أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعود سالم - الثورة المضادة في فرنسا















المزيد.....

الثورة المضادة في فرنسا


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8027 - 2024 / 7 / 3 - 14:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما يلقي الإنسان المعاصر نظرة ولو جانبية، على العالم "كما هو"، بأنظمته الشمولية المعقدة ومؤسساته وشركاته الرأسمالية العملاقة والجيوش الضخمة المسلحة بأعتى الأسلحة الفتاكة من القنابل الذرية والصواريخ المحملة بالرؤوس النوويه والتكنولوجيا النانوية والإلكترونيه والتي أصبحت تجعل الفرد مجرد هدف للدعاية التجارية العالمية، عندما يعي الإنسان كل ذلك تتبخر فجأة فكرة إمكانية تغيير العالم، ويتبخر الأمل البسيط الذي ما يزال يتحرك حيا في صدور الذين يحلمون بـ"الثورة".
الثورة تبدو مستحيلة اليوم في أية بقعة من العالم، ونقصد الثورة الإجتماعية التحررية وليس الثورات المضادة المنظمة من قبل المخابرات السرية والعلنية. الثورة تبدو مستحيلة ليس لأن المجتمعات البشرية تخلصت من الفقر والتفاهه والتعاسة والإستغلال والإستعمار والعنصرية وبقية القائمة من الآفات الناتجة عن فيروس الكابتال وتحولاته المتعددة، بل العكس هو الذي يجعلنا نتسائل عن سبب هذه الإستحالة، الفقر يزداد يوما بعد يوم، والحروب المتعددة تحصد أرواح الأبرياء في كل مكان، حتى في أوروبا نفسها، ويزداد الإستغلال والعبودية الإختيارية ويزداد الأثرياء ثراء لدرجة جنونية .. فما الذي يجعل الأمل في الثورة والتغيير يتقلص ليصل درجة الصفر رغم أن الأسباب التي يمكن أن تبرر هذه الثورة وتشعل شرارتها الأولى توجد اليوم أكثر من الأمس؟
ربما أحد الأسباب يعود إلى النجاح الساحق للديانة الرأسمالية في تعمية المواطنين وتدجين الفكر وتسميم العقل النقدي وتفجيره ليتحول إلى عقل مفتت ومشتت بين مئات القضايا الجانبية ونسيان قضية الثورة الإجتماعية. ولا نعني بالقضايا الجانبية قضايا لاأهمية لها أو قضايا ثانوية، وإنما القصد هو أن نجاح هذه القضايا أو فشلها يرتبط عضويا بقضية واحدة وأساسية وهي قضية القضاء على الرأسمالية. فعلى سبيل المثال، لا يمكن الدفاع عن البيئة ومحاولة إنقاذ الكرة الأرضية من الإحتراق دون التخلص من الرأسمالية التي تسمم الأنهار والبحار وتثقب الأرض والسماء، كما أنه من المستحيل القضاء على النظام الرجالي دون القضاء على الرأسمالية ومؤسساتها العسكرية. وهناك سبب أخر ساهم مساهمة كبيرة في إندحار فكرة الثورة وهو ما يمكن تسميته بالإشتراكية التلفيقية، أو الديمقراطية الاجتماعية social democracy وهي أيديولوجية سياسية دعت في الأصل إلى انتقال تطوري سلمي للمجتمع من الرأسمالية إلى الاشتراكية باستخدام المؤسسات السياسية القائمة، أي الوصول إلى تغيير المجتمع عن طريق الإنتخابات البرلمانية. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، ظهرت نسخة أكثر اعتدالاً من هذا الخط السياسي والذي أصبح ينزلق تدريجيا من اليسار لليمين حتى أصبح في بداية القرن الحالي من الصعب تمييزه عن الإتجاهات اليمينية المعتدلة. وقد تبنت هذه الإشتراكية المزورة تنظيم الدولة، بدلاً من ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وبرامج الرعاية الاجتماعية المكثفة والقطاع العام بأسره الذي كلفت الشركات الرأسمالية الكبرى لإدارته، وأصبحت مجالات الصحة والتعليم والثقافة والفن والإعلام من صحف ومجلات ومحطات الإذاعة المرئية منها والمسموعة وكذلك مؤسسات توزيع الماء والكهرباء والأنترنيت وشركات المواصلات مثل شركة القطارات والمترو والترامواي والباصات، بإختصار كل مجالات الإستهلاك الشعبي الحيوية والخدمات العامة أصبحت ملكا خاصا للمؤسسات الرأسمالية.
الرأسمالية إذا ليست كائنا مجردا أو فكرة إفلاطونية تتسكع بين السحب، الرأسمالية كائن حقيقي يتمظهر واقعيا في ترسانة رهيبة من الأسلحة الدعائية الوبائية التي لا مثيل لها في السابق من ناحية الأثر والفعالية وسرعة الإنتشار. فقد خلقت الرأسمالية العالمية الأسلحة المناسبة لنشر ديانتها، فشيدت معابدها وعينت أنبيائها وكهنتها الذين يقومون بالدعوة لها ليل نهار دون كلل. فقد جندت المدارس والجامعات والكنائس والمساجد ولكن أيضا المؤسسات العلمية والجامغية والمعامل والمختبرات وأجهزة الإعلام والمؤسسات الثقافية والفنية والإقتصادية والسياسية من أجل تسويق بضاعتها الليبرالية وإقناع العالم بعدم وجود بديل آخر لهذا الإله العدواني، وقد يعترف البعض من الذين لا يستطيعون تعمية المواطنين البسطاء لأسباب أخلاقية، بأن هذه الديانة لها مساوئها ومشاكلها الجانبية العديدة، مثل الحروب والفقر والمجاعة .. إلا أنها البضاعة الوحيدة المتواجدة في السوق، وليس هناك إختيار آخر.
إن الرأسمالية لا يمكنها أن تزدهر بدون اللجوء إلى العنف بكل أنواعه، غير أنها منذ البداية فضلت العنف الملون بنوع من الحرية والإنسانية، وفضلت العبودية الإختيارية والعمالة المأجورة على الرق وعبودية السوط والسلاسل الحديدية. وجيوش العمال اليوم في العالم يستطيعون في ظرف أسبوع واحد من الإضراب العام أن يوقفوا هذه الآلة المتوحشة، غير أنه كما سبق القول، لقد أخذ السم طريقه إلى القلب وليس هناك أي مصل وقائي ضد الرأسمالية العالمية، بالإضافة إلى أن النظام أصبح من الضخامة والتعقيد بحيث أصبح المواطن يشك في قدرته على إدارة حياته بنفسه أو مع المواطنين الآخرين دون اللجوء إلى المؤسسات الرأسمالية، فكيف سينتج كل هذه الأشياء التي تملأ الأسواق وكيف سيدير الإنتاج والطاقة ومشاكل الدفاع والأمن والصحة والتعليم .. إلخ، وأصبح المواطن، في غياب الوعي الطبقي وغياب الفكر الثوري مقتنعا بضرورة الدولة والسلطة والجيش ورجال الأعمال.
ولكن حتى لا نزيد المواطن اليائس إحباطا، نقول بأن المجتمعات لا تخضع لقانون القضاء والقدر، فهي تستطيع على الدوام النهوض من غفوتها وقلب الموازين والقوانين السائدة، وأحيانا بدون مبرر عقلي واضح. ولكن في نفس الوقت هناك دائما إمكانية النكوص والعودة إلى أنظمة رجعية سابقة وفقدان الطبقة العاملة لكل إنجازاتها ومكتسباتها الإجتماعية التي حصلت عليها بفعل النضال والإضرابات والمسيرات الطويلة كما يحدث في العديد من الدول الرأسمالية منذ عدة سنوات وكما يوشك أن يحدث في فرنسا في الأيام القليلة القادمة إذا تمكنت القوات الرجعية والعنصرية من الحصول على أغلبية المقاعد في البرلمان الفرنسي، مما يفرض على السيد ماكرون تعيين جوردان بارديللا رئيسا للوزراء وتكليفه بتعيين حكومة فاشية وهو ما لم يحدث في فرنسا منذ حكومة فيشي التي دامت أربعة سنوات من 10 يوليو 1940 إلى 9 أغسطس 1944 أثناء الإحتلال النازي لفرنسا والتي ترأسها المريشال فيليب بيتان Philippe Pétain.
والسؤال المطروح منذ عدة شهور في فرنسا هو ما الذي يدفع المواطن الفرنسي، والأوروبي عموما للإنحياز تدريجيا نحو الأيديولوجية السلطوية العنصرية والقمعية الليبرالية والتخلي عن اليمين الكلاسيكي وعن الديموقراطية الليبرالية أو ما يسمى بالديمقراطية الاجتماعية social democracy، والتي كانت تنتمي للتيرات الإشتراكية التلفيقية في القرن التاسع عشر والتي لها جذور أيديولوجية مشتركة مع الشيوعية ولكنها تتجنب نضالها وشموليتها. كانت الديمقراطية الاجتماعية تُعرف في الأصل بالتنقيحية revisionism لأنها تمثل تغييرًا في العقيدة الماركسية الأساسية، في المقام الأول في رفضها لاستخدام الثورة لإقامة مجتمع اشتراكي وتبني نظام التمثيل البرلماني والنضال داخل هذا النظام للوصول لإدارة الدولة وتغيير آلياتها تدريجيا لصالح المجتمع ولصالح الطبقة العاملة. وهي خدعة طفولية فطن لها منذ القرن التاسع عشر العديد من الإشتراكيين الثوريين وبالذات التيار الأناركي الشيوعي مثل باكونين، كروبوتكين وبرودون وماكنو وغيرهم. وتدريجيا أصبحت الإيديولوجية الإنتخابية، الديموقراطية البرلمانية دينا جديدا لا يمكن التفكير في ممارسة السياسة أو النضال الثوري خارج حدوده القانونية الصارمة.
يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطر الفاشي في فرنسا
- القشور
- لعبة الروليت الماكرونية
- الفلسفة الأولى
- ثقوب الوعي
- عن الميتافيزيقا
- الإنفصام
- عن كون ولا كون الكائن
- نكبة الحرف المجنون
- ماهية العدم
- طرق المعرفة
- الكينونة بين المعرفة والخيال
- العقل المفكك وبعثرة المقاومة
- الكينونة كمصدر
- سبحان الله
- عن الوجود واللغة والضجر
- أول مايو وضرورة الثورة
- الكينونة واللغة
- الجنة المفقودة
- بين العبثية والأديان


المزيد.....




- -سي إن إن-: المناظرة الفاشلة لبايدن تحتم عليه إثبات نفسه في ...
- هنغاريا: لا خروج من الأزمة الأوكرانية بدون الحوار
- -حزب الله- يستهدف شمال إسرائيل والإعلام العبري يرصد الأضرار ...
- بوتين: روسيا وهنغاريا تواصلان العمل في مشروع المحطة النووية ...
- انتخابات بريطانيا.. ستارمر يشكل حكومة جديدة ويتعهد بتوحيد ال ...
- فوق السلطة- جنرال إسرائيلي: جنودنا عميان في غزة يُقتلون ولا ...
- 7 شهداء في جنين والمقاومة تتوعد بالتصعيد في الضفة الغربية
- منير شفيق يروي قصة النضال الفلسطيني من عرفات إلى السنوار
- عاجل | وسائل إعلام عن مصادر أمنية إسرائيلية: مسؤول ملف الرها ...
- الكمائن.. قوة إستراتيجية في يد المقاومة الفلسطينية


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعود سالم - الثورة المضادة في فرنسا