الرسالة والتواصل، هو تركيب المقطع :
"في حال لم ألحق بناري، أو أني لم أتمسك جيداً بحمم بركاني
على الأقل سأصير تربة سوداء غنية و قد تنبت تحت جلدي أشجار مثمرة
و عندها!!
لن أضرب نفسي بحجر بل بنيزك الشعر اللاهب!"
قد لا ينتبه المتلقي لخاصية حرف الجزم : "لم". إضافة إلى الاحتمال الشرطي المعبر عنه ب:"في حال". نعرف مبدئيا أن "لم"، تنفي وقوع الحدث في الماضي، ما يعني أن المتلفظة لم تلحق بنارها ولم تتمسك بحمم بركانها. لكن بإظافتها الاحتمال الشرطي: "في حال"، نستنتج بأنها متيقنة بلحاقها بنارها وتمسكها بحمم بركانها. لكنها تنطلق من احتمال شرطي، يفيد باعترافها تجاوزا، بهذا المعنى الآول، بهذا التلفظ الحجاجي، لهذا استعملت "لم" النافية لوقوع الحدث في الماضي. حيث نستخلص بأن المتلفظة تنطلق مما هو مضمر وما يدخل في حكاية مسكوت عنها، مفادها انها مقتنعة بلحاقها بنارها ومتمسكة بحمم بركانها، خلافا لما يُحتمل أو يُعتقد أو يُعاب عليها من قبل "الآخر" الذي لن يكون سوى ذلك "الغائب الرؤى" وهو المتلقي الأساسي. لهذا تلعب "لم" دور "لن" لتعبر عن نفي في المستقبل وليس الماضي، ما ينفي ما يشاع ضدها، ونحن في هذه الحالة أمام منطق المعنى وليس منطق النحو. خاصة وأن جواب هذه الاحتمالية الشرطية يفيد بالوضوح بأن الأمر يتعلق بالمستقبل، وهو ما يبرر فهم "لن" وليس "لم"، حيث تقول:
" على الأقل سأصير تربة سوداء غنية و قد تنبت تحت جلدي أشجار مثمرة
و عندها!!
لن أضرب نفسي بحجر بل بنيزك الشعر اللاهب!".
فالمستقبل هنا معبر عنه ب:" سأصير"ثم "لن أضرب نفسي". ورغم هذا الوضوح، قد نجد أنفسنا في متاهة التأويلات نظرا لغياب "الحكاية" التي يطغى عليها الخطاب كما سبق الذكر، وهذه أيضا من مزية الوظيفة الشعرية للغة. كما نلمس تواضع المتلفظة بقولها "على الأقل"، حيث تعتبر ما تقوم به من ثورة "بنيزك الشعراللاهب"، قد يكون أقل أهمية من ذلك اللحاق بالنار والتمسك بحمم البركان، تاركة "لغائب الرؤى" تلك المزية. هكذا تحيا من ترابها الأسود، كما يحيا الفينيق من رماده، لتكون شاعرة /شجرة، لتثمر نيزكا من الشعر.
ثم نجد هذا العنف متواصلا في الفقرة الثالثة، حيث تقول:
" ما يفور تحت عنقي
شتاء هربتُ منه لأحتمي بعراء أقسى و أشد إنهاكاً!"
إلا أن هذه المرة فإن العنف تحول إلى فوران، ليس باردا كما قد نفهم من "شتاء"، وإنما هو نتيجة ضغط قوي حول البرودة/عدم الاهتمام/الهدوء السلبي/الخمول إلى فوران. ما دفعها إلى الهروب من أجل الاحتماء. فتفاجئنا مرة أخرى بعنف طبيعي يمارس ضدها، مادم هذا الاحتماء يتم "بعراء أقسى وأشد إنهاكا"، ليتضح جليا بأن الهروب من الذات التي تتعرض إلى ضغوط، لن تجد الهدوء ولا الحماية.
لتخلص الشاعرة إلى الكشف عن نفسيتها والبوح بما يحدث داخلها، وتخبرنا بأن:
" ما يختمر الآن من " خلق " أكيد بين العينين
أقرب من تفاحة آدم إلى عنقه و من تفاحة نيوتن لفكرة جنونية."
لنجد أنفسنا أمام تحول للشاعرة. تحول تشبِّهه بما هو أسطوري/ديني وفيزيائي، انطلاقا دائما من الثمرة، لتكون هذه المرة ثمرة التفاحة. لتصبح الثمرة عند الشاعرة "خلقا" بين العينين، من غير تحديد لماهية هذا الخلق، والذي نفهم منه بأنه "الإبداع"، الشعري بالأخص. هذه هي ثمرة الشاعرة. فإذا كانت تفاحة آدم بارزة على عنقه، وبها يتميز، وكانت تفاحة نيوتن وراء فهمه لظاهرة الجاذبية، وهي النظرية التي يتميز بها أيضا، فلها هي كذلك ما يميزها. لها "تفاحتها"/ "خلقها"/ شعرها الذي جعلته بين العينين لتظل هكذا حارسة أمينة عليه ولن تحيد عينيها عليه. وبقولها "بين العينين"، قد تكون أمتحت من اللغة الشعبية التي، حينما يريد شخص ما التعبير عن الحفاظ على ما هو أغلى لديه، ومراقبته، فهو يستعمل هذه العبارة "بين العينين"، كقوله: "انت بين عيني".
وأخيرا هناك عنف لفظي وجهته المتلفظة إلى مخاطبها، الذي قد يكون شخصا، وقد تكون جماعة حتى وإن كان الضمير "أنت"، يحيل نحويا على شخص واحد، إلا أن مدلوله في نص شعري قد يعود على مجموعة أشخاص كقولنا: "أنت ايتها الطائفة" أو "أنت أيها الشعب" إلخ... ويتجلى هذا العنف في هذه العبارة: "غائب الرؤى"، بالفقرة الأخيرة:
" ليس عليك يا غائب الرؤى، أن
تعترف بالرعد و البرق في شعري..
بل أن تصير أنت كل ما يلي
من أمطار" !
فبعد أن توجه له هذا "الشتم/اللوم" الشعري، مفتخرة برعد وبرق شعرها الذي نفهم منه أن هذا "الأنت"، لا يعترف به، تبوح بما تنتظره منه كفعل عملي وتطلب منه، إن لم يكن هنا تحد منها له أن يصير أمطارا بفضل شعرها ويهطل بغزارة ليحقق الفيضان أو الطوفان الذي قد تتمناه كي تتحول الحياة وتثمر الأشجار من جديد بين "باب الله وباب قلبها".
بعد هذه المحاولة في التقاط الإشارات اللسانية بناء على نظرية التلفظ لضبط الرسالة بين المتلفظة والمتلقي، وهو ما جعلنا أيضا نلتصق بوظائف اللغة، خاصة البعض منها، كالوظيفة التعبيرية والوظيفة المرجعية والوظيفة الرئيسية لهذا النص، وهي الوظيفة الشعرية، كما أشرنا إلى ذلك، في عدة مناسبات، نختم هذه المقاربة بهذه القولة للكاتب الروسي دوستويفسكي، لما لمسناه من ألم منسوج بدقة في هذا النص:
" الأفكار تنشأ من الألم، والألم ينادي الأفكار، فإذا كان الإنسان سعيداً لم يُفكِّر قطُّ ".



#محمد_العرجوني (هاشتاغ)       Mohammed_El_Arjouni#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقييم بانفعالية كاسرة
- السياسة مصالح وليست مبادئ
- الحرب من أجل امتلاك النار la guerre du feu
- هل يظل الوعي حبيس كهف أفلاطون؟
- الفيس بوك يسمح بتسييج أروقة خاصة
- الناصح المغفل
- المرآة والوضعية الاندماجية
- هذي يدي..
- رسالة إلى جدي آدم ( آخر حلقة 3)
- رسالة إلى جدي آدم (2)
- رسالة إلى جدي آدم
- ديكتاتورية الأقلية
- من الإنسان العاقل إلى الوحش الكاسر
- فزاعة فوق رأسي
- الديمقراطية أصبحت خردة
- القضية الفلسطينية بين الخذلان والخنوع
- مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري  قراءة في بعض قصائد الشاعرة ...
- مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري  قراءة في بعض قصائد الشاعرة ...
- مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري  قراءة في بعض قصائد الشاعرة ...
- مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري  قراءة في بعض قصائد الشاعرة ...


المزيد.....




- بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
- وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما
- فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..‏إما أن نَنتَصر أو ن ...
- مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
- خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و( ...
- -من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا ...
- إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص ...
- رحال عماني في موسكو
- الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج ...
- أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العرجوني - قراءة في نص: لا أشجار مثمرة..