أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - محطة وقود














المزيد.....

محطة وقود


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 8030 - 2024 / 7 / 6 - 11:28
المحور: الادب والفن
    


وسط الضباب، الذي غطى محطة الوقود، بين العجلات الخاصة والعامة وباصاتِ النقل القديمة،
من بين ضجيج الباعة المتجولين وأصواتهم التي لا تبحّ وهي تعلن عن بِضاعتها الرخيصة،
ظهر لي!.
الآن أقف على أعتاب الحقيقة، التي كنت أرفض الاعتراف بها.
لا زلت أتذكر تفاصيل ذلك اليوم. المدارس أغُلقت أبوابها عند حلول العطلةِ الربيعية، هذا يعني مزيدًا من اللهو، مزيدًا من اللعب!.
وأنا أحاول مسح الضباب عن المرآة، رأيته مخرجًا رأسه من نافذة سيارته.
شعرت بالدماء تشتعل تحت قدميّ كأني أجلس فوق آتون حارق .. قلت لنفسي بصوت مسموع:
إنه هو، أنا متأكدة!.
لحظات مرتْ .. شعرت ببوادر اكتئاب عادت إليّ.
سيطر عليّ الخوف معتصرًا قلبي كأني أعيش المشهد من جديد!.
وجدت نفسي تتأرجح بين مشاعر متناقضة، لملمت الفوضى داخلي، تذكرت نصيحة طبيبي النفسي في التنفس بعمق للتخلص من أي توتر يصيبني. لم تمر عليّ لحظة سابقة من حياتي أحسست فيها بحاجتي للتوازن كما الآن!.
عليّ أولًا إسكات الصوت، الذي بدأ يصرخ في أعماقي يأمرني بالتغاضي ومواصلة السير.
منحت المرأة، التي تسكنني جرعة من الشجاعة!.
فجأة، دون خوف، ترجلتُ من سيارتي، زررتُ معطفي وأحكمتُ وضع الشال حول رقبتي.
انتظرتُ هذه اللحظة وكتبتُ لها آلاف السطور.الآن أجد الكلمات تتطاير من فمي، تتبخر من خيالي مثل هذا الضباب.
تقدمت خطوة باتجاه سيارته الواقفة خلف سيارتي مباشرة، تساءلت: هل سيتذكر تلك الطفلة، التي حاولَ إضحاكها بحركات بهلوانية، بينما هي تغص بالبكاء؟. ظنّ أن لوحًا من الشكولا كافٍ لتنسى ما جرى لها.
هذهِ المرة وضع نظارة صغيرة إطارها مذهب بينما كان دونِ نظارات.
ما زالتْ نظراته كذكراه، تخترق الزمن بلا ضجيج لتهوي بمطرقة الخوف على صدري.
أصبح شعره رماديًا، الذي علق في ذاكرتي كان كثيفًا أسود. ربما أسنانه بيضاء كما رأيتها أول مرة.
قادتني قدماي وأنا في العاشرة من عمري للدخول إلى منزله، إذ لم يُسمح لي وقتها بالاختلاط إلّا مع بنات الجيران.
كانَ هو أخًا لثلاث بنات يقاربنني في العمر، وجدت في اللعبِ معهن الجنة التي تلفني وتطويني.
أخذ القدر يحفر لي خندقًا حولها ويشعل النيران تحت قدميّ.
كثيراً ما أسأل نفسي ماذا لو أنني لم أقمْ بتلك الخطوة؟.
ماذا لو أن شيئًا منعني من دخول بيته ذلك اليوم لأبقي على الروح والجسم معًا؟.
ماذا لو تحولت الإشارات الإلهية إلى حواجز تعجز سنيني العشر عن عبورها؟.
ماذا لو سقط القَدر من فوق جسرِ ليتركني أسير بقامة مستقيمة طوال عمري؟.
ليست الأسئلة من تثير الحزن، بل الإجابات هي التي تجعلني أكثر إحباطًا فأمضي إلى الحزن الكامن فيّ.
رفعت قدمي عن الأرضِ استعدادًا للخطوة الثانية. أدخلت كفي في جيبِ معطفي، ليس فقط لأحميهما من البرد، بل لأخفي الرعشة التي اعترتهما.
شعور بالصقيع تمكن مني، حينما تذكرت ذلك النهار عندما استقبلتني عيناه بفرح وكأنه عثر على كنز كبير، فأحكم غلق الباب عليه.
وهو يمسك بدميتي، شدني إليه بقوة ، وحين سألني عن اسمها، ترك ضحكةً رنانة للموت على شفتي.
الخطوة الثالثة نحوه جعلتني أحتسي بقايا وحدتي وأمضي بطريقي اللانهائي أحمل ألم الذكرى دون عزاء تاركة قدري للقضاء.
حين مد يده ليخلع عني سروالي الداخلي كنت أبحر مع طفولتي بقارب من ورق ولم أرسُ إلا على شاطئ من ذكريات مؤلمة. رأيت ظلي يتمدد، لكن لم ألمح السقف فوقي، وجهه غطى على كل شيء.
الخطوة الرابعة وجدتني أقف قربه. حمل إليّ الهواء رائحته، الذي امتلأت به ذاكرتي منذ ذلك النهار، فعبر بي إلى زمن فقدت فيهِ لحظة عودتي للطفولة لتختلط بعدها عليّ المواسم.
منذ تلكَ اللحظات، لم أعد أملك سوى قلبًا للغروب فقط!.
حدق إليّ بدهشة. نظراته أخبرتني أنه تذكر كل شيء.
كيف صفعني عندما حاولت الصراخ ثم أمسك ذراعيّ بقوة، فسكتُ خوفًا ليغتصب ما تبقى لي من السنين ويهرب.
في هذه اللحظة، التي التقتْ فيها نظراتنا، ستكتب لنا الظلال ذاكرة جديدة.
فكرت في صفعه.. اقتربت أكثر من النافذة حتى لامس معطفي سيارته، هالني ما رأيت!. تراجعت خطوة للوراء كردة فعل طبيعية لمنظره جالسًا بقسمه العلوي، بساقين مبتورتين وقد حلت المعادن دونهما.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين أختفى؟
- لم يقل لي أحبك
- خلوة كاتب أحمق
- قصة غير متوقعة
- خيط حرير
- حلم المنتصف
- حدث فجرًا
- تنازل
- العاصفة
- الحسناء جارتي ( حوارية )
- قارب في البعيد
- ليست قصة
- عين وساق
- الأعمى
- طاولة ونافذة
- صفر .. ثلاثة
- صباح كهرماني
- شاي بنكهة النعناع
- قراءة نقدية في المجموعة القصصية ( الوشاح الأحمر ) للكاتبة فو ...
- سيدة الشمس


المزيد.....




- ” أفلام كارتون لا مثيل لها” استقبل تردد قناة MBC 3 على الناي ...
- جواهر بنت عبدالله القاسمي: -الشارقة السينمائي- مساحة تعليمية ...
- لم تحضر ولم تعتذر.. منة شلبي تربك مهرجان الإسكندرية السينمائ ...
- بقفزات على المسرح.. ماسك يظهر بتجمع انتخابي لترامب في -موقع ...
- مسرحان في موسكو يقدمان مسرحية وطنية عن العملية العسكرية الخا ...
- مصر.. النائب العام يكلف لجنة من الأزهر بفحص عبارات ديوان شعر ...
- عام من حرب إسرائيل على غزة.. المحتوى الرقمي الفلسطيني يكسر ا ...
- قصيدة عاميةمصرية (بلحة نخيلنا طرق)الشاعر مصطفى الطحان.مصر.
- بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
- وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - محطة وقود