|
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 2
أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 8028 - 2024 / 7 / 4 - 04:50
المحور:
كتابات ساخرة
كانت حفلة هادئة... جميلة وهادئة. نظمتها ملاك على شرف لايتيسيا. هادئة للجميع إلا لملاك، لي ولإيناس زوجة محمد صديق العمر والأخ الذي لم تنجبه أمي... استأذن مني محمد والتحق بملاك ولايتيسيا، كان الأسعد... بسرعة غريبة اقترب من لايتيسيا تلك الليلة وكأنه يعرفها منذ سنين، كان يمازحها يقبلها ويحضنها وكأنها بنت تسع... منذ تلك الليلة أخذ مكانته التي يستحق في قلب لايتيسيا وعرفت أهميته في العالم الجديد الذي للتو اكتشفته. اقتربت مني إيناس ووقفت بجانبي تنظر إلى ثلاثتهم... - نفعل الكثير نحن النساء من أجل أزواجنا. - شكرا لك على الحضور، أعلم صعوبة ذلك. - ملاك امرأة عظيمة... ليت حياة أخرى كانت موجودة لتُنصف... - نعم، وأنت أيضا امرأة عظيمة... كانت كما عهدتها وعهدتني ومنذ أول مرة قدمها لي محمد: لا أحد منا يطيق الآخر. عندما سلمت عليها قلت لها "أنت فتاة رائعة وذوقك راق جدا عكس الكثيرين" فظنت أني أتكلم عن بنات أخريات لكن فهمت بعد ذلك أني تكلمت عن صديقي وقصدت ذوقه الهابط... فعلت الكثير من أجل زوجها، والحقيقة أنه لم يكن عندها الخيار، وكل محاولاتها ابعادنا عن بعض باءت بالفشل. كلامها عن ملاك كان شبيها بكلامي عن ذوق محمد، وترجمته: "أنت لا تستحق هذه المرأة وكل ما تفعله من أجلك"، و "الإنصاف" هو القصاص مني... بعد أن ابتعدت إيناس، لم أر إلا ملاك أمامي، غاب الجميع وبقت وحدها، تتكلم وتضحك، تروح وتجيء، تفعل المستحيل لتثبت للايتيسيا أنها سعيدة بوجودها، وكانت صادقة في كل ذلك... كل ما كانت تفعله كان يرفع من قدرها إلى أعلى ويدفعني دفعا إلى أسفل، نذل وغد حقير لا أستحق أن أكنس الأرض أمام قدميها... كذلك رأيت نفسي. ولم أزل، حتى رأيت ملاك قادمة نحوي... - ما بك؟ حتى محمد لاحظ من بعيد... - لا شيء... - قل... - أنت استثنائية، وسأبقى مدينا لك بكل ما أنا فيه ما حييت... - قل ومن الآخر، الليلة ليلة لايتيسيا وليست ليلتك، فقل... - لا أستحق أن تغفري لي، مكانك ما كنت فعلت ولكنت هجرتك على الفور... - لا، أنت تستحق كل شيء، لكني لن أغفر لك، لأني حقودة ولا أغفر، المشكلة في وليست فيك... - لا أحد يستطيع هزيمتي وبالضربة القاضية هكذا غيرك... - أعلم، ولذلك أنت تحبني... وغصبا عنك... قلي كيف تشعر نحوها؟ - موقفك لم يساعدني لأعرف كيف أشعر - هل كنت تفضل أن أرفضها؟ - كنت أفضل أن تكون أنت... مثلما كنت دائما، وقد كنت... لكني أتساءل... - عن؟ - هل هناك شيء من الندم فيما يخص الأطفال؟ - عندك أو عندي؟ - عندك - غدا أعمل PCR وأقولك النتيجة، لكني كما ترى لا علامات مرض عندي... - أنا لا أمزح - وجوابي واضح... أعرفك عندما تتهرب من الاعتراف بحقيقة ما - انظر لها وقلي ومن الآخر فلم تستطع تتويهي - لا أشعر بأي شيء نحوها، وكل ما أشعر به هو أني ملعون - أنا شعرت بأشياء غريبة أعادت لي ذكريات بعيدة... - إيمان؟ - نعم... تعالى محمد ينادينا... ليته لم يأت بها تلك المصيبة... تعالى. - قلت لها منذ قليل أنها امرأة عظيمة... - صدقت، أكيد هي امرأة عظيمة، أكيد... الذي ذكر ملاك بإيمان عمر لايتيسيا وشعرها الأصفر، المقام كان مختلفا لكنه كان غريبا واستثنائيا، وأيضا عنيفا عنف إيمان معي في البدء...
اليوم الأول في الكلية، منتصف النهار وقليل، كنت جالسا وحدي أحتسي قهوتي وأدخن، أنظر إلى الأرض شارد الذهن. لم أكن أفكر في شيء حتى سمعت صوت محمد... - ماذا تفعل هنا؟ ولماذا لم تحضر المحاضرة؟ إنهما معنا، رأيتهما في الصفوف الأولى... التي كلمتها ابنة العميد الصغيرة والأخرى ابنة صديقه رجل أعمال ثري - اللعنة حتى الأخرى طلعت حقل ألغام - أقول ولا تغضب؟ - قل - كلمتهما - ثم؟ - اعتذرت منهما لوقاحتك، قلت لهما أنك قادم من منطقة بائسة وأول مرة ترى عن قرب فتيات جميلات... يعني... وأشياء أخرى... - الصديق وقت الضيق كما يقال - ملاك أجمل من إيمان، إيمان ينقصها سيف وتكون كساسوكي، أظنها تصلح لك أكثر، أنت متهور ومتعجرف مثلها... ملاك شيء آخر - يا عمي، حرام عليك، عندي أربع ساعات مذ عرفتك وتقول لي كلام كهذا؟ تعرف أني الآن من المفروض أنفخلك عينك وأكسرلك سن أو رجل على الأقل، وذلك مع بنت العميد، وفي أول يوم، يكون كثيرا علي! - أنا أكبر منك بيوم وفي مقام أخيك الكبير، من المفروض الكلام الذي قلته عيب ولازم تعتذر عنه - أكبر مني بيوم؟ - 14 أوت قلت منذ قليل... وأنا 13 - يوم جمعة؟ - نعم - جيد... يوم جميل. - تعرف، أمي ستأتي الليلة ومعها أخواتي، تريد أن تأتي إلى منزلي؟ - أغراضي لا تزال كما هي، أفكر في تنظيمها... - لن تبطئ، ستبقى القليل من الوقت، ثم تغادر... وهناك مأكولات رهيبة... - لست أكولا - أستطيع أن أذهب معك بعد ذلك لمنزلك وأساعدك - كم أخت؟ - أربعة... سارة 18 سنة، فاطمة 16، علياء 14 وأميرة 12 - كل عامين قنبلة - وأنت؟ - نور 28 و بسمة 24 - كل أربع سنوات قنبلة... - وأبوك سيكون موجودا؟ - لا، أبي لا يزال غاضبا لأني رفضت الذهاب إلى الأكاديمية العسكرية - آه أبوك من أولئك الحمقى الذين تبهرهم النجوم والشعارات - نعم، للأسف - أحسن أنه لن يأت... - وأنت؟ - من حمقى آخرين... - أكاديمية الشرطة؟ - لا، أكاديمية الفلسفة! اللعنة هل هناك بشر عنده عقل يطلب من ابنه الحاصل على أعلى مجموع أن يدرس فلسفة؟ - أبوك أتعس حالا من أبي... وأمك؟ - أستاذة تربية إسلامية - ماذا؟ - أستاذة تفكير إسلامي للدقة - غريب، كيفا تزوجا؟ - سؤال وراءه مشاكل، ربما سأجيبك عنه في المستقبل... - ولم لا الآن؟ - دعنا من ذلك، متى تأتي أمك؟ - بين السابعة والثامنة - جيد... لكن أكان لازما أن تقول في ما قلت لهما؟ منطقة بائسة ولم أر فتاة جميلة؟ - لا تهتم ساسوكي ستكون لك... - تعرف، وبصراحة، رعبت عندما عرفت أنها ابنة العميد... - رعبت؟ - يعني، شهرة الأساتذة هنا، المونوبول... تعرف - لا أعرف، يعني حسب ما فهمت، العميد... العميد! سيضع نكرة مثلك دخل كليته اليوم في أجنداته، ولماذا؟ لأنه تشاجر مع ابنته! أأنت بهذا الغباء؟ أظنني سأسحب دعوتي، فأمي لا يأكل دررها المعاتيه... - ولكني سمعت أن بعض الطلبة أمضى أعواما في السنة الرابعة أو الخامسة بسبب أحد الأساتذة ولم ينجح إلا عندما كان ذلك الأستاذ في ملتقى خارج البلد أيام الامتحانات؟ - نعم صحيح، لكن ذلك لا يعني أن كلمة قلتها لساسوكي ستسبب في رسوبك أعواما في نفس السنة، لا تكن بهذه البلادة... - أقولك ولا تضحك علي؟ - قل لكن لا أعدك بشيء - أمضيت وقتا طويلا مرعوبا، ثم تخيلت نفسي وقد طردت من الكلية، ورأيت أبي سعيدا وهو يجبرني على شعبة الفلسفة - ولم لم تر أمك ترسلك إلى كلية الشريعة؟ - أمي ترسلني إلى بار ولا ترسلني للشريعة - أستاذة التفكير الإسلامي؟ - جعت... أدعوك إلى الغداء في مطعم فاخر ثم تدعوني إلى مأكولات أمك الرهيبة، ما رأيك؟ - موافق، لكن لن أتنازل عن ملاك... - مبروك عليك الاثنتين... ابنة العميد وابنة صديق العميد وثري ولا أعلم ماذا أيضا، لا يا أخي أتنازل، لا أريد أن أدرس فلسفة... - ولا شريعة. - ولا شريعة!
نعم، كان ذلك اليوم من أجمل الذكريات، بدأ بإيمان وملاك، ثم محمد، ثم انتهى بأمه وكانت أجمل ختام... لم نحضر محاضرتا العشية، تغدينا ثم تسكعنا طويلا حتى السابعة... ذهبنا إلى منزل محمد، استوديو جميل كان كمختبر، منذ دخلته لاحظت شدة التنظيم، كل شيء مرتب، في مكانه، كل شيء نظيف، لا يوجد كأس متسخ أو قلم على الأرض أو سروال معلق على نافذة أو باب. ذلك اليوم كان يذكرني محمد به دائما لأنهما المحاضرتان الوحيدتان اللتان لم يحضرهما حتى تخرجنا. ثم حضرت الأم والأربع بنات... الملاحظة الأولى كانت جمال الأم، و... غيره للبنات الأربع؛ كل شيء أخذه محمد وترك كل إرث الأب لأخواته. كان ذلك غريبا جدا حقيقة، لأني لم أر ذرة شبه بين محمد وأمه من جهة والأربع بنات من الجهة الأخرى، وقلت في نفسي أحسن أن الأب غضبان، ولم يكن ذلك لطيفا مني ولم أهتم، فأنا "جلف غليظ" كما وصفني محمد في صباح ذلك اليوم. لم يعلم محمد أمه أن صديقه سيكون معه، لكنها لم تهتم، أما الأخوات فاهتممن كثيرا حتى انعزلن في ركن وفي الآخر كنت ومحمد والأم. لم تكن قسمة ضيزى بل كانت عادلة؛ وتلك كانت الملاحظة الثانية، وأهم ما فيها أن الأم نست وجود بناتها ولم تهتم إلا لابنها وصديقه... - بسببك اليوم افتك مني ابنك أجمل بنتين في الكلية - بسببي؟ - أخذ من أمه ما مكنه أن يجور علي - أنت لطيف و... شقي، كيف ذلك؟ - لا أستطيع الكلام فأنا لا أزال حزينا مكسور الفؤاد - يا حرام... قل فربما أعنتك عليه وأعطيتك بعض أسراره ونقاط ضعفه. - فتاتان أعجبتاني اليوم، افتكهما مني وقال لهما أني جلف قادم من الأدغال... - تعرف كان يحب ماوكلي كثيرا عندما كان صغيرا - وأنا أيضا - لكن قل لي، كيف أعجبتك "فتاتان"؟ واحدة لا تكفي؟ - على كل حال تنازلت له وانسحبت - لا أحب أن يخالط ابني الجبناء - لو لم أفعل، كنت كسرت له فكا أو ضلعا، وما كنت حظيت بشرف لقاء أمه الرائعة - ولا أحب أن يكسر أحد شيئا لولدي! أعجبتني كثيرا أكلة لم أكن أعرفها، ولم أكن ومحمد من نفس الجهة... منذ ذلك اليوم، وحتى تخرجنا، كانت كلما أرسلت مأكولات له كانت تلك الوجبة تطبخ باسمي وترسل لي. وحتى بعد... لم يتغير شيء. كثيرا ما نتعرف على أناس نظنهم مجرد راكبين جمعتنا بهم الصدفة للحظات من الزمن، لكننا لا نعرف وقتها أنهم باقون ومشاركون حتى نهاية الطريق. لكن أن نشعر أنهم ليسوا مجرد راكبين منذ البدء فذلك قليل. لم أشعر بشيء من كل ذلك، ذلك اليوم، ولم أكن أعرف أن من ركبوا القطار كانوا كلهم باقين، تتشابك قصصهم وتختلف، لكنها لا تنف عنهم أهمية التأثر والتأثير، لا أزال أتساءل حتى اليوم هل لو عرف كل الأطراف كيف سيكون المستقبل هل كانوا سينسحبون منذ ذلك اليوم أم كانوا سيواصلون؟ هل كنت سأواصل لو كنت أعلم أني ملعون وأن كل من اقترب مني لعن؟ هل كانت إيمان ستواصل لو علمت أن الثمن سيكون حياتها؟ هل كانت ملاك ستواصل لو علمت أن الثمن سيكون الكثير الذي لا تطيقه الجبال؟ هل كان محمد سيواصل لو علم أن الثمن سيكون مرارة أبدية مع شريكة حياته؟ هل كانت أمه ستواصل لو علمت أن الثمن سيكون زواجها؟ أستطيع أن أجزم أن الجميع كانوا سينسحبون بمن فيهم أنا، إلا ملاك... الوحيدة التي كانت ولا تزال تشذ عن الجميع وفي كل شيء...
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 1
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...6: الله وأمين وأمينة
-
!Enough is enough ألمانيا مستعمرة إسرائيلة!
-
القضية الفلسطينية: الموقف بإيجاز
-
تحولت إلى امرأة مثلية يهودية بقضيب
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...5: كنزة (البقية)
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...5: كنزة
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...4: سارة
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...3
-
اِضحك مع منظمة الجحيم العالمية (WHO): المسرحية الجديدة A(H5N
...
-
الإحتقار: أمثلة من الدين والكوفيد
-
إدعاء الـ -حقيقة-
-
عالم من الأكاذيب
-
-هدية- عيد الذبح: اليهودية ومن يمثلها من اليهود
-
-نعم... لكن- - -المتطرف-
-
-الملحدون والسلفيون-: ردا على مقال السيد سامح عسكر
-
-هذا ما جناه علي أبي- 2
-
-هذا ما جناه علي أبي-
-
الحوار المتمدن: الحرية مرة أخيرة واقتراحات
-
الحوار المتمدن: السخرية والسب
المزيد.....
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|