أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة















المزيد.....


نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 8025 - 2024 / 7 / 1 - 17:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تم اختراع التعليم في بلاد الرافدين من قبل السومريين بعد تأسيس الكتابة حوالي عام 3500 قبل الميلاد. وكانت المدارس الأولى ملحقة بالمعابد، ثم شُيّدت لاحقاً في مبانٍ منفصلة التي أتقن فيها كتّاب بلاد الرافدين القديمة مهنتهم من خلال نسخ وحفظ الأعمال المكتوبة الأولى في التاريخ .
عُرفت مدرسة الكتّاب باسم "إدوبّا Edubba" (بيت الألواح) ، حيث كان التلاميذ ينسخون واجباتهم المدرسية بالخط المسماري على ألواح طينية. وقد أُكتشفت مواقع المدارس لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، عندما قام علماء الآثار الأوروبيون والأمريكيون بتنقيبات مكثّفة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأدنى، وخاصة في العراق . واستناداً إلى معلومات عدد من الألواح المُكتشفة تحت أطلال مدينة نيپور ( في المقام الأول) وأماكن أخرى؛ كان التلاميذ يدخلون المدرسة قبل سن الثامنة ويتخرجون منها بعد حوالي اثني عشر عاماً ، وذلك حينما يتقنون كلا الكتابتين السومرية والأكدية، ومجموعة من المعارف المختلفة بما في ذلك الزراعة ،التصميم المعماري ،الفلك ،علوم الأحياء، الهندسة ،التاريخ ،الأدب، الطب ،الفلسفة ، والدين .
تم الاحتفاظ بالنمط الأساسي لـ إدوبّا منذ تأسيسها قبل عصر الأسرات المبكرة (عام 2900-2334 قبل الميلاد) ،وحتى سقوط الإمبراطورية الآشورية الجديدة (عام 912-612 قبل الميلاد). وكان هناك نظام تعليمي آخر في المنطقة بعد عام 612 قبل الميلاد على غرار نموذج إدوبا السومري ، ولكن الدليل الواضح على وجود المدارس ونظامها الذي جاء من فترة الأسرات المبكرة ؛ كان خلال عهد الملك الآشوري الجديد آشور بانيبال (عام 668-627 قبل الميلاد). كما ساعدت بقايا مكتبة آشور بانيبال في نينوى وتلك الموجودة في مدارس الكتّاب في نيپور علماء التاريخ بالكثير مما هو معروف الآن عن الأدب السومري والنظام التعليمي في بلاد الرافدين القديمة .

الكتابة والمدارس الأولى
اخترع السومريون الكتابة خلال فترة أوروك (عام 4100-2900 قبل الميلاد) ، وفي حوالي عام 3500 قبل الميلاد كانت وسيلة الاتصال الفاعلة في التجارة الخارجية . وقد تطورّت التجارة في بلاد الرافدين القديمة بحلول ذلك الوقت من التبادل التجاري المحلي إلى التجارة الخارجية . وكان التجار بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على التواصل بوضوح مع وكلائهم و زبائنهم في المناطق البعيدة .

ان الأساليب المُبكرة مثل؛ الكرات الطينية المعروفة باسم الـ "بولّي"؛ التي تحتوي على رموز تمثل البضائع ،والتي تحولّت فيما بعد إلى رموز مصوّرة رافقتها الألفاظ الصوتية والأيقونات (رموز وعلامات تمثل الكلمات) إلى نصوص مسمارية، تم تعديلها عام 3200 قبل الميلاد كي يسهل استخدامها، ولكنها كانت تتطلب تدريباً مطوّلاً لإتقانها.
بحسب النّص السومري "إنميركار والإله أرّاتا "، من الملحمة الأدبية المعروفة باسم " قضية أرّاتا" (التي يرجع تاريخها إلى عام 2047-1750 قبل الميلاد)، فإن الكتابة قد اخترعها إنميركار ملك أوروك ؛وذلك عندما وجد خادمه رسالته المُبعثة (شفهياً) إلى إله أرّاتا طويلة لحفظها. ويقال إن إنميركار قد أمسك بقطعة من الطين وقلم من القصب لكتابة الرسالة. وعلى الرغم من أن هذا المشهد مجرّد وصف خيالي ؛ إلا أنه يُعدّ ما كان بلا شك حافزاً كبيراً للتواصل الكتابي . وبمجًرد ما إن تطوّر نظام الكتابة، كان من الضروري الحفاظ عليه وتدريب الآخرين على إتبّاعه ، وهذا بدوره قد أدى إلى تأسيس المدارس الأولى . وأشار البروفيسور ستيفن بيرتمان إلى ذلك ، كما في المقطع التالي :
" أقدم دليل هي قوائم كلمات المفردات، عُثر عليها تحت أطلال مدينة أوروك ويعود تاريخها إلى حوالي عام 3000 قبل الميلاد، وهي قريبة من تاريخ اختراع الكتابة نفسها. ومنذ عام 2500 قبل الميلاد، ظهرت بقايا أثرية للمدارس الحقيقية الأولى، والتي تم تشييد اثنتين منها على الأقل بموجب أمر ملكي . ومن عام 2500 إلى عام 2000 قبل الميلاد، عُثر على أدلّة كافية لتوثيق عمل النظام المدرسي الحقيقي . ويأتي الدليل الإضافي على شكل مئات من الألواح المسمارية، والواجبات البيتية الفعلية وتمارين الفصول الدراسية للتلاميذ القدماء، بدءاً من المبتدئين إلى المتقدمين، بالإضافة إلى جملة من توجيهات وإرشادات معلميهم ، وكذلك النصوص الأدبية القصيرة عن الحياة اليومية في مدارس بلاد الرافدين . ويعود تاريخ الأدلة الوفيرة إلى ما بين عامي 2000 و 1500 قبل الميلاد، وحُصل عليها من جميع المدن الرافدينية القديمة ." (ص 301)
كانت المدارس الأولى جزءاً من مجمع المعابد في المدينة، ويديرها الكهنة، ولكن في الفترة من عام 2900 إلى عام 2500 قبل الميلاد، أصبحت المدارس عبارة عن منازل خاصة أو مبانٍ شُيدّت لخدمة التعليم . والمباني المدرسية التي تم اكتشافها في مدن ماري ،ونيپور، وأور، وأوروك، وسيپار؛ كانت تتكون من فصول دراسية ذات مقاعد من الآجر يجلس عليها التلاميذ ، وهناك مساحة صغيرة عند مدخل الفصل أو قاعة الدرس مخصصة للمعلّم . وقد كتب البروفيسور بيرتمان التعليق التالي حول هذا الجانب :
"من المحتمل أن يحتوي الفصل الدراسي على رفوف يوضع عليها الألواح الطينية المكتملة بانتظار جفافها ، وصناديق تخزين اللوازم المدرسية المتنوعة ،وحفظ الكتب المدرسية، وربما حتى فرن لفخر ألواح طينية مختارة من أجل منحها الديمومة." (ص 301)

كان لدى المدارس أيضاً أوعية خزفية كبيرة يُخزّن فيها الطين الرطب لصناعة ألواح جديدة للكتابة ، وأوعية أخرى مملوءة بالماء لغمس الألواح القديمة فيها بقصد تليينها ومحي نصوصها، أو لإصلاحها وإعادة استخدامها مرة أخرى . والتلاميذ الذين بدأوا تعليمهم في وقت مبكر من سن الخامسة إلى السابعة و واظبوا على حضورهم المدرسة من شروق الشمس وحتى غروبها لمدة 24 يوماً على الأقل في الشهر (ربما على مدار العام)، وتخرجوا قبل العشرينات من أعمارهم أو بعدها بقليل ؛ قد أصبحوا كتّاب في مختلف مجالات المهنة .

التلاميذ والمعلّمون
كان دخول المدرسة ( إدوبّا) اختيارياً وليس إلزامياً، وتُموّل من قبل أولياء أمور التلاميذ من خلال الاجور الدراسية. ولم يكن الحضور سوى للأبناء الذكور من الطبقة العليا والملاّكين . وقد سُمح لبنات الملّاكين والتجار أو رجال الدين بالدراسة إذا كنّ يعملن بنفس مهنة عوائلهن ، ولكن يبدو أن الفتيات أعدادهن ضئيلة طوال تاريخ الإدوبّا . كما اُرسل العبيد في بعض الأحيان إلى المدارس، وخاصة أولئك الذين يتملّكهم التجار أو الكهنة، لكي يتمكنوا من المساعدة في التدوين وتقييد حسابات أسيادهم . وكان يُطلق على التلميذ في السومرية " سوـ نومون numun ـ šu" أو "سوـ گال gal ـ šu ". وبنفس طريقة إنميركار في الملحمة، يبدأ التلاميذ تعليمهم بتناول قطعة من الطين ووضع علامات عليها بالقلم ( القلم ـ هو قصبة بردي صغيرة حافتها على شكل إسفين ) .
في عام 3200 قبل الميلاد، لم تكن تلك"العلامات" صور توضيحية؛ بل كانت عبارة عن 600 رمز مسماري، وكان لا بد من كتابة كل منها بدقة. كما أن للألواح الطينية أشكال و أحجام قياسية يحددها المعلمون ويصنعها التلاميذ ؛ لذا، كان على التلاميذ صناعة ألواح الكتابة الخاصة بهم، ومن ثم تعلّم طريقة النقش عليها بأدوات يصنعونها يدوياً .
يحتاج التلميذ المبتدئ وهو بعمر (5 ـ 7 ) سنوات عند دخوله بيت الألواح ( المدرسة) ؛ إلى معرفة كيفية التعامل مع لوح الطين والقلم بشكل صحيح قبل أن يتمكن من الكتابة . ولم تكن العملية سهلة ، وليست مجرّد ضغطة قلم على لوح من الطين ؛ إذ كان على التلميذ أن يمسك اللوح الطيني الطري في يد ، ويقلبه أثناء نقش العلامات المحددة باستخدام القلم في اليد الأخرى . ويتعلّم التلاميذ في البداية على طريقة مسك القلم وبأي اتجاه إن كان عمودياً أو أفقياً أو مائلاً . وكما بينّت ألواح الطين المُكتشفة في المناطق الأثرية ؛ كيف أن التلاميذ كانوا يتمرّنون على تلك الحركات لحين اتقانها .
لفرض بعض المفاهيم التربوية والحفاظ على الانضباط والسلوك الصحيح ؛ يتعرّض التلاميذ للضرب إذا فشلوا في أداء واجباتهم المدرسية أو خالفوا قواعد بيت الألواح . حيث يمكن للتلميذ أن يُعاقب بالضرب بسبب عدم تقديم واجبه اليومي ، أو ملاسنة بذيئة مع المعلّم ، أو التحدث في الفصل دون إذن ، أو التغيّب دون عذر مشروع ، أو مغادرة المدرسة مبكراً دون إذن ، أو ارتداء ملابس غير مناسبة ، أو بسبب تصرّف غير لائق ، أو أية مخالفة أخرى للقواعد التي وضعها مدير المدرسة "أب بيت الألواح "الذي يُطلق عليه في السومرية "إن ـ سي si ـ en" . وكان كل معلّم ذا خبرة في تخصصه . والتلاميذ الأكبر سنّاً، المعروفون باسم "الإخوة الكبار"، كانوا يساعدون المعلم في توجيه التلاميذ الأصغر منهم .

المناهج
ما أن يتقن التلميذ أسس وقواعد الكتابة المسمارية؛ يتم تعليمه كتابة العلامات والرموز وبعدها الكلمات، ومن ثمّ لوائح مفردات اللغة التي عليه حفظها. وبعد إتقان هذه اللوائح البسيطة، ينتقل إلى كلمات أكثر صعوبة في مختلف التخصصات تمتد من علم الفلك إلى علم الحيوان . ويتنقل التلاميذ بين أربع مراحل من الدراسة ، ولكل مرحلة يستخدمون صنفاً مختلفاً من ألواح الكتابة الطينية، والتي كما يوضحها هنا البروفيسور "أدولف ليو أوپنهايم" ؛ وذلك وفق ماقدّمه عالما الآشوريات "ميگان لويس" و"جوشوا بوين" في موقعهما الالكتروني "حمورابي الرقمي Digital Hammurabi" :
الصنف الأول: ألواح كبيرة متعددة الأعمدة أو الحقول .
الصنف الثاني: ألواح ذات حقل واحد مع 25% من النّص المُؤلَّف .
الصنف الثالث: ألواح مكونة من حقلين للمعلم والتلميذ .
الصنف الرابع: ألواح على شكل أقراص دائرية مع الكتابة الأساسية أو الأولية .

يبدأ التلاميذ بالصنف الرابع ثم ينتقلون تدريجياً إلى الصنف الأول عبر المراحل الأربع:
المرحلة الأولى : يستخدم التلميذ في هذه المرحلة لوحاً من الصنف الرابع ( الأقراص الدائرية)؛ والتي تتضمن تمارين الكتابة البسيطة والمصممة لتعليم التلميذ كيف يكوّن نموذج ( رأس المسمار أو الأسفين) مع علامات بسيطة.
المرحلة الثانية : يستخدم التلميذ في هذه المرحلة لوحاً من الصنف الثالث ؛ حيث يكتب المعلم النّص على الجانب الأيسر من اللوح ، ومن ثمّ يقوم التلميذ بنسخه على الجانب الأيمن . وغالباً ما يقع التلميذ بالخطأ ؛ لذا فإن الجانب الأيمن من الألواح التي عُثر عليها عادة ما يكون أرق من الجانب الأيسر بسبب فقدان سماكة الطين من كثرة التصحيح . كما يتضمن الجزء الخلفي من اللوح على الدروس السابقة المنتهية والمحفوظة من النّص .
المرحلة الثالثة : يستخدم التلميذ في هذه المرحلة لوحاً من الصنف الثاني؛ إذ تتضمن هذه الألواح على ربع أو أكثر من النّص الطويل المكتمل الذي تم حفظه.
المرحلة الرابعة : يستخدم التلميذ في هذه المرحلة لوحاً من الصنف الأول؛والذي يتضمن نصوص وقطع كاملة تم إنشاؤها من ذاكرة التلميذ، مع بيان إتقان الكتابة المسمارية ورصانة النّص .
اعتمد المنهج على صيغ الأمثال في جميع المراحل الأربع لتعليم الطلاب: المفردات الصحيحة، التشكيل، النحو، الأسلوب، والتفسير. وتتضمن مجموعة أمثال آشور بانيبال السومرية والبابلية المحفوظة في مكتبته في نينوى، العديد من صيغ الأمثال التي تندرج في الواجبات البيتية لتلاميذ مدارس الكتّاب. حيث تم التركيز على الأمثال بشكل خاص في السنوات الأولى من التعليم استعداداً للمراحل المتقدمة من الـ "تيتراد" (أربعة مؤلفات) ،والـ "ديكاد" (عشرة مؤلفات) التي يجب إتقانها، إلى جانب المؤلفات الأكثر صعوبة ( هاوس أف House F)، قبل أن يتمكن التلميذ من التخرّج .

نصوص الـ "تيتراد Tetrad" والـ ديكاد Decad و مصطلح الـ "هاوس أف House F ":
تم اكتشاف نصوص الألواح في نسخ عديدة تحت أطلال مدرسة الكتّاب في مدينة نيپور، والتي حددها علماء الآثار باسم هاوس أف "House F". وقد أشار البروفيسور جيريمي بلاك الى هذا المصطلح ، كما في المقطع أدناه :
"تمثل الألواح الأدبية من "House F" بشكل لافت للنظر المجموعة الأدبية السومرية ككل. ويرجع ذلك إلى أنها قد أثرّت بعمق على مفاهيمنا حول ما كانت تحمله من قيم وأفكار؛ وذلك لأنها تأسست في نيپور؛ حيث كشفت التنقيبات الأمريكية في القرن التاسع عشر الميلادي الجزء الأكبر من الأدب السومري المعروف... وكانت نيپور بمثابة القلب الثقافي لبلاد سومر، باعتبارها موطن إنليل ( ربّ الآلهة) ." (ص 43)
على الرغم من أن أدب بلاد الرافدين كان أكثر كمّاً ونوعاً مما عُثر عليه في نيپور، إلا أنه أُكتشف نفس النصوص المنهجية الأساسية للـ تيتراد والـ ديكاد في أماكن أخرى .
أوّد أن أُشير هنا أيضاً إلى أن جميع عناوين النصوص والأعمال الأدبية الواردة في هذا المقال ومقالات سابقة لي، مضافاً إليها مؤلفات أخرى كثيرة غير منشورة أو مُعلن عنها الى الآن عن الأدب الرافديني القديم ؛ في أنني أعمل حالياً وبجهد متواصل على جمعها في مشروع كتاب ضخم من عدة أجزاء (حسب ما تقتضيه الضرورة)؛ ربما يكون الأول من نوعه على الصعيدين العراقي والعربي . وتلك المؤلفات منوّعة حسب تصنيفها الأدبي: القصيدة الشعرية ، القصيدة النثرية، الترنيمة ، المسرحية ، التهويدة ، الاغنية ، الملحمة ، الترتيلة ، المناظرة ، القصة ، الرواية ، المشادّة الكلامية ، الجدل في الحوار، الانشودة، المرثية ، الأمثال، الحكم والأقوال ، المونولوج ،التعويذة ، الأسطورة ، وصنوف أدبية رافدينية أخرى . وسوف يرافق كل نّص الشرح والتفسير والغاية من تأليفه. وآمل في أن هذا الكتاب الذي سوف يكون غزير بمعلوماته؛ مفيد سواء بالنسبة للمهتمّين بالأدب الرافديني القديم والمتابعين له؛ أو باعتماده مرجعاً لدى المؤسسات البحثية والجامعات العراقية والعربية . كما قد يُنتفع منه أيضاً في تحديث المناهج الدراسية بمستوياتها المختلفة. لذا اقتضى التنويه ..

هذه النصوص كما أشارت إليها البروفيسورة "إلينور روبسون"؛ هي :
الـ "تيتراد" Tetrad ـ ( ترمز الحروف الانكليزية المرفقة مع عنوان النّص إلى أن نسخة هذا اللوح هي الأكثر وضوحاً مقارنة بالنسخ الأخرى) :
(ترنيمة ليپت ـ إستار B ، ومعروفة باسم ليپت ـ عشتار ) ، ( ترنيمة إيدين- داگان B) ، (ترنيمة إنليل ـ باني A) ،(ترنيمة نيسابا )

الـ "ديكاد" Decad :
(قصيدة تمجيد شولگي ) ، (قصيدة تمجيد ليپت ـ إستار < ليپت ـ إستار A> ) ، (أغنية المِعول)،(ترنيمة إنانا B < تمجيد إنانا > )، (ترنيمة إنليل في الـ إي ـ كور <إنليل A>) ، (ترنيمة معبد كيش) ، (قصيدة رحلة إنكي إلى نيپور) ،(قصيدة إنانا وإبه) ،(حكاية سجن الإلهة نونگال < نونگال A>) ، (قصيدة گلگامش وهواوا < گلگامش A>) .
كانت أعمال التيتراد فيها شيء من الصعوبة مقارنة بصيغ الأمثال والنصوص الأخرى التي أتقنها التلاميذ من قبل. أمّا نصوص الديكاد فهي مطوّلة وصعبة.

الـ هاوس أف House F (المعروفة أيضاً باسم The House F Fourteen) : وهي النصوص الأكثر صعوبة وتعقيد ، والتي يحتاج التلميذ إلى إتقانها تماماً قبل بلوغ التخرّج :
(حوار إدوبا B) ، (إدوبا C < نصيحة معلّم إلى تلميذه المتخرّج > ) ، ( قصيدة گلگامش وإنكيدو والعالم الآخر) ، (قصيدة أعمال ومآثر نينورتا) ، ( قصة لعنة أكد ) ، ( ترنيمة شولگي B ) ، ( مرثية أور) ، ( وصايا شوروباگ ) ، ( المسرحية الساخرة؛ رشوة معلّم ـ أو أيام الدراسة) ، ( جدال الأغنام والحبوب) ، (حلم دموزي ) ، ( إرشادات فلّاح ) ، (حوار إدوبا الأول ) ، ( مناظرة المعول والمحراث) .

عند المرحلة التي يتقن فيها التلميذ هذه النصوص ( وهو ما يعني نسخ وقراءة وإملاء وحفظ)؛ يدرك التلميذ في أنه أصبح كاتباً ، ويقوم بالتركيز على مجال اهتمامه (المشابه للتخصص في الجامعات) ثم يبدأ حياته المهنية. وقد أشار البروفيسور بيرتمان إلى هذه النقطة :
"كان الهدف من هذا النظام التعليمي هو تحويل الطفل الصغير إلى كاتب. وعندما يكبر، سوف يكون من خرّيجي النظام المدرسي في بلاد الرافدين، حيث يكون قادراً على خدمة المجتمع من خلال احتلال مكانه في عوالم المعبد والقصر وسوق العمل؛ وذلك بالاعتماد على مهاراته في القراءة والكتابة والحساب للنجاح في وظيفته. وقد يصبح البعض كتّاب محترفين يقومون بتأدية طلبات الآخرين في التأليف والنسخ . وآخرون اتبعوا مهن آبائهم كمسؤولين في الحكومة أو في المعبد، أو رجال أعمال ." (ص 303)
ولكن حياة المدرسة في السعي لتحقيق هذا الهدف لم تكن سهلة. إذ تصف المسرحية الساخرة " أيام المدرسة" هذه الحياة التي تضمنت الاستيقاظ مبكراً والوصول إلى المدرسة في الوقت المحدد، والواجبات المدرسية ، والضرب اليومي الذي قد يتوقعه التلميذ بسبب مخالفته التعليمات، وغيرها من المشاكل التي مرّ بها التلميذ في بلاد الرافدين القديمة .

وظائف وأعمال الكاتب
بمجرّد ما أن يتخرّج التلميذ؛ يُعترف به على أنه " كاتب الألواح" ، ويُعدّ واحداً من نخبة المجتمع . وفي اللغة السومرية يُطلق عليه " دوب ـ سار sar ـ dub"، وفي الأكدية ؛ "توپ ـ شار shar ـ tup " أو" توپ ـ شارّو sharru ـ tup"، وهي نفس التسمية التي تُطلق على معلّم المدرسة. وقد كان العمل مضموناً للكاتب في جميع مستويات المجتمع. إذ كان القصر يستخدم الكتّاب في الأعمال الإدارية والدبلوماسية ، وكذلك في تأليف الأغاني والترانيم والتراتيل، والقصائد والنقوش التي تمدح الملك وتذكر إنجازاته. واستثمر المعبد خدمات الكتّاب في تأليف ونسخ النصوص الدينية المقدّسة. كما وظفّ كبارالتجّارعدداً من الكتّاب لحفظ وتدقيق حساباتهم ، وإجراء المراسلات مع المورّدين والعملاء .
وبصرف النظر عن تلك الفرص، فقد عمل الكتّاب أيضاً كمهندسين معماريين، وعلماء فلك، ومنجمّين، وصانعي بيرة، و أطباء، وأطباء أسنان، ومسّاحين، وعلماء رياضيات، وموسيقيين، أو أية مهنة أخرى تتطلب معرفة القراءة والكتابة ودرجة عالية من التعليم . ويمكن للكتّاب أيضاً العمل لحسابهم الخاص، وذلك من خلال عرض خدمات مدفوعة الأجر . كما يمكن الاستعانة بكاتب الألواح من قبل أي شخص يحتاج إلى خطاب أو شكوى قانونية مكتوبة .

لقد قام الكتّاب في بلاد الرافدين القديمة بتأليف بعضاً من أهم الأعمال في الأدب العالمي، بما في ذلك ملحمة گلگامش، و نزول إنانا الى العالم السفلي، وبأساليب أدبية لازالت تتبع حتى اليوم ،كما يتضح ذلك من خلال مجموعة كبيرة من الأعمال :
" وصايا شوروباگ" (أقدم عمل فلسفي مُكتشف)، و"ترنيمة المعبد كيش" (أقدم عمل أدبي مُكتشف حوالي عام 2600 قبل الميلاد)، وحوارات أدبية مثل "الجدال بين الطير والسمكة" ، وظواهر اجتماعية مثل "حكاية رجل فقير من نيپور" ، و"حوار التشاؤم" ، ومونولوجات درامية مثل "بيت السمك" ، والتربية الأخلاقية مثل" قصة إغتصاب الإلهة إنانا"، والترانيم مثل " ترنيمة شولگي" و"ترنيمة عبّارة شولگي والإلهة نينليل" ، وترنيمة نينكاسي" وهي وصفة لتخمير البيرة وتبجيل الإلهة نينكاسي . كما يُنسب إلى هؤلاء الكتّاب أيضاً تأليف أول رواية تاريخية في العالم من خلال الصنف الأدبي المعروف باسم "أدب نارو" ، وإعداد القوانين الأولى مثل "دستور أور- نمو"، و"دستور حمورابي".

لقد تعلّمت الكاهنة والشاعرة الأكدية "إنهيدوانا Enheduanna" أول مؤلفة في العالم معروفة بالاسم،الكتابة في مدرسة الكتّاب" إدوبّا". والكاتب البابلي "شين- ليقي-أونيني" (مؤلفاته تعود مابين عام 1300 وعام 1000 قبل الميلاد)، أيضاً الذي اعتمد على النصوص السومرية السابقة لصياغة النسخة المعدّلة من ملحمة گلگامش . ومع ذلك، فإن أسماء معظم الكتّاب غير معروفة حتى الآن ؛ باعتبار أن مؤلفاتهم ليست منسوبة إليهم ؛ بل كانت تُنجز لما يطلبه منهم زبائنهم مقابل أجور يتقاضونها . وعادة ما كانت تُنسب إلى الشخص الذي دفع ثمنها، أو نشرها دون اسم محدد في بعض الأحيان .
كان هؤلاء الكتّاب المجهولون مسؤولين في النتيجة بالحفاظ على لغات وديانة وثقافة بلاد الرافدين . وهناك ملكان مشهوران "شولگي أورـ نمّو" من سلالة أور الثالثة ، و"آشور بانيبال " من السلالة الآشورية الجديدة ؛ اللذان تمسّكا بتلك المبادئ . إذ أن الملك شولگي أورـ نمّو لم يكن يشجع على تأسيس مدارس الكتّاب في جميع أنحاء مملكته فحسب؛ بل أمر بتدوين جميع منجزات فترة حكمه لكي يبقى اسمه خالداً عبر الأجيال . كما بعث الملك آشور بانيبال وفوداً إلى جميع أنحاء بلاد الرافدين لإستعادة معظم الأعمال والمؤلفات المدوّنة القديمة وإضافتها إلى مكتبته ، وذلك بقصد تنمية ثقافة شعبه والحفاظ على تراثه الرافديني "إلى أيام بعيدة" ؛ وهو ما نجح في تحقيقه ؛ وكان ذلك ليس ممكناً إلاّ بعد تأسيس وتطوير مدرسة الكتّاب في بلاد الرافدين القديمة ..



ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ستيفن بيرتمان ـ الحياة في بلاد الرافدين القديمة ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2005 .
جيريمي بلاك ـ الأدب في بلاد الرافدين القديمة ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2006 .
صموئيل نوح كريمر ـ التاريخ يبدأ من سومر ـ طباعة جامعة بنسلفانيا ـ 1988.
صموئيل نوح كريمر ـ السومريون : تاريخهم ، ثقافتهم ، شخصياتهم ـ طباعة جامعة شيكاغو ـ 1971 .
پول كريڤاشيك ـ بلاد الرافدين ميلاد الحضارة ـ سانت مارتن گريڤين ـ 2012 .
أدولف ليو أوپنهايم ـ بلاد الرافدين القديمة: صورة لحضارة ميتة ـ طباعة جامعة شيكاغو ـ 1977 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفن في بلاد الرافدين القديمة
- كذبة أفلاطون في الروح
- الأزياء والملابس في بلاد الرافدين القديمة
- الفنّ والعمارة في بلاد الرافدين
- ثورة العمّال اللودّيين
- مَن هم شعوب البحر ؟؟
- الأعياد في بلاد الرافدين القديمة
- الحكومة في بلاد الرافدين القديمة
- النساء العالمات في ثورة العلوم
- قصة الوسيم نارسيسوس (نرجس)
- دعوى استئناف لإمرأة سومرية أمام محكمة في مدينة أوما
- هيبي إلهة خلود الشباب
- كيف كانت التجارة في بلاد الرافدين القديمة ؟
- معاداة السامية في أوروبا المسيحية
- الزقّورات في بلاد الرافدين
- الحروب وأدواتها في بلاد الرافدين القديمة
- الماء والخلق في فلسفة طاليس
- مملكة إسرائيل في التاريخ القديم
- كيف كانت حياة الأسرة في بلاد الرافدين ؟
- المرأة في مصر القديمة


المزيد.....




- شرطي يستخدم ألواج التزلج للتقرب من مجتمعه.. شاهد -الحيل البه ...
- ظاهرة نادرة في دبي.. ما سر تلألؤ أمواج البحر بهذا الوهج السا ...
- تامر حسني يعد معجبة مصرية بمفاجأة مشابهة بعد مفاجأة لعروس تو ...
- السعودية.. هكذا علّق أهلي جدة على تألق مدافعه التركي في كأس ...
- الحكومة الجديدة في مصر تؤدي اليمين الدستورية.. تعرف على الأس ...
- تركيا.. إصابة 11 شخصا في حادث سلم كهربائي بالمترو (فيديو)
- مطرب مشهور ينشر صورة مع وزير الدفاع المصري الجديد فور تعيينه ...
- وسائل إعلام مصرية تتحدث عن مفاجأة أثناء حلف اليمين أمام السي ...
- مسؤول ياباني يتحدث عن جرائم ذات طبيعة جنسية من عسكريين أمريك ...
- بعد تقديم -طعام ملوث-.. رحلة جوية أمريكية تقوم بهبوط اضطراري ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة