نافع شابو
الحوار المتمدن-العدد: 8028 - 2024 / 7 / 4 - 01:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما نلقي نظرة تاريخية سريعة على جذورالعنف في المجتمعات العربية عامة, والقبائل العربية خاصة, منذ تدوين التاريخ العربي(حوالي 500م) وصولا الى يومنا هذا, وتسليط الضوء على ألأحداث التاريخية وألأجتماعية والأقتصادية والسياسية لهذه المجتمعات سنتوصل الى نتيجة واحدة خلاصتها: أنَّ هذه القبائل والمجتمعات كانت ولا تزال تعيش في حالة عنف وحروب وعدم الأستقرار المستمر, منذ أن كان العرب قبائل رحل تجوب الصحراء لشبه الجزيرة العربية وحتى بعد استقرار هذه القبائل وسط الشعوب المتحضرة التي قامت تلك القبائل بغزوها واستعمارها وانشاء خلافة اسلامية فيها, وصولا الى يومنا هذا. ولن نخوض في حيثيات التاريخ العربي ولكن لنقرأ ما كتبه بعض المؤرخين العرب والمستشرقين عن طبيعة الشخصية العربية وما رافقها من العنف منذ أن كان العرب يجوبون صحراء الجزيرة العربية كبدو رحل وصولا الى يومنا هذا, وخير دليل على ما نقوله ما تشهد الأحداث التي يعيشها اليوم معظم الشعوب العربية, حيث ظاهرة العنف متماثلة ومتشابه في معظم هذه الدول من المغرب العربي الى المشرق العربي حيث الحاكم عندما يتسلط على شعبه لن يتنازل عن عرشه حيث يعتقد انّ حكمه هو من الله بل احيانا كثيرة يأله نفسه ويضرب كُل من يحاول الوقوف حجر عثرة في طريقه حتى لو كان شعبه ورعيته فليس لديه اي مانع من سحق شعبه الذي أوصله الى السلطة. واذا ما تأملنا في ما كتبه المؤرخون عن طبيعة ونفسية وعقلية العربي عندها نستطيع تحليل الأحداث والثورات الهائجة هذه الأيام في الدول العربية. ألمؤرخون العرب والمستشرقون الذين كتبوا عن طبيعة المجتمعات العربية بصورة عامة والفرد العربي بصورة خاصة, يؤكّدون لنا هذه الحقيقة التي لايمكن للمختصين الدارسين للشؤون الأجتماعية والسياسية والتراثية الاّ رصدها وتحليلها وتشخيصها لمعالجة هذه الظاهرة أي ظاهرة العنف في المجتمعات العربية.
يقول الدكتور جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب ص55 باب طبيعة العقلية العربية", لكل أُمة عقلية خاصة بها, تُظهر في تعامل أفرادها بعضهم مع بعض وفي تعامل تلك الأمة مع ألأمم ألأخرى ,كما أنّ لكل أمة نفسية تميّزها عن نفسيات ألأمم ألأخرى. وعن العرب يقول(نقلا عن أبن خلدون)": العربي عصبي المزاج, سريع الغضب, يهيج للشيء التافه, ثم لايقف في هياجه عند حد, وهو اشد هيجانا, اذا جُرحت كرامته, أو انتهكت حُرمة قبيلته, واذا أهتاج أسرع الى السيف, وأحكم اليه, حتى صارت الحرب نظامهم المالوف وحياتهم اليومية المعتادة .....العرب ميَالون الى الغزو وألأخذ بالثأر, وعاطفيّون تتحكّم العواطف في حياتهم ويغضبون لأتفه ألأمور ويرضون بسرعة.
ويضيف قائلا:
خياله(خيال العربي) محدود وغير متنوع, فقلّما يرسم خياله عيشة خيرا من عيشته, وحياة خيرا من حياتهِ يسعى ورائها, لذلك لم يعرف "المثل ألأعلى" لأنَّه وليد الخيال......وقلّما يسبح خياله في عالم جديد يستقي منه معنى جديدا, ولكنه في دائرته الضيقة استطاع أن يذهب كُلِّ مذهب.....والعرب لايدينون بالطاعة لرئيس ولا حاكم, تاريخهم في الجاهلية – حتى وفي ألأسلام- سلسلة حروب داخلية وعهد عمر بن الخطّاب كان عصرهم الذهبي, لأنّه شغلهم عن حروبهم الداخلية بحروب خارجية, ولأنّه, رضي الله عنه مُنح فهما عميقا ممتازا لنفسية العرب.............., العربي متعصّب لقبيلته (ولا زال الى يومنا هذا) يعتز بها ثم بجنسه يشعر في أعماق نفسه بأنّه من دم ممتاز, لم يؤمن بعظمة الفرس والروم...حتى أذا فتح بلادهم نظر اليهم نظرة السيد الى المسود".
ويضيف المؤرخ جواد علي قائلا: "انَّ الحديث عن العقلية العربية حديث قديم, ففي التوراة شيء عن صفاتهم, أوصافهم, كوّن من علاقات ألأسرائيليين بهم, ومن تعاملهم وأختلاطهم بالعرب النازلين في فلسطين وطور سيناء أو في البوادي المتصلة بفلسطين, ومن أوصافهم :"أنَّهم متنابذون يغزون بعضهم بعضا, مقاتلون يقاتلون غيرهم كما يقاتلون بعضهم بعضا "يدَهُ على الكل, ويد الكل عليه"يغيرون على القوافل فيسلبونها ويأخذون أصحابها اسرى, يبيعونهم في اسواق النخاسة أو يسترقونهم فيتَّخذونهم خدما ورقيقا يقومون بما يؤمرون به من أعمال, الى غير ذلك من نعوت وصفات".
ويقول هذا المؤرخ "نقلا عن ما نُسِبَ الى كسرى ملك الفرس بعد وصفه لطبائع الأمم فوصف العرب قائلا":اذا عاهدوا فغير وافين, سلامهم كلامهم, به يتفنّنون وبكلامهم يتلاعبون...ليس لهم ميل الى صنعة أو عمل ولا فن, لا صبر لهم, أذا حاربوا ووجدوا قوّة أمامهم, حاولوا جهدهم التغلب عليها, أمّا اذا وجّسوها قوّة منظمة هربوا مشتتين متبعثرين شراذم, يخضعون للغريب, ويهابونه ويأخذون برأيه فيهم, ما دام قويا, ويقبلون بمن ينصبه عليهم ولا يقبلون بحكم واحد منهم, اذا اراد أن يفرض سلطانه عليهم.
ويورد الدكتورجواد علي في نفس الصفحة ص56 مستشهدا برأي أحد ملوك الهند الذي كتب رسالة الى "عمر بن عبدالعزيز" وصف فيهاالحضارات القائمة في حينها وتميّزها في الصناعات والعلوم والمعارف والفلسفة فيقول عن العرب:"..ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها ويضم قواصيها ويقمع ظلمها وينهي سفيهها, ولا كان لها قط نتيجة في صناعة ولا أثر في فلسفة الاّ ما كان من الشعر.,.......فما الذي تفتخر به العرب على العجم فأنَّما هي كالذئاب العادية والوحوش النافرة يأكل بعضها ويغير بعضها على بعض".
امَا الدكتور علي الوردي( المؤرخ العراقي الشهير) فيقول في كتابه "طبيعة المجتمع العراقي ص22"نقلا عن ابن خلدون:
"وصف أبن خلدون العرب بأنّهم أشد ألأمم بداوة, وبعدا عن الحضارة. ولهذا رأيناه يصف العرب بكل ما يناقض صفات الحضارة من تخريب ووحشية وخشونة وما أشبه ". ويعترف علي الوردي, بالرغم من تحفُّظاته على ابن خلدون, بأنَّ القبائل العربية قد خربت بلاد المغرب تخريبا فظيعا ويقول"يمكن أن نقول نحن العرب بوجه عام أنَّ البداوة فيهم أقل توغلا وشدة مما هي في المغول والتتر ومن لفَّ لفَّهم, والسبب حسب رأيه, هم أنَّ العرب قد تصارعت فيهم البداوة والحضارة منذ أقدم ألأزمان .
وعن البداوة يقول علي الوردي (نقلا عن المؤرخ ارنولد توينبي ) هي"حضارة مجمّدة" (ص34). فالبداوة لا تتغيّر أو تختلف اختلافا كثيرا بأختلاف الزمان والمكان. فهي اليوم تشبه ما كانت عليه قبل مائة سنة, أو قبل عدة مئات من السنين, فهي في المناطق المختلفة. متشابه
وعن راي المستشرقين(عن العرب), "يقول (لامانس)"انَ العربي نموذج الديمقراطية, ولكنها ديمقراطية مبالغ فيها الى حد بعيد. وان ثورته على كل سلطة تحاول أن تحدد من حريّته ولو كانت في مصلحته, وهذا هو السر الذي يفسر لنا سلسلة الجرائم والخيانات التي شغلت أكبر جزء من تاريخ العرب!!!!!!!!!!!!....... وجهل هذا السر هو الذي قاد ألأوربيين في ايّامنا هذه الى الكثير من الأخطاء وحملهم كثيرا من الضحايا كان يمكنهم ألأستغناء عنها, وصعوبة قيادة العرب وعدم خضوعهم للسلطة هي التي تحول بينهم وبين سيره في سبيل الحضارة الغربية
ويلخص على الوردي طبيعة البداوة هي "التغالب"ويوضح ذلك بالقول انّ مركبات الثقافة البدوية هي ثلاث 1-العصبية2-الغزو3-المروءة.
فالرجل البدوي منذ قديم الزمان "نهاب وهّاب" ومن خلال الشعر الجاهلي نتوصل الى أنّ هذا الشعر يغلب عليه النزعة الشديدة المسيطرة على نفسية الرجل البدوي والتي تدفعه دائما نحو القوة, ولأبن خلدون رأي معروف في العرب خلاصته "انّ العربي متوحش نهّاب سلاّب وأذا أخضع مملكة اسرع اليها الخراب(يصحّرها), يصعب انقياده لرئيس, لايجيد صناعة ولا يحسن علما ولا عنده استعداد للأجادة فيهما, سليم الطباع, مستعد للخير شجاع".
ويخلص دكتور علي الوردي الى نتيجة: "أنّ نزعة التغالب قد سيطرت على شخصية البدوي والتي تجعله ينظر في كل ألأمور حسبما توحي اليه, أنّه يود أن يكون ناهبا لامنهوبا, معتديا لا معتدى عليه ..........مفتاح الشخصية البدوية وشعارها هو"اليد العليا خير من اليد السفلى" وفي ص45 يقول نستطيع أن نقول على ألأجمال, انّ الثقافة البدوية فيها جانبان متناقضان ولكنّهما متوازيان فهو يود أن يغزو وينهب ويقتل ويعتدي, وهو في نفس الوقت يود أن ينكرم ويحمي ويغيث ويميل بمروئته هل من يأتي اليه قاصدا حاجة". ويقول خليل عبدالكريم في كتابه ألأسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية(ص57)مايلي:.
"كان رزق العربي السابق على الرسالة المحمدية ياتيه من سيفه ورمحه عن طريق الغارات التي يشنها, أتخذوها وسيلة من وسائل العيش وهو الغارة والسلب على قبيلة معادية وكثيرا ماتكون المعاداة, فيأخذون جمالهم ويسلبون نسائهم وأولادهم وتتربص بهم القبائل ألأخرى ذلك فتفعل ما فعلوا.... ويضيف قائلا( ص58):
...وأطلق العرب على الفلاحين ألأعاجم (العلوج) جمع( علج) وهو ألأعجمي الذي لم يعتنق ألأسلام بل ظل على دينه وهي (قلب) لكلمة (عجل) وهي كلمة توحي بالتعالي والتسلط من جانب أطلقها وبالدونية على من سمى بها, وعملية (القلب) معروفة في اللغة العربية وهي:تغيير ترتيب حروف الكلمة مع بقاء وزنها ومعناها".
نستخلص من كل هذا: أنّ الثقافة العربية الى يومنا هذا لازالت متأثرة بالثقافة البدوية ولم تترقى الى مستوى الحضارت التي يعيشها عالم اليوم طالما هناك العصبية القبلية والتي اضيفت اليها اليوم العصبية الطائفية الدينية, وهذا الكم من العنف الشعوري والمادي الموروث, فلن يكون هناك تقدم في الدول العربية ثقافيا وفكريا وديمقراطيا ولن تتحقق الحريات المنشودة ولن يكون هناك احترام لحقوق ألأنسان ولن تكون هناك الحرية بالمفهموم الحضاري لكلمة الحرية في هذه الدول في المنظور القريب ألاّ اذا تم تشخيص جذور العنف ومن ثم يتم معالجته. وعلى الثوار الذين اسقطوا الأنظمة الحاكمة المستبدة أن يقوموا بثورات داخل مجتمعاتهم لبناء انسان جديد يبدا بتربية اجيال على مفهوم حب الوطن واحترام حقوق المواطنين مهما كانت اعراقهم او معتقداتهم او اديانهم, وذلك بتشريع دساتير مدنية وابعاد كافة ألأحزاب الدينية من المشهد السياسي وتثقيف ألأنسان العربي بثقافة اللاعنف وثقافة تفضيل المصلحة العامة على المصالح الآنية اوالعشائرية أوالطائفية وتسخير وسائل الأعلام لثقيف الأنسان العربي على تقبل الآخر في التنوع الفكري والعقائدي وعدم النظر الى الآخر من منطلق الفوقية والتسلط ,وعدم التمييز بين المواطنين, وكذلك نشر ثقافة الأنتماء الشامل للأنسانية وتكامل الحضارات وازالة فكرة نظرية المؤامرة في ذهنية العربي لأنها نضرية تدميرية مرضية وكذلك معالجة النرجسية التي تعاني منها اغلب الشعوب العربية وأعطاء الدور الريادي لطبقة المثقفين والعلماء وتغيير المناهج الدراسية التي تغذي العنف ولاتراعي التقدم العلمي والتكنولوجي ,كذلك يجب فصل السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية في دساتير هذه الدول وتطبيقها في الواقع.
#نافع_شابو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟