أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس فكرية وسياسية 216















المزيد.....


هواجس فكرية وسياسية 216


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 8023 - 2024 / 6 / 29 - 00:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا اعتقد أن الإنسان المعبأ بالأيديولوجية يستطيع أن يعود إلى طبيعته، إلى كونه كائن طبيعي.
إن العقل الباطن له تشوه من الضخ الثقافي الهائل في فترة الطفولة المبكرة، ضخ حولته إلى إله بديل، بساقين، وبينهما جهاز تناسلي.
تحول إلى كائن متعالي، يرى الناس والحياة من فوق، من السماء، من الله أو بجواره، وإن إنزاله إلى الأرض سيمزقه إلى أجزاء، ولن يعود يلتحم بذاته ما دام على قيد الحياة.
إنه كالزجاج، تماسكه من خارجه، وإذا تعرض للخدش أو الكسر فإنه لن يعود إلى سابق عهده مهما حدث.
إن تماسكه يجب أن يكون كاملًا، غير منقوص، وإلا فإنه سيقع من علياءه ويكتشف دونيته وفقره المعرفي وضعفه الحقيقي.
ولا بديل إلا بتفكيك ذلك الغيب، وذلك الهوس، بحب الذات وعبادتها.

الثنائي، أنور السادات وحافظ الأسد، بمجيئهما إلى السلطة، معًا، في شهر واحد، كان بداية الخراب في كل مفاصل الدولة والمجتمع العربي.
كلاهما أطلقا العنان للإسلام السياسي، والفساد الوطني والأخلاقي. كلاهما انتقما من رفاقهما السابقين، ووضعوهم في السجن، ومن المرحلة السابقة عليهما.
أنور السادات استدعى الإسلاميين في العام 1972، سلمهم المجتمع، وعقل المجتمع، وعن طريقهم بدأ الحفر في أعماقه.
زرع هؤلاء الظلاميون الظلام والجهل في كل مكان، عملوا على تغييب العقل والتفكير، وقتلا الإحساس بالوطن والحياة.
وما زلنا إلى اليوم نقطف ثمار الهزائم التي زرعاها في البناء النفسي والاجتماعي والوطني للمنطقة كلها، خاصة مصر وسوريا.
الفاسد لا يستطيع العيش إلا في الأجواء الفاسدة، وكلاهما حافظ والسادات كانا يعشقان الصراصير، والصراصير لا تتحرك إلا في المواخير والمراحيض والأماكن النتنة


بعد مؤتمر أو اتفاقية بريتون وودز انتهت الدولة الوطنية على مستوى العالم، وخاصة بعد قيام منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتولي هذه المنظمة تنظيم شؤون العالم لتضع حجر الاساس لقيام دولة عالمية قادمة في الزمن القادم.
المؤتمر ضبط آلية العملات في السوق، وخرج بعده البنك الدولي للإعمار والصندوق النقد الدولي واتفاقية الغات أو منظمة التجارة العالمية، كلاهما، البنك والصندوق يتدخلان في الشؤون الداخلية لكل دولة خاصة في مجال الخصخصة وفرض الشروط على الدائنين في العالم ووضعهم تحت الوصايا. ومنظمة التجارة فسحت المجال لانفتاح الاقتصاد العالمي على بعضه إلى أن وصلنا إلى العولمة كقاعدة لاستمرار العمل من أجل قيام دولة عالمية يحكمها نخبة من الاحتكاريين والفوق احتكاريين.

بمناسبة مرور سبعة سنوات على وفاة المجرم مصطفى طلاس.
هناك خلل في العقل، واستخدامه، ويحتاج إلى إعادة النظر بكل المسلمات الدينية التي نتداولها.
هناك شبه كبير بين طلاس، وقاطع الطريق ممي، ومعارضيهما.
في تركيا كان هناك شخص اسمه ممي، قاطع طريق. مجرم بامتياز، قاتل، حرامي، كذاب، سلب الناس ثيابهم وأموالهم واعتدى على أعراضهم.
وعندما مات هذا النتن، وقف الشيخ على قبره، وقرأ الفاتحة. وبدأ يترحم عليه. ثم انتقلت العدوة إلى المشيعين حوله.
كان هناك واحد أرمني بينهم، اسمه انترنيك، قال لهم:
ـ ألم يعتدي هذا الممي على أرزاقكم وأعراضكم وأموالكم، وقتل منكم الكثير من الرجال؟
قال له الشيخ، وأيده الحضور:
لا يجوز على الميت الا الرحمة.
وأصاف:
عندما يغفر الناس للميت في هذه اللحظة، فإن الله سيغفر له، ويدخله الجنة.

أغلب المؤمنين بالله كذابين، منافقين، لأن الأيديولوجية الذي يؤمنون بها خواء، كذب ووهم.
الوهم لا ينتج الحقيقة، الوهم منفصل عن الواقع، ولا يمكن للوهم والحقيقة يتطابقان، وكل ميدان له شروطه.

لا اعتقد أن الدولة الحديثة تستطيع أن تحول المتدين أو المؤمن بالله إلى إنسان أو كائن طبيعي.
إنه المتعالي، الفوقي، يرى الناس والحياة من فوق، من السماء، من الله، وإن إنزاله إلى الأرض سيمزقه إلى أجزاء، ولن يعود يلتحم بذاته ما دام على قيد الحياة.
إنه كالزجاج، تماسكه من خارجه وإذا تعرض للخدش أو الكسر فإنه لن يعود إلى سابق عهده مهما حدث.
إن تماسكه يجب أن يكون كاملًا، غير منقوص، وإلا فإنه سيقع من علياءه ويكتشف دونيته وفقره المعرفي وضعفه الحقيقي.
ولا بديل إلا بتفكيك ذلك الغيب، وذلك الهوس بحب الذات وعبادتها.

الحداثة بدأت في منتصف القرن الرابع عشر، مع عصر النهضة في ايطاليا ثم عمت أوروبا.
بدأت مع الفن والأدب، مع الموسيقا، الرسم والنحت وفن العمارة وبناء الجسور والأقنية المائية إلى المعمار، إلى بناء الكنائس والقصور، والتزيينات التي رافقت هذا.
هذه النهضة الأولى أحدثت طفرة في الأفكار والجمال والرؤية الجمالية، هذه الأمور دخلت القاع وشكلت مأثرة خارقة.
الحداثة ميراث ثقافي هائل، ميراث تراكمي، تاريخ من التركمات تبلور منذ عصر النهضة واكتمل في القرن التاسع عشر.
وبدأ الصراع العمودي يأخذ مجراه بين الكنيسة، الصنم الذي دمر أوروبا وبين القوى الجديدة الناهضة.
استطاعت القوى الجديدة، الأدباء والفنانين والفلاسفة التنويريين والمفكرين والعلماء يشقوا طريقهم عبر ربط أوروبا الجديدة وماضيها المتمثل بالأغريق وفلسفة الأغريق والرومان ومحاولة الانفصال عن هذا الميراث الديني أو القيد الجامد المتمثل بالدين المسيحي.
إن الصراع في البيت الواحد كان عميقًا بين الكنيسة والمثقفين، والصراع الكنسي الكنسي، بين البروتستانت والكاثوليك، وإعادة قراءة النص الديني وفق معطيات العلم والفلسفة، على هذا تم وضع حجر الزاوية لعالمنا الجديد.
أين نحن من ذاك التراث، ما زلنا نعيد إنتاج أنفسنا يومًا بعد، لا زلنا نعيش في زمن مات، وشبع موت.

الوعي هو سمو من جهة وقهر من جهة أخرى.
هو الانفصال عن القطيع، محاولة القبض على المعرفة والالتحام بالكون من موقع عقلاني علمي معرفي.
مشكلة الوعي أنه يتجاوز صاحبه، وينتقل نقلة نوعية إلى ما وراء الطبيعة، إلى ما وراء المعرفة والموقف منها.
الوعي حالة صدام بين ما هو قائم وما يجب أن يكون.

لا يزال الصراع بين أولاد يهوه قائمًا، صراع على امتلاك الوهم والخواء والفراغ.
والخضوع.
الوهم أيضًا متعة، هو الطريق للوصول إلى الأورجازم، النشوة الجنسية، عبر الاستمناء.

هل تم كبح جماح المال، أليس المال جزء من الشهوات، هل سمع أحدكم أن أمًا ما علمت أبنها أن يكره المال، أو يبتعد عنه، مع العلم أن المال هو أصل الشرور، أو آس السلطة، والتراتبية الاجتماعية والمكانة والقوة؟
والمال هو أصل الحروب والقتل والموت والدمار، واحتقار الضعيف، ورفع شأن الأغنياء والقوادين واللصوص وقطاع الطرق.
لولا المال لكانت الغرائز ضبطت نفسها بنفسها على إيقاع المجتمع المتوازن وتوازنه.

الأديان علمتنا أن نكبح الغرائز.
الكبح يخلف الكبت المتجدد في النفس، يزرعه حبة حبة، يجعله لا يموت ولا يفنى اطلاقا، بل يبقى مستقرا في الجزء العميق من الإنسان.
هذا الكبت يقتل الإبداع والحرية والحب الحقيقي.
الحب الحقيقي يتم أو سيتم، إذا تطابق الشعور مع اللاشعور، يتحولان إلى بنية واحدة.
إن انفصال اللاشعور عن الشعور أو العكس، يحولان الإنسان إلى كائن غائب عن نفسه، كائن مستلب ضعيف، مهزوم.

علمونا على كبح الغرائز، على المسكنة، والخروج من أنفسنا لنكون على مقاس المهابيل.
لقد أرداوا أن يجردوننا من العواطف والمشاعر، عن الحب ونتحول تحولات نوعية لنصبح على مقاس الأنبياء كالمسيح وموسى ومحمد.
السؤال:
هل يوجد إنسان واحد في هذا الكون دون أنانية وحب النفس.
هل يوجد إنسان واحد لا يعشق ولا يحب ولا يحلم بالجنس؟
إذا لماذا نشوه أولادنا ونحرمهم من المغامرة واكتشاف الحياة والناس والجنس؟
أغلبنا يعيش صراع ذاتي عميق، بين أن يكون نبيلا خيرا يعمل على إرضاء الأخر، وبين أن يرضي نفسه ويمنحها فرصة تحقيق ذاتها في كل مجالات الحياة؟
لمصلحة من نجرد أنفسنا من الأنانية والحب، والصدق مع النفس وإعطاءها حقها من الشهوات والمكاسب وارضاء النفس الأمارة بالسوء؟
لماذا لا يتحول كل إنسان إلى دولة، نملك أدواتها، ثم نكسرها، بدلا من كسرنا وسرقتنا وامتلاك القدرة على قمعنا وتهميشنا؟
أحقر اكتشاف في هذه الحضارة هو المسكنة، القمع الذاتي، ثم البكاء على النفس المكسورة.

آرام كرابيت
ابق حيث الغناء
بدأت المعاناة تفعل فعلها بي، لقد دخلت في ورطة، بقائي في الأردن مأساة لي، ليس في حوزتي المال الكافي لأبقى في البلد، ولا استطيع العودة إلى وطني خوفًا من الاعتقال. أصبحت بين نارين وعلي أن اختار، أمران أحلاهما مر.
وبدأت الاسئلة المنطقية تراود عقلي، إلى متى سأبقى في بيت نجيب؟ هل سيتحملني هذا الرجل شهرين أو ثلاثة؟ ومن المعيب أن أحجز حريته وحياته الخاصة، وأبقى لديه، بيد أن السؤال يقول:
ـ إلى أين سأذهب، والمال الذي في يدي قليل للغاية في بلد غال جدًا كالأردن، ماذا سأفعل بهذا الجسد، الثقل الذي أحمله على نفسي ووجودي، الذي يطلب مني أن أغذيه بالطعام والنوم والراحة والقراءة؟
أنام خائفًا واستيقظ خائفًا أن تنتهي النقود التي في حوزتي وأبقى عاريًا. لم يتصل بي سوى أختي صونيا وأخي هاكوب، أصبحت وحيدًا لا صديق لي ولا معين. الفراغ قاتل، ويقتل عندما تشعر بعدم الأمان.
في السجن، الدولة تؤمن لك الطعام والنوم والجلد اي الضرب اليومي، ومسؤولة عن حياتك، بمعنى هناك غطاء يحميك من التشرد والضياع، ومعك أصدقاء ورفاق يفهمون عليك وتفهم عليهم، الثقافة والمعرفة كانا كنزًا يجمعنا، والوعي والخوف والأمل بالخروج منه. قلت لنفسي:
ـ آرام، اليوم أنت وحيد، تلتقي بالناس لهم هموم أكثر من همومك، معاناتهم أكثر من معاناتك، مشاكلهم وظروفهم قاتلة. ولم يعد الحديث مع الناس كالحديث مع رفاق السجن، الذين كانوا يتناولون قضايا الفكر أو السياسة أو الأدب والفن والموسيقا، أو المسرح والسينما أو كرة القدم. خرجت من عالم الثقافة، السجن، المملوء بالمثقفين، لديهم نكران قاتل للذات، مع المهمشين البسطاء وجهًا لوجه، أحاديثهم تتناول هموم الحياة والمعيشة والكفاح من أجل لقمة العيش لأنفسهم وأسرهم. كنت اقرأ الخوف في نظراتهم من المستقبل، وغياب الأمل في حياة أقل قسوة.
شعرت بالحسرة والحزن أنني في عالم ليس عالمي، وفي مكان ليس مكاني، ومنفصل عن كل ما يدور حولي. وكان نجيب هو الرئة الوحيدة التي مدتني بالبقاء والاستمرار، وعندما كان يرى حزني:
ـ لا تخف يا آرام، أنا معك، سند لك ولن أتركك.
كنت أنظر إليه بحرقة وحزن، خرجت من السجن، تدمر المدمر، لأدخل في محنة جديدة، لا أعرف ماذا أفعل، ولا أملك القدرة النفسية والجسدية على البدء من جديد، قلت لنجيب:
ـ أريد أن أعمل في غسل الصحون في مطعم الفردوس الذي تعمل فيه، أو سأعود إلى سوريا، السجن.
ـ لن أسمح لك بالعودة إلى السجن مهما كلف الثمن، ستبقى، وستكمل طريقك إلى الأمام.
ـ وضعك المادي ليس على ما يرام، يا دوب تنقذ نفسك من براثن الفقر، أنا عبء عليك يا صديقي. والحياة صعبة في هذا البلد الصعب.
ـ لن تعود، أسمع ما أقوله لك. هذا البيت بيتك، وستبقى فيه معي. وسنأكل الطعام ذاته معًا.
ـ آه، لم أتعود أن أعيش عالة على أحد. أشعر بالعار.
ـ أذهب إلى المفوضية وقدم أوراقك وسنرى معًا ماذا سيحدث لك؟
كلام نجيب كان مشجعًا:
قلت لنفسي:
ـ علي بالصبر والثبات، لدي سقف وما زال الوقت مبكرًا على الحزن. ما زال المجهول هو غطاءك، تحمل يا رجل، أقبل على المخاطرة.
لم يسبق أنني كنت مغامرًا، كنت وما زلت أدرس خياراتي بدقة شديدة، بيد أن الحياة تفلت مني في مواقف كثيرة ولا أستطيع القبض عليها.
حددت المفوضية يومًا في الأسبوع لمن يريد أن يقدم اللجوء، اعتقد كان يوم الأربعاء، لا أذكر بالضبط، متى، لكن هذا اليوم كان في شهر أكتوبر من العام 2001.
ذهبت صباحًا إلى مقر المفوضية، وكان يغلب على عقلي حزن كبير، واسئلة كثيرة، وعزلة عن المعرفة عما يدور في هذا المكان الجديد. فلم يسبق أنني فكرت بالمفوضية، أو حاجتي لها، وما هو دورها، ولماذا أنشأت؟
عندما وصلت، وقبل فتح أبوابها كان هناك تجمع كبير من الناس، ربما بحدود المئة والخمسين فردًا جلهم، من العراق الشقيق. وكنت السوري الوحيد بينهم، لم يكن هناك أية علاقة بيني وبين الناس أو لغة مشتركة.
دخلنا المبنى، وهو بيت عربي كبير مؤلف من طابقين، فيه حوش عربي متطاول، فيه حمام وماء ومرحاض وصالون طويل فيه مقاعد طويلة يجلس عليها اللاجئون.
أعطونا بطاقة زرقاء تابعة للأمم المتحدة، كتبوا عليها الأسم والكنية، وأصبح في يدنا بطاقة هوية دولية من أجل الحماية، تشير إلى عدم تدخل الشرطة الأردنية في طريقنا، وأن وجودنا على هذه الأرض مشروع.
بعد أن أخذت البطاقة، ودونوا فيها كل ما هو مطلوب منهم ومنّا، وحددوا لي موعدًا للمقابلة، بعد شهر ونصف من هذا الموعد المضروب سابقًا.
عندما رأيت المدة الطويلة، دخلت في الحسابات المادية والوجودية، المدة طويلة جدًا، هذا قبل البدء بأي شيء أخر. قلت لنفسي:
ـ الموضوع طويل.. طويل. سيكون هناك مقابلة، ودراسة هذه المقابلة وخذ يا زمن. وماذا بعد؟ وماذا سيحدث؟ وهل سيقبلون لجوئي؟ هل أعود إلى سوريا أم أبقى؟ اسئلة مشروعة عندما تتعامل مع الغيب والاحتمالات المغيبة القاتلة.
عدت إلى بيت نجيب مشيًا على الأقدام، لتوفير أي مبلغ للأيام القادمة، الذي كان ينتظرني على أحر من الجمر.
مكسورًا، مقهورا حزينًا، لم يعد لي وطن أو أرض، وإلى أين سأذهب؟

نظرت في ملامحها نظرة أب حنون أو أخ حنون. بكيت بحرقة. قلت لها:
ـ لا أستطيع يا خولة، لا يمكن أن أمد يدي إلى جسد امرأة محتاجة. لا يمكن. لم أفعلها من قبل ولن أفعلها اليوم. لا أريد استغلال امرأة محتاجة.
ـ أنا محتاجة وأنت محتاج، لنتبادل الحاجة، اعتبره خدمة إنسانية من أجل الطفلة الصغيرة، أن تعيش حياة مقبولة لأب حنون وعطوف.
ـ لا يا خولة. لا يمكن أن أخون مبادئي في الحياة.
ـ الحياة واسعة، تستطيع ان تكون أنت كما أنت دون أن تخون أي شيء. لا خيانة في تبادل العلاقة، سنكون كالزوجين، مثل أية أسرة في هذا العالم الواسع.
ـ لا أستطيع شراء الحب. سأعطيك خمسامئة ليرة دون مقابل. خذيهم. اعتبري هذا المبلغ من أخ لأخته.
ـ لن أخذ المبلغ منك. ليس من حقي.
وقفنا ننظر إلى بعضنا، بكينا معًا، كانت الدنيا سوداء، تلف بي. لم يسبق أن عشت محتاجًا. أو دخلت في تجربة في مثل هذا الذل الذي عشته مع خولة او عاشته خولة.
أذكر أنني أجبرتها على أخذ مئتي ليرة، أربع دولارات، ثم عدت إلى مكاني حزينًا، مقهورًا، مذهولًا من بشاعة الواقع وقسوته.
نحن، المثقفون، طبقة مهترئة، بعد أن نحصن أنفسنا بالوضع المادي والمعنوي الجيد أو المقبول، نمنح الأخر، الضعيف، من بقايا موقعنا، قيم أخلاقية وقيمية ومعنوية، من فضلنا، من بقايا الكاس، هل من فضل أناله، كما قال المتنبي في حضرة كافور، لنرمم هذه الذات المتعالية، نمنحها قيم من خارجنا، كأننا نريد أن نقول للعالم كله:
ـ أنظروا إلي، أنا إنسان أخلاقي، إنساني، أدافع عنكم.
من هذه الفوقية المتعالية، نعزز النرجسية المرضية القابعة فينا، نرضي التستسترون الفائض الكامن فينا، نرضي الذكورة، الطاقة الفائضة المتعالية، ونتفضل بها على الأضعف.
هو شكل من أشكال ممارسة الجنس دون شريك، استمناء، هو تفريغ طاقة اللبيدو في هذا المجتمع كله، بنسائه ورجاله وشيوخه وأطفاله، في فرجه الكبير والواسع، حيث يتحمل هوسنا وكذبنا على أنفسنا والأخر الكثير الكثير.

عندما أكتب عن أردوغان، فإنني أتناول أردوغان السياسي وليس المؤمن أو المسلم أو أي صفة شخصية له.
إيمان أردوغان وانتماءه لا يعنيني لا من قريب ولا من بعيد، اعتبر هذا شأن شخصي بينه وبين معتقده. أنا لا أربط بينهما على الأطلاق.
وتحليلي للوضع في تركيا ينطلق مما أراه تحت مجهر نظري وعقلي.
واعتبر أية بقعة في هذا العالم هو شأن عام ومن حقي وحق غيري أن يحلله. فما يحدث في كوريا الشمالية سينعكس على المجر وما يحدث في المجر سينعكس على الأرجنتين وهكذا دواليك.
لم يعد العالم السياسي معزولًا عن بعضه منذ أن دخلت الحداثة الرأسمالية العالم وربطته بالسوق المتوحشة على مختلف الصعد ومنها الحروب.
تحت مشرحة التحليل لا يوجد كبير. وتركيا بلد كبير ومهم وما يحدث فيها سينعكس على كل دول العالم. واعتبر بقاءها دولة علمانية ديمقراطية أكثر من مهم بالنسبة لي. وإن قبض السلطات بيد من حديد في يد رجل واحد خطر كبير عليه وعلى الدولة والمجتمع والمستقبل.
لا يخطر في بالي ابدًا عندما أحلل موضوعًا سياسيًا ما دين الرئيس أو مذهبه أو فصله وأصله.
السياسي حشرة إلى أن يثبت العكس. ولا أخلاق ولا مبادئ في السياسة المعاصرة.
تركيا بلد علماني ديمقراطي إلى حد كبير، والمتاجرة بالأرث العثماني بخصوص ليبيا اعتبره تجارة سياسية مستهلكة، لأنه تسويق سياسي لتأبيد بقاءه في السلطة.
بعدين نريد أن نذكره، أن أجداده باعوا ليبيا لإيطاليا وقبضوا الثمن، وهذه تعتبر خيانة وعيب.

بعد مؤتمر أو اتفاقية بريتون وودز انتهى زمن الدولة الوطنية على مستوى العالم، وخاصة بعد قيام منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتولي هذه المنظمة تنظيم شؤون العالم لتضع حجر الاساس لقيام دولة عالمية قادمة في الزمن القادم.
المؤتمر ضبط آلية العملات في السوق، وخرج بعده البنك الدولي للإعمار، والصندوق النقد الدولي، واتفاقية الغات أو منظمة التجارة العالمية، كلاهما، البنك والصندوق يتدخلان في الشؤون الداخلية لكل دولة خاصة في مجال الخصخصة وفرض الشروط على الدائنين في العالم ووضعهم تحت الوصايا.
ومنظمة التجارة فسحت المجال لانفتاح الاقتصاد العالمي على بعضه إلى أن وصلنا إلى العولمة كقاعدة لاستمرار العمل من أجل قيام دولة عالمية يحكمها نخبة من الاحتكاريين والفوق احتكاريين.

الرأسمالية نظام اقتصادي شديد التماسك، يستخدم السياسة من خارجه كوسيلة لتنفيذ اجندته، ومترابط على مستوى الكرة الأرضية ولا يمكن تغييره أو إيقاف عجلته أو حركته ساعة واحدة فقط.
وإن الإنسان في داخله مجرد اداة لتنفيذ وظيفة. إنه مجرد كائن عاجز، منفصل عن شروط وجوده.
كائن مسكين، خارج وجوده ووجود وجوده. إنه المغترب الذي يزداد اغترابًا يوميًا بعد يوم.
لهذا نرى أن الدولة في مراكز النظام فقدت ثقلها، وأهم وظائفها وهو السيطرة على مجالها الحيوي أو الوطني، لأنها اضحت شاهد زور على ما يحدث.
إنها شبه دولة، ضعيفة غير قادرة على إدارة البلاد إلا بما يسير نشاط الاقتصاد المعولم ومعاملات الناس.
فقدت الدولة السياسة، لم تعد تملك السياسة، ولأنها فقدت السياسة لم تعد دولة، وليس لها تلك المكانة السابقة.
يرى الكثير من البسطاء أن السيطرة على هذه الشبه دولة من خارجها سيمكنهم من إحكام قبضتهم عليها، خاصة الإسلاميين المأدلجين، هؤلاء الهبل.
الدولة تغيرت، النظام الرأسمالي آلة، مكنة، قرش له أسنان يقرط ويفتك ويهصر كل من يلعب معه أو يقترب من حدوده.
وهذه الرأسمالية تحتاج إلى آلة بثوب إنسان، بيد أنها لا تحتاج إلى الإنسان، ولا إلى الإنسانية لتديره من داخله أو خارجه، لهذا ننصحك أن تلتهي بشؤونك حتى لا تتحول إلى وقود تحرق نفسك وتحرقنا معك.
رجاءًا أنظر حولك حتى تعرف حجمك. ولا تكبر حجر الخفان الذي تحمله في يدك لأنك لن تضرب فيه إلا نفسك المكسورة.

في بلاد الشرق، بلاد المحبة والإيمان والأخلاق الحميدة، إذا أردت أن تكسر خصمك قم بتكسير إلهه.
إن تكسير إلهه، تحوله إلى كائن معطوب، لنقل عطب في بنية الذات.
إن التكوين النفسي والثقافي للناس في هذه البلاد مركب مترابط بهذا الذات، لهذا يقدسون الإله المتجسد بالحاكم.
لهذا فإن إسقاطه يتوجب عليك أن تصنع لك إلهًا مختلفًا عن إله السلطة الموجودة.
عليك أن تصنع إلهًا مقاتلًا لتحارب إله خصمك.
وكأن هذه الحداثة المتوحشة المتحكمة برقاب العالم كله بمقبض من حديد لم تهز في رأسك شعرة واحدة.
تذكرنا أننا لن نعود إلى الماضي مهما حاولنا، ولا عزاء لنا إلا بوعي الواقع ومحاولة التحكم به والبحث عن بدائل أقل قسوة.

هذه التعزية سياسية، ولا علاقة لها بالجانب الإنساني.
اليوم نعزي بطلاس وبكره نعزي ببشار.
يا عيب الشوم عليكم. لا ألوم الذين وقفوا مع السلطة القاتلة، أنما ألوم الذين أدعوا أنهم مع المعارضة.
معقول أن شعبنا مشوه إلى هذه الدرجة؟
إذا كان يتساوى القاتل والمقتول لديكم، عندكم، ما الحكمة من قيام ثورتكم؟
أكيد هناك خلل كبير في منظومة التفكير، ونحتاج إلى مراجعة شاملة لهذه المنظومة المريضة.

علينا أن نذكر علّ الذكرى تفيد, أن جميع الأحزاب الدينية الإسلامية والجهادية والمنظمات الإسلامية الدولية, كمنظمة التعاون الإسلامي والدول العربية والإسلامية مرتبطة من موقع التابع الذليل مع دول صنع القرار الدولي.
لهذا يمكننا القول أن الثورة عندما أخذها الإسلام السياسي فإنه أخذها إلى العدو.
كتبت عشرات المرات أن مصالح دول العالم مترابطة موضوعيا وذاتيا على حساب المهمشين والبسطاء في البلدان الهشة سياسيا واجتماعيا, وأن لا يثقوا بأية حمولة سياسية لا تمثلهم تمثيلا حقيقيا.

إذا كان الدين من عند الله, ليش الناس يخافون على أديانهم



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس ثقافية وسياسية وفكرية ـ 215 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية واجتماعية ـ 214 ـ
- هواجس ثقافية وفكرية وسياسية وأدبية 213
- هواجس ثقافية 212
- هواجس ثقافية وسياسية وأدبية ـ 211 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية 210
- هواجس ثقافية وسياسية وأدبية ــ 209 ــ
- هواجس ثقافية وأدبية 208
- هواجس ثقافية وسياسية 207
- هواجس ثقافية وسياسية 206
- هواجس ثقافية ـ 205 ـ
- هواجس ثقافية 204
- هواجس ثقافية 203
- هواجس ثقافية وسياسية ـ 202 ـ
- هواجس ثقافية 201
- هواجس ثقافية وأدبية ـ 200 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية 199
- هواجس ثقافية 198
- هواجس ثقافية 197
- هواجس ثقافية 196


المزيد.....




- -خطير للغاية-.. حقائق عن إعصار بيريل
- شاهد: دمار في كييف نتيجة قصف روسي
- يورو 2024: إسبانيا تكتسح جورجيا وتلتقي ألمانيا في ربع النهائ ...
- انتخابات فرنسا.. أقصى اليمين يتصدر
- 18 وزيرا من الحاليين لن يكونوا فيها.. برلماني مصري يكشف موعد ...
- إصابة 18 جنديا إسرائيليا بانفجار مسيرة فوق هضبة الجولان
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه مقر الفرقة 91 في ثكنة بران ...
- روسيا تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي
- كأس أمم أوروبا: إسبانيا تقسو على جورجيا وتتأهل لمواجهة نارية ...
- لبيد يؤكد: نعمل مع قادة المعارضة لإسقاط حكومة نتنياهو


المزيد.....

- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس فكرية وسياسية 216