أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هويدا صالح - الأفروسنتريك والحقوق التاريخية المزيفة!















المزيد.....

الأفروسنتريك والحقوق التاريخية المزيفة!


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8030 - 2024 / 7 / 6 - 08:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكد ينتهي المصريون من"تقليعة" فيلم "كليوباترا" الذي أعلنت عنه منصة "نتفيلكس" وظهرت فيه الملكة المصرية الأشهر سوداء في إشارة إلى نسبة الحضارة المصرية القديمة إلى أفريقيا حتى تفاجئنا حركة "الأفروسنتريك" بزيارة للمتحف المصري بالتحرير وإصدار بيان زعموا فيه أنهم أصل الحضارة المصرية، وأكدوا أن محتويات المتحف كلها تُعبِّر عن حضارتهم الأفريقية وليس حضارة مصر القديمة..
وأثارت الصور غضباً واسعاً في مصر حيث تداولها على نطاق واسع رواد مواقع التواصل، وتساءل المصريون كيف دخل هؤلاء متحف التحرير؟ من تركهم يتحدثون من هناك عن مزاعم تسلب مصر حضارتها وتاريخها؟
لم يتوان عالم الآثار المصري زاهي حواس وقال في بيان تُرجِم للغة الإنجليزية أكد فيه أن الآراء التي أعلنها أًصحاب "المركزية الأفريقية" لا أساس لها من الحقيقة، بل هي مجرد ادعاءات ساذجة؛ ذلك أن مملكة كوش السوداء حكمت مصر عام 500 قبل الميلاد، والتي كانت نهاية الحضارة المصرية القديمة، مضيفاً أنه عندما حكمت مملكة كوش مصر لم تترك أثراً في الحضارة بل كانت الحضارة المصرية هي التي أثرت في شعبها.
ومما يؤكد تصريحات زاهي حواس أن المصريين القدماء لم يتركوا تفصيلة واحدة من حياتهم السياسية والاجتماعية بل وحتى الاقتصادية لم يسجلوها على جدران المعابد وفي البرديات العديدة والمحفوظ الكثير منها في كبريات متاحف العالم مثل متحف برلين ومتحف اللوفر ومتحف لندن وغيرها. وكل هذه الرسومات على جدران المعابد المصرية وهذه البرديات تصور الملوك المصريين واقفين وبين أيديهم أسرى من أفريقيا وليبيا وسوريا وفلسطين، وأن ملامح الملوك وقادة الجيوش المصريين تختلف كلية عن ملامح الأسرى.
ربما هذا يذكرني بموقف حدث معي قبل سنوات وكنت ضيفة على مؤتمر أدباء مصر في دورة أقامتها الهيئة العامة لقصور الثقافة في مدينة سوهاج، وشارك في هذا المؤتمر أحد الأدباء الذين ينتسبون إلى ثقافة حدودية، يُصرُّ بعض أهلها على الاعتزاز بالأصل البدوي في مقابل الهوية الثقافية المصرية. يومها أشار هذا الأديب إلى صورة في بردية يقف فيها الملك المصري وهو يقبض على رأس بدوي راكع أمامه وقال في تهكم: "جدك المصري ينكل بجدي البدوي". قلت له ساخرة: "إذا كنت بعد هذه الآلاف من السنوات ترى أنك لست جزءا من تراب هذا الوطن وهذه القومية المصرية فأنت ـ شخصيا ـ تستحق التنكيل بك وليس جدك البدوي فقط".
وبالعودة إلى الإشارات الثقافية التي يحملها الفن أو البيانات الأيديولوجية نرى أن اختيار ممثلة سوداء لتقوم بدور ملكة مصرية، بل أبرز الملكات المصريات إنما هو تزييف للوعي بالتاريخ المصري القديم وخاصة أن فيلم "كليوباترا" الذي أنتجته منصة نتفيلكس هو فيلم وثائقي، ومعروف أن الفيلم الوثائقي يعتمد أساسا على التوثيق التاريخي بالأدلة والوثائق وليس مجرد فيلم خيالي يتخيل فيه كاتب السيناريو ما يريد، وهذا يحمل إشارات ثقافية عديدة بدأت بعض الحركات للسود في أمريكا تروج لها رغبة في تزييف التاريخ، وكأن أمريكا وأوروبا ينتويان التخلص من الزنوج الأفارقة هناك بدفعهم للمجيء إلى مصر بحجة المطالبة بالحقوق التاريخية المزيفة والمدعاة، فهل تنوي أمريكا وأوروبا صناعة حركة أخرى تشبه الصهيونية العالمية التي مكنتهم من التخلص من اليهود بدفعهم إلى فلسطين؟
لم أكن مؤمنة بفكر المؤامرة، لكن الأيام علمتنا ألا شيء يأتي من الغرب يسر القلب! وأن الأفكار التي روج لها المجتمع الغربي ليست بريئة تماما وأن الغرض منها غالبا يكون الإضرار بمصلحة الشعوب في مناطق العالم الثالث التي يراها الغرب عبئا على الحضارة الإنسانية.
الأفروسنتريك أو المركزية الأفريقية؛ أصحاب البشرة السوداء؛ هي حركة عالمية تنطلق من أمريكا وتهدف إلى سرقة الحضارة المصرية، سرقة تاريخنا وأجدادنا، لصالح أصحاب البشرة السوداء، يقولون إن المصريين القدماء سود البشرة، وأنهم أحفاد المصريين القدماء، وأنهم من بنوا الحضارة المصرية، وأن المصريين أبناء الغزاة من اليونان والرومان والفرس والعرب.
تعالوا معي نترك فكر المؤامرة ونعيد ترتيب أوراق الأفروسنتريك ومن قبلهم أصحاب حركة" كيميت" وهي تقليعة أخرى انطلقت من الغرب وبدأت تستشري في بعض الدول الأفريقية، وتدعي أن الديانة المصرية القديمة هي ديانة أفريقية في إشارة إلى أن الأفارقة هم من بنوا مصر القديمة، وتطالب بإحياء تقاليد الديانة المصرية القديمة باعتبار أن كيميت هو اسم مصر قديما ويعني الأرض السوداء.
أقول تعالوا نعيد ترتيب الأوراق ونقرأ عبر تحليل الخطاب التاريخي القديم ربما نجد معهم بعض الحق في ادعاءاتهم، وربما نفند هذه الادعاءات تماما.
إذا كان الأفارقة هم من صنعوا الحضارة المصرية بما يتكشف عنها كل يوم من اكتشافات أثرية، حجرية وذهبية، لماذا لم نجد بعضا أو حتى جزءا صغيرا من هذه الآثار في إفريقيا؟ هل كل الأفارقة باتساع سكنوا مصر فقط، فتركوا آثارهم فيها؟ لنفترض أنهم بالفعل كلهم سكنوا مصر ثم طردوا منها إلى إفريقيا لماذا لم يقوموا عبر آلاف السنين بعد طردهم من مصر بصناعة حضارة يمكن أن تكون امتدادا للحضارة التي تركوها على أرض كيميت؟!
لماذا لم نجد في طول إفريقيا وعرضها معبدا أو هرما أو تمثالا أو حتى بردية تشبه ما تركوه على أرضنا؟! حتى التحنيط الذي كان طقسا مصريا قديما بامتياز ولم يتكرر في حضارة من الحضارات وأبقى على الكثير من جثامين المصريين القدماء حتى اليوم لماذا لم نجده في إفريقيا؟ هل سمع أحدكم عن جثمان إفريقي تمّ اكتشاف تحنيطه طوال السنوات الماضية؟!
إذا كانوا هم من صنعوا الحضارة المصرية القديمة لماذا لم نجد مفردة أو حتى بضع مفردات في اللغات الإفريقية المختلفة تنتمي في جذرها اللغوي إلى الهيروغليفية أو الديموطيقية والهيراطيقية. المتأمل للهجة العامية المصرية يجدها نهرا يسير تحت النهر، نهرا يضم الآلاف من المفردات التي تنتمي للغات المصرية القديمة بمستوياتها الثلاث، فأين تأثير اللغات المصرية القديمة في اللغات المحلية الإفريقية بطول القارة وعرضها؟!
نتأمل أيضا الثقافة المصرية القديمة بعاداتها وتقاليدها ووطقوسها وشعائرها نجد آثارها في تفاصيل الحياة المصرية المعاصرة، بداية من طريقة الزراعة وأدواتها، أشهر الأكلات التي وجدها الأثريون مدونة في البرديات وعلى جدران المعابد، الألعاب الرياضية المختلفة، وليس انتهاءً بالأمثال والأقوال المأثورة.

لقد وثق المصريون القدماء جميع جوانب حياتهم الاجتماعية والسياسية على جدران المعابد والمقابر لماذا لم يقم الأفارقة بتوثيق ورسم ونقش حياتهم؟!
حتى الأسماء المصرية القديمة ترتحل عبر الزمن بين المصريين، فنجد المصري ما يزال يسمي ابنه رمسيس أو مينا أو ميريت وغيرها من الأسماء.
هل يحتفل الأفارقة بالأعياد المصرية القديمة مثلما نفعل مثل طقس شمّ النسيم الذي كان المصري القديم يحتفل فيه بقدوم الربيع؟!.هل لديهم نفس التقويم المصري والشهور المصرية القديمة مثل شهور الفيضان وغيرها، وهل لديهم تقويم مصري قديم وسنة مصرية قديمة؟!
وأخيرا يجب ألا تستهين الدولة المصرية بمثل هذه الدعوات، بل يجب أن ترد عليها في المحافل الدولية حتى لا يجد المصريون الأفارقة وقد قدموا إلينا بهجرات كثيفة، ثم يطالبون بحقوق تاريخية مزيفة ويساعدهم الغرب على ذلك رغبة في التخلص منهم من ناحية لأن العنصرية البيضاء في الغرب الأوربي والأمريكي لا تتحمل الحقوق المدنية والمساواة مع الجنس الأسود، كما أن العنصرية البيضاء نفسها تريد أن تتخلص من إرث العبودية الذي يثقل تاريخها بترحيل العبيد عنها.
لا نريد أن نجد دويلة جديدة أختا لإسرائيل على أرض مصر. لا نريد أن يخترع الغرب لنا دويلة يسلحونها وتصبح أحد أذرعهم في المنطقة تدافع عن مصالحهم، وعلينا أن نتذكر مقولة الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل شهور متحدثا عن إسرائيل: "لو لم توجد إسرائيل في الشرق الأوسط لاخترعناها".



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه الأنثوي للثورة المصرية
- -هامنت- الرواية التي جسّدت سيرة حياة ابن شكسبير
- حين يحول الإرهابيون الرأي إلى رصاصة تغتالنا!
- عبد الناصر الحي الباقي في قلوب الشعوب
- متى يتوقف المصريون عن لوم عبد الناصر على معاناتهم؟!
- فاز محمد صلاح وأخفقنا نحن!
- يوميات امرأة في ميدان التحرير
- في كراهية خطابات الصهاينة العرب ..يوسف زيدان وخطاب مغازلة ال ...
- الخطاب الغلافي في رواية العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء لل ...
- انتظار الذي لا يأتي في رواية سعيدة هانم ويوم غد من السنة الم ...
- ملتقى الشباب في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثامنة ...
- جسد ضيق أم روح متمردة لهويدا صالح ..قراءة د. سيد نجم
- رواية جسد ضيق لهويدا صالح ..مقال لممدوح النابي
- ممرات الفقد: فتنة الجسد وبلاغته ، مقال الناقد السوداني زهير ...
- جماليات العرض في باليه فتاة متحررة وباليه جيزيل ..قراءة مقار ...
- رواية جسد ضيق وكشف المسكوت عنه في حياة الراهبات مقال دكتور ...
- مقال الناقد سيد الوكيل عن رواية جسد ضيق
- الشغف المصري في كتاب فرغلي عبد الحفيظ
- التحيّزات الثقافية والحضارية وأثرها على العمران والمدينة الع ...
- جهود فاطمة المرنيسي في مساءلة التراث العربي .


المزيد.....




- ??مباشر: إسرائيل تستهدف مقر مخابرات حزب الله في بيروت وحماس ...
- -كانوا سكارى-.. عسكري أوكراني سابق يتحدث عن حادث محرج على ال ...
- عام من الحرب بين حماس وإسرائيل: -غزة تحولت إلى قبور متناثرة ...
- خبير: القوات الروسية تتقدم إلى زفانوفكا ومعارك ضارية
- ستولتنبرغ يروي قصة محاولته تجنيد موظف في المخابرات الروسية
- إعلام لبناني: 12 غارة إسرائيلية هذه الليلة على الضاحية الجنو ...
- تقرير: إسرائيل لم تقدم ضمانات لواشنطن بأنها لن تستهدف منشآت ...
- Lenovo تعلن عن حاسب لوحي بمواصفات مميزة
- لافروف يلخص مخاطر كبرى تواجه العرب والعالم ودور الغرب في إشع ...
- الهند ترفض إنشاء ناتو آسيوي


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هويدا صالح - الأفروسنتريك والحقوق التاريخية المزيفة!