أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم البيك - مضرّج بالأمكنة














المزيد.....

مضرّج بالأمكنة


سليم البيك

الحوار المتمدن-العدد: 1766 - 2006 / 12 / 16 - 10:51
المحور: القضية الفلسطينية
    


ألم تقرأ "عائد إلى حيفا"؟!
لا, ليس سؤالاً عادياً, أو على الأقل بالنسبة لي, أو لم يعد كذلك. سؤال أربكني و أرعشني و جَلَدني فذكّرني بأني لاجئ, بأني لا أعيش في تلك البلاد. بأني لم أشرب من مائها أو آكل من خبزها أو أقشر برتقالها بأصابعي العشرة هذه. بأني لم أغتسل بغبارها و لم أتعطر برذاذ مطرها قبل موعد انهماره المهتاج اشتياقاً للأرض هناك. بأن ركبتي لم تُجرح حين تعثرت على أرضها, بأني لم أتعثر أصلاً على تلك الأرض و لم أطأها حتى. بأني مهما فعلت و صرخت و مشيت و بكيت و حلمت و كتبت سأظل غريباً عن البيوت و الحارات القديمة و عن أناسي الساكنين هناك. أخاف يوماً من نظرات الحجارة إليّ حين ترى بغتةً غريباً أقبل فجأة يقبّل جوانبها بنهم فقيرٍ محروم. سؤال ذكرني بأني مهما عشقت من نسائها سأبقى لاجئاً, يمضي أكثر لياليه شبقاً و سفكاً للدموع في الكتابة عن حارسات عكا و حيفا و ما حولهما.
رُميتُ بالسؤال فجاء كحجر فجّ روحي, فنزفت أمكنة لم تكن الحليصة بينها . كنت أتكلم مع إحدى الحارسات هناك عبر الجهاز المحايد و الشبكة اللئيمة. كانت تنوي زيارة الحليصة, المكان الذي مسّ فيّ فلسطينيتي يوماً, و الذي, ربما, أزوره قبل بلدتي ترشيحا بسبب سؤالها ذاك. سأحج إليها حتى تحفظ الحليصة شكلي و رائحتي و إيقاع خطواتي علّي أكفّر عن بعض مما ارتكبت في حقها حين مررت عليها أثناء قراءتي الأولى لرواية كنفاني و كأني أي شيء, أي شيء أي قارئ غير فلسطيني, و كأنها أي شيء, أي مكان غير فلسطيني.
سألتها عن مكان الحليصة فوبّختني بكلمات مبللة بأنوثة عكيّة: سليم, ما قرأت عائد إلى حيفا؟ كنت قرأت الرواية قبل السؤال و لكن, لست هي, لم تعتد عليّ الأماكن هناك و لم أعتد عليها, فأنا أثناء قراءتي لم أردد فرِحاً كطفل وجد لعبته: هذه الحليصة, حيث كنت قبل شهرين أو أكثر قليلاً. هذه الحليصة, حيث يسكن صديق. هذه الحليصة, حيث أعيش... بل سألت كالتائه الخائف عن مكان الحليصة و تلقيت ما أستحق. بعد السؤال قرأت الرواية مرة أخرى أبحث فيها عن الحليصة. وجدتها, و لكن هنا, و فقط هنا, بين الصفحات و ليس حولي أو حول ذاكرتي, عرفت أنها تحتضن بيت "سعيد س" الذي هُجّر منها بقوة القدر الذي وصل قمة احترافه في سحق العدالة باحتقار عام 48. وجدتها و لكني لم أجد أحداً أعرفه يسكنها, و لم أتذكر مكاناً فيها كنت زرته, و لم أتذكر بأني وطأتها يوماً أو أني تعثرت على ترابها النضر. بلى, تذكرت شيئاً وقتها, تذكرت بأني واحد من ملايين اللاجئين, و أيضاً بأن القدر لم يتعب بعد.
وادي النسناس, شارع الملك فيصل, ساحة الحناطير, الهادار, وادي رشميا, البرج, المدينة القديمة. كل الأماكن تقتلني, تجهلني, كلها ذُكرت في رواية غسان و كلها كانت كبعضبها, كغيرها من الأماكن العابرة, أماكن لم أكن أعرف غير أنها في فلسطين و في أحسن الأحوال, في حيفا.
قالت لي إحداهن مرة بأنها إن أرادت أن تعرف شيئاً عن بلدتي ترشيحا فسأكون أول من تسأل. فُجّت روحي ثانية, و ما عاد الجرح يلتئم. قلت لها و الدم يقطر من بين الكلمات و الأمكنة: إن وجدتُني فجأة في إحدى حاراتها أضيع. خيتا, لم أعرف ترشيحا و لم تعرفني. أخافه حباً عذرياً, يدميني ببراءتها. ترعبني فكرة أن أكون غريباً عنها, أن ترفض قبلاتي, أني غريب, و أنا من يحبها حب الموغل بإيمانه لجنة لم يرها و لم تره, و لا يدري إن كانا سيلتقيان أم أنه كان إيماناً فاحشاً. أخاف أن أبقى غريباً منفياً بعد عودتي.
احكوا لها, لكل الأمكنة في فلسطين..
أنزف دمعاً و حبراً كل سطر و كل كلمة
أيكفّر هذا عما ارتكبت؟
اسألوها..
أتستقبلني يوماً؟
احكوا لها أن الجغرافيا لا تكفي لصناعة الغرباء
في حوار آخر مع ذات الحارسة, أخبرتها بأني أكتب حالياً عن الحليصة. فاستغربت, أو ظننته استغراباً حيت سألت: انت؟ فقلت محاولاً التبرير بجرأة هجومية مجردة من أسبابها: آ, أنا, ليش مستغربة؟ فسألتني ببراءة رشيقة: شو عمتكتب عنها..؟
لم أجب..



#سليم_البيك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقطة.. حرية
- هنا.. هناك
- عن الجليل و أيلول
- بيسارك.. على يسارك
- عالبيعة يا خيار
- قصة عاشق اسمه أبو علي مصطفى
- حبّ فلسطيني... في أربع ساعات
- موسيقى الكاتيوشا
- مع حبي.. ترشيحا
- في الجليل.. حياة
- أحمر أبيض
- وطن من اثنين
- غباء بكل الأحوال
- لا مكان للمساومة
- لرؤوس أصابع طاغية
- حرية تكفي.. لجمالها
- -اقعد عاقل-
- رفيقي فلاديمير
- ألا يكفي؟
- اختلفت المسميات


المزيد.....




- -قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ ...
- سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام ...
- الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء ...
- -سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد ...
- برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت ...
- إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات ...
- بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول ...
- مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
- بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
- -ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم البيك - مضرّج بالأمكنة