|
قصة قيرة بعنوان:أعمى لم يَرَهُ ابنه
اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8011 - 2024 / 6 / 17 - 09:02
المحور:
الادب والفن
في قَريةٍ تَجثمُ على حَضاراتٍ مُوغِلةٍ في القِدمِ، عاشَ شابٌّ لم يُخلَقْ أعمى مُنذُ بَدءِ مولِدِهِ، بَل كانَ كَسائرِ الأطفَالِ الذينَ خُلِقوا في تلكَ القَريةِ. يدُ القَدَرِ كانتْ لهُ بالمِرصادِ. فَقدَ بَصَرَهُ على إِثرِ حادِثٍ وقعَ لهُ، بِقَصدٍ أو بِغيرِ قَصدٍ، مِن قِبَلِ والِدِهِ الذي يُقالُ إنّهُ قامَ بِضَربِهِ بِحِذائِهِ. ورَغمَ هذا، تأقلَمتِ العائِلةُ معَ هذا الأمرِ الذي مَزَّقَ قلبَها، ولم يَعُدْ هوَ يرى أبَويهِ ولا إخوتَهُ، ولا حتَّى الدَّربَ التُّرابيَّ الذي كانَ يَلهو عليهِ معَ أترابِهِ أَيّامَ الصَّيفِ، ولا عادَ يرى حقولَ القَمحِ وأَيّامَ الحَصادِ. كَم يتمنى لو يرى الماشيةَ وهي تَردُ على بئرِ القَريةِ قبلَ الغُروبِ، حينَ كانَ يذهبُ معَ أُمِّهِ يَحمِلُ معها القِدرَ الكبيرَ لِتحلُبَ الأغنامَ. أَجَلْ، لقدْ تأقلَمَ هوَ أيضاً معَ هذهِ الحالِ وجَلَسَ يائساً على مِصطَبةٍ بينَ غُرفَتَينِ، بعدَ أن يَئِسَ من الطِّبِّ في شِفاءِ حالتِهِ. يَكبَرُ ذاكَ الشابُّ، وقُلوبُ الرِّجالِ، والنِّساءِ، والفَتياتِ، والأطفالِ تَحنُو عليهِ، يُقدِّرونهُ، وأيَّ تقديرٍ. المَرأةُ لديها ذاكَ الإحساسُ والمَعرِفةُ بكنهِ الرَّجلِ أكثرَ ممّا يَعرِفُهُ هوَ عنها. في القَريةِ، هناكَ امرأةٌ يَبدو أنَّها رَأَتْ في ذاكَ الشابِّ الأعمى كَنزاً لِشهوتِها، بَل هِيَ مَن أحبَّتْهُ ووقعَتْ في غَرامِهِ رَغمَ أنَّهُ فاقدُ البَصَرِ. لكنَّها رُبَّما كانتْ تَخشى أن يَفهَمَ أنَّها تَستغلُّ حالتَهُ، لكِنَّهُ بالنَّتيجةِ سيكونُ مُحَقِّقاً لرغباتِها وشَهواتِها دونَ أن يَعلَمَ من هيَ. هوَ الآخرُ، لمْ يكنْ هناكَ أيُّ فُرصَةٍ سوى هذهِ اللِّقاءاتِ الحَمِيميةِ. هكذا كانتِ الأفكارُ تدورُ في رأسِهِ عندما باغَتَتْهُ فجأةً في ذاكَ الليلِ امرأةٌ تَتَلمَّسُهُ من كلِّ مكانٍ، وهوَ يَشعُرُ بِنَشوَةٍ تَجتاحُهُ، خاصَّةً حينَ تَقدَّمَتْ بشَفَتَيها والتَهمَتْ شَفَتَيِهِ. سألَها مَن أنتِ؟! لكنَّها لم تَتَحدَّثْ، بَل كَتَمَتْ على فَمِهِ حينَ أبدى أيَّ حَراكٍ. عاشا في قِمَّةِ ما يَصبُو إليهِ الرَّجُلُ من المَرأةِ وكذلكَ المَرأةُ من الرَّجُلِ. أَجل، ها هيَ تُحقِّقُ لهُ ما لا يأمَلُ بهِ في حياتِهِ، كونُهُ أعمى. في أَوَّلِ مَرَّةٍ وبعدَ ساعةٍ، أرادَتْ أن تُودِّعَهُ بِلَمسَةٍ، وهيَ تَضَعُ يدَها على كَتِفِهِ. أمسكَ يَدَيها وقَبَّلَها، وكأنَّهُ يقولُ لها تَعالَي مَرَّةً أُخرى. كانتِ المَرأةُ مُكتَنِزةً، تَفورُ شَهوَةً، ولها من القامةِ طولُها، أرادَتْ أن تُجرِّبَ لأَوَّلِ مَرَّةٍ في هذهِ المُغامَرةِ التي يُمكِنُ أن تُسَجِّلَ اسمَها إلى الأبدِ في صَفحةِ تاريخِ المَرأةِ الخائنةِ لِزَوجِها. الليلُ يَحلُّ وزَوجُها يُغادِرُ إلى عَملِهِ في البَراري، رُبَّما لا يأتي كُلَّ شهرٍ مَرَّةً واحدةً، فَوجدَتْ ضالَّتَها معَ ذاكَ الشابِّ. تَلبَسُ لِباسَ الرِّجالِ وتأتي كُلَّ مساءٍ إلى ذاكَ الأعمى الذي لا زالَ لوحدِهِ يَسهرُ، تَمُدُّ لهُ يدَها، يَتلمَّسُها، يَتَعرَّفُ إلى أُنوثةٍ لم يَعرِفْها مِن قَبلُ. تَسحَبُهُ إلى مكانٍ يُوجَدُ بهِ التِّبنُ، أَجَلْ هوَ مَخزَنٌ للتِّبنِ، عَلفُ الماشيةِ. كما في المَرَّةِ الأُولى، تُقبِّلُهُ ويُقبِّلُها، تَثورُ شَهوَتُهُ وتَثورُ شَهواتُها، يَتلمَّسُ كلَّ ما تَشتهيهِ، ويَتلمَّسُ جَسدَها، وهكذا حتى نَضَجَ اللِّقاءُ الثاني ويُضاجِعُها دُونما أن يتحدَّثا ولو بِكَلِمَةٍ واحدةٍ. في تلكَ الليلةِ، شَعَرَتْ بأنَّهُ أقوَى من زَوجِها جِنسياً وأنَّهُ رَغمَ عَماهُ، إلا أنَّهُ فارسٌ يُجيدُ كيفيَّةَ إِيصالِ المرأةِ إلى ما تَبتغيهِ. تأخُذُهُ وتَجلِسُهُ في مكانِهِ الأوَّلِ وهوَ يَتَمَسَّكُ بها، فَتوعدُهُ بِيَدَيها أنَّها ستَعودُ إليهِ. وتتكرَّرُ هذهِ اللِّقاءاتُ الحَمِيميةُ، ولكنْ للشابِّ الأعمى رَغبةٌ جِنسِيَّةٌ جامِحةٌ، جاءتْ على كلِّ شيءٍ في تلكَ المرأةِ. حتى إنَّها تُريدُ أن تُشرِكُ معها إحدى قَريباتِها اللَّواتي تَشبهُ حالَتَها، ولكن كيف؟! وهل سَتكونُ الأُخرى فاضِحةً لأسرارِها؟! لكنَّها سَتُجرِّبُ أن تُقدِّمَ لها مُقدِّماتٍ حولَ موافَقتِها لمَشروعٍ يَبدو سَيَحظى بأهميَّةٍ لَدى تلكَ المرأةِ. تَقتنِعُ الثانيةُ بالأمرِ، على أساسِ أنَّ الأمرَ سيَبقى سِرّاً إلى الأبدِ. ذهبتا إلى الشابِّ الأعمى والليلُ يُقارِبُ الفَجرَ. وهناكَ، تَلمَّستْهُ المرأةُ الأُولى، وقادَتهُ إلى حيثُ مَخزَنُ التِّبنِ. وبعدَ أن قَبَّلَتهُ وقَبَّلَها وتَلمَّسَها من جَسدِها، تَلمَّسَتهُ. أمسكَتْ بِيَدِهِ ووَضَعَتها على المرأةِ الثانيةِ، وكأنَّها تَدعوهُ ليُقبِّلَ صديقتَها، وبِصوتٍ في أُذُنِهِ قالت: نحنُ اثنتانِ، أنا وأُخرى، كِلانَا لَكَ وَسَكَتَتْ، وَهَكَذَا عَاشَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، حَتَّى سَاعَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ، كِلْتَاهُمَا وَصَلَتَا لِلنَّشْوَةِ، الَّتِي لَمْ تَعْرِفَاهَا مِنْ قَبْلُ، بَيْنَمَا هُوَ لَازَالَ يَهْمِهِمُ، يُرِيدُ الْمَزِيدَ، وَلَكِنَّهُنَّ يُوَدِّعْنَهُ بِلَمْسٍ نَدِيٍّ، وَقُبَلٍ حَارَةٍ، كُلٌّ مِنْهُمَا تَمْضِي إِلَى دَارِهَا، وَتَنْدَسُّ فِي فِرَاشِهَا، لَازَالَ الأَوْلَادُ الصِّغَارُ، يَغُطُّونَ فِي النَّوْمِ بَيْنَمَا الْمَرْأَةُ الأُولَى تَتَلَمَّسُ نَهْدَيْهَا، وَتُفَكِّرُ بِهَذِهِ النَّشْوَةِ الْعَارِمَةِ. وَتُوعِدُ نَفْسَهَا أَنَّهَا سَتَعِيشُ مَعَ هَذَا الأَعْمَى حَتَّى يَكُونَ قَدَرَهَا، لَا يَهُمُّ حَتَّى لَوْ حَبِلَتْ مِنْهُ... فِي الصَّبَاحِ جَاءَتْهَا، صَدِيقَتُهَا وَهِيَ تَتَشَكُّرُهَا، وَلَكِنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَمَا تَصَوَّرَتَا، فَكُلُّ مَسَاءٍ، لَابُدَّ مِنْ مُوَاصَلَةِ الْجِنْسِ، مَعَ هَذَا الشَّابِّ الأَعْمَى، وَأَحَدُهَا تَكُونُ مَعَهُ، وَالثَّانِيَةُ تَحْرُسُ الْمَكَانَ، وَتَمْضِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَتَحْبَلُ الأُولَى مِنْهُ، وَيَكْبَرُ الْجَنِينُ، وَهِيَ تَعْرِفُ أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ، وَلَيْسَ مِنْ زَوْجِهَا، وَهُنَا عَاشَتْ فِي رُعْبٍ حَقِيقِيٍّ، وَبَدَأَتْ تُرَتِّبُ قِصَصًا، لَوْ كَانَ الْمَوْلُودُ، أَوْ الْمَوْلُودَةُ، يُشْبِهُ الشَّابَ الأَعْمَى، سَتَقُولُ: كَمَا يَقُولُونَ فِي الرِّيفِ لَقَدْ اشْتَهَتْهُ، وَلَكِنَّ رَجُلَهَا، يَعُودُ مِنَ الْبَرَارِي، وَيَعْلَمُ بِأَنَّهَا حَامِلٌ، فَتُوْهِمُهُ بِأَنَّهَا حَامِلَةٌ مِنْهُ، تُؤَكِّدُ لَهُ مِنْ يَوْمِ الَّذِي ذَهَبْتَ فِيهِ، وَأَنَا أَشْعُرُ بِنَفْسِي وَعَلَامَاتِ الْحَمْلِ عَلَيَّ، لَا يَهُمُّهُ أَصْلًا مَعْرِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ عَنْ أُسْرَتِهِ، لِأَنَّ كُلَّ عَقْلِهِ، فِي عَمَلِهِ، وَهُنَاكَ فِي الْقُرَى فَتَيَاتٌ، وَنِسَاءٌ أَيْضًا يَعِيشُ مَعَهُنَّ، وَقَبْلَ أَنْ تَلِدَ، كَانَ أَهْلُ ذَاكَ الشَّابِّ، يُرِيدُونَ الِانْتِقَالَ إِلَى الْمَدِينَةِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ مُعَارَضَتِهِ لِلْأَمْرِ، لَكِنْ وَالِدَهُ، وَأُمُّهُ قَرَّرَا الِانْتِقَالَ. كُلُّ الْقَرْيَةِ سَمِعَتْ بِقِصَّةِ نَقْلِ أُسْرَةِ الأَعْمَى إِلَى الْمَدِينَةِ. الْمَرْأَةُ الأُولَى تَشْعُرُ أَنَّهَا سَتَعِيشُ الْحِرْمَانَ مِنْ ذَاكَ الشَّابِّ الَّذِي غَمَرَهَا بِعَوَاطِفِهِ لَكِنَّهَا سَتَفْتِشُ عَنْ سَبِيلٍ لِلْاِلْتِحَاقِ بِتِلْكَ الأُسْرَةِ.. يَنْتَقِلُ الشَّابُّ الأَعْمَى، مَعَ أُسْرَتِهِ لِلْمَدِينَةِ، وَهُنَاكَ تَتَعَرَّفُ أُسْرَتُهُ إِلَى أُسْرَةٍ يَبْدُو أَنَّهَا طَيِّبَةٌ وَخَلُوقَةٌ، وَيَتَعَرَّفُ الأَعْمَى إِلَى الِابْنِ الأَكْبَرِ لِتِلْكَ الأُسْرَةِ، وَبَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوعَيْنِ مِنَ اللِّقَاءَاتِ، يُرِيدُ ذَاكَ الأَعْمَى، أَنْ يُبُوحَ لِصَدِيقِهِ الشَّابِّ، بِأَسْرَارٍ يَبْدُو أَنَّ بَقَاءَهَا فِي صَدْرِهِ سَتُوصِلُهُ إِلَى الْجُنُونِ.. وَكَانَ أَنْ بَدَأَ مَعَهُ الصَّدَاقَةَ، يَرْجُوهُ، يَعِدُهُ الشَّابُّ، وَتَتَكَرَّرُ الزِّيَارَاتُ، وَرَاحَ ذَاكَ الشَّابُّ الأَعْمَى يُقَدِّمُ لِصَدِيقِهِ قِصَّتَهُ مَعَ الْمَرْأَةِ الأُولَى، وَالثَّانِيَةِ، وَمَا كَانَ يَجْرِي مَعَهُ، فِي الْقَرْيَةِ وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ قِصَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وَلِكَثْرَةِ، مَا يَتَشَوَّقُ، ذَاكَ الصَّدِيقُ الْجَدِيدُ، لِنَتَائِجِ الْقِصَّةِ، وَنِهَايَاتِهَا يُوعِدُهُ الأَعْمَى الذَّكِيُّ وَالْخَبِيثُ، بِأَنَّهُ سَيُكَمِّلُهَا فِي زِيَارَةٍ قَادِمَةٍ، عِنْدَمَا يَأْتِي وَيَحْتَسِي الشَّايَ مَعَهُ، وَيَشْرَبَانِ دُخَانَ الْحَمْرَا الْقَصِيرَةِ، الَّتِي كَانَتْ رَائِحَتُهَا تفُوحُ عِطْرًا وَنَكْهَةً.. وَهَكَذَا أَكْمَلَ الأَعْمَى، الْقِصَّةَ لَكِنَّ عُنْصُرَ النَّتِيجَةِ غَيْرُ وَاضِحٍ، تُشَكِّلُ لِلصَّدِيقِ الشَّابِّ ابْنِ الْمَدِينَةِ، مُشْكِلَةً مِنَ الْمَشَاكِلِ، وَيَسْأَلُ الأَعْمَى صَدِيقَهُ مَاذَا تَعْتَقِدُ، هَلْ يُفَتِّشُ صَاحِبُنَا عَنْ تِلْكَ الْمَرْأَتَيْنِ، أَمْ أَنَّهُ يَنْسَاهُمَا؟!! وَرَغْمَ هَذَا لَمْ يُقَدِّمْ الشَّابُّ الأَعْمَى لِصَدِيقِهِ إِلَّا النَّزْرَ الْيَسِيرَ مِنَ الْخُيُوطِ، الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى السِّرِّ الْكَبِيرِ. لَكِنَّ الشَّابَّ يَكْتَشِفُ بِنَفْسِهِ، وَمِنْ خِلَالِ خِبْرَتِهِ بِأَنَّ هَذَا الأَعْمَى يُشَوِّهُ الْحَقَائِقَ، وَأَنَّ الْقِصَّةَ هِيَ قِصَّتُهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَزُورَ الْقَرْيَةَ، وَيَبْحَثَ وَيَسْتَنْتِجَ بِنَفْسِهِ، عَنْ الْمَرْأَةِ الأُولَى، الَّتِي تُشْبِهُ ظُرُوفُهَا ظُرُوفَ الْمَرْأَةِ الَّتِي حَكَاها لَهُ صَدِيقُهُ الأَعْمَى، وَلَابُدَّ أَنَّهُ يُحَدِّدُ شَكْلَهَا، وَقُرْبَهَا مِنْ مَنْزِلِ ذَاكَ الأَعْمَى، أَمَّا الثَّانِيَةُ، فَتَوَقَّعَ أَنَّهَا تَعِيشُ فِي الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ، مِنَ الْقَرْيَةِ لِتَشَابُهٍ غَرِيبٍ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَا حَكَاها ذَاكَ الأَعْمَى.. وَلِأَنَّ الشَّابَّ الَّذِي يَبْحَثُ عَنْ أُسُسِ الْقِصَّةِ، لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَبْقَى طَوِيلًا فِي الْقَرْيَةِ، يَعُودُ بَعْدَمَا، تَأَكَّدَ لَهُ بِأَنَّ مَا حَدَّدَهُ، هُنَّ صَدِيقَاتُ ذَاكَ الشَّابِّ الأَعْمَى . يَعُودُ لِصَدِيقِهِ بَعْدَ أَيَّامٍ. وَيَزُورُهُ، وَيَتَعَاتَبَانِ عَلَى هَذَا الِانْقِطَاعِ، لَكِنَّ الشَّابَّ يُقَدِّمُ عَشَرَاتِ الأَعْذَارِ وَيَقْتَنِعُ الأَعْمَى، بِأَنَّ الظُّرُوفَ لَيْسَتْ دَوْمًا تَسِيرُ عَمَّا يَشْتَهِي كُلٌّ مِنْهُمَا. وَيَعُودُ الشَّابُّ بِذَكَاءٍ إِلَى الْقِصَّةِ، الَّتِي كَانَ يَحْكِيهَا، لَهُ صَدِيقُهُ الأَعْمَى. وَيَتَشَوَّقُ الأَعْمَى لِيَسْتَمِعَ إِلَى صَدِيقِهِ، وَهُوَ يُعِيدُ وَهْجَ اللَّحَظَاتِ، وَيَصِفُ لَهُ شَكْلَ الْمَرْأَةِ الأُولَى، وَالثَّانِيَةِ، وَمَاذَا تَفْعَلَانِ فِي غِيَابِهِ عَنْهُمَا، فَيَصِيحُ بِهِ الأَعْمَى، رَجَاءً لَيْتَنِي أَلْتَقِيْهُنَّ، لَقَدْ مَلِلْتُ الْمَدِينَةَ، لَيْتَنِي أَذْهَبُ لِقَرْيَتِنَا، هَلْ تُرَافِقُنِي؟!!! يَكْتَشِفُ الصَّدِيقُ الطَّالِبُ بِأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي كَانَ يَحْكِيهَا الأَعْمَى هِيَ عَنْهُ حَقًّا، وَهَكَذَا يَتَأَكَّدُ بِأَنَّ ظَنَّهُ فِي مَكَانِهِ، لَكِنَّهُ يَسْأَلُهُ، وَكَيْفَ نَذْهَبُ لِلْقَرْيَةِ، وَلَا يُوجَدُ لَدَيْنَا الْمَالُ؟!! ثُمَّ لِمَاذَا تَعُودُ لِلْقَرْيَةِ مَاذَا سَتَسْتَفِيدُ؟!! ثُمَّ دَعْنَا لِلأُسْبُوعِ الْمُقْبِلِ، الْخَمِيسِ بَعْدَمَا نَنْتَهِي مِنَ الدَّوَامِ الْمَدْرَسِيِّ، سَأَعُودُ إِلَيْكَ قَرِيبًا ... لَكِنْ لَوْ ذَهَبْنَا أَيْنَ سَنَنَامُ؟!! لَابُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِكُمْ مَا يَقِينَا الْبَرْدَ، وَنَنَامَ عَلَيْهِ؟!! لَا، اِطْمَئِنَّ، هُنَاكَ تَرَكَ وَالِدِي مَا يَكْفِي لِأُسْرَةٍ كَامِلَةٍ، مِنْ أُمُورٍ تَحْتَاجُهَا الأُسْرَةُ. إِذًا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، وَبَقِيَ الأَعْمَى، يَنْتَظِرُ الشَّابَّ صَدِيقَهُ، وَلَكِنَّ لَابُدَّ مِنْ تَوْفِيرِ مَبْلَغٍ مِنَ الْمَالِ، مِنْ أَجْلِ الرِّحْلَةِ، وَطَعَامٍ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ أَجْلِ صَدِيقِهِ.. الشَّابُّ الأَعْمَى يَشْعُرُ بِحُزْنٍ وَكَآبَةٍ، وَكَأَنَّ الزَّمَنَ أَصْبَحَ طَوِيلًا وَمُمِلًّا، لِكَوْنِهِ مُتَشَوِّقًا أَنْ يَذْهَبَ لِلْقَرْيَةِ، وَيَلْتَقِي تِلْكَ الْمَرْأَةَ، وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُضْطَرِبَةِ يَدْخُلُ صَدِيقُهُ، وَيُسَلِّمُ عَلَى أُسْرَةِ الأَعْمَى وَيُعْلِمُهُمْ، بِأَنَّهُمَا ذَاهِبَانِ إِلَى الْقَرْيَةِ، وَرُبَّمَا بَقِيَا هُنَاكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. يُوَافِقُ وَالِدَا الشَّاب الأَعْمَى، وَيَرْحَلَا إِلَى الْقَرْيَةِ، يَصِلَانِ وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَمِيلُ لِلْغُرُوبِ، عَلِمَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ بِعَوْدَةِ الشَّابِّ الأَعْمَى، وَلَكِنْ مَعَهُ شَابٌّ آخَرُ. كَمْ كَانَتْ سَعَادَةُ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ بِمَجِيءِ مَنْ كَانَتْ تُعَاشِرُهُ حَتَّى أَنَّ الْجَنِينَ فِي بَطْنِهَا هُوَ مِنْهُ؟!!، وَتَنْتَظِرُ الْمَسَاءَ لِيَحِلَّ، وَأَيْنَ تَمْضِي مِنْ زَوْجِهَا، الَّذِي كَانَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْعَمَلِ، وَلَكِنَّهُ بَعْدَ غَدٍ سَيَذْهَبُ عَائِدًا لِعَمَلِهِ الْبَعِيدِ.. لَكِنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَرَى الشَّابَّ الأَعْمَى. هَلْ سَيَشِي بِهَا إِلَى صَدِيقِهِ؟!! وَكَيْفَ لَهَا أَنْ تُدَبِّرَ الأَمْرَ؟ حَتّى تَكونَ بِمأمَنٍ مِنَ الفَضيحَةِ، أَجَل أَجَل لَقَدْ وَجَدَتِ الحَلَّ، أَن تَأتي مَعَها المَرأةُ الثّانيَةُ، وَتَتَفِقا عَلَى الذَّهابِ لَيلًا حينَ الرِّجالُ في رُبعةٍ (إيوانِ المُختارِ فَهُم يَلعَبونَ بِالنَّردِ حَتّى الفَجرِ). يَنامُ الأَطفالُ، وَتَذهَبُ الثّانيَةُ إلى بَيتِ المَرأةِ الأُولى، وَيَذهَبانِ إلى بَيتِ الأعمى، كانا هُوَ وَالشّابُ يَسهرانِ دونَ ضَوءٍ، وَإِذا بامرأتَينِ تَدخلانِ عَلَيهِما الغُرفَةَ، تُشيرُ إِحداهُما لِلشّابِ الَّذي هُوَ صَديقُ الأعمى، يَتَفَهّمُ الأَمرَ وَتَقرَبُ مِنَ الأعمى، واحِدَةٌ تَتَلمَّسُهُ، وَيَتَلمَّسُها وَتَحتَضِنُهُ، وَتَأخُذُهُ إِلى حَيثُ كانا يَعيشانِ اللَّحَظاتِ، بَينَما بَقِيَتِ الثّانيَةُ مَعَ الشّابِ، تَقرَبَت مِنهُ، عَلِمَ ما السِّرُّ، أَجَل هِيَ الأُخرى جاءَت تُريدُ نَشوَةً، وَكَأنَّهُ يَعرِفُها تَمامًا مِن خِلالِ قِصَّةِ الأعمى لَهُ، لَكِنَّهما يَتحَدّثانِ وَيَتَناجيانِ، حَتّى أَنَّهما غابا عَنِ العالَمِ إِلى رِحابِ لَيلَةٍ حَمراءَ، لَم يَعِشها هذا الشّابُ مِن قَبلُ." بَينَما المَرأةُ الأُولى، مَعَ الشّابِ الأعمى تُريدُ أَن يَعلَمَ، بِأَنَّ الَّذي في بَطنِها هُوَ وَلَدُهُ، كَيفَ ذلِكَ؟!! لا بُدَّ مِن أَن تَضعَ يَدَيهِ عَلَى بَطنِها، وَتَهمِسَ لَهُ في أُذُنِهِ.. وَهُنا يُدرِكُ مَن تَتَحَدَّثُ مَعَهُ، وَمَن هِيَ أَنَّها تِلكَ الَّتي عاشَ مَعَها أَجمَلَ وَأَروَعَ اللَّيالِي نَشوَةً وَحُبًّا.. تُودِعُهُ بِقُبَلٍ وَتُمسِكُ يَدَهُ، وَتَأخُذُهُ إِلى مَكانِ صَديقِهِ، بَينَما تَرى بِأُمِّ عَينَيها، كَيفَ كانَت صَديقَتُها مَعَ الشّابِ تَعيشُ نَشوَةً، يَنتَهي الأَمرُ إِلى الوَداعِ وَبِسُرعَةٍ عَلَى عَجَلٍ، غَدًا سَنَأتي قالَتِ الثّانيَةُ لِلشّابِ، وَغابَتا في ذلِكَ اللَّيلِ وَهَكَذا بَقِيَ الأعمى وَالشّابُ صَديقُهُ يَسهرانِ، وَأَعلَمَهُ بِأَنَّ الجَنينَ هُوَ ابنُهُ،يَعيشُ الشّابُ صَديقُ الأعمى أَيّامًا صَعبَةً، بَعدَ أَن عَلِمَ بِحَمْلِ المَرأةِ الأولى، وَبِأَنَّ الجَنينَ هُوَ مِن صَديقِهِ الأعمى، لا بُدَّ أَن يَحمِلَ هَذِهِ الأَمانَةَ، كَيفَ سَيُخْبِرُ والِدَتَهُ؟!! يَعيشُ فِي قَلَقٍ مُتَواصِلٍ، وَيُفَكِّرُ كَثيرًا، لَكِنَّهُ يُدرِكُ أَنَّ الحَقيقَةَ سَتَظَلُّ غامِضَةً، إِلى أَن يَرى الوَلَدَ، وَلَكِنَّ التَّقاليدَ، لا تَسمَحُ لَهُ بِأَن يَبوحَ بِالحَقيقَةِ." لابدّ أن يتحدث صديق الأعمى قائلاً : وَرُبَّما وَقَعتُ أَنا بِمأزِقٍ كَبيرٍ ياصديقي ، سَأَلَهُ، وَلِماذا؟ قالَ لَهُ لِكَوْني فَعَلتُ كُلَّ شَيءٍ مَعَ هَذِهِ المَرأةِ الجَموح."
اللهُ عَلَيْكَ يا صَدِيقي، هذِهِ فَرَسٌ تُرِيدُ فَارِساً وَيَبْدُو أَنَّكَ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُشْبِعَ كُلَّ غَرَائِزِهَا، سَأُخْبِرُكَ أَنَا أَيْضًا هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي بَقِيتَ مَعِي، لَقَدْ تَمَّ كُلُّ شَيْءٍ وَهِيَ الْأُخْرَى تُشْبِهُ النَّارَ. يَا اللَّهُ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ فِي الْقَرْيَةِ تَتَّمُ عَلَاقَاتٌ لَا تَتَّمُ أَحْيَانًا فِي مَدِينَتِنَا. سَنَبْقَى أَكْثَرَ يا صَدِيقي، لِنُوفِرْ فُرُصًا أَكْثَرَ مِنْ أَجْلِ لِقَاءَاتٍ حَمِيمِيَّةٍ مَعَ امْرَأَتَيْنِ تَبْدُوانِ لَهُمَا مَزَاجًا لَا أَعْرِفُهُ فِي مُمَارَسَةٍ مِنْ قَبْلِ... وَضَحِكًا... صَمْتًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ انْدَسَّ فِي فِرَاشِهِ، نَامَا حَتَّى الصَّبَاحِ. جَاءَتْ الْأُولَى وَمَعَهَا قَلِيلًا مِنَ اللَّبَنِ وَالْخُبْزِ وَرَجَعَتْ عَائِدَةً بَعْدَمَا وَضَعَتْهُ، رَأَهَا الصَّدِيقُ وَوَدَّعَهَا بِتَلَوِيحَةِ يَدِهِ. وَلَكِنْ شَبَابَ الْقَرْيَةِ يَعْلَمُونَ بِمَجِيءِ الْأَعْمَى وَحِكَايَاتِهِ يَتَوَافَدُونَ عَلَيْهِ، وَهُنَا يَمْضِي النَّهَارُ فِي قِصَّصٍ لَا تَخْطُرُ عَلَى بَابِ الشَّابِ صَدِيقِ الْأَعْمَى، يَكْتَشِفُ بِأَنَّ الْأَعْمَى لَدَيْهِ مَوْهِبَةُ التَّمْثِيلِ، وَقُدْرَةٌ عَلَى إِضْحَاكِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ لِكَلِامِهِ، أَجَلْ قَالَهَا الشَّابُ صَدِيقُهُ، يُمْكِنُ أَنْ يَمْثُلَ مَعَنَا فِي مَسْرَحِيَّاتٍ بِالْمَدِينَةِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ قَالَهَا: بَيْنَمَا الشَّابُ الْأَعْمَى يَتَلَمَّسُ أَحَدَ الْفَتِيَانِ قَائِلًا لَهُ: اذْهَبْ وَاجْلِبْ لَنَا بِجَيْدَانِ شَايٍ (إِبْرِيقٌ مِنَ الشَّايِ). يَذْهَبُ الْفَتَى وَبَعْدَ فَتْرَةٍ يَأْتِي بِإِبْرِيقٍ مِنَ الشَّايِ، وَيَشْرَبُوا تِلْكَ الْفِنَاجِينَ الَّتِي تَلَوَّنَتْ بِلَوْنِ الشَّايِ وَرَائِحَتِهِ الزَّكِيَّةِ، وَيَمْضِي الْوَقْتُ سَرِيعًا، يَسْتَأْذِنُ الصَّبِيَّةُ وَيُودَّعُونَ الْأَعْمَىَ وَصَدِيقَهُ، بَيْنَمَا هُمَا رَاحَا يَتَحَدَّثَانِ بِأَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ حَتَّى جَاءَ الْمَسَاءُ وَنَامَا حَتَّى الصَّبَاحِ. يَمُرُّ النَّهَارُ مُسْرِعًا لَكِنَّهُ طَوِيلٌ، وَيَأْتِي الْمَسَاءُ وَيَحُلُّ الظَّلَامُ... وَتَتَكَرَّرُ زِيَارَةٌ مِنْ كَانَتَا اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ مَعَهُمْ وَيَعِيشُوا لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي الْعُمُرِ غَدًا سَنَعُودُ لِلْمَدِينَةِ، قَالَهَا صَدِيقُ الْأَعْمَىِ. بَكَتِ الْمَرْأَةُ الْأُولَى، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ تَرْتَمِي بَيْنَ أَحْضَانِهِ وَتُقْبِلُهُ، كُلَّ شَيْءٍ يُثِيرُ الدَّهْشَةَ، نِسَاءٌ يُقَدِّمْنَ أَجْسَادَهُنَّ، وَأَرْوَاحَهُنَّ، دُونَ مَقَابِلٍ؟!! لِأَوَّلِ مَرَّةٍ أَعِيشُ هَكَذَا حَالَةً، مَا أَرْوَعَهَا اللهُ عَلَيْكَ يا صَدِيقي، هذِهِ فَرَسٌ تُرِيدُ فَارِساً وَيَبْدُو أَنَّكَ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُشْبِعَ كُلَّ غَرَائِزِهَا، سَأُخْبِرُكَ أَنَا أَيْضًا هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي بَقِيتَ مَعِي، لَقَدْ تَمَّ كُلُّ شَيْءٍ وَهِيَ الْأُخْرَى تُشْبِهُ النَّارَ. يَا اللَّهُ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ فِي الْقَرْيَةِ تَتَّمُ عَلَاقَاتٌ لَا تَتَّمُ أَحْيَانًا فِي مَدِينَتِنَا. سَنَبْقَى أَكْثَرَ يا صَدِيقي، لِنُوفِرْ فُرُصًا أَكْثَرَ مِنْ أَجْلِ لِقَاءَاتٍ حَمِيمِيَّةٍ مَعَ امْرَأَتَيْنِ تَبْدُوانِ لَهُمَا مَزَاجًا لَا أَعْرِفُهُ فِي مُمَارَسَةٍ مِنْ قَبْلِ... وَضَحِكًا... صَمْتًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ انْدَسَّ فِي فِرَاشِهِ، نَامَا حَتَّى الصَّبَاحِ. جَاءَتْ الْأُولَى وَمَعَهَا قَلِيلًا مِنَ اللَّبَنِ وَالْخُبْزِ وَرَجَعَتْ عَائِدَةً بَعْدَمَا وَضَعَتْهُ، رَأَهَا الصَّدِيقُ وَوَدَّعَهَا بِتَلَوِيحَةِ يَدِهِ. وَلَكِنْ شَبَابَ الْقَرْيَةِ يَعْلَمُونَ بِمَجِيءِ الْأَعْمَى وَحِكَايَاتِهِ يَتَوَافَدُونَ عَلَيْهِ، وَهُنَا يَمْضِي النَّهَارُ فِي قِصَّصٍ لَا تَخْطُرُ عَلَى بَابِ الشَّابِ صَدِيقِ الْأَعْمَى، يَكْتَشِفُ بِأَنَّ الْأَعْمَى لَدَيْهِ مَوْهِبَةُ التَّمْثِيلِ، وَقُدْرَةٌ عَلَى إِضْحَاكِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ لِكَلِامِهِ، أَجَلْ قَالَهَا الشَّابُ صَدِيقُهُ، يُمْكِنُ أَنْ يَمْثُلَ مَعَنَا فِي مَسْرَحِيَّاتٍ بِالْمَدِينَةِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ قَالَهَا: بَيْنَمَا الشَّابُ الْأَعْمَى يَتَلَمَّسُ أَحَدَ الْفَتِيَانِ قَائِلًا لَهُ: اذْهَبْ وَاجْلِبْ لَنَا بِجَيْدَانِ شَايٍ (إِبْرِيقٌ مِنَ الشَّايِ). يَذْهَبُ الْفَتَى وَبَعْدَ فَتْرَةٍ يَأْتِي بِإِبْرِيقٍ مِنَ الشَّايِ، وَيَشْرَبُوا تِلْكَ الْفِنَاجِينَ الَّتِي تَلَوَّنَتْ بِلَوْنِ الشَّايِ وَرَائِحَتِهِ الزَّكِيَّةِ، وَيَمْضِي الْوَقْتُ سَرِيعًا، يَسْتَأْذِنُ الصَّبِيَّةُ وَيُودَّعُونَ الْأَعْمَىَ وَصَدِيقَهُ، بَيْنَمَا هُمَا رَاحَا يَتَحَدَّثَانِ بِأَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ حَتَّى جَاءَ الْمَسَاءُ وَنَامَا حَتَّى الصَّبَاحِ. يَمُرُّ النَّهَارُ مُسْرِعًا لَكِنَّهُ طَوِيلٌ، وَيَأْتِي الْمَسَاءُ وَيَحُلُّ الظَّلَامُ... وَتَتَكَرَّرُ زِيَارَةٌ مِنْ كَانَتَا اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ مَعَهُمْ وَيَعِيشُوا لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي الْعُمُرِ غَدًا سَنَعُودُ لِلْمَدِينَةِ، قَالَهَا صَدِيقُ الْأَعْمَىِ. بَكَتِ الْمَرْأَةُ الْأُولَى، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ تَرْتَمِي بَيْنَ أَحْضَانِهِ وَتُقْبِلُهُ، كُلَّ شَيْءٍ يُثِيرُ الدَّهْشَةَ، نِسَاءٌ يُقَدِّمْنَ أَجْسَادَهُنَّ، وَأَرْوَاحَهُنَّ، دُونَ مَقَابِلٍ؟!! لِأَوَّلِ مَرَّةٍ أَعِيشُ هَكَذَا حَالَةً، مَا أَرْوَعَهَا وَأَلْذَهَا، قَالَهَا الشَابُ صَدِيقِ الْأَعْمَى!!! يَنَامَانِ وَفِي الصَّبَاحِ تَقْفُ الْبُوسَطَةُ (الْبَاصُ) فِي سَاحَةِ الْقَرْيَةِ، كَانَتَا الْمَرْأَةُ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ تَنْظُرَانِ إِلَيْهِمَا، وَهُمَا يَصْعَدَانِ إِلَى مَقَاعِدِهِمَا، بِتَلَوِيحَةٍ حَزِينَةٍ وَدَاعٍ لِلْحَضُورِ. وَيَغِيبُ الْبَاصُ عَنِ الْعُيُونِ... وَتَعُودَانِ الْمَرْأَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ تَدْعُونَهَا. أَجَلْ سَتُحَدِّثُهَا عَنْ كَمْ تَمَتَّعَتْ وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ؟!! لَقَدْ تَفَاجَأَتْ بِقُوَّةِ الشَّابِ وَالطُّرُقِ الَّتِي يَعْرِفُهَا عَنْ مُمَارَسَةِ الْجِنْسِ، لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهَا، بَيْنَمَا يَصِلُ الْأَعْمَى وَصَدِيقُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَا هُوَ بَيْتُ الْأَعْمَىِ، يَدْخُلَانِ يُسَلِّمَانِ عَلَى وَالِدَتِهِ وَيَقُولُ صَدِيقُهُ: هَا هُوَ ابْنُكَ... أَجَلْ كَانَتْ زِيَارَةٌ رَائِعَةً قَالَهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ نُكَرِّرَهَا لَا أَدْرِي، وَدَعَهُ وَوَدَعَ أُمَّهُ وَمَضَى صَدِيقُهُ إِلَى بَيْتِهِ. يَنَامُ الشَّابُ صَدِيقُ الْأَعْمَىِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ قَلَقٍ طَالَ أَمَدُهُ، يُفَكِّرُ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَكَمْ كَانَتْ رَائِعَةً؟!! وَأَصْبَحَ يُفَكِّرُ أَكْثَرَ، بِأَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَكِنَّ الْمَدْرَسَةَ تَقُفُّ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَكَذَا أَفْكَارٍ. فِي نِهَايَةِ عُطْلَةِ الْأُسْبُوعِ لَابُدَّ أَنْ يَزُورَ صَدِيقُهُ الْأَعْمَى كَمَا اتَّفَقَا... الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَفِي الْمَسَاءِ وَإِذَا بِشَابٍ يَقْفُ بِجَانِبِهِ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، قَائِلًا: أَمَّا كُنْتَ أَنْتَ صَدِيقًا لِلشَّابِ الْأَعْمَى؟!! قَالَ لَهُ: بَلَى مَاذَا تُرِيدُ؟!! قَالَ لَهُ، يَقُولُونَ: أَنَّهُ فَارَقَ الْحَيَاةَ. ذَاكَ الشَّابُ الْمَسْكِينُ، الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ مِنَ الْحَيَاةِ شَيْئًا. صَرَخَ صَدِيقُهُ بَاكِيًا، لَا تَقُلْ هَذَا وَرَكَضَ إِلَى بَيْتِ صَدِيقِهِ الْأَعْمَى، بَيْنَمَا كَانَتْ الْجُمُوعُ تَبْكِيهِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَمَلُوهُ إِلَى الْمَقْبَرَةِ بَيْنَمَا يُودِّعُهُ حَزِينًا. الْقَرْيَةُ تَعْلَمُ بِمَوْتِ الشَّابِ الْأَعْمَىِ. وَتَأْتِي نِسَاءُ الْقَرْيَةِ وَرِجَالُهَا لِتَعْزِيَةِ أَهْلِهِ، كَانَ صَدِيقُهُ مَوْجُودًا وَتَقْتَرِبُ مِنَ الْمَرْأَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَتَبْكِيَانِ بُكَاءًا مُرًا... لَمْ يَبْقَ عَلَى وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَيَّامًا قَلِيلَةً، وَرُبَّمَا أَطْلَقَتْ عَلَى مَوْلُودِهَا اسْمَ الْغَرِيبِ، تَتَّفِقَانِ مَعَ الشَّابِ، أَنْ يَزُورَ الْقَرْيَةَ بَعْدَ شَهْرٍ لِيَرَى الْمَوْلُودَ الْجَدِيدَ، ابْنَ ذَاكَ الْأَعْمَىِ صَدِيقِهِ، وَلَكِنَّ التَّقَالِيدُ لَا تَسْمَحُ لَهُنَّ بِالْوُقُوفِ أَكْثَرَ مَعَ هَذَا الشَّابِّ، بَيْنَمَا الثَّانِيَةُ تُوَعِّدُهُ بِأَنَّهُ لَوْ جَاءَ الْقَرْيَةَ، سَتَكُونُ ضَيْفَةً مُثِيرَةً حَتَّى الصُّبْحِ مَعَهُ.. كُلُّ الْمُعَزِّينَ مَضَوْا، وَبَقِيَتِ الْأُمُّ وَالْأَبُّ وَأُخْتُهُ الصُّغْرَى يَبْكُونَ عَلَيْهِ... يُوَدِّعُهُمُ الصَّدِيقُ وَيَعُودُ إِلَى بَيْتِهِ، وَالْحَيَاةُ سَتَسْتَمِرُّ.. لَكِنَّ الشَّابَّ مَا إِنْ جَاءَتْ عُطْلَةُ الْأَسْبُوعِ بَعْدَ شَهْرَيْنِ حَتَّى عَادَ بِهِ الْحَنِينُ لِلذَّهَابِ إِلَى الْقَرْيَةِ، بِحُجَّةِ أَنَّهُ مَشْتَاقٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي جَمَعَهُ مَعَ صَدِيقِهِ هُنَاكَ. يَسْتَأْذِنُ الْأُمَّ وَالْأَبَّ أَنْ يَزُورَ الْقَرْيَةَ وَيَنَامَ فِي الْغُرْفَةِ الَّتِي نَامَا بِهَا هُوَ وَصَدِيقُهُ.. أَجَلْ أَذْهَبِ اللَّهُ مَعَاكَ هَاكَ الْمِفْتَاحَ.. وَيَذْهَبُ، وَتَعْلَمُ الْمَرْأَةُ الَّتِي وَلَدَتْ وَلَدًا مِنْ صَدِيقِهِ، لَابُدَّ أَنْ نِسَاءَ الْقَرْيَةِ جَمِيعًا، يَتَهَامَسْنَ، عَنْ أَنَّ الطِّفْلَ يُشَبِّهُ الشَّابَّ الْأَعْمَى، كَمْ يُشَبِّهُهُ؟!! وَتَأْتِي قَبْلَ الْغُرُوبِ مَعَ طِفْلِهَا إِلَى بَيْتِ الْأَعْمَى، تُسَلِّمُ عَلَى الشَّابِّ وَتَقُولُ لَهُ: هَذَا الطِّفْلُ هُوَ ابْنُ صَدِيقِكَ وَإِنْ مَتَّ هُوَ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِكَ. وَعَلَيْكَ أَنْ تَهْتَمَّ بِهِ. يَمْسَكُهُ وَيُقَبِّلُهُ اللَّهُ مَا أَجْمَلَهُ؟ وَمَا أَرْوَعَهُ!!! يَبْكِيَانِ، تَقُولُ لَهُ سَأَقُولُ لِصَدِيقَتِي أَنْ تَأْتِيَكِ لَيْلًا لَقَدْ حَدَّثَتْنِي كَثِيرًا. لِيتَك.. وَمَضَتْ، سَأَلَهَا مَاذَا؟!!!! قَالَتْ لَهُ سَأَخْبِرُكَ.. آه لَكَ.. وَتَأْتِيهِ الْمَرْأَةُ الثَّانِيَةُ وَهَكَذَا مَضَى اللَّيْلُ وَهُمَا يَعِيشَانِ أَرْوَعَ اللَّحْظَاتِ وَفِي الصَّبَاحِ عَادَ لِلْمَدِينَةِ وَإِلَى بَيْتِهِ. لَكِنَّهُ سَيَحْمِلُ أَمَانَةً قَاسِيَّةً. كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْبِرَ وَالِدَةَ صَدِيقِهِ الْأَعْمَى أَنَّ فُلَانَةً وَلَدَتْ وَلَدًا هُوَ حَفِيدُهَا؟!!! سَيَفْكُرُ.. لَكِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ، وَلَنْ يَتَمَكَّنُ.. سَيَبْقَى لِغَزًا مُحِيرًا. سَيَكْبُرُ الصَّبِيُّ، وَيَزُورُ الْمَدِينَةَ مَعَ أُمِّهِ وَلَكِنَّ الْأُمَّ تَعْمَلُ الْمُسْتَحِيلَ، لِكِي تَزُورَ بَيْتَ جَدِّهِ، حَتَّى جَدَّتُهُ تَرَاهُ وَرُبَّمَا قَالَتْ هَذَا يُشَبِّهُ ابْنِي!!! كَبُرَتِ الْهُمُومُ وَهَا هُوَ صَدِيقُهُمَا الشَّابُّ يَأْتِي وَيَرَى الْمَرْأَةَ وَابْنَهَا. اللَّهُ كَمْ هِيَ الْمُصَادِفَةُ تَخْلُقُ الْحُلُولَ؟!! يَسْلَمُ وَيَفْرَحُ بِهِمَا، يَسْتَغْرِبُ الْفَتَى الصَّغِيرَ مِنْ هَذَا الرَّجلُ الَّذِي يَتَقَرَّبُ لأُمِّهِ لَكِنَّ الْأُمَّ تَقُولُ لَهُ: صَدِيقٌ قَدِيمٌ يَا بَنِيَّ.. يَسْأَلُ الصَّدِيقُ أُمَّ صَدِيقِهِ الْأَعْمَى كَمْ يُشَبِّهُ فِرَاسُ ابْنُكَ يَا اللَّهُ؟!! تَنْظُرُ الْجَدَّةُ وَهِيَ تَقُولُ: أَيُّ أَجَلْ، أَجَلْ يُشَبِّهُ ابْنِي.. وَتَبْكِي، تَعَالَ تَعَالَ لِصَدْرِي يَا فِرَاسُ كَمْ تُشَبِّهُ ابْنِي..؟ وَتَبْكِي بَيْنَمَا أُمُّهُ تَنْظُرُ لِصَدِيقِ وَالِدِ طِفْلِهَا وَتَبْكِي.. وَيَمْضِي الزَّمَنُ وَيَبْقَى فِرَاسُ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ الْحَقِيقِيُّ قَدْ مَاتَ دُونَ أَنْ يَرَاهُ.. 5/6/2017م
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عشتار الفصول:14151 نَحنُ لَسْنا أحراراً
-
عشتار الفصول:14147 مستقبل الوجود الاجتماعي وأتباع الأفكار ال
...
-
عشتار الفصول:14146 رأيٌّ في الحضارات القديمة غير ملزم
-
عشتار الفصول:14142 أسئلة بعدما مرّ بنا العمر
-
عشتار الفصول:14138 الإنسان وجد كفيلسوف قبل أن يكون عاقلاً.
-
عشتار الفصول:14135 دراسة العبثية في الحياة الغربية . قانونكم
...
-
عشتار الفصول:14134 الرؤية المنهجية لتغيير الفلسفة الغربية
-
عشتار الفصول:14123 اقتراح إقامة مؤتمر للمثقفين المستقلين من
...
-
عشتار الفصول:14122 رسالة ملزمة لمن هم خارج دائرة الأخلاق الم
...
-
عشتار الفصول:14112 طعن الأسقف الأشوري العراقي عمانوئيل يوسف
...
-
عشتار الفصول:14109 الضربة الإيرانية ضد إسرائيل حدثت ليلة أمس
-
عشتار الفصول:14104 قبل أن نلتقي
-
عشتار الفصول:14101 مع الأسف
-
عشتار الفصول:14100 رسالة مستعجلة إلى الدكتور عادل العوّا
-
عشتار الفصول:14094 نحنُ المسؤولون
-
عشتار الفصول:14087 . أتحفظ على تسميتها بلغة السورث .
-
عشتار الفصول:14081 الحكماء والعلماء والمثقفين بين الماضي وال
...
-
قصة قصيرة بعنوان:قبلها ومضى...
-
عشتار الفصول:14065 الرد الصريح على النظرية الدينية والانفجار
...
-
عشتار الفصول:14063 كيف نفهم وجودنا ؟!
المزيد.....
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|