صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 8017 - 2024 / 6 / 23 - 01:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من مدونتي 20-6-2024
عرفت المداحين في القرية التي نشأت فيها , منذ كنت طفلاً في سن العاشرة وقبل ذلك بقليل ..
المداح .. كانت له مهنة ..ليس لصاحبها شغلة غير مدح الرسول - صلعم ..
لكل عقيدة مداحون .. يمدحون إلههم , أو نبيهم , أو رمز من رموز عقيدتهم - رمز من الصف الأول وحتي ربما من الصف العاشر ! كضريح ومرقد لرجل - يدعونه من أولياء الله - في قرية صغيرة مجهولة , أو عزبة , أو نجع من النجوع النائية - غير معروفة علي مستوي الدولة . وربما غير معروفة علي مستوي المحافظة !!
وكان المدّاح اذا سٌئل عن شغلته , يضع كفه فوق صدره بمزيج من الأدب والسمو والتواضع والاعتزاز . ويقول : مَدّاح الرسول ..
فيحصل علي إحترام الآخرين . لكن البعض , في قرارة أنفسهم , يعتبرونه رجل أرزُقِي - ماشي علي باب الله - , وشغلته أقرب للتسول .
شعراء المديح الديني المتخصصون في تأليف ما ينشده المداحون .. غالبا لا يمدحون وطناً أو شعباً . ولا يشاركون في صنع حضارة , لا هم ولا المداحون
بعكس مداح .. أو منشدة - أو منشد - المعبد في مصر القديمة . كان لهم دور ثقافي حضاري .. وكذلك كهنة الدين في زمن قدماء المصريين
يوجد موقع بالفيسبوك , باسم المداحين في حب رسول الله
بخلاف رجال الأديان في عصرنا الحديث , ومعهم شعراء ومنشدي المدائح العقائدية - ليس لهم دور ثقافي حضاري بل العكس . وهم في الغالب - مع أي حاكم , المهم سلامتهم هم . وبقائهم ومصالحهم ومكاسبهم . ورضي الله عنهم . لا سلامة الوطن والشعب ..
فلو غضب شعبهم , وهَبّ .. من فرط ظلمٍ وقهر .. لن تجد صوتاً أو صورة لأحدٍ من شعراء المديح الديني . أو المداحين , الذين يرنمون شعره - و لا صوت لرجال الأديان - ما لم يساندوا الظلم والظالم - .. !
بعكس رهبان البوذية , في إحدي دول آسيا . من قبل .. عندما غضب شعبهم . كانوا معه في الصف الأول ..وقدموا: ضحايا , وجرحي
كما في مقال سابق :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=110789
يبدو ان المَدّاحين وشعراء المديح الديني - المعاصرين - كلهم - من كل الأديان - يعتنقون بغير إعلان . مقولة فاقعة الصراحة , لمرشد عام جماعة الاخوان السابق - الراحل - محمد مهدي عاكف - :
" طز في الوطن - طز في مصر - وأبو الوطن , واللي في الوطن " ...
فالمداحون وشعراء المديح - من كل دين - يطبقون تلك المقولة عملياً , دون الجهر بها . بعكس الصراحة - فاقعة اللون - لمرشد الاخوان - سابق الذكر - ..
في الثمانينيات من القرن الماضي , دَخلتُ أحد المحلات - صاحبه من معارفي - فوجدت علي الكيس ,, شابة تلبس النقاب , واثنين عاملين بالمحل , وهي تحدثهم عن شيخ - كان نجما واعداً صاعدا . في مجال الدعوة الاسلامية - وقتذاك - . و صار فيما بعد , من المشاهير " الشيخ محمد حسان " وتكلمت الفتاة عن آخر ,, هو منشد مداح يمدح الرسول ..
فلم أجد حرجاً من القول لها :
انهم يمدحون الرسول منذ 1400 عام .. ! واليابان تقدمت , والهند تقدمت والصين تقدمت وسنغافورة وكوريا تقدمت .. ونحن لا نحسن حتي صناعة رغيف الخبز الشعبي . بذمة وبضمير , كما يجب .. ولا نحسن إلا مديح الرسول .. - ولا نكف عن المديح - . !
( .. سكتت أختنا ذات النقاب ,, ولم تعقب )
و الذين يؤلفون قصائد المديح الديني ( بالفصحي أو بالعامية ) منهم :
الشاعر , والشويعر , والشعرور ..
بعض من شعر المديح - منقول من الانترنت :
حسان بن ثابت - شاعر محمد صلعم - :
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني
وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ عَيبٍ
كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تشاء
-----
( " شعرور " جمعها : شعارير / انظر الهامش في نهاية الصفحة ) *
المداحون , كما عرفتهم منذ كنت صغيراً - في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي , كان المداح منهم يدور علي المَوالِد ( حيث الاحتفالات - بداخل سرادق - بميلاد أحد من يسمونهم " أهل البيت - البيت الصلعمي - أو من يسمون " أولياء الله الصالحين " - من أصحاب الاضرحة والمزارات ) وقد صَوّر تلك الاحتفالات - المَوالِد - بالضبط : الشاعر صلاح جاهين , وغنَّاها الموسيقار سيد مكاوي في أوبريت " الليلة الكبيرة " ..
- الليلة الكبيرة = آخر ليالي الاحتفال بمولد الشيخ - الذي عادة يستمر لمدة أسبوع - وتكون تلك الليلة حافلة بالحضور . وبالحاضرين )
وفي حالة عدم وجود مَوَالِد .. كان المدَّاح , يدور بالربابة , علي القري - كما شاهدته ( في طفولتي / خمسينات وستينيات القرن الماضي ) في يده الربابة . ويمدح الرسول - صلعم - .. وأتذكر مما كان يبدأ به مديحه :
أمدح نبينا , المصطفي الهادي ..
اللي .. واللي .. واللي .. / ( ويمضي في مديحه . علي الربابة . فيجود عليه المحسنون من أبناء القرية - الفقيرة - إما بقرش 10 مليم ( 1 % من الجنيه ) أو ب 5 مليم ( تعريفة / كما كانت تسمي ) . وحتي رغيف خبر جاف كبير . أو بكوز من الذرة الجاف )
( في كل عقيدة , وكل زمان , يوجد مداحون .. وآثار قدماء المصريين . حفظت لنا صُوَر وتماثيل ل " مَدَّاحة أو مَدَّاح . أو " مرنمة " - أو منشدة المعبد - ( تابوت مغنية المعبد " حارموزة "/ في عصر حتشبسوت وتحوتمس الثالث ( 1279-1458 . قبل الميلاد ) من موقع : بي بي سي - عربي 16 -1- 2012 . مصر: العثور على تابوت مغنية فرعونية بالاقصر
لا تخلو قرية مصرية من ضريح ومرقد لشيخ - من هؤلاء الأولياء " ويُحتَفل بذكري مولده في كل عام . بحلقات ذكر .. وأيضاً توجد أراجيح . وتياترو وألعاب مختلفة , وباعة الحُّمُّص وحَبّ العزيز " , و باعة من كل نوع - منها الخبز مع الفول والطعمية , و منها الزمارة والبالونة , و" البخت " - وله ألعاب متنوعة - والنصب بلعبة ال 3 ورقات .. !
وممن عاصرتهم في القرية , شاعر مداح , يمدح بشعره شيخ له ضريح ومزار .. قرية صغيرة قريبة من قريتنا . الشيخ اسمه " أبو سَلّام " ..
يمدحه المداح - بالربابة - بما أَلَّفه شاعر المديح :
ألفين تحية , والف سلّام .. مَدَدّ ونظرة يا أبو سَلّام
.. .. الخ
وشاعر - أو شويعر آخر - أو شعرور * " يمتدح السيدة زينب . - لها ضريح ومرقد بمصر وبالعراق وفي سوريا ( !! )
فيقول الشاعر المداح ( أو الشعرور * ) الذي كان يمدح السيدة زينب - :
يا سيدة يا سيدة .. يا أم الشموع القايدة
يا أخت الحسن , وأخوكِ الحسين
يا بنت أشرف والدة
... ... الخ .
---- وهذا المديح قرأته مكتوباً , وانا في سن بين 13 : 14 سنة
وكذلك سمعته - في نفس الوقت - من المَدَّاح وهو ينشده .. وما زلت أتذكر اللحن تماماً , كما كان ينشده .
--
ويوجد مطرب يتمتع بصوت قوي رائع . أشهر أغانيه المعروف بها هي : مديح للنبي صلعم . انه المطرب محمد الكحلاوي . الذي يقول في أشهر أغانيه , وهو يتوسل ويتذلل لله , لأجل مطلب , لا أدري كيف جعل منه الشاعر مؤلف المديح .. مطلباً !؟
اذا يقول :
لأجل النبي .. لأجل النبي .. لأجل النبي
( فتري : ماذا يطلب من الله ويتوسل ويتوسل ويتذلل . ويتخذ من النبي واسطة لقبول مطلبه ؟ )...
ماذا يريد من الله , لأجل خاطر النبي ؟؟!!
ها هو المطلب العجيب , عندما يواصل الكحلاوي غناءه :
" تَقبل صلاتي علي النبي . لأجل النبي "
!!!
بس .. ؟!
بس كدا ؟؟؟!
طوال عمري كنت كما غالبية الشعب , نستمع للأغنية ونرددها وراء المطرب الكحلاوي - لحلاوة الطرب الموجود في اللحن والموسيقي ,.. دون ان نفكر فيما ذهب اليه الشاعر - أو الشعرور * - الذي كتبها .. ! من مطلب - بتوسل وتذلل . والمطلب لا مبرر له .. ! فالصلاة علي النبي لا تحتاج لكثير ولا لقليل من التوسل والتذلل لأجل مجرد قبولها عند الله ؟!
لأن القرآن نفسه يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( سورة الأحزاب . آية 56) .. !! ..
يعني باب الصلاة والسلام عليه , مفتوح للمؤمنين . دون إذن ولا طلب ولا قيد ولا شرط . ومُرحَّب به كثيراً .. !
- أوليس ما جاء بتلك الأغنية هو شَعرَرَة .. من " شَعرُوُّر " .. وليس شِعرَ شاعِر !؟
لعل هكذا يفعل كافة " شعارير " * , شعر المديح العقائدي في كافة المعتقدات , أغلبها : شَعرَرَة شَعارِيّر .. وليس شِعر شُعراء .
---
هامش * : ( تعبير " شعرور " - مُفرَد , و الجَمع " شعارير " - اللفظ الأخير - نقلناه عن الناقد الراحل " كمال النجمي " ( 1923 : 1998 ) الذي وصف نوعا من الشعراء ب : شعارير ... :
شعارير علي وزن " زنابير " , و " شعرور " علي وزن " زنبور " أو : دَبّوُّر ( كما يسميه المصريون ) - بعض شعوب العربفون تسمي الدّبُوّر " طنبور .. " ولكن الطنبور عند المصريين , هو وسيلة لري الأرض الزراعية , يرفعون به الماء من المجري المائي المنخفض ليصب في فناوات زراعاتهم .
, ربما لم يعد " الطنبور " موجودا . بعد استخدام ماكينات حديثة لرفع المياه , وربما يوجد , عند فقراء المزارعين ذوي الملكيات الزراعية الضئيلة المساحة ) .
صُورَة الدَبّوّر , وأسفله صورة الطنبُوّر / حسب تسميات المصريين . - لمن تهمه , من قرائنا -غير المصريين ( موجود في مدونتنا - أو .. في موقع جوجل ) :
https://salah48freedom.blogspot.com/2024/06/blog-post_22.html
-----------
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟