|
روح في بريق الشفق (حكاية زاهد عاشق)
خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8025 - 2024 / 7 / 1 - 02:50
المحور:
الادب والفن
الفصل الأول: بداية الرحلة
في أحد الصباحات التي يغمرها ضوء الشمس الذهبي، وقف الزاهد على عتبة مسكنه البسيط، يطالع الأفق الممتد أمامه كأنه لوحة أبدية. أخذ نفسًا عميقًا، شعر فيه بثقل الماضي ينزاح عن صدره، وكأن هذا النفس كان إعلانًا عن بداية جديدة، عن رحلة نحو العزلة التي طالما تاق إليها قلبه المتعب.
كانت الأشجار المحيطة تهمس بأسرارها، ونسيم الصباح العليل يداعب وجهه، يحكي له عن عالم آخر، عن مكان بعيد عن صخب البشر وضجيج المدينة. تذكر لحظات من ماضيه، كيف كان يركض خلف سراب الطموحات الدنيوية، وكيف كانت روحه تغرق في دوامات الشكوك والصراعات الروحية.
انطلق الزاهد في رحلته، قدماه تقودانه إلى واحة السكينة التي حلم بها. كان الطريق وعرًا، لكنه كان يخطو بخطوات واثقة، حاملًا معه زادًا من التأملات والتجارب التي صقلته عبر السنين. كل خطوة كانت تقربه أكثر من ذاته، من ذلك السلام الداخلي الذي طالما بحث عنه في زحمة الأيام.
على مدار الطريق، كان يسترجع ذكريات عن أصدقاء رحلوا، عن لحظات حب لم تكتمل، وعن أحلام تلاشت في أفق العمر. كانت هذه الذكريات تتقاطر على قلبه كقطرات المطر، تغسله من أثقال الماضي، وتمنحه طاقة جديدة ليواصل المسير.
في لحظة من الصمت العميق، توقف الزاهد ليجلس تحت ظل شجرة كبيرة، تأمل في أغصانها المتشابكة، وكأنها رمزٌ للعلاقات الإنسانية المعقدة. شعر بروحه تنساب مع أوراق الشجر المتساقطة، وتساءل عن معنى الحياة، عن الزهد الذي اختاره، وهل كان هذا القرار هروبًا أم بحثًا عن حقيقة أعمق؟
في تلك اللحظة، أدرك أن العزلة لم تكن غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لإعادة الاتصال بذاته، لفهم تناقضات روحه، وللعثور على السكينة في حضن الطبيعة بعيدًا عن صخب العالم. كانت السماء صافية، كأنها مرآة تعكس صفاء روحه الجديدة، وقد وعد نفسه بأن يواصل هذا البحث، وأن يكون صادقًا مع ذاته في كل خطوة يخطوها.
استجمع الزاهد قواه، واستأنف رحلته. كان يعرف أن الطريق طويل، لكن قلبه كان مفعمًا بالأمل، متطلعًا إلى واحة الأمل التي تنتظره في نهاية المطاف، حيث يمكنه أن يعيش حياة تتناغم فيها روحه مع الكون، وحيث يجد الإجابات لكل التساؤلات التي كانت تتردد في عقله كصدى بعيد.
الفصل الثاني: واحة الأمل
يصل إلى واحة هادئة، يحيط بها سكون الطبيعة. يتأمل جمالها الخلاب، حيث يجد الأمل ينمو في قلبه وسط الأشجار والينابيع، شاعراً بتواصل روحي عميق.
بدأت الأيام تمضي بهدوء، يمضي وقته في التأمل والصلاة، يراقب الشروق والغروب، ويستمع إلى صوت الطيور وهي تغرد، تغني أناشيد الحرية. كان هذا الهدوء يشفي جراح قلبه، ويمنحه فرصة للغوص في أعماق نفسه، لاكتشاف الحقيقة والجمال في أبسط الأشياء.
وفي كل ليلة، كان يجلس تحت سماء مرصعة بالنجوم، يتأمل في الكون الواسع، ويتساءل عن مكانه فيه. شعر أن كل نجمة تحمل رسالة، وكل كوكب يروي قصة. كانت هذه اللحظات تلهمه للتفكر في أسرار الحياة، وتمنحه القوة للاستمرار في رحلته الروحية.
أصبحت الواحة ملاذًا له، مكانًا يجد فيه السلام الذي كان يبحث عنه طويلًا. كانت الروحانيات تتجدد في قلبه، والشغف بالحياة يعود تدريجيًا، ليشعر بأن هذه الرحلة لم تكن عبثًا، بل كانت بداية جديدة لعلاقة عميقة بينه وبين الطبيعة، بينه وبين ذاته.
وهكذا، وجد الزاهد في واحة الأمل مكانًا يأويه، وملاذًا يعيد فيه بناء نفسه، بعيدًا عن صخب العالم وضجيجه، ليبدأ رحلة جديدة نحو الذات والسلام الداخلي.
الفصل الثالث: الزائرة الغامضة
في أحد الأيام، بينما كان الزاهد مستغرقًا في تأملاته بجانب البركة، لاحت في الأفق سيدة غامضة تقترب بخطى واثقة. كانت ملامحها تتسم بالهدوء والجمال، وعيناها تحملان بريقًا غامضًا كأنهما تحملان أسرارًا من عالم آخر.
تقدمت نحوه بخطوات هادئة، كأنها تعرفه منذ زمن بعيد. ابتسمت بلطف وألقت عليه تحية، فشعر بارتياح غريب يسري في نفسه. كانت ترتدي ثوبًا بسيطًا، ينسجم مع ألوان الطبيعة من حولها، وكأنها جزء من هذا المكان الساحر.
بدأت الحديث معه بعفوية، مستفسرة عن سبب اختياره العزلة في هذه الواحة البعيدة. كان حديثها عميقًا ومفعمًا بالحكمة، مما أثار فضوله ودفعه للحديث عن رحلته الروحية وأسباب انسحابه من ضجيج العالم.
كانت تستمع باهتمام، تُلقي بين الحين والآخر أسئلة عميقة، تجعله يتأمل في معاني جديدة للحياة والزهد. شعر وكأنها مرآة تعكس أفكاره وتساعده على رؤية ذاته بوضوح أكبر. كل حديث معها كان رحلة استكشافية لعوالم داخلية لم يكن يعلم بوجودها.
مع مرور الأيام، أصبحت الزائرة الغامضة جزءًا من روتينه اليومي. كانا يتجولان في أرجاء الواحة، يتبادلان القصص والتأملات، يراقبان الطبيعة، ويستمدان الحكمة من تفاصيلها الدقيقة. كانت تشاركه رؤيتها للعالم، وكيفية التوازن بين الروح والجسد، مما أضاف لرحلته بُعدًا جديدًا لم يكن يتوقعه.
بدأ الزاهد يشعر بأن وجودها أضفى على حياته طابعًا مختلفًا، طابعًا يمزج بين الهدوء العميق والمشاعر المتجددة. كان يتساءل عن سر هذا الانجذاب الغريب نحوها، وعن الدور الذي تلعبه في رحلته الروحية. هل كانت مجرد عابرة سبيل، أم أنها تحمل رسالة أعمق يجب عليه أن يفهمها؟
ومع كل يوم يمر، كانت الحوارات تتعمق أكثر، تتناول موضوعات عن الحب، الفقد، والزهد، وعن معنى الحياة وما بعدها. كانت الزائرة الغامضة تتحدث بحكمة وشفافية، تجعل الزاهد يعيد التفكير في كل ما آمن به، ويفتح قلبه لتجارب جديدة.
في إحدى الأمسيات الهادئة، بينما كانا يجلسان تحت سماء مرصعة بالنجوم، تطرقت الزائرة إلى الحديث عن الحب، مشيرة إلى أنه القوة التي تربط كل شيء في هذا الكون. أثارت كلماتها مشاعر مختلطة في قلب الزاهد، وبدأ يتساءل عن حدود الحب والزهد، وكيف يمكن للتوازن بينهما أن يفتح أبوابًا جديدة للروح.
الحب والزهد هما مفهومان عميقان يتجذران في الفلسفة والتجربة الإنسانية. يتداخلان بطرق متعددة، مما يثير تساؤلات حول ماهية الحدود وكيفية تحقيق التوازن بينهما.
الحب هو أكثر من مجرد عاطفة؛ إنه حالة من الفهم العميق والتواصل مع الآخر. ينظر بعض الفلاسفة، مثل أفلاطون، إلى الحب كقوة ترفع الروح نحو الجمال المثالي والحقيقة. يمكن أن يكون الحب وسيلة للاتحاد مع الآخر والارتقاء بالذات نحو الكمال.
الزهد، من ناحية أخرى، يمثل الانفصال عن الماديات والتعفف عن الرغبات الدنيوية. في الفلسفة الشرقية، يُعتبر الزهد وسيلة لتحقيق الصفاء الذهني والتحرر من العلل الدنيوية. يتجلى ذلك في السعي نحو الاستغناء والاعتماد على الذات.
في الحياة اليومية، يُعبّر الحب عن طريق الرعاية والاهتمام والتضحية. قد تتطلب العلاقات العاطفية قدراً من التفاني الذي يتعارض أحياناً مع مبادئ الزهد، حيث يُضحي الفرد برغباته من أجل من يحب.
عملياً، يُمارس الزهد من خلال البساطة في العيش والابتعاد عن الإفراط في الماديات. يتجسد ذلك في اختيار نمط حياة يركز على القيم الروحية والأخلاقية بدلاً من السعي وراء الممتلكات المادية. الحدود بين الحب والزهد تتمثل في قدرة الفرد على التوازن بين الانغماس في مشاعر الحب والمحافظة على نوع من الاستقلالية الروحية. قد يتطلب هذا وعياً مستمراً لضمان أن الحب لا يتحول إلى تعلق يعمي البصيرة، وأن الزهد لا يصبح عزلة تُفقد الإنسان دفء العلاقات الإنسانية.
التوازن المثالي يكمن في القدرة على العيش بحبٍ يتسم بالعطاء دون تضحية بالذات، وزهدٍ يسمح بالتجرد من الماديات دون فقدان الإنسانية.
شعر الزاهد بأن هذه اللقاءات كانت نقطة تحول في حياته، وأن الزائرة الغامضة لم تكن مجرد صدفة، بل كانت جزءًا من رحلته لاكتشاف أعمق معاني الحياة والوجود.
الفصل الرابع: كشف الحجاب
مع مرور الأيام، بدأت العلاقة بين الزاهد والزائرة الغامضة تتعمق. كانت حواراتهما تأخذ أبعادًا جديدة، حيث شعرا أن كلاً منهما يعكس روح الآخر، وكل لقاء كان يضيف طبقة جديدة من الفهم والانسجام.
في صباح يوم مشرق، قررت الزائرة أن تكشف بعضًا من أسرارها. جلست تحت شجرة نخيل وارفة الظلال، وبدأت تروي قصتها. تحدثت عن رحلتها الروحية الخاصة، وكيف أن الحياة قادتها إلى هذه الواحة بعد تجارب عديدة من الألم والفقدان.
كانت كلماتها تتردد في أذن الزاهد كأنها موسيقى مألوفة، شعر وكأن هناك خيوطًا خفية تربط بين تجربته وتجربتها. استمع إليها بإمعان، وأدرك أن لكل منهما رحلة فريدة، لكنهما يشتركان في بحثهما عن السكينة والمعنى الأعمق للحياة.
بينما كانت تتحدث، لاحظ الزاهد أن عينيها تحملان بريقًا من الحكمة والشجاعة، وكأنها قد واجهت تحديات تفوق قدرته على التخيل. كانت قصتها مليئة بالتضحيات والقرارات الصعبة، مما جعله يعيد التفكير في مفهوم الشجاعة والقدرة على التحمل.
بعد أن أنهت قصتها، نظرت إليه بعينين واثقتين، وقالت: "لقد جئت إلى هنا لأعيد اكتشاف ذاتي، ولأتعلم أن الحب والزهد يمكن أن يتواجدا في نفس القلب." كانت كلماتها تتغلغل في روحه، وتعيد ترتيب أفكاره حول الحياة والعلاقات.
شعر الزاهد بتغير عميق في نظرته للعالم، أدرك أن العزلة التي اختارها لم تكن هروبًا من الواقع، بل كانت فرصة لإعادة اكتشاف ذاته، والتواصل مع أشخاص يمكن أن يكون لهم تأثير إيجابي في حياته.
في تلك اللحظة، شعر بأن حجابًا كان يغطي عينيه قد انكشف، وأنه بات يرى الحياة بنظرة أكثر وضوحًا وتفهمًا. كان حضور الزائرة الغامضة في حياته بمثابة منارة تضيء له الطريق، وتفتح له أفقًا جديدًا لم يكن يراه من قبل.
استمر الحديث بينهما لساعات، يتبادلان الأفكار والتجارب، ويشعران أن كل كلمة تزيد من عمق الرابط الروحي بينهما. كانت هذه اللقاءات بمثابة نافذة جديدة للزاهد، نافذة تطل على عالم مليء بالتجارب الغنية والمعاني العميقة.
وفي ختام ذلك اليوم، أدرك الزاهد أن الرحلة لم تكن مجرد رحلة نحو العزلة، بل كانت رحلة لاكتشاف أعماق نفسه، ولإعادة تعريف معنى الحب والزهد في حياته.
الفصل الخامس: بريق الذكريات
في مساء هادئ، جلس الزاهد والزائرة تحت شجرة معمرة، بينما كان القمر ينثر ضوءه الفضي على الواحة. بدأت الزائرة تروي ذكرياتها عن ماضٍ بعيد، عن حبٍ لم يكتمل وأحلام ضاعت في مهب الريح. كان حديثها مؤثرًا، تملأه الشجون والعبرات.
استمع الزاهد بعمق، وكان كل تفصيل يروى يفتح في قلبه نافذة إلى ذكرياته الخاصة. تذكر لحظات عاشها، حبًّا قديمًا لم يكتمل، وأصدقاء تركوا بصماتهم في قلبه ثم اختفوا. شعر أن كلمات الزائرة كانت تلامس أوتار روحه، تحرك في داخله مشاعر كانت مدفونة.
كانت الزائرة تتحدث عن شوقها لتلك اللحظات، وكيف أن الذكريات تشكل جزءًا لا يتجزأ من شخصيتها. تساءلت بصوت هادئ: "هل يمكننا حقًا أن نتجاوز الماضي؟ أم أنه يظل يرافقنا، يشكل ملامحنا وأحلامنا؟" كانت هذه الكلمات تعكس صدىً في قلب الزاهد، تدفعه للتأمل في علاقته بذكرياته.
بينما كانا يتبادلان الذكريات، أدرك الزاهد أن الماضي ليس مجرد سلسلة من الأحداث، بل هو نسيج من العواطف والتجارب التي تصقل الروح. شعر أن هذه الذكريات، رغم ألمها، كانت تحمل في طياتها دروسًا قيّمة ساعدته في رحلته الروحية.
مع تلاقي الأعين، شعر كلاهما بتواصل عميق، وكأن الماضي قد أسس جسورًا بين روحيهما. تحدثا عن الفقد، عن الغياب، وعن الأمل الذي ينبثق من بين الحطام. كانت هذه اللحظات تعيد صياغة فهمهما للحياة، وتجعل كل منهما ينظر إلى المستقبل بتفاؤل.
أصبحت هذه الحوارات ملاذًا للزاهد، يجد فيها عزاءً ومواساة، ويكتشف من خلالها عمق التجارب الإنسانية. كان يدرك أن كل لحظة، كل ذكرى، كانت تسهم في تكوين شخصيته، وفي تشكيل طريقه نحو السكينة.
ومع انتهاء تلك الليلة، شعر الزاهد بأن بريق الذكريات لم يكن مجرد عبء، بل كان نورًا يضيء له الطريق، يساعده على فهم ذاته وعلى تقبل ما مضى. أدرك أن الذكريات هي جزء من الرحلة، جزء من البحث عن الذات والحب الحقيقي، وأنه في نهاية المطاف، ليس وحده في هذه الرحلة.
الفصل السادس: رحلة الاكتشاف الروحي
بعد ليالٍ طويلة من التأمل والحديث، بدأ الزاهد يشعر بأن رحلته في واحة الأمل أصبحت أكثر من مجرد هروب أو بحث عن السكينة، بل أصبحت رحلة استكشاف لعمق الذات وللروحانيات التي تحكم الحياة. تراجع في ذاكرته إلى أيام الصغر، إلى الأحلام البسيطة التي كانت تملأ قلبه قبل أن تبتلعه زحمة الحياة اليومية وضجيجها.
في إحدى الصباحات الهادئة، استيقظ مبكرًا، أخذ يتجول بين أرجاء الواحة، يتأمل في جمال الطبيعة ويستمع إلى هدير النخيل وصوت الطيور التي تستيقظ لتستقبل فجر جديد. كان الصمت والهدوء يحيطان به كلما تقدم في تلك الرحلة الصباحية، وكأن الكون بأسره كان يشاركه الاحتفال بالحياة.
توقف عند حواف البركة الصغيرة، نظر إلى تلك الأمواج الهادئة التي تعكس له صورته الهادئة. شعر بالسكينة والراحة تملأ كل خلية في جسده، كما لو أن كل قطرة من ماء البركة تحمل في طياتها أسرارًا لم يكن يعرفها من قبل.
أخذ يتأمل في معنى الحياة وأسرارها، في كيفية تقبل الحزن والفرح بنفس السلاسة، في كيفية التوازن بين الروح والجسد، وفي كيفية أن يكون إنسانًا حقيقيًا في عالم متناقض ومتغير. كانت هذه اللحظات تعيد له الإيمان بأن الحياة ليست مجرد سلسلة من الأحداث، بل هي رحلة لاكتشاف الذات والتعمق في معانيها العميقة.
وفي تلك اللحظات، جاءت الزائرة الغامضة، وقد أحضرت معها بعض الزهور من حديقة الواحة. تقدمت بهدوء، وعطر الزهور يعبق في الهواء المنعش. لم يحتج الزاهد للكلام، فالصمت بينهما كان يكفي ليعبر عن كل ما يجول في ذهنيهما.
جلسا معًا تحت ظلال شجرة كبيرة، تبادلا النظرات التي تحمل في طياتها الكثير من الحكمة والتفاهم. بدأت الزائرة تروي قصصًا من عالم آخر، قصصًا عن الحب والخيبات، عن الأمل والاستسلام لإرادة الحياة. كان كلامها يتسلل إلى قلبه كالنسمات الخفيفة، تداعب الروح وتملأ الفراغات بالحنان والتفاؤل.
مع كل كلمة تتبادلها الزائرة، كان الزاهد يشعر أنه يكتشف جزءًا جديدًا من ذاته، جزءًا لم يكن يعلم بوجوده من قبل. كانت تلك اللحظات كما لو أنها تقودهما في رحلة سحرية نحو الحقيقة الداخلية، حيث يتجاوزان الكلمات ويصلان إلى معاني لا تُعبر عنها الألسن.
ومع انتهاء تلك اللقاءات، أدرك الزاهد أن الزائرة الغامضة لم تأتِ كمجرد زائرة، بل كانت هي الرابط بينه وبين الحياة بما فيها من ألم وسعادة، من تساؤلات وإجابات. أدرك أن هذه الرحلة ليست مجرد بحث عن السلام والهدوء، بل هي بحث عن الذات، عن الوعي بالحياة، وعن التواصل العميق مع كل جزء من واقعه وماضيه.
وفي ذلك اليوم، بات الزاهد أكثر إدراكًا لقدرته على التأثير على العالم من حوله بسلام داخلي ينبع من الراحة والقبول والتسامح.
في عالم يعجّ بالتحديات والتناقضات، تأتي الراحة كنفحة عطرة تُداعب أرواحنا المرهقة. هي لحظة سكينة تجتاح القلوب، تزيل عن كاهلنا ثقل الأيام وتشحن نفوسنا بنور الأمل. الراحة ليست فقط جسدية، بل هي سلام داخلي يمنحنا القوة لمواجهة الصعاب.
أما القبول، فهو الزهرة التي تنمو في حديقة التفاهم. هو أن ننظر إلى الآخر بعين الرحمة والتقدير، متجاوزين الاختلافات التي قد تباعد بيننا. القبول يفتح لنا أبواب التعلم والنمو، ويعزز الروابط الإنسانية التي تشدنا إلى بعضنا بعضًا.
والتسامح، ذاك البلسم الذي يداوي جراح الماضي، هو تاج القلوب النبيلة. هو قرار نبيل ينم عن عظمة الروح وقوة الإرادة. التسامح يمنحنا حرية من قيود الغضب والأحقاد، ويسمح للسلام بأن يعمّ في دواخلنا، ليكون انعكاسًا للسلام الذي نرجوه للعالم من حولنا.
في هذه الدائرة السامية من الراحة والقبول والتسامح، نكتشف حقيقة إنسانيتنا، ونخطو بثقة نحو مستقبل مشرق يحمل في طياته وعدًا بالأمل والوفاق.
الفصل السابع: وردة في بستان الحكمة
كانت الصباحات تأتي وتغادر، وكل يوم كان يحمل معه نسيمًا جديدًا من الحكمة والتأمل في حياة الزاهد. بدأ يومًا جديدًا في واحة الأمل بالاستيقاظ باكرًا، يشعر بالهدوء الذي يحيط به والسكينة التي تملأ قلبه. كانت هذه اللحظات مليئة بالتفاؤل والتأمل، حيث يتأمل الزاهد في معاني الحياة وغوامضها.
وفي ذلك الصباح، قرر الزاهد أن يجول في حدائق الواحة، يبحث عن لحظات من الصمت والتأمل. كانت الأزهار تتفتح ببطء، ترسم لوحات فنية بألوانها الزاهية على خلفية الطبيعة الخلابة. استقر عند واحدة من الأزهار النادرة، وهو يتأمل في جمالها الطبيعي وسحرها الخاص.
في ذلك الحين، تأتي الزائرة الغامضة، وكأنها تشعر بحضوره الداخلي. توقفت لحظة، ثم اقتربت بهدوء، تنثر رائحة الزهور حولهما. لم تحتج إلى كلمات لتبدأ الحوار، بل كان الصمت بينهما يكفي ليعبر عن كل ما يجول في ذهنيهما.
جلسا معًا تحت ظلال شجرة كبيرة، وبدأت الزائرة تتحدث ببطء، كأنها تروي قصة قديمة تحمل في طياتها دروسًا عميقة. تحدثت عن فصول الحياة، وكيف أن كل فصل يحمل معه تجارب تنمي الروح وتزرع الحكمة في القلب. كانت كلماتها تتناغم مع هدير النخيل ورقصة أوراق الأشجار مع هبوب الرياح اللطيفة.
وفيما بين الحديث والتفكير، بدأ الزاهد يدرك أن الحياة ليست مجرد سلسلة من الأحداث العشوائية، بل هي رحلة لاكتشاف الذات والتأمل في معاني الوجود. كان يفهم أن كل لحظة من الصمت، كل نسمة هواء، كل زهرة تنمو في حديقة الواحة، تحمل في طياتها دروسًا لا تُدرس في الكتب، وحكمة لا تُكتب إلا بلغة القلب.
وبينما كان يستمع إلى كلمات الزائرة، بدأ يدرك أن الواحة ليست مكانًا فقط للاسترخاء أو الهروب، بل هي مدرسة حياة تعلمه السكينة والتوازن، وتعزز من روحه وتقوي إيمانه. كانت هذه اللحظات تجربة روحية حقيقية، تدفعه للاستكشاف الداخلي وللنظر إلى العالم بعيون جديدة.
وفي نهاية تلك اللقاءات، أصبح الزاهد أكثر إدراكًا لما يبحث عنه في حياته، وأكثر ثقة بأن كل ما يحدث له له معنى وغاية. باتت الزهور والنخيل شهودًا على تلك اللحظات الجميلة التي غيرت نظرته للحياة، وأضافت له طابعًا جديدًا من السلام الداخلي والتأمل في قدرته على التأثير الإيجابي في العالم من حوله.
الفصل الثامن: رحلة الوجود والتحرر
في أعماق الليل، وتحت سماء مليئة بنجومها البراقة، جلس الزاهد وحيدًا على ضفاف البركة الهادئة. كانت الأفكار تتلاطم في عقله كأمواج هادئة، تراوحت بين ذكريات الماضي وأحلام المستقبل. كانت لحظات الصمت تحيط به كالغمامة الخفيفة، مما يساعده على التفكير بوضوح في معاني الحياة وأسرار الوجود.
مع كل رشفة من هدوء الليل ورائحة الأزهار اللطيفة، بدأ الزاهد يتذكر كيف بدأت رحلته نحو العزلة والتأمل. كان يتذكر لحظات الشك والتردد في البداية، وكيف أنه استمد القوة للمضي قدمًا من تجاربه ومن حكمة الزائرة الغامضة التي كانت تحضر في لحظات تعينه على التفكير بوضوح وقوة.
وفي تلك اللحظات الساحرة، توقفت الزائرة الغامضة على بُعد خطوات من الزاهد. كان وجهها يتلألأ ببريق النجوم، وكأنها تحمل في عينيها عمق الكون وجماله. دون أن تقول كلمة، نظرت إلى الزاهد بابتسامة تنطق بألف كلمة، وبدأت تتحدث بصوت هادئ ونبرة مليئة بالحكمة.
"كل لحظة في حياتنا، كل تجربة نمر بها، تضيف لنا قطعة جديدة في لوحة حياتنا. تذكر أن كل شيء يحدث لسبب معين، وأن كل معاني الوجود تتجسد في كل شجرة تنمو في هذه الواحة وفي كل نجمة تتلألأ في السماء."
كلمات الزائرة ترتسم في عقل الزاهد كأنها تتراقص على إيقاع الكون الذي يجمع بين السكون والحركة، بين النور والظلام. كانت تلك اللحظات كأنها تعلمه دروسًا أساسية في الاستقرار والتوازن، وفي كيفية تقدير كل لحظة في حياته كهدية تُعطى له.
في عالم يتسم بالتغير المستمر، يظل الاستقرار والتوازن كالنجم الذي يهتدي به المبحرون في بحر الحياة المتلاطم. الاستقرار ليس مجرد حالة من الثبات، بل هو شعور عميق بالسلام الداخلي، حيث تتوازن مشاعرنا وأفكارنا في انسجام تام. إنه الدعامة التي نستند إليها لنقاوم عواصف الحياة، ونجد فيها الراحة والطمأنينة.
أما التوازن، فهو الفن الراقي في السير بين المتناقضات. هو القدرة على الجمع بين العمل والراحة، الطموح والقناعة، الحب والمسؤولية. التوازن يضفي على حياتنا تناغمًا يجعلنا نشعر بالرضا والسعادة، ويمنحنا القوة لنحقق أهدافنا دون أن نفقد ذواتنا في الطريق.
تقدير كل لحظة في حياتنا كهدية ثمينة، هو عين الحكمة وجوهر الفرح الحقيقي. في كل لحظة، هناك فرصة للتأمل والتعلم، فرصة لنستشعر الجمال في أبسط الأمور، ونختزن الذكريات التي تضيء دروبنا. كل يوم جديد هو صفحة بيضاء، وكل لحظة تكتب حكاية جديدة تضيف إلى قصة حياتنا.
عندما نعيش بوعي لحاضرنا، ونقدر كل لحظة كهدية، نكتشف السعادة في التفاصيل الصغيرة، ونزرع في نفوسنا بذور الامتنان التي تنمو لتزهر حياة مليئة بالسلام والرضا.
الفصل التاسع: إشراقة الصباح الجديدة
في هذا الصباح، ترنحت الأشعة الذهبية للشمس فوق أسطح النخيل المتموجة، معبأة بدفء ينشر الحياة في كل زاوية من واحة الأمل. كانت الطبيعة تحتفل بانبعاثها من النوم، وكل نسمة هواء كانت تحمل في طياتها رائحة الفرح والتجدد.
كان الزاهد يجلس على بساط أخضر ناعم، يستمتع برؤية الفجر يتلاشى ببطء ويفسح المجال للنهار الجديد. كانت هذه اللحظات تنعش روحه وتملأ قلبه بالسلام، فقد كانت رحلته تدريجيًا تنقله من حالة البحث إلى حالة الوجود، حيث يعيش كل لحظة بكل تركيز وانغماس.
وفيما كان يستمتع بالهدوء والسكينة، ظهرت الزائرة الغامضة من بين أشجار النخيل. كان وجهها ينبض بالضوء الخافت للصباح، وكانت خطواتها هادئة كأنها تسير على أنغام الكون نفسه.
"اليوم، يوم جديد ينتظر أن تملأه بكل الأمور الجميلة التي ترغب فيها. كن هنا، في هذه اللحظة، ودع الحياة تأخذك برفق إلى أعماق السلام الداخلي والفرح."
كلمات الزائرة تداعبت مع النسمات الصباحية، وكأنها تذكر الزاهد بأنه بكل لحظة يعيشها بوعي، يستطيع أن يكون مصدرًا للخير والسلام من حوله. كانت هذه اللحظات تمنحه طاقة جديدة، تدفعه لاستكشاف المزيد من عمق الذات ولفهم أعمق لمعاني الحياة.
وبينما كانا يتبادلان الاحاديث الخفيفة، بدأ الزاهد يدرك أنه ليس وحيدًا في رحلته، بل أنه محاط بالكثير من الأشياء الجميلة والروحانية التي تعزز من رؤيته للحياة. كانت تلك اللحظات كما لو أنها تجمع بين الحكمة والحنان، وتعلمه كيفية الاستمتاع بكل لحظة كهدية تُعطى له من الكون بلا حدود.
وفيما مضت الدقائق الثمينة، بدأ الزاهد يشعر بالشكر العميق والامتنان نحو كل شيء حوله، حيث تناثرت بين أصابعه حبات الرمل الناعمة، وكأنه يعيد ترتيب كل شيء في مكانه الصحيح بداخله أيضًا. وكما ترتفع الشمس لتضيء الأرض بأشعتها، ارتسمت على وجه الزاهد ابتسامة تعبيرية تحمل معها أملًا وايمانًا بأن كل شيء سيكون بخير، وأن الحياة تحمل في طياتها معاني لا نهاية لها من السلام والتوازن والفرح.
وبينما تتلاشى صورة الزائرة الغامضة مع تزايد نور النهار، غادر الزاهد هذا الصباح بقلب ملئ بالسلام والاطمئنان، جاهزًا لاستقبال كل ما يحمله اليوم الجديد من تحديات وفرص لا نهاية لها في رحلته المستمرة نحو التأمل والنمو الروحي.
الفصل العاشر: العودة إلى الذات
كانت السماء صافية تمامًا في هذا اليوم، حيث تتوهج شمس الظهيرة بحرارتها المشرقة فوق سماء الواحة. كان الزاهد يجلس على شاطئ البركة، يتأمل في لمعان الشمس على سطح الماء الهادئ. كانت تلك اللحظات كالهدوء الذي يسبق العاصفة، حيث يستعد الزاهد لعبور مرحلة جديدة في رحلته الروحية.
بدأ يفكر في مسار رحلته، في الأشخاص الذين التقى بهم، وفي التجارب التي مر بها. كانت كل تلك اللحظات تعيد إليه ذكريات محفورة في عمقه، ذكريات تحمل في طياتها دروسًا لا تنسى وتجارب تشكلت كأحجار كريمة في مسيرته.
وفي تلك اللحظات، ظهرت الزائرة الغامضة مرة أخرى، كما لو أنها كانت تنتظر لحظة مناسبة لتعيد الزاهد إلى دروب التأمل والحكمة. جلست بجانبه بصمت، تنظر إلى نقطة بعيدة على سطح الماء كما لو كانت تتأمل في لحظة عميقة من التأمل.
"كم كنت بعيدًا في رحلتك، وكم أنت الآن أقرب إلى الذات التي تبحث عنها. كل ما مررت به، كان جزءًا من مسيرتك لتجديد الروح وتحقيق التوازن في حياتك."
كانت كلمات الزائرة كالنسمة اللطيفة، تنفخ في الزاهد الحياة الجديدة والأمل، تذكره بأن كل ما يحدث له له معنى وغاية في رحلته نحو الوجود الحقيقي. بدأ الزاهد يدرك أن العودة إلى الذات ليست مجرد نتيجة للانفصال عن العالم، بل هي تجربة تعليمية مستمرة تعزز من قدرته على فهم نفسه والعالم من حوله.
وفيما مضت الساعات، بدأ الزاهد يجمع أفكاره وتجاربه في مسيرته، يستخلص الدروس التي تعلمها ويعزز رؤيته للحياة. بدأ يفهم أن الحقيقة لا تكمن في البحث عن الكمال، بل في قدرتنا على قبول النقائص والتعلم منها، وفي تقدير اللحظات البسيطة والجميلة التي تملأ حياتنا بالفرح والسلام.
وفيما تغيب الشمس خلف السحب المتجمدة، غادر الزاهد البركة وهو يحمل في قلبه قطعًا من السلام الداخلي والاستقرار. كأن العودة إلى الذات ليست نهاية رحلة، بل بداية لمرحلة جديدة من التعلم والنمو، حيث يعيش كل لحظة بتركيز وتأمل، مدركًا تمامًا أن كل يوم هو فرصة جديدة لاستكشاف معاني الحياة والاستفادة من كل تجربة تعبر طريقه.
قبول النقائص هو أحد أعظم علامات النضج والوعي الذاتي. إنه الاعتراف بأن الكمال ليس من صفات البشر، بل هو سمة الطبيعة البشرية التي تفتح لنا أبواب التطور والنمو. حين نتقبل نقائصنا، نمنح أنفسنا فرصة ثمينة للتعلم والتطور، فنحول تلك العثرات إلى دروس قيّمة تعزز قوتنا الداخلية.
النقائص ليست عيوبًا يجب أن نخفيها، بل هي جوانب يمكننا أن نعمل على تحسينها. كل تجربة، مهما كانت مريرة، تحمل في طياتها درسًا خفيًا يساعدنا على فهم ذواتنا بشكل أعمق. إن التعلم من النقائص يعني أن ننظر إلى أخطائنا بعين الرحمة، ونعامل أنفسنا بلطف، مدركين أن كل خطأ هو خطوة نحو الحكمة والنضج.
عندما نقبل نقائصنا، نكون أكثر استعدادًا لقبول الآخرين بنقائصهم، مما يعزز روح التسامح والتفاهم. إنه تذكير دائم بأن الإنسانية فينا تتجلى في قدرتنا على التغيير والتعلم المستمر، وأن الجمال يكمن في الرحلة نحو الأفضل، لا في الوصول إلى الكمال.
الفصل الحادي عشر: الانطلاق إلى العالم الخارجي
بعد أن أمضى الزاهد أيامًا في عزلته، وبعد أن وجد السكينة والتوازن داخل نفسه، جاء الوقت للانطلاق مجددًا إلى عالم الخارج. كانت رحلته الروحية قد غيرت من نظرته للحياة، وقد منحته أدوات جديدة لفهم العالم بشكل أعمق وأكثر تسامحًا وحكمة.
في صباح مشرق، بدأ الزاهد يستعد لمواجهة التحديات الجديدة، ولكن هذه المرة بروح متجددة وقلب مطمئن. كانت الشمس تتلألأ في سماء صافية، وكان الهواء يحمل عبق النباتات ورائحة الأرض المبتلة بنسمات الصباح.
خرج الزاهد من مسكنه البسيط في الواحة، يحمل معه ثقة لا تتزعزع وتفاؤل يعكس النور الذي يشع منه. بدأ يتجول في دروب الواحة التي كانت شاهدة على رحلته الداخلية، وكأنه يودع كل شجرة وكل زهرة بوداع يملؤه الامتنان والحب.
وفي هذه الرحلة، وجد الزاهد نفسه يتوقف أمام بئر قديمة، تعود تفاصيلها إلى قرون عديدة. كانت البئر شاهدة على أجيال من الباحثين عن الماء والحياة، وكانت تحمل في عمقها أسرارًا وحكمًا لا يمكن أن يكشفها إلا القليلون الذين يمرون بهذه الأماكن.
جلس الزاهد بجانب البئر، يرمي حجرًا صغيرًا في عمق الماء ليسمع صدى صوته يتلاطم مع المياه. كانت هذه اللحظات تذكره بأن كل مكان وكل شيء في هذا العالم يحمل قصة ويحتفظ بحكمة لا تقدر بثمن، وأن كل ما يفعله يترك أثرًا في مسيرته وفي حياة الآخرين.
وفي تلك اللحظات، بدأ الزاهد يخطط للخطوات التالية في رحلته، وكانت خطواته تحمل في طياتها الاستعداد لاستقبال التحديات والفرص الجديدة بتفاؤل وثقة. رحلته لم تكن نهاية للبحث، بل كانت بداية لرحلة جديدة من الاستكشاف والتعلم، حيث يمضي قدمًا بنور الحكمة والسلام الداخلي، جاهزًا لمواجهة كل ما يأتي به العالم بأسره.
الفصل الثاني عشر: اللقاءات والمواقف
بعد أن أمضى الزاهد أيامًا في رحلته الداخلية وفي استعداده لمواجهة العالم الخارجي، بدأت الحياة تتدفق مجددًا بكل تفاصيلها البديعة والتحديات التي تحملها. كان الزاهد مستعدًا للخروج والتفاعل مع الناس والأحداث بروح من التسامح والحكمة التي اكتسبها خلال رحلته.
في أحد الأيام، التقى الزاهد برجل مسن، يحمل في وجهه علامات الزمن وفي عينيه حكايات لا تنتهي. كان الرجل يجلس تحت شجرة قديمة، يتأمل في أوراق الشجر وكأنه يقرأ كتابًا قديمًا يحكي قصص الزمان الماضي.
"سلام عليكم، يا صديقي." قال الزاهد وهو يقترب بخطوات هادئة.
"وعليكم السلام، يا شاب." رد الرجل بصوت هادئ ينبعث من بين شفتيه والتجاعيد العميقة.
جلس الزاهد بجوار الرجل، وبدأ الحديث بينهما كالنهر الهادر يجري بين الصخور الضارية. تحدث الرجل عن حكاياته وتجاربه في الحياة، عن كيف كان يبحث عن السعادة في الأماكن البعيدة وكانت السعادة تنتظره في قلبه طوال الوقت.
"الحياة هي رحلة لا نهاية لها، يا صديقي." قال الرجل بصوت يحمل في طياته حكمة السنوات الطويلة. "لا تبحث عن السعادة خارج نفسك، بل ابحث داخلك وستجدها هناك، بين روحك وقلبك."
كانت كلمات الرجل كالنور الذي يمتد على الأرض، تنير طريق الزاهد وتجلب له الوضوح في كل ما يراه ويشعر به. بدأ الزاهد يتعلم من كلمات الرجل، كيفية الاستماع إلى صوت الداخل وكيفية التفاعل مع العالم بروح السلام والتسامح.
وفي أحد الأيام الأخرى، التقى الزاهد بفتاة جميلة تداعب الأزهار البرية. كانت الفتاة تضحك بصوت عذب وتتسابق وراء فراشات ملونة تحلق في الهواء. توقف الزاهد ليشاهد هذا المشهد الجميل، ولحظات بعدها التقطت الفتاة نظرة إلى الزاهد وابتسمت ببراءة.
"ما اسمك؟" سأل الزاهد بلطف.
"أنا ليلى." أجابت الفتاة بصوت بريء.
وبدأ الزاهد في الحديث مع ليلى، تبادلا القصص والأحلام، وكانت كل لحظة من تلك اللقاءات تعزز من روحه وتجعله يفهم أن جمال الحياة يكمن في بساطتها وفي تلك اللحظات البسيطة التي تملأ قلوبنا بالسعادة والفرح.
وبهذه اللقاءات والمواقف، توسعت رؤية الزاهد ونمت حكمته، حيث أصبح يعيش بتفاؤل وسلام داخلي، جاهزًا لمواجهة العالم بكل تفاؤل وحكمة، وليكون دائمًا مصدرًا للخير والسلام في كل مكان يمر به في رحلته المستمرة نحو التعلم والنمو الروحي. الا انه بهذه الليلة امتزج بحب ليلى التي دخلت قلبه من الوهلة الأولى للقاء. لايعرف كيف تعانقا بلا مقدمات وكيف سرت مشاعر الدفء في دمه وقلبه فتحول الى زاهد عاشق بكل تلابيبه وانتقل الى سكرة الحب كانها سكرة الحياة. وفي غرامه مع ليلى تفتقت مشاعره عن شعر رقيق ابقاه عاشقا سرمدياً.
رقصة سرمدية
على حافة الشفق
تزحف السكينة بهدوء
والأحلام تجتاح المكان بلطف
فيما النجوم تزين الليل
ويغمر ضوء القمر العالم
بالضوء الفضي
اه حبي!
أنت عاصفة تخترق كياني
نار تحترق
سعي مضطرب
جمالك مثل وردة مزهرة
إلهي…
ها انا محفوف بالأشواك
التي تخترق قلبي هذا
مع تحول الفصول
ومرور اللحظات العابرة
روحي متشابكة مع روحك
تضيء أخيرا في العوالم
التي يمتزج فيها الزمان والمكان
حبنا الأبدي يصعد إلى السماء
يمتطي صهوة الاشواق
فيما وراء الخيال
حيث تلتقي الأرواح
في رقصة سرمدية
وتزهر الآمال
كزهر الربيع المتجدد
كل نبضة من قلبينا
تنشد أغنية الخلود
لتبقى ذكراها أبد الدهر
تسكن في أعمق زوايا الوجود
الفصل الثالث عشر: العودة إلى الواحة
كان الزاهد يتجول بين أزقة السوق الصغير في القرية القريبة، حيث يتجمع التجار والسكان المحليون لبيع منتجاتهم وتبادل الأخبار والقصص. كان السوق يزخر بألوان الحياة ورائحة البهجة، وكانت تلك اللحظات تذكره بأن الحياة تتمحور حول التفاعل والتواصل بين الأفراد، بينما يتبادلون الخبرات والتجارب.
في أحد الأكشاك، التقى الزاهد بتاجرة متواضعة، تبتسم بلطف وهي تعرض منتجاتها المحلية. كانت تاجرة متقنة في حرفتها، وكانت تعرف كل منتج من منتجاتها بشكل دقيق، وكانت تشرح بحماس كيف تم زراعته وتحضيره.
"مرحبًا بك، يا سيد الزاهد." قالت التاجرة بابتسامة دافئة.
"مرحبًا بك أيضًا." رد الزاهد بلطف، مستمعًا لسرد التاجرة عن النباتات والأعشاب التي تنمو في الواحة وكيف يمكن استخدامها في الحياة اليومية.
توقف الزاهد ليشتري بعض الأعشاب العطرية، التي تذكره برائحة الأماكن الهادئة التي زارها خلال رحلته. كانت الأعشاب تحمل في طياتها قصصًا عن الطبيعة وعن تأثيرها الإيجابي على الجسم والروح.
وبينما كان يتجول بالسوق، التقى الزاهد بأشخاص من القرية، كانوا يسألونه عن رحلته وعن تجاربه الروحية. كان الزاهد يجيبهم ببساطة ويشاركهم بعضًا من الحكم التي اكتسبها في رحلته، معبّرًا عن شغفه بالسلام الداخلي والتوازن.
في نهاية اليوم، عاد الزاهد إلى واحته في الواحة، حاملاً معه حقيبة صغيرة من الأعشاب والخضراوات المحلية. كان يشعر براحة داخلية كبيرة، حيث عاد إلى المكان الذي بدأ منه رحلته، برفقة حبيبته ليلى ولكن الآن بروح جديدة ومعرفة أعمق بالذات وبالعالم من حوله.
وفي تلك اللحظات، تذكر الزاهد كيف بدأت رحلته، كيف كان يبحث عن السكينة والتوازن، وكيف وجد كل ذلك داخل نفسه وفي تفاعله مع العالم الخارجي. كانت تلك الرحلة ليست مجرد بحث عن معنى الحياة، بل كانت رحلة تحولت إلى تعلم مستمر ونمو روحي، حيث أصبح الزاهد أكثر تفهمًا وتسامحًا وحكمة، جاهزًا لاستقبال كل يوم جديد بفرح وسلام داخلي، مستمرًا في مسيرته نحو النمو والتأمل والتواصل الإيجابي مع العالم من حوله.
الفصل الرابع عشر: رحلة العودة إلى الذات
كان الزاهد يجلس تحت شجرة كبيرة في وسط الواحة، وهو يسترجع كل تلك اللحظات الجميلة التي عاشها خلال رحلته الطويلة. كأن رحلة العودة إلى الذات لم تكن مجرد انفصال عن العالم الخارجي، بل كانت تجربة عميقة للتعرف على الذات والتأمل في معنى الحياة وأسرار الوجود.
في تلك اللحظات، تذكر الزاهد كيف بدأت رحلته بشغف وتطلع، وكيف كان يحمل الكثير من الأسئلة والشكوك. ولكن مع كل خطوة في الطريق، تعلم الزاهد دروسًا جديدة واكتسب حكمة أعمق، حتى أصبحت لديه رؤية أوضح لطريقه وهدفه في الحياة.
كانت الشمس تبدأ في الغروب، وأشعتها الذهبية ترسم أنوارًا خافتة على وجه الأرض. كانت هذه اللحظات تذكر الزاهد بأهمية اللحظة الحالية وكيفية استخدامها بحكمة لبناء مستقبل يتسم بالسلام والاستقرار.
وفي تلك اللحظات الساحرة، ظهرت الزائرة الغامضة مرة أخرى، تتجول بين أشجار الواحة كما لو أنها جزء من الطبيعة نفسها. جلست بجانب الزاهد، ونظرت إليه بعينين تنطقان بالسكينة والحكمة.
"لقد أتيت بحثًا عن السلام، وقد وجدته داخلك." قالت الزائرة بصوت يعكس بهجة الحقيقة المكتشفة.
الزاهد أدرك في هذه اللحظة أن رحلته لم تكن مجرد بحث عن السكينة، بل كانت رحلة لاكتشاف معنى الوجود والتأمل في قوة الروح والقدرة على التجاوب مع كل تحدٍ يعترض طريقه.
"أشكرك على كل ما أعطيتني إياه." رد الزاهد بود وامتنان.
وفي تلك اللحظات الأخيرة من الغروب، بدأ الزاهد يعيش كل لحظة بانتباه وتأمل، يدرك أن كل يوم هو فرصة جديدة لاستكشاف عمق الذات والتفاعل بسلام مع العالم من حوله.
وبينما غابت الشمس خلف الأفق، ترك الزاهد الواحة وهو يحمل في قلبه قطعًا من السكينة والحكمة التي اكتسبها خلال رحلته. كانت العودة إلى الذات ليست نهاية رحلة، بل كانت بداية لمرحلة جديدة من التعلم والنمو، حيث يعيش كل لحظة بتركيز وتأمل، مدركًا أن كل يوم هو فرصة جديدة لاستكشاف معاني الحياة والاستفادة من كل تجربة تعبر طريقه.
الختام
في حضرة الغروب الأخير للشمس، تتلاشى شخصية الزاهد في أحضان الواحة التي تُدرك أنها أم الموت والحياة معًا، مرتعًا للاعتبار والتأمل. تحيك النسائم قصائد الرمال، تخفي النجوم أسرارها في لحظات الصمت العميق. يشير الزاهد إلى أن الحياة نسيج متشابك من الذكريات والحكمة، ترتسم أحلامه بألوان السماء المتغيرة.
وسط زقاقات النخيل وهمسات السكون، يتفتح قلبه على وتيرة الفناء والخلود، يتراقص الضوء على وتر الوعي، يرتسم الهدوء في حضن السماء. لكل لحظة في ذاكرته معانٍ متعددة، كل يوم يتزين بخيوط الإبداع وترانيم الشفافية.
ومع كل غروب للشمس، تتسع أفقيته بحكايات الأرواح وصرخات الصمت. تتناغم طياته مع أفق الواحة في مزاوجة بين الحياة والموت، الحقيقة والخيال. ويترك لنا نهاية مفتوحة، حيث ينبعث الزاهد في جسد الواحة، جاهزًا لاستقبال الفجر الجديد بقلب مطمئن وعقل مستنير، متحلقًا بأسرار السلام والحكمة، في انتظار ما ستجلبه له رحلته القادمة من لحظات التعلم والنمو. ولكن هذه المرة تشابكت يداه مع يدي ليلى دو انفصام فكتب قصيدة مشبعة بالحب والذكريات واسماها ذكريات.
ذكريات
في الوراء في ظل وشوشة قديمة
تتسلل بهدوء وثبات
تحت خيط القمر الشاحب الكئيب
أجد قلبي على غير هدى
في بحر الذكريات
يتوق إلى الحب الذي كان من قبل
اتذكر الليالي التي رقصنا فيها
تحت السماء المضاءة بالنجوم
مع الابتسامات السرية والصمت
وبقايا التنهدات
اسمع الآن صدى
مثل أغنية بعيدة
استرق لحن المكان
الذي ينتمي إليه قلبي
ضحكتك وقلبي
مثل نسيم من خلال أوراق الخريف
ما زلت أدخر أفكاري
حول العشية الوحيدة
التي غيرت الأيام
حتى انتهت إلى لون الشفق
لا تزال روحي تتحول
بوحي وصلك في الأحلام
حيث لمستك دافئة
وصوتك قريب يطارد طيفي
ويطارد ظلك عبر ممرات الزمن
الحب الذي شاركناه
توهج كشمعة عابرة
تم إخفاءها بلا سبب
ومع ذلك في الرماد
يلمع الجمر بشكل خافت
مثل هسيس حلم عزيز يشتعل
ما زال الماضي
مستقرا في غرف ذهني
بقايا عالم تركناه وراءنا
مثل شبح لن يتلاشى
شهادة على الفرح الذي صنعناه
ها أنا روح في بريق الشفق
عالق بين الواقع والحلم
لا يزال قلبي يغني اسمك
ينثر صدى خالدا للحب الجامح
(انتهت)
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصير الليبرالية الجديدة: الانتقال أم التكثيف؟
-
همسات البحر الكمومي
-
تنبؤات زوال إسرائيل: أصوات العلماء اليهود والغربيين
-
جوقة في كاتدرائية الشفق
-
نكهة الترف
-
من الإلحاد إلى العقلانية: غوص عميق في الماركسية
-
منهجية شاملة: رؤية علمية لمستقبل الخطاب الفكري العربي
-
العنف من خلال عدسة الفلسفة
-
قصيدتان
-
تراجع القصة القصيرة في الأدب العربي المعاصر
-
مقاربة نحو تنشيط واحياء الفلسفة العربية
-
على قيد الحياة
-
الانقسام المعرفي : الفولكلور العربي مقابل التراث الرسمي
-
حرب غزة: وهم نتنياهو بالنصر المطلق وسيناريو الانهيار الإسرائ
...
-
على ضفاف دجلة
-
اليمن يصيغ سياسات بحرية جديدة: مواجهة الغرب وأمريكا على وجه
...
-
ترنيمة للعالم الناشئ
-
همسات الخلود
-
رغبة جامحة
-
الإيمان غير المكتوب: عاطفة صامتة للحياة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|