أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - ليست قصة














المزيد.....

ليست قصة


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 8017 - 2024 / 6 / 23 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


كل يوم ومنذ سنوات بعيدة، حينما يبدأ النهار بالانحسار،تخيم العتمة على قلبي وتبدأ خزانة الذاكرة بفتح منافذ الحزن.
كنت في العاشرة من عمري، لم أغادر بعد حدائق الطفولة، أرتع وألعب فيها، أطارد فراشات الأحلام، أنصت لشدو الطيور،أما قطتي البنية، فلها النصيب الأكبر من اهتمامي.
الساعة كانت تشير إلى السادسة مساءً، موعدي المقدس مع فترة برامج الاطفال التي كان التلفزيون يذيعها، في هذه اللحظة التي كنت استعد فيها لدخول عالمي السحري، سمعت صرخة مزقت الستار الذي كان يفصلني عن عالم الكبار البشع.
أصوات في الخارج بدأت تعلو .. كلمات بدت لي غير مترابطة مثل: لماذا يا ربي؟! .. ابتعدوا .. يا حسرتي على شبابهم ! لا حول ولاقوة إلا بالله! .. وهذه الأخيرة كانت تعني أن هناك مصيبة حصلت لأنني كثيرًا ما سمعتها من والدي في مثل هذا الموقف وكلمات أخرى ضاعت في زوايا النسيان.
حاولت تجاهل كل ذلك، فلدي ما هو أهم، لكن أن تترك أمي شاي العصر، لترتدي عباءتها وتهرع إلى الخارج، فهذا يعني أن هناك أمرًا جللاً قد وقع.
ضاعت أمي وسط حشود النساء التي تجمهرت خارج بيت أحد الجيران، هالني منظر الناس، فلم يسبق لي مشاهدة هذا العدد منهم.
لا أحد منهم يهتم بوجود الآخر.
الجميع عيونهم تتطلع إلى الداخل، بعضهم طلب من الناس فسح المجال لهم للدخول، اكتفى بعض الرجال بهز رؤوسهم بأسف ودون التفوه بكلمة.
سمعت أحدهم يقول:
- كنت أتوقع هذه النتيجة، وقد حذرته.
ردَّ عليه آخر:
- لا نفع للكلام الآن، لقد وقع المحظور. أما المرأة البدينة التي لم تسعفها ساقاها للوقوف، قالت بعد مسح دموعها بحجاب أسود كانت ترتديه:

- الحمدلله أن أمه توفاها الأجل قبل هذا اليوم.
فجأة، تفرق الناس وسرت همهمة بينهم.
في هذه اللحظة، دفعتني يد رجل ضخم، أبيض البشرة، له شارب كثيف، يرتدي بزة عسكرية نظيفة عليها شارات فوق منطقة الصدر والأكتاف، دفعني بقوة لأجد نفسي في حضن امرأة لا أعرفها ثم انطلق بسيارة بيضاء هو ومن معه من الرجال .
اندفع الرجال والنساء داخل البيت وأنا معهم، المنظر الذي رأيته اغتصب طفولتي، مزق غشاء برائتي ليتركني أعاني من جرم لم ارتكبه، حلمت سفاحًا بكوابيس مكررة، جعلت الليل مصدرًا لخوف لم يفارقني منذ ذلك اليوم.
حدقت في الجثة الملقاة على الأرض. إنه ابن الجيران، الشاب الذي كان يحبني كثيرًا ويشتري لي الحلوى ويقول لأمي: سأخصم هذا من مهرها، فيضحكون بينما أنا التهم الحلوى.
رأيته ممددًا على الأرض وفوق ثيابه أثار دماء، أما ملامح وجهه، فلم أتبينها لأنها تغيرت بفعل الضربات والكدمات.
احتضنته أخته الشابة ناحبة.
خرجت بأقصى سرعة، أردت العودة إلى حدائقي. وجدت أن أقدامًا لوحوش كاسرة قد داست على زهوري، و أحرقت أشجاري، لا طائر يغرد، و لا فراشات تطير!
جلست على الشوك أبكي بصمت، أما كفي، فرائحة قطرات الدم التي وجدتها عالقة فيها، ما زالت تملأ أنف ذاكرتي.
تلك الليلة، حينما كانت أمي تضع على جبيني كمادة الماء البارد، سمعتها تقول لأبي:
- هل من العدل أن تقتل الحكومة كل من لا يريد الذهاب للحرب؟!
أجابها وهو يضع يده على ساقي يتحسس حرارتي:
- اسكتي يا مرة! الحايط أله إذان!
حين انتهيت من كتابة هذه القصة، صداعًا شديدًا أصابني، بينما شعور بالغثيان أجبرني على ترك الآلة الحاسبة.
الحزن لا يقبل شريكًا ولا يرتضي الرشوة.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عين وساق
- الأعمى
- طاولة ونافذة
- صفر .. ثلاثة
- صباح كهرماني
- شاي بنكهة النعناع
- قراءة نقدية في المجموعة القصصية ( الوشاح الأحمر ) للكاتبة فو ...
- سيدة الشمس
- زوج الكلبة
- رسالة امرأة غير صالحة للنشر
- زهرة الكالا البرية
- خالتي نرجس
- درج خشبي
- مَنْ أنت في أي علاقة؟
- حنين العودة
- حلم غاف
- حكاية قبل النوم
- حديث قبل الفطور
- حروف بخط اليد
- حدث في العاشرة مساءً


المزيد.....




- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...
- قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر ...
- نص من ديوان (ياعادل) تحت الطبع للشاعر( عادل جلال) مصر.
- إخترنا لك :نص (شكرا لطوق الياسمين )حسن فوزى.مصر.
- رحيل الممثلة البريطانية ماغي سميث عن 89 عاماً


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - ليست قصة