أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - درباس إبراهيم - التعبير الصامت في الزمن الصاخب!














المزيد.....

التعبير الصامت في الزمن الصاخب!


درباس إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8030 - 2024 / 7 / 6 - 16:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


درباس إبراهيم 


يمكننا تعريف التعبير الصامت بالقول: إنه فن وممارسة ذكية تتيح للأفراد والجماعات التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم من دون اللجوء إلى الكلمات. إن في عصر السرعة الحالي، حيث يرتفع صخب الحياة، وتنتشر الحروب والصراعات، وتتنوع المنصات الإعلامية التقليدية والمبتكرة، وتتسارع وتيرة الاتصالات، يبرز التعبير الصامت كلغة فنية وشخصية قيمة تنطق بصمت، وتترجم المشاعر والأفكار دون الحاجة إلى الاستعانة بالكلمات الرنانة والجمل البراقة. إنه لغة هادئة، لغة النظرات العميقة، واللمسات الخفيفة، والإشارات الذكية والحركات الساحرة التي تعبر عن الحب و الكره، والحزن والفرح، والخوف، والأمان، والرفض والقبول بطريقة تتجاوز حدود اللغات المنطوقة.


إنّ لكل أمة على أديم هذه الأرض لغتها الخاصة التي قد تختلف عن لغات الأمم الثانية، لكن التعبير الصامت يكاد يكون هو اللغة المشتركة بين الأمم كافة. إنه لغة موحدة تربط بين الثقافات والأجناس المختلفة، وتنقل المشاعر بعمق بلا حدود. علاوة على ذلك فإن التعبير الصامت قد يكون أكثر سهولة ودقة وصدقاً وتأثيرا في توصيل المشاعر من الكلام المنطوق، حيث يمكن أن يكون التعبير الجسدي، والألوان، والإيقاعات الموسيقية، والرسوم الكاريكاتورية أكثر إيحاءً وعمقاً في التعبير عما يشعر به المرء.


بلا شك هنالك أمثلة كثيرة عبر التاريخ البشري تبين لنا أهمية وقيمة هذا الفن في تمرير الرسائل المرجوة، وفي مختلف مجالات الحياة الإنسانية. فعلى سبيل المثال، استخدم نيلسون مانديلا ورفاقه التعبير الصامت كأداة للضغط والاحتجاج على ما يعانيه السجناء السياسيون من معاملة سيئة وظروف قاسية في سجن " روبن أيلاند" فبدلا من الصراخ والعنف قرر مانديلا وزملاؤه إضرابا عن الطعام لمدة ثلاثة أسابيع، أجبروا من خلاله سلطات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا على تلبية مطالبهم، وتحسين الأوضاع داخل السجن، ولفت انتباه العالم إلى قضيتهم. هذا التعبير رغم أنه كان صامتا إلا أنه كان صاخبا في آذان القائمين على السجن.


وعلى الطرف الآخر كان الصمت هو جزء من فلسفة واستراتيجية غاندي في نضاله غير العنيف ضد الاستعمار البريطاني في الهند. حيث غالبا ما كان يلجأ إلى الإضرابات والصيام بدلا من العنف اللفظي أو الجسدي في مواجهة ظلم الاستعمار البريطاني آنذاك، وبفضل فلسفته وجهوده، تحقق استقلال الهند عن التاج البريطاني في عام ١٩٤٧.


إضافة إلى ذلك، فإن القطعة الموسيقية المييزة "ضوء القمر" لبيتهوفن هي مثال رائع على التعبير الصامت بدون كلامات. يأخذك بيتهوفن في هذه التحفة الموسيقية إلى عالم هادئ يغوص من خلاله في مشاعرك. فعندما تستمع إلى هذه المقطوعة ستشعر أنك تحلق في السماء. حيث يغطس بيتهوفن في أعماقك وينقلك من بيئة الفراغ التي تعيشه إلى بيئة الرقة والهدوء، ثم الحزن والغموض، ثم الرومانسية والترقب، وانتهاء بالتأمل. إنها قطعة فريدة تدغدغ المشاعر والانفعالات الإنسانية دون الحاجة إلى الكلام.


وعند الحديث عن هذا الفن لا يمكن لنا أن نتجاوز إبداع الرسام الإسباني  بارتولومي إستيبان موريللو في لوحته الشهيرة " المتسول الصغير" . في هذه اللوحة يأخذ بارتولومي يد المشاهد ليريه مأساة هذه الطبقة الفقيرة المسحوقة، حيث يظهر في اللوحة طفل فقير يرتدي ثيابا رثة، ويعصر صدره بإبهاميه لانتزاع حشرة القمل، والتعب والانكسار يخيمان عليه، إنه مشهد تراجيدي يجذب الانتباه ويثير الشفقة والتأمل، ويجبر المشاهد على التعاطف مع هذه الطبقة البائسة. لكن رغم قساوة هذا المشهد، فإن موريللو يسرب الأمل، على شكل ضوء  الشمس، عبر النافذة ليضيء ظلمة المكان ووجه هذا الطفل المنكسر. وفي هذه اللوحة يقدم الرسام الإسباني الطفل الفقير كممثل مسرحي يقف على خشبة المسرح أمام ملايين الناس، ويسلط الضوء عليه ، لكي يحكي للناس عن معاناته ومعانة طبقته الفقيرة. نعم إنها لوحة صامتة في مظهرها الخارجي، لكنها في مضمونها تكلمت و أوصلت الرسائل التي أرادتها من دون أن ينبس ببنت شفة.


وفي الكوميديا، استطاع كل من مستر بين( روان سيباستيان أتكينسون)، وتشارلي تشابلن(تشارلز سبنسر تشابلن) اضحاك ملايين البشر عبر العالم من خلال لغة الجسد دون الحاجة إلى الكلام، أو الثرثرة . لذلك يقال إن  الصمت هو لغة العظماء.


إذن في النهاية يمكننا القول إن صدى التعبير الصامت، الذي يتخذ أشكالا مختلفة، يمكن أن يكون أحيانا أقوى من صدى الكلمات. إنه أداة مهمة للتواصل بين الأفراد والجماعات، ووسيلة فعالة للتعبير عن المشاعر والأفكار دون الحاجة إلى الكلام اللفظي. كما أنه يتجاوز حواجز اللغة ليصل إلى المتلقي أو المشاهد بسهولة تامة. ويمكننا استخدامه في مختلف مجالات الحياة. بلا ريب إنه عنصر سلمي مهم للتواصل بين الثقافات والأجناس المختلفة.



#درباس_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يتحول المستشار العراقي إلى طبّال!
- العلاقة بين السوداني والكردستاني!
- الخلافات الكردية، والقلق الأمريكي!
- السلطة العراقية الرابعة الفاسدة!
- الصراع الكردي_الكردي على رئاسة الجمهورية!
- الإعلام الكردي الحزبي ومعضلة المهاجرين!
- الصدر والإطار التنسيقي وإيران !
- هجرة شباب إقليم كردستان إلى أوروبا!
- إقليم كردستان، أزمات كثيرة وحلول عقيمة!
- حلبجة ما بين الفاجعة والإهمال!
- جو بايدن والقضية الكردية!
- الكاظمي في ١٠٠ يوم!
- أرنب السباق، وأرانب الأحزاب !
- الحرب العالمية الثالثة بين كورونا و البشرية !
- د.برهم صالح، والمحور الإيراني في العراق!
- جغرافية كردستان !
- كردستان، بين نار أميركا وإيران!
- إيران خسرت سليماني، لكن ماذا كسبت؟
- السلطة العراقية الرابعة الفاسدة !
- كردستان ملاذ الخائفين !


المزيد.....




- السعودية.. وزارة الداخلية تعدم شخصا تعزيرا وتعلن عن اسمه وما ...
- الدفاع الروسية: العدو خسر 400 جندي على محور كورسك خلال يوم
- في ذكرى حرب 6 أكتوبر.. علاء مبارك يذكر بدور العرب في دعم مصر ...
- وزير النفط الإيراني -غير قلق- وسط التهديدات الإسرائيلية
- محمد بن سلمان وكوشنير: دعم مالي كبير يستثمره صهر ترامب في إس ...
- فيضانات موسمية في تايلاند: غرق أفيال واختفاء العشرات وعمال ا ...
- تقرير إعلامي يكشف معلومات عن مصير -خليفة- نصرالله
- مراسلتنا: الدفاعات الجوية السورية تتصدى لأهداف معادية في أجو ...
- الجعفري يؤكد تقديم سوريا طلب انضمام إلى مجموعة -بريكس-
- سجل العملية العسكرية الخاصة: تحرير بلدة جديدة في دونيتسك وإص ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - درباس إبراهيم - التعبير الصامت في الزمن الصاخب!