أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - من غشنا ليس منا














المزيد.....


من غشنا ليس منا


خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 8017 - 2024 / 6 / 23 - 18:17
المحور: الادب والفن
    


حدث مرة عندما كنت أعيش في سوريا أني احتجت قفلاً لباب الدار. فذهبت مع قريب لي، وقفنا عند محل خاص ببيع الأقفال في شارع – طريق حماة- . أعطانا البائع القفل وقال لنا أن السعر 50 ليرة سورية. في تلك الفترة لم أكن أميز بين ورقة الخمسين والمئتي ليرة لأن كليهما لونه أحمر ولهما نفس الحجم. فأعطيته ورقة من فئة 200 ليرة ظاناً أنها 50 ولم يقل الرجل أي شيء ودسها في الجرار. ومشينا بعد سلام الوداع لبائع الأقفال. في الطريق سألني قريبي: لماذا أعطيته 200 ولم تأخذ الباقي؟ فأستغربت سؤاله. فاستوضحت بالمقابل: وهل أعطيته 200 أم 50 ليرة. قال : بل 200. قفلنا راجعين إلى البائع الخبيث، وأبتدرته قائلاً: لماذا لم ترجع الباقي ياحبيب القلب. فقال: والله نسيت. وبينما هو يهم أن يرجع لنا بقية المبلغ، قرأت في لوحة قديمة مليئة بالغبار معلقة فوق الجدار مع الأقفال: من غشّنا ليس منا.
مرة أخرى، نزلت إلى السوق كي أشتري فواكه، فذهبت إلى سوق الفيصل ووقفت عند رجل نحيل وله وجه ممصوص مثل طائر اللقلق. وبعد السلام والرد، قلت له أريد أن تعطيني كذا كيلو من هذا وكذا من ذاك.... ثم أردفت: لكن إذا ممكن، أن يكونوا ظراف كي نبيض وجهنا مع الضيوف. فانشغل الرجل وأنا لا أراقبه، ظاناً أن الغش هو آخر شيء يصدر عن ذالك الرجل صاحب العود اليابس. وعندما نظرت إلى اللوحة المعلقة فوق جدار المحل قرأت: محل خضار الإمانة. فقلت في نفسي أنه لشيء جميل أن يشتري المرء من محل الأمانة، محل ثقة. وعندما أنتهى الرجل ربط الأكياس بإحكام، وظننت أن الربط هذا من أجل أن لايقع شيء من الفواكه مني على الطريق. عندما وصلت إلى البيت فتحت الأكياس البلاستيكية فوجدت يا أحبة أن نصف تلك الفوكه مضروبة وقد لحقها العفن. وتشككت في الوزن فزنت البضاعة فوجدتها ناقصة أيضاً. فمحل الأمانة قد غشني في الفواكه وفي الوزن، وربما ظن أنه انتصر على زبون صدق أسم محله بأنه أمانة. وبدل أن أبيّض وجهي مع الضيوف.. أسّود من الخضرجي الغشاش.
مع تقادم الأيام والسنين، اكتشفت أن الغش عادة متأصلة في البيع، فالجزار يغشك في النوعية والوزن وربما يبيعك لحم جحاش وأنت لاتعرف. فقد كانت الصحة تدور على محلات الجزارين وتغلق محلاتهم لمخالفة المواصفات أولاً ولأنهم لم يحصلوا على رشوة ثانياً.
نحن العرب نرفع الشعارات الجميلة ونفعل عكسها تماماً. فكنت أقرأ شعاراً يعلّق في المحلات يقول: لاتغضب وفي ذات المحل طوشة وعراك بالأيدي. هذه الشعارات لم أجدها يوماً في أمريكا. هنا لاتهتم المحلات والناس بالشعارات كثيراً لأن ذلك مفروغ منه. ومن يغش يحاسب على الفور.
وتذكرت عبد الله القصيمي وكتابه الرائع: العرب ظاهرة صوتية. أتعب الرجل نفسه وكتبه في منفاه وقد فهم أهم خصلة من خصال العرب ألا وهي الظاهرة الصوتية سواءً في الشعارات السياسية أو في الشعارات الإجتماعية أو في الحروب. كتاب يضاهي 800 صفحة.
كنت أمرّ على الحدائق وأقرأ لوحات قديمة صدئة تقول: أزرع ولاتقطع. وأرى الأطفال يخرّبون الورود والنباتات فيها. مجتمعات تعيش على خدعة الشعارات الكاذبة. ومن ثم قد تقرأ في أحد البيوت لوحة: النظافة من الإيمان وتراهم يرمون الأوساخ من البلكونة إلى الشارع، ولايكلف أحد منهم نفسه على التنظيف أمام بيته المملوء بالأوراق والأوساخ والأتربة.
هذا جانب بسيط من جوانب التخلف الذي نعاني منه ، لأن أشياء كثيرة مرتبطة ببعضها. فالغش هو شكل من أشكال العدوانية الإجتماعية وغرضه خداع الآخرين والإنتصار الكاذب على الزبون.
هناك بيت شعر ينسب لنزار قباني ولست متأكداً إذا قاله أم لا، وهو: شعب إذا ضرب الحذاء برأسه .. صرخ الحذاء وقال بأي ذنب أضرب. هذا لا شك نوع من جلد الذات وليس نقدها.
أخيراً أهديكم مقطع من قصيدة لنزار قباني على هوامش النكسة:
السر في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيوفنا أطول من قاماتنا.



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غوركي وطفولة النكد
- رمزية بلد العميان
- جرة الماء والسقا مات
- ذكريات المعرجلانة
- زيارة إلى مصر
- الجبنة المدوّدة ومحاكم التفتيش
- الشيوعية إلحاد وزندقة
- المعذبون في الأرض
- فنون التسوّل
- صندوق العجائب
- في التشحير والتجريس
- معرض القرد والضبع
- علي الخليلي والفجر الأدبي
- قمة عربية اسلامية مباركة
- نادي الصداقة العربي الأمريكي
- القدس عروس عروبتكم
- توتي وفروتي
- صطّوف ولطّوف
- النملة والصرصور
- الثعلب والدب


المزيد.....




- -الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ-.. من هو السعودي ا ...
- الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا ...
- الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي ...
- -تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار ...
- مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني ...
- تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة ...
- “Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة ...
- اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - من غشنا ليس منا