أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالرزاق دحنون - الميسور يأكل ثلجاً في جهنم














المزيد.....

الميسور يأكل ثلجاً في جهنم


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 8019 - 2024 / 6 / 25 - 17:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


رحم الله أمي (عيوش بنت مصطفى دهنين) فقد سمعت منها مراراً وتكراراً جملة تكاد تكون مثلاً شعبياً. تقول: (الميسور يأكل ثلجاً في جهنم) والقول كناية على أن صاحب المال يعيش مرفّهاً حتى في جهنم الحمراء. وحين قرأتُ البيتين أدناه لأبي العلاء المعري، وكنتُ في أول الشباب ما أزال، عجبت لتوافق المعنى مع حياتنا في الشمال الغربي من سورية في أوائل سبعينيات القرن العشرين عندما كُنا ننتح ماء الشرب من جُبّ في صحن الدار بآلة تُسمى (القادوس) وكثيراً ما نجد ماء (القادوس) في الصباح قد جمد من برد الشتاء، فنعمد لكسر الجمد منه، لنشرب:

والماء وردي
لا تزال نواجزي
في منتضاه سوابحاً كأوازم
يمسي
ويصبح كوزنا
من فضّة
ملأت فم الصادي كسور دراهم

يقول في أبيات هذه القصيدة: لست ممن يشرب الخمر، وإنما شرابي الماء، وقد جمد بعضه من شدّة البرد، فأسناني سابحة فيه، وعاضة على جليده، فإذا شربت، فشرابي بين الماء والجمد. يا الله ما أحسن هذه الصورة من فيلسوف معرّة النعمان. وبسبب تأثير هذه الصورة في نفسي عزمت على تأليف كتاب سميته:( كفي شموسك يا سُلاف - ذمّ الخمرة في آثار فيلسوف المعرَّة) وهو مخطوط جاهز للنشر.

وعلى الدرب الذي سلكه أبو العلاء المعري في رحلته المشهورة من معرّة النعمان إلى بغداد نقّب الأثريون الفرنسيون في موقع ماري على الفرات الأوسط خلال ثلاثينيات القرن العشرين وعثروا عن كنز دفين يحوي أكثر من عشرين ألف لوح طيني منقوش بالخط المسماري. استدعاهم إلى الموقع السكان المحليُّون، الذين كانوا قد أماطوا اللثام مصادفة عمّ اعتقدوا في أول الأمر أنه جثَّة رجل بلا رأس والتي تبيَّن أنها تمثال حجري، واحد من تماثيل كثيرة، من ضمنها تمثال يُحدِّد هويته ويصفه بأنه ملك للمدينة القديمة.

كان مصدر الألواح، المنقوش عليها نصوص مكتوبة باللغة الأكادية القديمة، أرشيفاً لمراسلات ملكية وسجلات أخرى عادية تخصُّ ملوك مملكة ماري، من ضمنهم ملك يُسمَّى (زمري ليم) والذي حكم حوالي 1750 قبل ميلاد السيد المسيح. تُسجل الألواح كل صنوف المعلومات المتصلة بإدارة القصر وتنظيم مملكته، بالإضافة إلى جوانب من الحياة اليومية في ذلك الوقت.

أحد الألواح، على سبيل المثال، يتعلَّق بالثلج الذي كان يستخدمه الملك (زمري ليم) في مشروباته الصيفية، التي اشتملت على الخمر، والجعة، والمشروبات المُخمَّرة القائمة على الشعير إما بنكهة عصير الرمان أو اليانسون أو العرقسوس. والعرقسوس هو جذور نبات طبيعي كان منتشراً بكثرة في الأراضي البعلية التي لم تُفلح في الهلال الخصيب. ويمكننا أن نجد العرقسوس اليوم في العديد من مناطق بلاد الشام والعراق. نعرف أن الملك (زمري ليم) أمر ببناء مخزن ثلج على ضفة نهر الفرات، وكان يُستخدَم قش الجزيرة الفراتية للاحتفاظ بالثلج الذي كان يؤتى به من الجبال المكسوة بالثلج أثناء فصل الشتاء ويُخزّن إلى حين الحاجة أثناء فصل الصيف الحار.

وزعم أنه لم يَبنِ ملك قبله قطُّ مخزن ثلج مثل هذا، وربما كان ذلك صحيحاً، ولكن استخدام الثلج لم يكن جديداً على المنطقة وقد استمرَّ هذه التقليد طويلاً بحيث استعملت خزانات الثلج من قش الجزيرة الفراتية خلفاء الدولة العباسية أيام هارون الرشيد وابنه المأمون.

ويسأل الدكتور العراقي الأب (سهيل قاشا) في هذا السياق في حديثه عن الثلج ومصادره عند أهل العراق الأوائل: هل فكّرت يوماً كيف كان العراقيون القدماء يقدّمون الماء المثلج على موائدهم؟ وهل صنع العراقيون القدماء الثلج فعلاً أم جلبوه من جبال شمال العراق وخزّنوه في مخازن خاصة صُنعت لهذا الغرض؟ وفي الجواب: كانت أغلب القصور الملكية في بابل ونينوى وغيرها من حواضر بلاد ما بين النهرين والهلال الخصيب تضم غرفاً تشبه أقبية طويلة الغرض منها خزن الثلج. والغرف المحيطة بالمركز كان الغرض منها خزن المواد التي يحتاج خزنها إلى جو بارد مثل الشراب والزيوت والفواكه. ومن هُنا يُعتقد بأنّ بيت الأقبية في القصر الجنوبي العائد للملك البابلي نبوخذ نصر الثاني، ما هو إلا ثلاجة، لأن المعلومات التي وصلت لنا عن طريق أخبار ملوك بابل أنهم كانوا يشربون الماء المثلج صيفاً.

وأغلب الظن أن تاريخ الماء المثلج يعود في أصله إلى السومريين الذين كانوا يقدمون أيضا الماء البارد إلى سادة المعابد. فمثلاً إذا رجعنا الى أخبار الملك السومري المشهور (كوديا) الذي حكم في حدود عام 2124 قبل ميلاد السيد المسيح، وهو ثاني حكام سلالة مدينة (لكش) السومرية نجد نصاً مسمارياً مكتوباً على رُقم طيني يقول: الملك (كوديا) قد دخل إلى سيدة المعبد حتى مخدعها وقدم لها خبزاً وماءاً مثلجاً. ويا لها من هدية ثمينة في لهيب صيف بلاد وادي الرافدين.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لينين وابن عمي نضال
- كيف أحبَّ جدّي سميرة توفيق؟
- على هامش يوم ميلاد لينين
- كيف ظهر البشر على كوكب الأرض؟
- إرث كونفوشيوس فاق في تأثيره ميراث لينين
- نساء في السجون الأمريكية
- لينين والثورات
- في غياب الوعي المعرفي
- غزّة هاشم ووَعْيُ القضيّة الفلسطينيّة
- رد على كلمة الرفيق سعود قبيلات في تونس
- إن المهمة في غزة هائلة وشاقة
- سوري يأكل رسالة مصطفى أمين
- في السجون الأمريكية
- زراعة الشيوعيّة في السعوديّة!
- فصل عن كارل ماركس من كتاب المثقفين
- هل صيرورة الكون واحدة؟
- عن رواية دمشق يا بسمة الحزن
- تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
- فضائل ضبط النفس
- لا أعشق الموتَ لكنه سُلَّمي للحياةْ


المزيد.....




- بايدن يصدم الديمقراطيين بأدائه
- سفينة هجومية برمائية أمريكية في طريقها إلى شرق البحر المتوسط ...
- -ملتي فيتامين-.. هل تقلل حقاً من خطر الوفاة المبكرة؟
- ترامب يكشف كيف تصبح أمريكا صديقة لروسيا والصين وكوريا الشمال ...
- جنوح سفينة محملة بالقمح متجهة من روسيا إلى تونس قرب السواحل ...
- إيران تنتخب رئيسها.. أولويات وتحديات
- كينيدي جونيور: حكومتنا تدار من أشخاص غير معروفين يتحكمون ببا ...
- -كوش-.. دولة إفريقية تعلن حالة الطوارىء بعد انتشار عقار مخدر ...
- اجتماع لوزراء زراعة مجموعة بريكس بموسكو
- أردوغان: مستعد للقاء الأسد


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالرزاق دحنون - الميسور يأكل ثلجاً في جهنم