أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - -نعي الأحلام المجهضة-














المزيد.....

-نعي الأحلام المجهضة-


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8011 - 2024 / 6 / 17 - 12:11
المحور: الادب والفن
    


عالم مجهول لم تلجه من قبل طالما كنت تقبض على جوالك الذكي وتقرأ الآن هذه المراجعة، فسكانه ليست لديهم رفاهية قراءة أي نوع من الكتابات فضلًا عن الكتابة الإلكترونية.
ولكن هل وصف هذا العالم الغريب كان هو القصد النهائي للروائي الراحل أحمد خالد توفيق، بروايته “السنجة” أم أن هناك قصدية أخرى أعمق من ذلك.
أحمد خالد توفيق من مواليد 1962 وصل لسن التمييز الفكري ككل جيله بذروة الغليان الشعبي بثورة يناير الأولى 1977 وتأثر بكل تلك الأحداث وما تلاها من زيارة السادات لتل أبيب ثم توقيع معاهدة كامب ديفيد، والارتداد على مبادئ الاشتراكية والقومية، ثم الهزة الاجتماعية المزلزلة المتمثلة في الانفتاح، والتطلع الاستهلاكي الرهيب الذي سيطر على المجتمع المصري والذي هرُع جزء كبير منه للخليج الناهض بأرباح النفط الخيالية، لم يأتِ بالفيديو والمروحة والسيارة فقط، وإنما بمنظومة فكرية متكاملة مجافية لثقافة مصرية خالصة تصور كل مناحي الحياة وما بعد الحياة، في ظل انسحاب تدريجي للدولة حيال مسؤولياتها الاجتماعية والاقتصادية، مما خلق فجوة طبقية واسعة جدًا بين طبقات المجتمع والتي كانت قد تقاربت جدًا بالحقبة الناصرية…لتخلق مجتمعات عشوائية بعيدة عن متناول الدولة عن عمد وغير عمد، مجتمعات “كدحديرة الشناوي” ارتدت لعشوائية جامحة، غارقة في الجوع والبلطجة والمخدرات الرديئة.
وتتمدد تلك المجتمعات كالثقوب السوداء لتلتهم كل القيم التي تربى عليها “العراب” وجيله، تمتد لتخلق قيمًا غريبة وأيضًا نماذج بشرية أغرب…تراءى كل هذا في ذهن “العراب” ليكتب”السنجة” لتبدأ بلغز اختفاء “عصام الشرقاوي” الأديب والروائي المحطم، والذي يهرب من قيمه البرجوازية الأنانية، من مجتمع المثقفين المغلق الغارق هو الآخر باغتراب لايقل في درجته عن اغتراب ساكني تلك العشوائيات الصفيحية المهملة…يصعد “عصام الشرقاوي” للهاوية بقدميه، يبحث عن روايته الأخيرة “بدحديرة الشناوي” غير عابئٍ أو غير مدرك لخطورة تلك الخطوة. “عصام الشرقاوي” كاتب وروائي محطم، أتم عقده الخامس، يتذكر دائمًا أحداث يناير 1977 فهو كان من جيلها، ميدان التحرير، الكعكة الحجرية التي خلدها “أمل دنقل” بقصيدته، وأيضا “أحمد خالد توفيق” قد أتم عقدة الخامس بذات العام الذي كتب فيه روايته “السنجة” 2012
يأتي “عصام الشرقاوي” بقدميه إذن لهذا العالم، يحاول الاندماج وفهم شخوصه، ولكنه في كل محاولة للاقتراب يقابل برفض جاف عنيف، إلى أن تنتحر”عفاف” تحت عجلات القطار الحديدية، ولكنها قبل ذلك بثوانٍ تكتب بالاسبراي الأسود كلمة تحتمل معانٍ كثيرة” سبحة، سيجة، سنجة، سرنجة، سرجة” يحاول بطل الرواية فك لغز هذا الطلسم المغرق في الغموض، فنكتشف معه أن كل لفظة تمثل مدلولًا ومحطة بحياة “عفاف”.
وفي تداخل أزمان غريب مناسب لجو المخدرات المغشوشة، يلاحق “عفاف” فتاة أحلام الدحديرة الأولى،بداية من سني حياتها الخمس الأولى!، بقوامها الملتف، وملامحها السمراء العذبة، ليتسائل “عصام” كيف للطعمية والكشري خلق كل هذا الجمال، ذات السؤال الذي سأله “نجيب محفوظ” حين تحدث عن “حميدة” ب”زقاق المدق” وإن كان العملاق يعبر عن قيمٍ آخرى؛ فتلك القيم والتطلعات الجديدة لم يعاصر إلا إرهاصاتها الأولى بعد عقود من كتابته لرائعته” زقاق المدق".
"عفاف” عاملة الكوافير، أم جاذرة الدجاج، أم بائعة الطرح أم أم…هي شخصيات كثيرة بشخصية واحدة تجسد تلك الشخصية الشائعة جدًا من فتيات تحمل الشهادات المتوسطة ترتد لشبه أمية أولى…وتكدح وتهدر آدميتها مقابل تأمين حد أدنى من الكفاف، ولكن عفاف تقع في الشغف ب”حسين” شاب يدور على المقاهي والشركات والميادين كمندوب يروج لسلع صينية تافهة، لايكاد يقيم حياته يقع باستغلال الجميع من أول بائعة الدجاج، للشركات الوهمية التي يعمل لها مندوبًا، نهاية بالدولة نفسها، ليقرر في لحظة غضب ويأس عارم أن ينتقم لنفسه.
وبوسط شبكة من الأحداث والشخصيات المركبة الموحية بأن حدثًا مزلزلًا سيحدث عما قريب، يحاول “عصام الشرقاوي” التقرب لهذا العالم إلا أنه يفشل وينال “علقة موت” نهاية حتمية للاتقاء عالمين غريبين عن بعضهما، نهاية معبرة عما وصل إليه المجتمع “المصري” المعاصر، وهل يصح إطلاق لفظة “مجتمع” على كل تلك الطبقات التي لايربطها أدنى رابط،؟! تكاد كل طبقة تكون مجتمعًا أجنبيًا عن الآخر بكل ما تحويه كلمة “أجنبي” من معانٍ.
يحدث الزلازل وتنطلق ثورة يناير2011، يعايشها “عصام الشرقاوي” آتيًّا من خلفية ثورة ينايرية سبعينية آخرى بذات المكان”ميدان التحرير” وبذات القيم” الخبز” وكانت “انتفاضة خبز” و”الحرية” وكان قد تحول الواقع إلى سجن كبير، “عدالة اجتماعية” وكان الارتداد عن شعارات العدالة الاجتماعية بذروته. لايكاد “عصام الشرقاوي” يفرق بين الثورتين…وكما كان مآل الأولى كان مآل الثانية.
يقتل “حسين” قبيل “موقعة الجمل” بسنجة أحد البلطجية المانعين إياه من دخول الميدان أمام عين حبيبته”عفاف” لتنهار عفاف انهيار الثورة، وتصل ذروة انهيارها باختطاف عصابة”حماصة” لها وتناوب عشرات البلطجية على اغتصابها بمقر حكم “حماصة” السرجة القديمة، تنتحر عفاف.
فهل كانت عفاف معادلًا للوطن، وهل كان “حسين” هو الثورة المقتولة، وهل كان “حماصة” هو القابض على كل الخيوط؛ يقتل الثورة، ويغتصب الوطن. وهل كانت “دحديرة الشناوي” هي مصر الأخرى؛ غير مصر المنتجعات الفارهة والكومبوندات عالية الأسوار، المحصنة بالحراسات الخاصة؟!
يحل “عصام الشرقاوي” اللغز، كانت تقصد”السرجة” فيذهب بقدميه ل”حماصة” بسرجته” ويختفي هو الآخر.
كان “عصام الشرقاوي” هو نفسه” أحمد خالد توفيق” كان العراب ينعي نفسه بهذه الرواية، كما نعى حلمه والذي تجسد بثورة مجهضة مقتولة مغتصبة.



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أولاد حارتنا- المبادرة والانتظار .
- عبد القاهر الجرجاني يُنظِرُ لقصيدة النثر.-سأعيد طروادة ثم أح ...
- -بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي
- نون نسوة مناضلة -بيضاء عاجية، سوداء أبنوسية.-.
- ماتريوشكا
- أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.
- نجيب محفوظ -نبيًّا-.
- تحدي قصيدة النثر ؛ديوان-ابن الوقت- نموذجًا.
- حائزة -عبد الفتاح صبري- في نسختها الأولى.
- أخيرا العثور على المسرحية المفقودة لنجيب سرور-البيرق الأبيض- ...
- الروائي شادي لويس وصفعة لوجه الرأسمالية القبيح.
- مخطوطات نجيب سرور
- القصة الشاعرة. - قراءة لفصل من كتاب ألعاب اللغة للدكتور محمد ...
- د. محمد فكري الجزار شمولية النص القرآني وسيميوطيقا النهايات.
- ألعاب اللغة-5-، ما بين الشعري والتدوالي.
- ألعاب اللغة-4- نقد جاكبسون.
- احتواء المؤسسة وتمرد المبدع
- قطار الليل نحو لشبونه
- ألعاب اللغة-2-
- ألعاب اللغة-ما بعد نظرية الأدب-


المزيد.....




- بتقنية الخداع البصري.. مصورة كينية تحتفي بالجمال والثقافة في ...
- ضحك من القلب على مغامرات الفأر والقط..تردد قناة توم وجيري ال ...
- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - -نعي الأحلام المجهضة-