أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - نزعات وجودية في الأدب العراقي















المزيد.....

نزعات وجودية في الأدب العراقي


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15 - 11:05
المحور: الادب والفن
    


انتشرت الحركة الوجودية في صفوف الشباب العربي المثقف عقب الحرب العالمية الثانية بشكل لا مثيل له كأحد تجليات الحداثة المبكرة، انعكست على حركة الشارع وحركة التأليف والانتاج الأدبي بشكل ملحوظ. فكانت الأصوات العميقة في الثقافة والأدب العربي سيما في لبنان والعراق من ترددات تلك الحركة في الفكر والتاريخ والفلسفة والأدب. ولاسيما لدى الستينيين، أبرز ممثليها المعبرين عن آفاقها وتشظياتها الحلمية. وبالتالي فأن حضور أفكار الحياة والموت والوجود والعبث في المتن الثقافي هو من أبرز تجليات الفلسفة الوجودية المستمرة عبر استحالات عديدة رغم الضربات الموجعة التي ألحقت بها على يد التيارات الايديولوجية والقومية الفاشية كحركة ارتجاعية تاريخية غير بعيدة عما حدث في أوربا من قبل.
مثلت الحركة/ الفلسفة الوجودية مستوى التجلي الثاني في العلاقة بين العرب وأوربا عقب ذوبان الثلوج بينهما أواخر القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين، ووقوف العرب مدهوشين أمام حركة المكتشفات العلمية والتكنولوجيا كالقطار والتلفون والطائرة ، خلال وعقب الحرب العالمية الأولى كما تجسدت في آثار الزهاوي والرصافي، ودعوتهما للاهتمام بالعلوم والحضارة الحديثة ونبذ التخلف والسلفية. ثم تطور الدعوة من صعد العلوم والتكنولوجيا إلى الفلسفة العلمية والعقلية وتفرعاتها الطبيعية والواقعية التاريخية والأخلاقية بالتدريج. ويعتبر تطور فكر جميل صدقي الزهاوي (الشاعر الفيلسوف القلق) في تحولاته واستحالاته مرآة ناصعة للتوق الانساني والوجودي الذي يلتقي من وجوه عدة مع أدباء ومفكرين عرب وآسيويين أمثال أمين الريحاني ورابندرانت طاغور. وإزاء ميول الزهاوي الوجودية كان اتجاه اهتمامات الرصافي للواقعية الاجتماعية والفلسفة التاريخية، في شعره الاجتماعي السياسي وابحاثه التاريخية، أقرب لضمير الشارع العراقي وانشغالاته من الاسئلة الوجودية المستعصية. بينما نجد الإرهاصات الروحانية الصوفية لفلسفة الطبيعة لدى جبران ونعيمة في الطرف الآخر لحركة التلاقح والانفتاح. في توافق نسبي مع ثنائي المعري – المتنبي، رائدي الفلسفة الوجودية والاجتماعية في الأدب العربي وثالثهما البحتري [قولة ابن العلاء]. وأخيراً.. فأن تلك الآفاق العقلية والفلسفية وثنائي [الزهاوي - الرصافي] كان مديناً لأجواء الحرية الفكرية النسبية عقب الانقلاب العثماني وفترة ما بين الحربين والتي انحسرت مع ظهور الدولة القومية والنظام الشمولي القائم على مبدأ الوصاية والقيادة التاريخية. ان أهمية هذه المقدمة في إطار البحث عن منظور نقدي للثقافة العراقية رغم ظاهرة عدم الجدية التاريخية في دراسة الرموز الفكرية تتجلى في أثر هذين الاتجاهين على المنتوج الثقافي العراقي عموماً، مجتمعين أو منفصلين.
على صعيد آخر، استقطبت الماركسية والماركسية اللينينية فئة واسعة من المثقفين والأدباء العراقيين المتأثرين بالوجودية، وجدوا فيها معيناً لتطلعاتهم الانسانية الرومانسية والطوباوية، إزاء ميل البعض الآخر للواقع وتحقيق المكاسب المباشرة عبر عربة (أو عجلة) النظام. تعرضت الشيوعية العراقية إلى ضربتين ماحقتين على يد الأيديولوجيا الشوفونية القومية، عامي 1963 و1976، كان لهما أثر مباشر في تراجع الصوت الآخر وهيمنة ثقافة القطيع في الأدب العراقي، والتي وفرت حروب الدكتاتورية بعد 1980 أجواء حاضنة لنموها وازدهارها في بذخ غير معقول من المهرجانات والجوائز والمكاسب. بل أن انحسار الوجودية في الأدب المنشور سبق الانحسار الشيوعي، قبل أن يمرّ في استحالات وأساليب تعبيرية جريئة ومجازفة لحركة مضادة ومختلفة داخل التيار العام لثقافة القطيع والديماغوجيا القومية. من المفيد هنا التنويه لتراجع حركة التأليف والنقد الفكري والأدبي تحت حكم البعث [1968- 2003] وشيوع الشعر والقصة والرواية والأغنية كأنماط سائدة على حساب غيرها. وبالتالي فأن التعبير عن أي ظاهرة أو فكرة، بغض النظر عن اتجاهها، كان لابدّ أن يتخذ من الأنماط السائدة نفقاً للعبور إلى المتلقي، متطلباً إعادة صياغة مناسبة لتهريب النص عبر أجهزة الرقابة الصارمة من جهة وعنجهية الاقطاع الستيني المهيمن على مؤسسات ثقافة النظام إزاء نصوص جيل الشباب الطليعية. أما سبل النفاذ للنشر ، فتمثلت بالطبع على النفقة الخاصة في المطابع الأهلية أو خارج البلاد، ناهيك عن الغرائبية والتغريب في اللغة والأسلوب. ويمكن تأشير ظاهرتين في الأدب المكتوب في ظل العسكرتاريا والدكتاتورية، مقابل تراجع التأليف البحثي والنقدي: - تراجع التيار الاجتماعي في الأدب؛ وتحوّل النصوص الأدبية إلى أوعية حاضنة لطروحات فكرية مموهة، بالغموض والرمزية. ويمكن اعادة قراءة تجارب عبد الرحمن مجيد الربيعي وفاضل العزاوي وجمعة اللامي وأحمد خلف القصصية والروائية،على سبيل المثال، كبيانات فكرية ومواقف سياسية مموّهة أكثر من البعد الدرامي لها.
ومن الممكن القول أن الفلسفة الوجودية كمرجعية ثقافية عراقية سبقت الافتئات الايديولوجي عقب الخمسينيات، ومع تراجعها في ظله إلا أنها لم تنتحر بانتحاره في ظل الدكتاتورية. بل شكلت درع الحصانة الذاتية في مواجهة نظرية القطيع الثقافي التي أريد تسويغها عبر نظرية الحرب الشاملة [دولة حرب، حكومة حرب، سياسة حرب، اقتصاد حرب، مجتمع حرب، (وبالتالي) ثقافة حرب]. لقد تم إعادة هيكلة الدولة والاقتصاد العراقي من أجل مفردة واحدة، هي الحرب. وتحولت وزارة الثقافة ودار الشؤون الثقافية العامة (آفاق) لتكريس مشروع ثقافة الحرب والعسكرة. وكانت المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون والصحافة العراقية بمثابة اعلام غوبلز ألمانيا. أما النتاج الثقافي العراقي ممثلاً في الشعر والقصة والرواية فلم يرتفع للمستوى الذي يرضي تطلعات القيادة. ورغم الشعارات التي صدرت تحتها سلاسل ديوان المعركة وقصص المعركة والرواية ، إلا أن المضامين المطروحة تراوحت بين حدين: العادية المفرطة حدّ السذاجة والتسفيه، سيما في شعر المديح والقعقعة وجانب من القصص، الخروج من رؤية الحرب إلى أفق الفلسفة والوجودية وتجاوز الواقع إلى الوجود والمطلق. وهو التيار الذي أصبح أكثر وضوحاً في نصوص التسعينيات وما بعدها، سيما مع ارتخاء قبضة النظام وتخبطه بعد ضربة 1991، وانتقال عدد كبير من أدباء العراق إلى المنافي . في الجانب الاجتماعي دفعت ظروف الحرب وانتشار الموت إلى انتشار الوازع الديني بين فئات الجنود والمدنيين على السواء، وبشكل ملحوظ. لكن مظاهر التدين هذه، برغم ما توفره من راحة نفسية وقناعة وتسليم بالقدرية، لم تتحول أو تفرز تياراً ثقافياً، ولم تهزّ المرجعيات الراسخة في الثقافة العراقية وآفاقها المنفتحة في كل اتجاه. فخرج النص العراقي معافى من حالة الحرب، ناظراً إليها عبر المطلق. النص الثقافي العراقي في أصله نص متمرد يحمل من الاحتجاج والمغايرة فوق ما يمكن من التسليم والتقية. ان الحالة التي تستدعي التوقف في هذا الصدد، هي مصير الأسرى العراقيين في ايران والضغوط الدينية التي واجهوها لتبني الفكر الحاكم، وقد انتقل بعض أولئك مع انتقال ممثلي الفكر الديني هذا الى العراق وشكلوا قاعدة (!) ثقافة مؤسساتية جديدة في العهد الجديد.
لم تستطع مطرقة الدكتاتورية وسندان الحرب والأيديولوجية أن تمسخه وفق شهواتها. وسقوط أسماء معينة ومحددة في وحل تينك الفترة المظلمة، هو تأكيد على رفض الآخرين الانضواء للعبة، على الأقل ليس بنفس المستوى أو التطرف. وهنا، لا ينبغي التقليل من ضراوة تلك المرحلة، سيما من قبل المثقفين العراقيين. هذه المرحلة الشوفونية المظلمة من تاريخ العراق والتي أعادت صياغة تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط وكانت مفتاحاً لها ودالة عليها، لا تقارن إلا بفترة الحكم النازي [1933- 1945] في ألمانيا وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أوربا والعالم. وإذا كانت الدكتاتورية النازية قد أنتجت حرباً [عالمية] بالمقاييس الغربية فأن الدكتاتورية الشوفونية قد عرضت العراق والمنطقة إلى ثلاثة حروب تدميرية، بلغت فيها أعداد الجيوش المشاركة والأسلحة والأعتدة نوعا وكماً والخسائر المادية أضعاف ما في الحرب العالمية الثانية (باستثناء الخسائر والأضرار البشرية!). وبالتالي، إذا كانت الفترة النازية والحرب العالمية الثانية، قد أنتجت مرحلة جديدة في حركة الثقافة والأدب الأوربي والغربي وبلغات متعددة، فليس من الصواب التواضع في تقدير ما حصل في العراق على حركة الثقافة والأدب العراقي بل حركة الثقافة والأدب في المنطقة ككل. ومن هذا المنطلق يجدر استيعاب الملامح الجديدة والاستحالات العديدة التي تتكشف عنها النصوص العراقية في الطريق إلى ترسيم ثقافة إنسانية جديدة هاجسها الانسان أولاً، ورفض الاملاءات الايديولوجية مهما كانت المصادر والمبررات.
وهنا نشير إلى اتجاهات عامة وتيارات محددة في الأدب العراقي الراهن: نزعة العبث، نزعة العدمية، نزعة وجودية تتروح بين قطبي الوجودية الملحدة أو المؤمنة، وتتكشف الثانية في نزعات صوفية متفاوتة في العمق والسعة والاتجاه. نزعة واقعية اجتماعية عقلانية. وكل منها يكشف عن صلته ومرجعيته الوجودية بشكل أو آخر. قد يرى البعض في تلك الملامح أو الاتجاهات انعكاساً مباشراً لفترة الحروب وفوضى التغيرات السياسية الجارية في العراق وما يتخلف عنها من دمار اجتماعي وروحي وإحباط فكري ونفسي، كان المثقفون العراقيون فيه ضحايا مزدوجة للحرب والدكتاتورية من جهة ولمرحلة ما بعد الدكتاتورية كتيار ثقافي علماني. الحقيقة أن الرؤية الثقافية العراقية في بعديها، الحضاري والوجودي، لم ترتبط بالتغيرات والاهتزازات السياسية والعسكرية، وانما استفادت من كل ذلك كزخم أضافي كما في حالة الحرب وإرهاب الدولة، وما يجري الان من حركات أيديولوجية راديكالية شمولية ليست سوى ألوان جديدة في قوس قزح العروبية والقومية والماركسية التي شهدها العراق والمنطقة من قبل، وبالتالي، سوف تنعكس آثارها لصالح الفكر العلماني وفلسفة الوجود في الثقافة العراقية. وتبقى هذه القراءة، واحدة من القراءات الممكنة والمفتوحة في المرحلة العصيبة للثقافة العراقية. على أن كل القراءات، تتجمع مثل روافد عديدة وتصبّ في نهر واحد، هوية الثقافة العراقية الواحدة والأصيلة، أصالة تاريخه العريق وملحمته الخالدة.




#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غوته.. عاشق الشرق والنساء
- سميثا
- لماذا نعيش في عالم سيء؟
- جدليةُ النسيانِ والذكرى في شعر مهدي النفري ..
- سياسات التهجير والتطهير العرقي والتوزيع الطائفي في العراق
- جدلية الاغتراب والوهم بين صلاح نيازي وابن زريق
- رغم أني جملة كتبتها السماء-
- المنظور الاجتماعي في قصص صبيحة شبر : امراة سيئة السمعة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - نزعات وجودية في الأدب العراقي