أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مالك ابوعليا - مسألة المُلكية الخاصة البدائية في الاثنوغرافيا الأمريكية المُعاصرة















المزيد.....



مسألة المُلكية الخاصة البدائية في الاثنوغرافيا الأمريكية المُعاصرة


مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)


الحوار المتمدن-العدد: 8010 - 2024 / 6 / 16 - 16:19
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مؤلفة المقال: يوليا بافلوفنا افيركييفا*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

كانت مسألة التسلسل التاريخي لمُلكية الأرض الجماعية والخاصة عند القبائل البدائية في مرحلة اللقاط والصيد، محل نقاشٍ مُستمر منذ ما يقرُب من 40 عاماً في ألأدبيات الاثنوغرافية الأمريكية. هذا الجدَل هو أحد تجليات رد فعل العلم البرجوازي، المُوجّه، من حيث ظاهره، ضد مفهومات مورغان عن المُجتمع البدائي، ولكن من حيث جوهره، ضد الحل المادي لمسألة المُلكية، والنظرية المُرتبطة بها المُتمثلة بتعاقب التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية كما طورها كلاسيكو الماركسية. وعلى أساس المُعطيات المُثبتة علمياً، تُبيّن المادية التاريخية واقع أن الأنظمة الاجتماعية تختلف عن بعضها على أساس شكل مُلكية وسائل الانتاج. كما نعلم، المشاعية البدائية هي نظامٌ اجتماعي اقتصادي يقوم على المُلكية الجماعية لوسائل الانتاج والعمل المُشترَك والتوزيع العادل لمُنتجات العمَل. وأكّدَ ماركس، أن "هذا النوع البدائي من الانتاج الجماعي أو التعاوني، كان بالطبع، نتيجةً لضعف الانسان الفردي وليس نتيجةً للمُلكية العامة لوسائل الانتاج"(1). إن الأشكال المُختلفة والمتنوعة للمُلكية الخاصة التي تطورت بعد مُلكية المشاعية البدائية، تُحدد بُنية التشكيلات الطبقية المُتعاقبة في تاريخ المُجتمع البشري.
لذلك، ليس من قبيل الصُدفة أن مسألة المُلكية، كانت، خلال القرن العشرين، أحد مراكز الصراع بين الايديولوجيا البرجوازية والماركسية. اعتَرَفَ الاثنوغرافي وزعيم المدرسة الثقافية التاريخية الشهير القس الألماني فيلهلم شميت Wilhelm Schmidt بالأهمية السياسية لهذه المسألة، بصراحةٍ تامة، عندما كَتَب أن المُلكية الخاصة والجماعية، باعتبارهما شكلين مُتعارضين من المُلكية، هما على نقيضٍ حادٍ اليوم، و"تكشف عن المعنى الاجتماعي للنظريات العلمية". وكَتَبَ أن مسألة المُلكية هي واحدة من أكثر المسائل إلحاحاً في يومنا هذا، "وهذه المسألة، تجعل عالَم اليوم يشتعل من الداخل"(2). بهذه المُلاحظات التمهيدية التي وضعها لعمله المُخصص للأشكال الأولية للمُلكية، حدد فيلهلم شميت وظيفة الأبحاث البرجوازية حول هذه المسألة.
وليس من قبيل الصُدفة أيضاً، أن مسألة أصل المُلكية هي جُزءٌ أساسي من أشكال حيازة الأرض، بقدر ما أن الأرض هي وسيلة الانتاج الرئيسية في جميع مراحل المُجتمع الانساني. طَرَحَ ماركس في كتابه (رأس المال) وصفاً شاملاً لأهمية الأرض (بالمعنى الاقتصادي الواسع)، باعتبارها وسيلة الانتاج الرئيسية في المُجتمع البدائي(3).
وكما يُلاحظ آبرام اسحاقوفيتش بيرشيتز بحق، في أحد أعماله المُخصصة لمسألة المُلكية في المُجتمع البدائي، أن فكرة نشوء المُلكية الخاصة وتطورها من المُلكية الجماعية التي سبقتها، هي فكرة عبَّرَ عنها الفلاسفة والمؤرخين الأوروبيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. كَتَبَ بعضهم حول هذا على المستوى الفلسفي العام، وبعضهم طوَّرَ هذه الفكرة مُستنداً على بيانات اثنوغرافية وتاريخية مُحددة(4). ولكن أول من كَتَبَ بشكلٍ أكثر اقناعاً عن الطبيعة الجماعية لمُلكية الأرض في المُجتمع كان لويس مورغان في كتابه (المُجتمع القديم). من المُهم أيضاً الاشارة أن هذه المسألة طُرِحَت عند ماكسيم ماكسيموفيتش كوفاليفيسكي Maksim Maksimovich Kovalevsky واجتذَبَت اهتمام فريدريك انجلز. ومع ذلك، فقد حُلَّت هذه المسألة بشكلٍ أشمل في أعمال ماركس وانجلز.
وتحت تأثير أعمال مورغان وماركس وانجلز، احتلَّت نظرية المشاعية البدائية، والتي تطوَّرَت عنها لاحقاً المُلكية الخاصة، مكانةً رائدةً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى عند أغلبية العُلماء البرجوازيين، وتأكَّدَت هذه الموضوعة من خلال قدرٍ كبيرٍ من البيانات الاثنوغرافية. ومع ذلك، فإن قبول هذه النظرية، يعني أيضاً الاعتراف بالطبيعة العابرة والمؤقتة للمُلكية الخاصة بأشكالها المُختلفة، والاعتراف بلا أزلية الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية القائمة عليها، بما في ذلك النظام البرجوازي نفسه. بالنسبة للعديد من الايديولوجيين البرجوازيين، كان تطور هذه النظرية يعني كسر الغصن الذي يقفون عليه. ولذلك، كان لا بُدَّ من أن يكون رد فعل العلم البرجوازي على نظرية المشاعية البدائية المُرتبطة بمورغان وماركس وانجلز، حتمياً وحاداً. وبدأ رد الفعل هذا يظهر، في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابات الباحثين الأوروبيين فوستيل دو كولانج Fustel de Coulanges، مُمثل الوضعية الألمانية في تسعينيات ذلك القرن، ولابريخت وكيسلر ولاحقاً الفرنسي تشارلز لو تورنو Charles Jean Marie Letourneau، الذين سعى جميعهم، الى اثبات ثانوية المُلكية المشاعية للأرض(5). لكن هذه المسألة، حَظِيَت بأهميةٍ خاصة في القرن العشرين في كتابات الكَهَنة الكاثوليك فيلهلم شميت وفيلهلم كوبرز Wilhelm Koppers وأتباعهما، ممن انخرطوا في الدراسات الاثنوغرافية.
من بين الاثنوغرافيين الأمريكيين، تميّز فرانك سبيك Frank Speck في هذا المجال. وطَرَح زملاءه تقييماً واضحاً لأهمية عمله. أكَّدَ ميلفيل هيرسكوفيتس Melville J. Herskovits، على سبيل المثال، أن دراسة سبيك لهنود لارادور Labrador، "قد وجَّهَت الصفعة الأولى لمذهب المُلكية المشاعية بين مجموعات الصيد واللقاط (6). قام لورين ايسيلي Loren Eiseley أقرب أعوان سبيك، بتقييم عمله على النحو التالي: "تمكنا بفضل عَمَل الدكتور سبيك وكوبر، من تحرير أنفسنا من "مذهب المشاعية البدائية المُبسط، والذي أعمى الباحثين لزمنٍ طويل عن مسألة حيازة الأرض"(7).
بدأ سبيك، في نشر دراساته حول مجموعات الصيد الألغونكيانية Algonkian في شرق كندا عام 1915. كانت فكرة تطور المُلكية الخاصة من المُلكية المشاعية، حتى ذلك الحين، هي المُهيمنة في الأدبيات الاثنوغرافية الأمريكية، تحت تأثير أعمال لويس مورغان وأتباعه ويليام سيغيل William Seagle ورولاند ديكسون Roland B. Dixon في الدراسات التي أجراها هؤلاء الأخيرين لمسألة المُلكية(8). ولكن، نجد في أعمال سبيك، أول من حاوَلَ في الولايات المُتحدة، أن يُثبِتَ بأن المٌلكية الخاصة أزلية. أظهَرَ سبيك، على أساس الحقائق التي يُزعَمُ أنه استخلصها من بحثه الميداني، الطبيعة الأزلية للمٌلكية الخاصة بين مجموعات لابرادور الصيادين فيما يتعلق بمُلكيتهم لمناطق الصيد.
على الرغم من أن سبيك، أطلَقَ على شكل المُلكية التي "اكتشفها" اسم "المُلكية العائلية لمناطق الصيد"، الا أنه كان من الواضح من الخصائص الخمس التي وضعها لهذه المُلكية، أنه كان يتحدث عن المُلكية الخاصة بالتحديد. يُجادل سبيك، بأن أراضي "العائلة" لدى الالغونكيانيين، ذات حدود مُحددة بوضوح، وأن انتهاك هذه الحدود كان من المُحرمات الشديد، وأن الإبن كان يرثها، وأن الوعي بمُلكية المنطقة كان ضيقاً للغاية لدرجة أن المالِك كان يُمكنه التصرف بحريةٍ في أراضيه، وأن الأراضي العائلية كانت أبوية.
وهكذا افترَضَ سبيك بأن الأُسرة الأبوية هي حاملة حقوق هذه المُلكية الخاصة(9).
لم يحصر سبيك نفسه في مُجرد توصيف المُلكية الخاصة لمناطق الصيد عند الالغونكيانيين، ولكنه حاولَ أيضاً تفسير أصولها، وأُصول العائلة الأبوية كذلك. يُطوّر سبيك، فكرة أصل المُلكية الخاصة عند الالغونكيانيين بأنها نتجت تحت تأثير الظروف البيئية الطبيعية، في فترة ما قبل الاستعمار. وفقاً لفكرته، نشأت المُلكية الخاصة لمناطق الصيد بين جماعات الصيد شمال شرق أمريكا لشمالية ليس نتيجةً لعوامل اقتصادية، بل نتيجةً للبيئة، لطبيعة البلد، وعلى الأخص عادات الحيوانات (القنادس) والتي كانت المواضيع الأساسية للصيد. تتلخَّص حُجة سبيك الرئيسية في التأكيد على أن عادات الاستقرار عند الحيوانات ذات الفراء، أي عدم هجرتها، وعدم كفاية أعدادها، هي التي سهَّلَت المُلكية الخاصة لمناطق الصيد.
جادَلَ سبيك، أن الصيد الفردي يسود، في تلك المانطق التي لا يوجد فيها طرائد كافية والتي لا تعيش في قطعان ولا تُهاجر. ويُزعَم أن الصيد الفردي يرتبط بالمُلكية الخاصة لمناطق الصيد. وكمثال كلاسيكي على سياق تطور المُلكية الخاصة، يتحدث سبيك عن هنود جنوب غرب لابرادور. ومع ذلك، فقد فسَّرَ الأشكال الجماعية للصيد التي ظَهَرَت قبل 20 أو 30 عاماَ فقط، عند هنود الناسكابي Naskapi في وسط وشمال شرق لابرادور، بنفس الأسباب البيئية: الوعل، الموضوع الأساسي للصيد، يسير في قطعان في هذه المناطق، وهذه القطعان تُهاجر موسمياً، ويُزعَمُ بالتالي أن الصيد الجماعي أكثر انتاجيةً هُناك. ونتيجةً لهذا الشكل من تنظيم العَمَل هذا، في رأيه، هي تحوُّل الشكل الأقدم للمُلكية، وهي المُلكية الخاصة لأراضي الصيد، الى مُلكية جماعية. يقول سبيك وايسيلي في أحد مقالاتهما المُشتركة: "ان الحدود التي تفصل التندرا عن الغابات، هي عاملٌ يُحدِّد طريقة حياة الحيوانات والحياة الاجتماعية والاقتصادية للبشر داخل هذه المناطق وخارجها"(10)
يكمن وراء هذا الفهم، كما نرى، الافتراض القائل بأن الصيد كان الأساس القديم لاقتصاد الهنود الأصليين. لقد ثَبُتَ من خلال العديد من الاثنوغرافيين الأمريكيين والكنديين أن هذه الفرضية خاطئة كما سنوضّح أدناه.
يُمكننا أن نلحظ أن النقاش حول مُلكية مناطق الصيد عند سكان شمال شرق الالغونكيان، مُنقسم الى ثلاث فترات زمنية. الأولى، هي الفترة الوصفية 1915-1920. في هذه الفترة كان سبيك قد نَشَرَ سلسلةً من المقالات حول المُلكية الخاصة بين القبائل المُختلفة في شمال شرق أمريكا الشمالية(11). في هذه المرحلة، عُومِلَ نظام مناطق الصيد العائلية كظاهرة قديمة للغاية، خاصةً في هذه المنطقة المحدودة في أمريكا الشمالية، والتي زُعِمَ أنها معزولة عن التأثيرات الخارجية. وُصِفَ هنود هذه المنطقة بأنهم حاملي ثقافة أصيلة وبدائية لم تتأثر بـ"الحضارة".
بدأت الفترة الثانية بورقة كان قد أعدها سبيك للمؤتمر الثاني والعشرين لعُلماء تاريخ أمريكا عام 1926. حاول سبيك في هذه الورقة (12) اثبات أن نظام "مناطق الصيد العائلية" هي سمة من سمات اقتصاد الصيد في الحزام المُحيط بالقُطب الشمالي، وسمة عامة لجميع قبائل الصيادين وجامعي الثمار البدائيين الذين يسكنون المناطق النائية من الكُرة الأرضية. وللتأكيد على صحة استنتاجاته، استشهدَ بالكشوفات التي توصَّلَ اليها عُلماء تاريخ سيبيريا مثل الروسيين فلاديمير بوجوراز Vladimir Bogoraz وفلاديمير اليتش لوخيلسون Vladimir Il ich Iokhelson وآخرين، والتي يُزعَم أنها تُشير الى وجود نفس مناطق الصيد العائلية عند شعوب الاوروتشين Orochens والسيموييد Samoyeds والشعوب الأوغري-فنلندية كما هو الحال عند الألغونكيانيين في لابرادور.
جَذَبَت ورقة سبيك انتباه مجموعة مُعينة من الاثنوغرافيين البرجوازيين. وقد كان لنظريته جاذبية كبيرة للغاية في ظروف النضال الذي خاضه العلم البرجوازي الرجعي ضد تعاليم مورغان في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين. كَتَبَ الفريد هالويل Alfred Irving Hallowell بهذا الصدد: "كان هناك شيء جديد في فكرة وجود قبائل صيد تتبع نظام حيازة الأراضي الخاصة بدلاً من المُلكية المشاعية"(13). كان يبدو أن بيانات سبيك، قد قدَّمَت أساساً وقائعياً راسخاً لـ"النظرية الأبوية" التي كان لها في ذلك الوقت تأثيراً كبيراً بين العُلماء البرجوازيين في أوروبا. ليس من الغريب أن سبيك وَجَدَ استجابةً حيويةً للغاية بين العُلماء البرجوازيين في الولايات المُتحدة في نضالهم ضد تعاليم مورغان. ولم يكن اعتبار أن صحة تعاليم سبيك تجري فقط في مجال الدراسات الخاصة المُتعلقة بالألغونكيانيين وحسب، بل اعتُبِرَت انها صحيحة كذلك في مجال التاريخ العالمي ككل(14).
قامَ جون مونتغومري كوبر John Montgomery Cooper والفريد هالويل بتطوير أفكار سبيك في كتاباتهما. جادَلَ كوبر، في مقالةٍ خاصةٍ حول مسألة الطبيعة الأصيلة للمُلكية الخاصة للأراضي عند الألغونكيانيين الشرقيين، جادَلَ مثل سبيك، بأن هذه الظاهرة نشأت في الفترة التي سبقت اكتشاف القارة الأمريكية، نتيجةً للتكيّف مع ظروف بيئية مُحددة، وخَلُصَ الى أن نظام المُلكية هذا، هو سمة قديمة تتصف بها جميع القبائل البدائية في المناطق النائية من العالَم(15). وفي بحثٍ آخر، يؤكد كوبر مرةً أُخرى، على علاقة المُلكية الخاصة للأرض، بالظروف البيئية الطبيعية: "يبدو أن شكل حيازة الأرض بين قبائل الصيد يتأثر بسهولة بالبيئة، وخاصةً بالحيوانات التي هي جُزءٌ منها، ويتأثر كذلك بالمصدر الرئيسي للغذاء. يُضيف: "يبدو أنه من المُحتمل أن يكون هذا النظام سريع التكيّف، ويتغير وفقاً للبيئة الطبيعية المحلية المُتغيرة". لكن بعض الفروق الدقيقة بين كتابات كوبر، على عكس سبيك، أن الأول يُشير الى احتمالية أن مُلكية الأرض الخاصة بين الألغونكيانيين ليست قديمةً للغاية، وأنها نشأت قبل وقتٍ وجيز من وصول الأوروبيين الى القارة(16).
صاغَ هالويل هذا المفهوم اللاتاريخي بشكلٍ أكثر حدّةً. أكّدَ في مقالٍ له، أن الحيازة الخاصة للأراضي عند الالغونكيانيين، ليست ظاهرةً تاريخية، بل ايكولوجية(17). عبَّرَ الكاتب عن نفس الفكرة في عمله النظري العام اللاحق (1955)، والذي حاوَلَ فيه تزويد مواقفه بأدلة أُشار أنها تعود الى أعمال ميلفيل هيرسكوفيتس وريتشارد ثورنوالد Richard Thurnwald، والذينِ أثبتا، عن طريق ايراد أمثلة وافرة، الى وجود المُلكية الخاصة عند الشعوب البدائية(18).
أيَّدَ الانثروبولوجي الفنلندي فينَه تانر Väinö Tanner، في دراسته لأثنوغرافيا وجغرافيا لابرادور في القارة الجديدة، أيّدَ استنتاجات سبيك وكوبر، على الرغم من أنه كما كَتَبَ هو بنفسه، أن مُساعديه من الهنود الأصليين، كانوا قد أخبروه بأنه لم يكن لديهم مُطلقاً مناطق صيدٍ عائلية. يقول : "أنا مُتفقٌ تماماً مع سبيك، أنه قبل وصول البيض الى القارة الجديدة، كان الاعتماد على الحياة البرية المُهاجرة قد سهَّلَ استغلال أراضي الصيد من قِبَل العائلات الفردية. كما نعلم، الوضع مُماثل في شبه الجزيرة الاسكندنافية، وفي هذا الصدد، يُمكننا أن نستشهد برأي فيلهلم شميت القائل بأن مناطق الصيد العائلية مُرتبطة بمرحلةٍ قديمة من ثقافة الصيادين الألغونكيانيين... وكانت العائلة هي التي تحوز الأرض، وليس العائلة الكبيرة"(19).
بدأ البحث عن حيازة خاصة لأراضي الصيد بين قبائل أُخرى في القارة الأمريكية، عند قبائل (ساليش Salish، شوشون Shoshone والشهابتيان Shahaptian وقبائل الأثاباسكان Athabascan في كندا).
لقد "ساعَدَ" البحث الذي أجراه دانيال ديفيدسون Daniel Sutherland Davidson حول مُلكية الألغونكيانية لمناطق الصيد، في "كشفه" عن المُلكية الخاصة عند سكان استراليا الأصليين(20)، وعند شعب تييرا ديل فويغو Tierra del Fuego(21). بعد ذلك، تبنّى هيرسكوفيتس، في كتابه عن اقتصاد القبائل البدائية، مُلاحظاً النقاشات الدائرة حول المُلكية الخاصة في مواجهة المُلكية المشاعية، تبنّى استنتاجات سبيك بالكامل، وسعى هو نفسه الى اثبات الانتشار الواسع لنظام المُلكية الخاصة لأراضي الصيد بين جماعات الصيد واللقاط، وكذلك لأراضي المراعي عند الشعوب الرعوية(22).
ومع ذلك، اتخذَ، في تفسيراته لأصل المُلكية الخاصة، موقف النسبوية، مُشيراً الى أن أسباب نشوئها تتنوع حسب ظروف الشعوب(23). يكتب هيرسكوفيتس أن أصل انكار حيازة الأرض الخاصة عند قبائل الصيد واللقاط والشعوب الرعوية، يكمن، في الطبيعة التاريخية الزائفة للنظريات التطورية التي تعودالى القرن التاسع عشر. ولكنه هو نفسه، في وضعه للقبائل البدائية التي تعتمد على الصيد واللقاط، على نفس مُستوى الشعوب الرعوية، يُظهرُ مُعاداةً واضحةً للمنهج التاريخي، مُتجاهلاً حقيقة أن القبائل الرعوية، تقف، من حيث تطور قُواها المُنتجة، على درجةٍ أعلى من تلك التي تعيش على الصيد واللقاط. وعند حديثه عن القبائل الرعوية البدائية، فإن هيرسكوفيتس، مثل شميت، يقصد حصراً الشعوب السيبيرية التي ترعى الرنّة. اعتَبَرَت المدرسة الثقافية-التاريخية تربية الرنّة شكلاً قديماً جداً من أشكال الرعي، التي ظَهَرَت الى الوجود في العصر الحجري القديم تقريباً.
وعلى هذا الأساس، وُضِعَت الشعوب التي ترعى الرنّة، الى جانب قبائل الصيد واللقاط الأُخرى الأكثر تخلفاً. ومع ذلك، أثبتت الأبحاث التي أجراها الاركيولوجيون والاثنوغرافيون السوفييت بشكلٍ مُقنع، أن تربية الرنّة، هي ظاهرة تاريخية حديثة جداً، نشأت عند الشعوب التي كان أسلافها على درايةٍ في زمنٍ ما، بتربية الخيول والماشية. لقد أظهَرَت هذه الأبحاث مدى خطأ وضع الشعوب الرعوية وقبائل الصيد واللقاط البدائيين على نفس المُستوى التاريخي. يدعم هيرسكوفيتس بالكامل نظرية شميت. ولكن مُمثلي المدرسة الثقافية التاريخية المًعاصرين يضطرون اليوم الى الاعتراف بأن أبحاث العلماء السوفييت قد أظهَرَت خطأ التأريخ الزمني الذي وضعه شميت لتربية الرنّة(24).
كما استخدَمَ شميت البيانات الالغونكيانية الخاصة بسبيك وأنصاره لصالح دعم فكرة أولية المُلكية الخاصة والعائلة الأبوية عند قبائل الصيدواللقاط البدائيين. يمتدح شميت سبيك، في عمله الذي المُشار اليه أعلاه، ويَخلُص على أساس بياناته، الى أن علاقات المُلكية التي كشَفَ عنها سبيك والتنظيم الاجتماعي القائم عليها بين سكان شمال شرق الغونكيان، هي علاقات نموذجية قديمة كانت قائمةً في ثقافات جميع القبائل الألغونكيانية، على الرغم من أن هذه الظواهر كانت قد ضاعَت عند العديد من هذه الشعوب، بزعم أنها (أي الشعوب الألغونكيانية) تأثرَت بقبائل الايروكوا Iroquois والبراري prairie التي كانت المُلكية عندهم مشاعية. كانت هذه الخصائص، في زمنٍ ما، حسب شميت، من سمات قبائل ساليش والشوشون والسيوكس Sioux والباوني Pawnee(25).وباستلهامٍ من سبيك، يقوم شميت بتوسيع الرُقعة التي كانت القبائل تُمارس فيها المُلكية الخاصة البدائية، لتشمل القارة الأمريكية بأكملها تقريباً.
ومن هُنا، ظَهَرَت العديد من الدراسات التي تسعى الى انبثاق تطور المُلكية الخاصة للأرض، مُباشرةً من المُلكية المشاعية، نتيجةً لتكيّف الانسان مع بيئته الطبيعية. أثبَتَ العامِل الايكولوجي أنه مُناسبٌ تماماً لدحض نظرية الانتظام العام لتطور المُجتمعات البشرية وأشكال المُلكية التي تُحدد بُنيتها الاقتصادية. وبمُساعدة العامِل الايكولوجي، يُمكن اثبات خطية التطور: عند بعض الشعوب (كما تقول النظرية) ظَهَرَت المُلكية الخاصة في العصور القديمة نتيجةً للظروف الطبيعية، وعند شعوبٍ أُخرى تشكَّلَت المُلكية المشاعية. استُخدِمَت هذه المنهجية لاثبات أزلية مؤسسة المٌلكية الخاصة واستقلال أصولها عن التطور الاقتصادي للمُجتمع. تم نقل علاقات الانتاج الرأسمالية وسحبها على المُجتمع البدائي. وفي معرض حديثه عن الجذور الكلاسيكية لهذا النوع من الفهم، كَتَبَ لينين: "ليس هُناك ما يُميّز البرجوازية أكثر من سحب نظام الأشياء المُعاصر على جميع العصور والشعوب"(26). إن المُبالغة في تقدير العامل الايكولوجي، هي ظاهرة عامة في التخطيطات السوسيولوجية العامة التي يرسمها الاثنوغرافيين الأمريكيين والكُتُب المدرسية حول هذا الموضوع (أُنظر على سبيل المثال كتابات ستيوارد وكيسينغ و م. تيتييف).

***

في المرحلة الثالثة من دراسة أشكال مُلكية الأرض عند قبائل الصيادين في أمريكا الشمالية، يَظهَرُ اختلافٌ حاد بين الاثنوغرافيين الأمريكيين، بين مؤيدي المشاعية البدائية وأتباع تصورات سبيك. نُشِرَت منذ الثلاثينيات، دراساتٌ مُحددة حول أشكال حيازة الأراضي عند مجموعات الصيادين في الشمال الكندي قامَ بها كورنيليوس أوزغود Cornelius Osgood، دياموند جينيس Diamond Jenness وجوليان ستيوارد Julian Steward وكاي بيركيت سميث Kaj Birket-Smith وفريديريكا دو لاغونا Frederica de Laguna واليانور ليكوك Eleanor Leacock وهارولد هيكيرسون Harold Hickerson وآخرين، والتي أظهَرَت دراساتهم الميدانية وتحليلهم للمواد الأرشيفية، تهافت نظرية سبيك. كان العالِم الكندي المُتميّز دياموند جينيس، أول من نَشَرَ تفنيداً لادعاءات سبيك. تحدّثَ بشكلٍ قاطع، في عمله الشامل حول سكان كندا الأصليين، ضد الحتمية الجُغرافية والبيئية في تفسير الاقتصاد والحياة الاجتماعية لمُختلف القبائل الهندية، وبقبوله بيانات سبيك فيما يتعلق بوجود مناطق الصيد العائلية بين سكان شرق كندا الأصليين، الا أنه يدحض مُلكية الأرض الخاصة عندهم باعتبارها سمةً ثابتةً لثقافتهم.
وهو يكتب، أن تقسيم أراضي الصيد الى مناطق عائلية لم يحدث الا نتيجةً لانخراط الهنود في تجارة الفراء الرأسمالية، وأن هذا التقسيم كان قد سَبَقهُ في كُل مكان شكل مُلكية الأرض المشاعية(27). وهو يَطرَح تحليلاً ملموساً لهذه المسألة على أساس البيانات المُتعلقة بهنود الأوجيبوا Ojibwa في جزيرة باري Parry في خليج جيمس(28)، ولقبائل اثاباسكان Athabascan في سيكاني Sekani على منابع نهر السلام(29). يُلاحظ جينيس، أن تقسيم مناطق الصيد الى مناطق خاصة عند هذه القبائل، قد حَدَثَ في الماضي القريب، وأنه في الوقت الذي قامَ بدراساته الميدانية لقبائل الأوجيبوا، كانت المُلكية المشاعية لغابات القيقب كانت لا تزال قائمة لأنه لم تُدرَج في عملية تجارة الفراء. وافَقَ ستيوارد في كتاباته النظرية على استنتاجات جينيس. وعلى أساس البيانات الميدانية التي جمعها في دراسته لقبيلة كارير Carrier في كولومبيا البريطانية، فقد توصَّلَ الى أن تقسيم المناطق الى مناطق عائلية، كان تحت تأثير تجارة الفراء(30).
أكّدَ كورنيليوس اوزغود في دراساته التي أجراها على استنتاجات جينيس، حيث دَرَسَ الأثاباسكان الشماليين، وأظهَرَ وجود مُلكيةٍ مشاعيةٍ بدائيةٍ للأرض عندهم. على سبيل المثال، كَتَبَ عام 1933 فيما يتعلق بالهنود الساتودين Satudene، أنه كان لديهم في هذا الوقت مناطق صيدٍ للقندس يتملكها الأفراد مُلكيةً خاصة، لكن هذه لم تكن موجودةً في منذ القِدَم (31). وكَتَبَ في أعماله الأخيرة أنه لم يكن لهنود الإنجاليك Ingalik أي تصورٍ على الاطلاق حول المُلكية الخاصة للأرض(32). كما كَتَبَ الباحث الدنماركي كاي بيركيت، الذي أجرى دراسةً ميدانيةً لأثاباسكان تشيبيوا Athabascan Chippewa حول عدم وجود مناطق صيد عائلية عندهم(33). شَهِدَ بيركيت ودو لاغونا في عملٍ مُشترك وجود مناطق صيدٍ مشاعية عند قبائل الصيد التي تسكن حول نهر ماكينزي Mackenzie والهضبة والمناطق الساحلية الجنوبية في الأقاليم الشمالية الغربية، وعند الإياك Eyak والاسكيمو. وعلى أساس البيانات التي جمعاها، توصلا الى استنتاج يتعارض تماماً مع استنتاج سبيك الذي يُفيد "أن حُرية الاستفادة من فُرَص الصيد القَبَلية، هي سمة قديمة للتنظيم الاجتماعي للقبائل التي تسكن المناطق القُطبية"(34). وهذه النتائج التي توصّلَ لها الباحثان، تؤكدها كذلك دراسة علاقات المُلكية عند شُعوب سيبيريا التي أجراها عُلماء سوفييت. ساهَمَت هذه الأبحاث بشكلٍ كبير في دراسة أشكال مُلكية وسائل الانتاج عند مجموعات الصادين في أمريكا الشمالية. وخلافاً لتأكيدات شميت وسبيك، ومن خلال تحليل بيانات عيانية مُحددة، فقد أثبتا بشكلٍ مُقنعٍ أن المُلكية الخاصة لأراضي الصيد، ليست سمةً تُميّز اقتصاد قبائل الصيد واللقاط البدائية، ولكنها فقط، سمة ظهَرَت مُتأخراً، نتيجةً لانخراط الهنود الأصليين في تجارة الفراء وتغلغل العلاقات السِلَعية في اقتصادهم.
ومع ذلك، دافَعَ سبيك ومَن تَبِعَه بعنادٍ عن مواقفهم ضد جينيس والآخرين(35). كانت كتابات كوبر وهالويل المُشار اليها سابقاً، تبتغي نفس الغَرَض. أشارَ سبيك وايزلي، في احدى دراساتهما المُشتركة، في جدالٍ ضد جينيس، وحتى بإحالةٍ لهما الى القس شميت، لدعم موقفهما، أنهما يعتبران المُلكية الخاصة والعائلة الأبوية، من الخصائص القديمة للألغونكيانيين، وفسّرا أي انحرافاتٍ عن هذه الخصائص، بأنها ظاهرةٌ خارجية وقادمة من الخارج. ومع ذلك، فهُما لم يُشيرا الى أن استنتاجات شميت تستند الى بيانات سبيك نفسها. يرفض شميت أيضاً بانسجامٍ مع سبيك وايزلي، استنتاجات جينيس(36). حاوَلَ كوبر وإيزلي، دعم رأيهما، من خلال الاشارة الى تقارير المُسافرين الذين زُعِمَ أنهم شَهدوا الظروف البيئية التي تسببت في ظهور المُلكية الخاصة مناطق الصيد عن هنود شرق كندا. برأي كوبر، الدليل الأول، يكمُنُ في وصف جون راي John Rae لأسفاره عام 1882(37). ولكن ايزلي، يجد أدلَّةً أقدم، في مجالة أسفار دانييل هارمون Daniel William Harmon عام 1820، والذي يُزعَم أيضاً أنه تحدّثَ عن الأسباب البيئية لتطوّر تقسيم أراضي الصيد الى مناطق خاصة. وفي هذا الصدد، يشكو، أن فكرة المُلكية المشاعية للأرض عند القبائل البدائية، هذه الفكرة، كانت طاغيةً في الأوساط العلمية للغاية، لدرجة أن المعلومات القيّمة التي أفاد بها راي وهارمون لم يُلاحظها أحد(38). ولكن يتضح من الاقتباسات التي استخدمها ايسلي من كُتُب هارمون، أن هذا الأخير كان يُشير في أسفاره، الى القرن التاسع عشر فقط، ويصف اقتصاد الهنود في ظل ظروف الاعتماد الكامِل على تجارة الفراء، وليس على البيئة.
على الرغم من البحوث التي أجراها جينيس وأوزغود وبيركيت سميث وآخرين حول أشكال مُلكية الأرض عند قبائل الأثاباسكان وأوجيبوا، ظلَّت أفكار سبيك وأتباعه هي المُهيمنة فيما يتعلق بالألغونكيانيين في لابرادور حتى مُنتصف القرن العشرين. ومع ذلك، في أوائل الخمسينيات، مُستندةً على بياناتٍ ميدانية، وجَّهَت اليانور ليكوك ضربةً قاصمةً لنظريات سبيك. لقد شكّلَت مقالتين من مقالاتها مرحلةً بالغة الأهمية في دراسة تطور أشكال المُلكية لمناطق الصيد عند قبائل الصيادين(39). طَرَحَت، من خلال التحليل الدقيق للمواد الميدانية والأرشيفية الغنية التي جَمَعتها حول التنظيم الاجتماعي لهنود لابرادور، تأكيداً كاملاً لوجهة نظر جينيس وأوزغود وبيركيت سميث وآخرين، والتي كانت مفادها أن المُلكية المشاعية لأراضي الصيد تسبق المُلكية الخاصة لها. وأظهَرَت بشكلٍ مُقنع، أن المُلكية الخاصة لمناطق الصيد نشأت عند قبائل الصيد البدائية تحت تأثير انخراطها في تجارة الفراء الرأسمالية.
ومما لا شك فيه، أيضاً أن ملاحظاتها ذات أهمية كبيرة لمُقاربة دراسة الحياة الاجتماعية لمُختلف الجماعات الهندية بشكلٍ عام، وتؤكّد: "يُصبح الآن أكثر وضوحاً أن الحياة القَبَلية الهندية الموصوفة في القرن التاسع عشر وحتى في نهاية القرن الثامن عشر، ضد عَكَسَت تغيرات نوعية كبيرة بسبب مُشاركة الهنود النشطة في تطوّر التجارة العالمية"(40). وتزداد قيمة هذه الفكرة، نظراً لأن الاثنوغرافيين الأمريكيين، حتى وقتٍ قريب، في توصيفهم التجريبي، يعالجوا حياة المُجتمعات الهندية بوصفها ظاهرةً ساكنة، دون النظر الى تاريخهم السابق، وخاصةً تأثير الاستعمار على حياتهم. كان يُنظَر الى تنظيمهم الاجتماعي باعتباره تنظيماً أصيلاً بالشكل الذي لاحظوه عليه في منتصف القرن التاسع عشر، أو في أحسن الأحوال في نهاية القرن الثامن عشر. وتُضيف ليكوك بحق، أنه "من أجل استكمال البناء النظري الذي يُفسّر بنية الثقافة الأصيلة للسكان الأصليين، فإنه لا يكفي أن ننظر اليها بشكلها الحالي، ونطرَحَ منها الآثار الأوروبية البارزة، بل علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن التغيرات الاجتماعية-الاقتصادية الأساسية، قد حدثت عندهم ، منذ اكتشاف القارة واستعمارها"(41). وفي حديثها حول "بدائية" الألغونكيانيين التي لاحظها سبيك وأتباعه، فقد أطلَقَت عليها "البدائية الخادعة"(42).
تعتمد أبحاث ليكوك على المنهج المادي التاريخي. كلا عمليها مُخصصان لتوضيح كيف يلعب الاقتصاد المحلّي الدور الحاسم في تحديد شكل التنظيم الاجتماعي والسياسي للقبيلة. تتتبع ليكوك، من خلال تحليلها الدقيق للمواد، كيف يتغيّر نمط حياة الهنود بأكمله وأشكال تنظيمهم الاجتماعي مع الانتقال من اقتصاد الكفاف والتوزيع المشاعي الى اقتصاد الفراء التجاري. وهي تؤكّد بذلك أنه يجب على المرء، عند دراسة التنظيم الاجتماعي لجماعات الصيد في شمال شرق أمريكا الشمالية، أن يضع في اعتباره أن العلاقات السِلَعية قد تغلغلت في اقتصاد هذه القبائل، تحت التأثير المُباشر لتجارة الفراء(43).
ونتيجةً للشكوك التي راودتها حول استنتاجات سبيك، أولَت ليكوك اهتماماً خاصاً في دراساتها الميدانية، للتحقق من صحة الحقائق التي قدّمها، من خلال دراسة نفس المجموعة ونفس العائلات التي بنى سبيك عليها استنتاجاته.
وبالنتيجة، كَشَفَت أن العديد من المُسلمات في تصورات سبيك كانت ضعيفة. وقد أوضَحَت بشكلٍ مُقنعٍ أن خطأ سبيك الرئيسي، يتمثل في حقيقة أنه بعد أن اكتَشَفَ في العقد الثاني من القرن العشرين وجود مناطق صيد خاصة بين هنود لابرادور الغربية، فقد فسَّرَ هذه الظاهرة على أنها الشكل الأصلي للمُلكية الذي يُميّز جميع الالغونكيانيين. وارتَكَبَ سبيك عدداً من الأخطاء عند وصفه لهذه المناطق ذاتها. بعد مرور أكثر من 30 عاماً على أبحاث سبيك الميدانية، قرَّرَت ليكوك أنه حتى في المنطقة المحدودة المعنية، لم يكن تعيين مُلكية الأراضي الخاصة للعائلات دقيقياً "كما بدا لسبيك"(44). كانت المنطقة عادةً تحت سيطرة مجموعةٍ من الأُخوة، ولم تكن هُناك مساحاتٌ صغيرة تقتصر بشكلٍ صارمٍ على العائلات مُباشرةً. لم يُلغِ الميراث الأبوي حق المجموعة بأكملها في استخدام الأراضي، بالاضافة الى ذلك، أن الأراضي كانت تُوَرَّثُ في كثيرٍ من الأحيان الى الصِهر. كُل هذا يدل على أن عملية نشوء المُلكية الخاصة للمنطقة لم تصل الى درجة الاكتمال التي وصفها سبيك. وفي تفسير الأخير، لم يكن هُناك فرق بين المُلكية الخاصة لأراضي الصيد عند الهنود، والمُلكية الخاصة في ظل الرأسمالية.
وفي مُعارضتها للتفسير الايكولوجي لأصل المُلكية الخاصة عند الصيادين الهنود، طَرَحَت ليكوك حُجةً مُقنعةً للغاية، تقول، أنه قبل ظهور تجارة الفراء الأوروبية، لم تكن لحيوانات الفرو الصغيرة، أهميةً في الاقتصاد الهندي، لكي تكون عاملاً حاسماً في بُنيته الاجتماعية-الاقتصادية(45).
تَهدُفُ كُلٌّ من مقالتي ليكوك، الى تأكيد صحة افتراضها الأساسي الذي يُفيد، أن "مُلكية موارد مُحددة، نشأت استجابةً لتغلغل علاقات البيع والشراء بين الهنود فيما يتعلق بتجارة الفراء"(46).
مكَّنَت البيانات التي جمعتها ليكوك عن تاريخ هنود لابرادور، من رسم ثلاث مراحل في الانتقال من صيد الكفاف البدائي الى تجارة الفراء. وتتبّعَت الباحثة تغيّر العلاقة بين صيد الطرائد من أجل اللحم، وصيدها من أجل الفراء، في اقتصاد القبيلة الهندية، وكيف تغيّرَت علاقات الهنود ببعضهم تبعاً لذلك. خلال المرحلة الأولى من انخراط الهنود في تجارة الفراء الاستعمارية، كان صيد الطرائد من أجل لحومها ذو أهمية أكبر من تجارة الفراء، وكان الهنود يعتمدون جُزئياً فقط على التجارة مع الشركات. في المرحلة الثانية، بدأ الصيد من أجل الفراء يطغى على الصيد من أجل اللحم، لكن تكيُّف الهنود مع الظروف الجديدة للاقتصاد السِلَعي، نتيجةً الاستغلال الذي كان يُمارسه مُشتري الفراء الاستعماريين، كان يحدُثُ بشكلٍ بطيءٍ ومؤلِم. وتُلاحِظ ليكوك، أن وضع الهنود في هذه المرحلة كان يقترب كثيراً من الفقر، وكثيراً ما كانوا يتضورون جوعاً، وكان مُعدّل الوفيات بينهم مُرتفعاً، والقبيلة تحتضر فعلياً. وفي المرحلة الثالثة، صارت تجارة الفراء المهنة الرئيسية للهنود، ولم يكن الصياد الهندي يختلف كثيراً عن الصيادين البيض.
كَشَفَت ليكوك، أثناء تتبعها تاريخ الاستعمار وتغلغل تجارة الفراء في شرق كندا، ثلاث مجالات تُوفّر لنا صورةً واضحة للمراحل التي حددتها في تطور العلاقات السِلَعية بين الهنود، في تلك المنطقة. تظهَرُ قبيلة ناسكابي Naskapi من وسط وشمال شرق لابرادور كمثالٍ نموذجيٍ لأُولى هذه المراحل. أدى الضغط الغربي الذي مارسهُ تُجّار الفراء الانجليز والفرنسيين وصولاً الى منطقة نهر سانت لورانس St. Lawrence وصولاً الى أغنى مناطق الفراء جنوب وجنوب شرق خليج هدسون، الى ترك المناطق الوسطى والشمالية الشرقية من لابرادور بعيداً عن مراكز تجارة الفراء الرئيسية لزمنٍ طويل. هُنا، كانت تجارة الفراء تُمارَسُ بشكلٍ مُتقطع، من وقتٍ الى آخر. لذلك، عند شعب ناسكابي في لابرادور الشرقية، كان صيد الحيوانات من أجل لحومها لا يزال أكثر أهميةً من الصيد لغرض الفراء حتى عام 1926. وحتى هذا الأخير، كان يُمارَسُ بشكلٍ أساسي كوسيلةٍ لشراء الأسلحة والبارود والفخاخ، وجُزئياً، الملابس. في الآونة الأخيرة فقط، صارَت تجارة الفراء العامِلَ الحاسم في اقتصاد هؤلاء الهنود. ولذلك، فإن العلاقات السِلَعية وعلاقات المُلكية الخاصة لا زالت في مرحلةٍ مُبكرةٍ نسبياً من التطور. لا يزال الهنود يسكنون الغابات بعيداً عن المراكز التجارية، ويمرون بها فقط خلال فصل الصيف، حيث يبيعون الفراء الذي اصطادوه خلال الشتاء، ويشترون السِلَع التي يحتاجون اليها. عادةً ما يأتي الصيادون الذكور فقط الى المراكز التجارية، بينما تبقى العائلات في مناطقها.
تُشير أوصاف التنظيم الاجتماعي للناباسكي في هذه المناطق، والتي طَرَحها سترونغ (1926) وتانر (1939) وبيانات ليكوك (1940-1950)، أن العلاقات المشاعية البدائية كانت هي المُهيمنة عندهم. يصف هؤلاء المؤلفين الوحدة Unit الاجتماعية الأساسية عند الناباسكي على أنها مجموعة صيد صغيرة قائمة على الزواج الخارجي exogamous ويجمعها المصالح المُجتمعية الاقتصادية والعلاقة بالخط النسائي. كانت أراضي الصيد تُعتَبَرُ مُلكيةً مُشتركةً لمجموعة الصيد بأكملها، وظلَّت قائمةً المبادئ المشاعية في أساس الصيد وتوزيع مُنتجاته. ومثالٌ على ذلك،، وَصَفَ سترونغ عام 1926 جماعة عشائرية بأنها مجموعة زواج خارجي مُكونة من 36 شخص مُوحّدين عدة مُجتمعات محلية مُتعددة العائلات. خلال فصل الشتاء، تُهاجر العشيرة ويصطاد أعضاءها معاً داخل منطقة الصيد التقليدية، وكانت حُدود منطقة الصيد مفتوحة. خلال فصل الصيف، اتحّدَت جيلاً بعد جيل، في مُخيّمٍ واحد مع عشائر مُماثلة من بُحيرة بلاتيو Lake Plateau وعشائر مناطق أُخرى لأغراض صيد السمك والوعول والقيام بالزيارات والزواج(47). يُمكن اعتبار هذه المُخيمات الصيفية بمثابة اتحادات اقليمية لعددٍ من العشائر الصيّادة التي تمتلك مناطق الصيد والهجرة مُلكيةً مشاعية.
يصف ف. تانر مجموعة الصيد على نهر نورثويست عام 1939 بنفس الطريقة(48). تُلاحظ ليكوك، عند وصفها مشاعات الناسكابي، أنها تضم حوالي خمس أو ست عائلات، وحتى في أربعينيات القرن العشرين، كانت تتألف في كثيرٍ من الأحيان من عائلاتٍ من الأخوال وأبناء الأُخوات، ويتضح هذا جلياً من القائمة التي قدّمتها والتي أظهَرَت فيها العديد من هذه المجموعات في نهاية الأربعينيات. وكانت إحدى هذه المجموعات، التي كانت تتجوّل في منطقة نهر نورثويست، تتألف من 5 عائلات: عائلة خاله، وعائلتان لبنات أخواته، وعائلات أبنائه وبناته. وكانت هذه العائلات، عند حلول الشتاء، تعيش معاً في خيمةٍ واحدةٍ كبيرة. ومع حلول الصقيع، انفصلت المجموعة الى اثنتين في خيمتين أصغر نُصِبَتا بجانب بعضهما. في هذه الحالة، عاشت الأُختان وزوجيهما في خيمةٍ واحدة، بينما عاشَ خالهما مع عائلات الأبناء والبنات. في هذه المشاعيات العشائرية، على الرُغم من أن الاقامة الأُمومية(أ) هي السائدة، الا أن الاقامة الأبوية أصبَحَت تُبرَمُ بوتيرةٍ مُتزايد خلال القرن العشرين. لكن القرار النهائي والحاسم في تحديد مكان سكن الزوجان كان يعود للمرأة. إن نظام القرابة التصنيفي الصارم هذا، والزواج من ابن الخال وابن الأُخت، الذين يُمارسان على نطاقٍ واسعٍ هُنا، والذي ظل سارياً بين الناباسكي حتى في القرن العشرين، وفقاً لسترونغ، ، يدل أيضاً على التنظيم العشائري القرابي.
على الرُغم من أن المؤلفين يصفون المُجتمعات العشائرية المشاعية بأسماءٍ جُغرافية، الا أن سبيك نفسه أشارَ الى أن العديد من تلك العشائر تحمل أسماء حيوانات، كما أشار الى الطوطمية عند هنود لابرادور(49).
إن تقارير الجيزويتيين وسجلات الشركات التجارية، تقود ليكوك الى استتنتاج يُفيد أن جميع المجموعات الهندية في لابرادور كانت في هذه المرحلة من التطور الاجتماعي الموصوفة أعلاه، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وأنهم في القرن السابع عشر لم يكونوا قد وصلوا بعد الى مرحلة الحيازة الخاصة لأراضي الصيد، في حين كان شكل التنظيم الاجتماعي هو العشيرة الأُمومية، والتي تصفها بأنها عشيرة صيد قائمة على الزواج الخارجي تتكون من عدة عائلات تسكنُ كُلٌّ منها في خيمة، ومُتحدة بعلاقات قرابة الدم من جهة الأُم. لقد أشار المُبشرين الى أن الإقامة الأُمومية والميراث من جهة الأُم، باعتباره التنظيم الاجتماعي لعشيرة الاينو Innu غرب لابرادور. لاحَظَ المُبشّر جان مانس Jeanne Mance عام 1833 أن أبناء الأخوات هم الورثة المُعتمدين عند الهنود(50).
هذ التوصيف، على عكس مفاهيم سبيك وشميت، اللَّذينِ صنَّفا الالغونكيانيين على أنها قبائل غير عشائرية منذ العصور القديمة، تُظهِرُ بشكلٍ مُقنِعٍ أن العشيرة الأُمومية كانت قائمةً عندما وَصَلَ المُبشرون وتُجّار الفراء. إن الحجم الصغير والتكوين غير المُستقر نسبياً للمجموعات العشائرية هي سمة تُميّز العشائر عند القبائل البدوية الصيّادة، ما يُميّزها عن العشيرة عند القبائل الزراعية وقبائل صيد الأسماك المُستقرة.
يُمكن لعلاقات المُلكية بين هنود جنوب لابرادور أن تُقدّم لنا فكرةً عن المرحلة الثانية في تطور دور السِلَع في الاقتصاد الهندي، وانحلال العلاقات العشائرية. وَجَدَت ليكوك أن هذه المنطقة كانت مُنخرطةً في تجارة الفراء في وقتٍ أبكر الى حدٍّ ما من الأجزاء الشمالية الشرقية والوسطى من شبه الجزيرة.
تصفُ اليانيور ليكوك، الحياة الاجتماعية لهنود نهر ناتاشكوان Natashkuan كمثالٍ نموذجيٍ على هذه المرحلة. على مدار الأجيال الأربعة الماضية، حلَّت المُنتجات التي تُشتَرى من المتاجر-الدقيق وشحم الخنزير-محل اللحوم تقريباً. كان هذا دليلاً على حقيقة أن الصيد من أجل الفراء، قد اكتسَبَ في تلك الفترة، أهميةً أكبر من الصيد من أجل اللحوم. ومع ذلك، كانوا يصطادون الأسماك في مجموعات، عادةً ما تكون مؤلَّفَةً من 10 رجال، ويتم اختيار الشركاء في الصيد من بين أبناء الخال أو أقارب الزوجة. في الوقت نفسه، كان هُناك ميل واضح لتقسيم مناطق الصيد، وتوزيعها على كُل مجموعة. بل أن هُناك أفراداً استولوا على مناطق مُعينة. على سبيل المثال، تستشهد ليكوك بالهندي بيير غابرييل Pierre Gabriel، الذي استحوَذَ على منطقة، كانت قبل جيلٍ واحد، منطقة صيدٍ تعود الى مجموعةٍ بأكملها.
تُظهِرُ البيانات التي جمعتها ليكوك، أنه في الماضي غير البعيد، كانت الوحدة الأساسية عند الناتاشكوان، كما هو الحال عند الناسكابي، هي مشاعات الأُمومية ذات الزواج الخارجي. ولكن، عند الانتقال التدريجي الى تجارة الفراء، بدأت عملية انفصال العالئلة عن الجماعة، لتُصبح هي الوحدة الاقتصادية الرئيسية. تعيش كُل عائلةٍ الآن عادةً في خيمتها الخاصة، ولكن ظلَّت بقايا السكن المشاعي السابق، على شكل مطبخ مُشتَرَك وموقد واحد. وفي التخييم الصيفي، لا تزال نساء الخِيَم المُجاورة يطبخن على موقدٍ مُشترك في الهواء الطلق. إن استخدام مجموعات النساء اللواتي يَعِشنَ في خيَمٍ مُختلفة موقد واحد، هو أمرٌ مُثيرٌ للاهتمام في هذا الصدد(51).
يُوضّح هذا الوضع أن علاقات القُربى، وفي مُعظم الحالات، العلاقات الأُمومية، هي أساس استخدام موقدٍ واحد، وبالتالي، تُظهِرُ ليكوك، بصدد ترتيب الخيام، العلاقة بين الانتقال من الإقامة الأُمومية الى الاقامة الأبوية، وظهور حق الوراثة للخط الأبوي. ومع ذلك، كانت الاقامة الأُمومية أكثر شيوعياً من الاقامة الأبوية، وكانت تقاليد توريث الخط الأُمومي أقوى، التي كانت في أغلب الأحيان تظهر على شكل نقل الحق في أرض الصيد من الحمو الى الصِهر. هُنا نرى نفس الصورة الموجودة عند هنود الساحل الشمالي الغربي- أي الانتقال من توريث أبناء الأُخت الى توريث الصهر، كشكلٍ وسيط بين التوريث الأمومي والأبوي. يُرافق الانتقال الى المعايير الأبوية، انتهاك الزواج الخارجي، والذي كان لا يزال سائداً هُنا قبل 50 عاماً فقط(52). كَشَفَت ليكوك في هذه المنطقة، تشابكاً وتعايشاً غريباً بين العلاقات النقدية-السِلَعية التي تغلغلت في الاقتصاد، والعلاقات المشاعية البدائية السابقة. تجلّى هذا في المقام الأول في توزيع مُنتجات الصيد. كان يتم استخدام مُنتج صيد اللحوم بالكامل بشكلٍ جماعيّ من قِبَل المجموعة الصيّادة بأكملها. أما الفراء فقد كانت تُوزَّع كما يلي. كانت فراء الحيوانات المقتولة بالرصاص تُوزَّع بين الصيادين حسب احتياجات كُلٍّ منهم، ويوضع في الحساب ديون الصياد على تُجّار الفراء وعدد مُعاليه. أما فراء الحيوانات المُصطادَةُ بالأفخاخ، باستثناء فأر المِسك muskrat، كان يُعتَبَرُ ملكاً لصاحب الفخ. عادةً ما كانت جُلود الدببة تعود للصياد الأكبر سناً. أما الأموال المُستَلَمة مُقابل الفراء فيتصرف بها ربُّ العائلة. لقد رسَمَ الهنود خطاً رفيعاً بين تجارة الفراء والعمل مُقابل أجر من جهة، والعمل المُنفَق مُباشرةً على تلبية احتياجاتهم، من جهةٍ أُخرى. إن مفهوم "العَمَل" نفسه، في الاستخدام الحديث لهؤلاء الهنود، يتضمن فقط أنواعاً مُختلفةً من العمل المأجور لصالح "البيضْ" والصيد من أجل الفراء، في حين أن معنى كلمة "وضع الفخ لاصطياد الحيوانات" كان يعني أيضاً "البحث" عن المال أو "صيده"(53).
ونتيجةً لتأثير المُبشّرين، اصبَحَ الهنود يعتبرون العمَلَ يوم الأحد خطيئة، لكنهم كانوا يصطادون فقط من أجل اللحوم. ولأغراض الحصول على الطعام أو قِطَع الحطب أو أي أنواعٍ أُخرى من المواد، كان الهنود يتبادلون بين بعضهم بحُرّية البنادق والقوارب وغيرها من الأدوات. ولكن عندما كانت الاعارة تتم من أجل صيدٍ لبيعه لـ"البيض"، فعلى من يستعير غرضاً أن يدفع أجره. تستشهد ليكوك بمثالٍ نموذجي. سمَحَ هنديٌّ يعيش مع صهره، أي زوج ابنته، لهذا الأخير، باستخدام قاربه وزلاجته، وكان صهرهُ يتقاسم معه الصيد، ولكن عندما احتاج الحمو، الى مصباحٍ لوهلةٍ من الزمن من أجل أن يتحدث مع الاثنوغرافي، الذي كان يدفع مالاً لقاء تحصيل المعلومات، فإنه دَفَعَ 25 سنتاً لابنته أُجرة المصباح(54). إن هذا لمثالٌ صارخٌ على عملية حلول علاقات السِلعية النقدية محل علاقات القرابة.
يُقدّم غرب لابرادور صورةً للمرحلة الثالثة من تطور الاقتصاد التجاري للسكان الأصليين. بدأت تجارة الفراء في هذه المنطقة في نهاية القرن السادس عشر. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كان هؤلاء الهنود الذين يعيشون هُنا يعتمدون بشكلٍ كاملٍ على تجارة الفراء. وقد ظَهَرَت هُنا، على مدار 300 عامٍ من تجارة الفراء، مناطق الصيد الخاصة، والتي ترجع أُصولها الى بداية القرن الثامن عشر(55). لقد وجَدَ سبيك، عند بداية القرن العشرين، عند هنود هذه المنطقة، مُلكيةً خاصةً لمناطق الصيد، وفسَّرَ ذلك على أنه الشكل الأصلي لمُلكية الأراضي الذي يُميّز جميع قبائل الصيد. ومع ذلك، لاحَظَت ليكوك، حتى في عام 1951، أن "مناطق الصيد الخاصة، لم تكن مُحددة بوضوح كما بدا لسبيك"(56). على الرغم من أن هذه الأراضي ومواقع التخييم كانت موروثةً أبوياً، الا أنه لم يكن من غير المألوف أن يتم تناقلها بالوراثة من والد الزوجة الى الصِهر. لاتزال هُناك بقايا مُختلفة من العلاقات المشاعية-العشائرية. على سبيل المثال، لاحَظَ الاثنوغرافي يوليوس ليبس Julius Lips من جمهورية ألمانيا الديمقراطية، والذي دَرَسَ في الثلاثينيات القانون العُرفي عند الهنود في غرب لابرادور، أن علاقات المُساعدة المُتبادلة كانت هي المُهيمنة في قانونهم العُرفي. وأشارَ الى أنه على الرُغم من وجود مناطق صيد خاصة، الا أن الصيد من أجل اللحوم في أراضي شخصٍ آخر كان لا يزال مسموحاً به. في حالة الجوع، كان يُمكن للمرء حتى أن يقتل قُندساً، ولكن كان يجب أن يُعطي الجلد لمالِك المنطقة(57). ولم تكن حُدود المناطق الخاصة مُعرّفة بشكلٍ مُحدد عند جمع التوت ولحاء البتولا والمواد الأُخرى التي كانت تُجمع للاستخدام الشخصي، ولكن ليس للتجارة مع "البيضْ".
بحلول هذا الوقت، كانت العمالة المأجورة في عمليات قطع الأشجار وغيرها من العمليات التي كان يُمارسها السُكّان غير الهنود، ذات أهمية كبيرة في الاقتصاد الهندي، حيث كان الهنود يذهبون للعمل بأجر. هُنا كانت الأجور تُعتَبَر مُلكاً للعامل نفسه. كان كُلُّ فردٍ قادرٍ على العمل، من أفراد العائلة، يذهب ليفتح حسابه الخاص في الشركة التجارية عندما يصير صياداً(58). تمَّ تسريع عملية اضفاء الطابع الفردي الخاص على المصائد والاستيلاء الخاص على مُنتجاتها، من خلال ما كانت تقوم به الشركات التجارية من انشاء حسابٍ مُنفصلٍ لكل صياد. على سبيل المثال، استخدَمَ الفتى أول دبٍّ اصطاده، ليفتح حساباً له في السوق التجاري.
استخدمَت ليكوك بيانات مُحددة، فيما يتعلق بتغلغل العلاقات السلعية في الاقتصاد الهندي، لتُظهِرَ كيف نشأت أولاً المُلكية الخاصة للفراء، ومن ثم حق استثمار الموارد والعمل الشخصي في منطقة الصيد. في هذه الحالة، كانت تأخذ بالاعتبار مُلكية مساكن القنادس، والتي ظَهَرَت قبل المُلكية الخاصة لمناطق الصيد. على سبيل المثال، تُعتَبَر جميع مساكن القنادس في منطقةٍ ما، مُلكاً لمالك المنطقة نفسها عند هنود بُحيرات ميستاسين وسانت جون في جنوب غرب لابرادور، ولكن مُلكية مسكن القُندس، عند هنود الجُزر السبع، تعود الى مُستكشفه الأول، الذي يضع علامته الخاصة عليه، بصرف النظر عن المنطقة التي وجد فيها المسكن(59).
مرَّ نشوء المُلكية الخاصة لمنطقة الصيد أيضاً، بعددٍ من المراحل، بدءاً من وضع علاماتٍ على منطقةٍ مُحددة والاستخدام التقليدي لمسارات الصيد فيها من قِبَل إحدى العائلات لعدة مواسم، وصولاً الى حصول العائلة على مُلكية كاملة لهذه الأرض، والتي تتخذ بعد ذلك خطواتٍ باتجاه الحفاظ على الحيوانات الفرائية في أراضيها. لا يُمكن للمرء، سوى أن يتفق مع ليكوك، في أن تدابير حماية الحيوانات ذات الفراء وخاصةً القنادس، ظَهَرَت بين الهنود، فقط نتيجةً لإبادة القنادس من أجل فرائها، ولم تكن هذه سمةً اصيلةً قديمةً لاقتصادهم، كما يعتقد سبيك.
كان نشر كتاب هارولد هيكرسون Harold Hickerson الأخير حول أشكال المُلكية لمناطق الصيد عند قبيلة الأوجيبوا والقبائل الأُخرى في منطقة البُحيرات العُظمى للفترة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، تدعمياً لاستنتاجات ليكوك. وعلى أساس دراسة السجلات، توصَّلَ هيكرسون الى نفس الاستنتاجات التي توصلَّلَت اليها ليكوك فيما يتعلق بأولوية المُلكية المشاعية للأراضي بين الهنود في هذه المنطقة. يكتب: "تُشير المصادر الباكرة، الى مُلكية الأرض المشاعية. ولا يوجد هناك أساس وقائعي عند المؤلفين القُدامى، للمُلكية العائلية أو الفردية لمناطق الصيد، كما طرحها سبيك. وتكشف المُراجعة المُكثّفة للمصادر العائدة الى النصف الأول من القرن الثامن عشر عن عدم وجود أي نظامٍ للمُلكية الخاصة من هذا القبيل بين أسلاف التشيبيوا Chippewa. وقد تطوَّرَ نظام المُلكية هذا لاحقاً، بنفس الطريقة التي وصفتها ليكوك فيما يتعلق بقبيلة المونتيناييه Montagnais"(60).
وبالتالي، فإن المواد التي دَرَسَها جينيس وهيكرسون وليكوك، الخاصة بالألغونكيانيين، بالاضافة الى شهادات الباحثين حول الاثاباسكان في شمال كندا، تُشير بشكلٍ قاطعٍ الى حقيقة أن المُلكية الخاصة لأراضي الصيد التي نشأت عند صيادي الغابات، قد ظَهَرَت لديهم اثناء انتقالهم من الصيد المشاعي للحوم الى الصيد من أجل الفراء لبيعها بتأثير الرأسمالية. كان نفس مسار تطور المُلكية قائماً، عند الشعوب الصيّادة في سيبيريا، كما أظهَرَ ذلك الاختصاصيين الاثنوغرافيين السوفييت سيرجييف ودولغيخ وآخرين.

***

تُظهر المادة التي طرحناها أعلاه، أن مسألة مُلكية وسائل الانتاج مُرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأشكال التنظيم الاجتماعي لأي شعبٍ مُعطى.
افترَضَ أنصار مفهوم أزلية المُلكية العائلية لمناطق الصيد، أن العائلة هي مالكة هذه الأراضي. ومع ذلك، فإن هؤلاء الكُتّاب الذين فهموا هذه المُلكية الجماعية (العائلية) على أنها الشكل الأصيل، قد ربطوها بعلاقةٍ مع ما أسموه "العُصبة" Band أو "المجموعة المحلية" Local Group، والتي وصفوها بأنها مجموعة من الأقارب الذين يستغلون مناطق الصيد بشكلٍ مُشترك. واعتُبِرَت المجموعة المحلية بأنها الشكل الأنسب لتنظيم قبائل الصيد واللقاط البدائية(61). يُصرُّ الاثنوغرافيين الأمريكيين على أن هذه "المجموعات المحلية" ليست عشائر. وباعتبارهم العشائر القبائلية الزراعية وصيادة الأسماك المُستقرة بأنها هي "العشائر" النموذجية، فإنهم يرفضون من جهةٍ أُخرى أي شكلٍ آخر للعشيرة، ويعتبرون أن أي انحراف عن هذا التصور، بأنه ليس عشيرة. ولأغراض التفريق بينها، يستخدمون مُصطلح "العُصبة". يُخصص جوليان ستيوارد Julian H. Steward مقالاً خاصاً لتبيان الفرق بين "العُصبة" والعشيرة(62).
ليكوك أيضاً، تستخدم مُصطلح "عُصبة" وليس عشيرة، مُتبعةً المُصطلحات المقبولة والسائدة لدى الاثنوغرافيين الأمريكيين، مُعرفةً إياها (أي العُصبة)، على أنها الوحدة Unit الاجتماعية الرئيسية لمُجتمع السكان الأصليين الهنود، بوصفها مجموعةً قائمةً على الزواج الخارجي مُتحدّةً بخط النَسَب الأُمومي بناءاً على المصالح الاقتصادية للمُجتمع بأكمله. وهي، أي ليكوك، على هذا الأساس، تُطلِق على تلك الوحدة مُسمّى "العُصبة ذات الإقامة الثنائية"(ب) Bilocal Band. من المؤسف أن ليكوك تُصرّ على التمسك بالتصور السائد عند الاثنوغرافيين الأمريكيين، والقائل بأزلية "النسب الثنائي"(جـ) bilateral filiation. على هذا الأساس، تقول ليكوك، أن أقدم أشكال التنظيم الاجتماعي للقبائل الصيّادة، هي "العُصبة ذات الاقامة الثنائية" غير المُستقرة، مع أن الاقامة الأُمومية عندها أكثر شيوعاً، ولكنها استسلمت للإقامة الأبوية تحت تأثير تجارة الفراء(63).
بعد أن أظهَرَت بشكلٍ مُمتاز، من خلال أمثلةٍ مُحددة، الانتقال من العشيرة الأمومية الى العشيرة الأبوية، وبعد أن اثبتت الاتجاه نحو التطور في هذا الاتجاه، ظلَّت ليكوك، مع ذلك، أسيرةً لما يُسمى بالمفاهيم "المُعادية للاتجاه التطوري" التي كانت مُنتشرةً في الاثنوغرافيا الأمريكية، أي تلك المفاهيم التي هدُفَت الى دحض الفرضية القائلة بأن العشيرة الأُمومية هي أقدم تنظيم اجتماعي للمُجتمعات البدائية. إن مواقفها في هذا الصدد، تتناقض تماماً مع كُل ما سبَقَ أن كَتَبته. وهي تُشير، على سبيل المثال، أنها لا تعتبر أن العشيرة الأُمومية كانت أكثر انتشاراً في الماضي من المُمارسات الأبوية اليوم، مع أنها، وفي الوقت نفسه، تطرح دليلاً قاطعاً على تطور الأُولى للثانية. وهي ترى، أنه يُمكن للمرء أن يتجنب مسألة أيها يسبق الأُخرى، مع أنها تؤكّد بشكلٍ قاطع أن استقرار العلاقات الأبوية ارتبَطَ بالانتقال من أشكال العلاقات الجماعية الى العلاقات السِلَعية-النقدية.
تجتذب المجموعة ذات الاقامة الثنائية ليكوك، لأن سيطرة أحد الجنسين على الآخر لم تكن موجودةً كما يُزعَم. ولذلك، تعتبر المجموعة ثنائية الاقامة أقدم شكلٍ من أشكال التنظيم الاجتماعي، بقدر ما تُسيطر المرأة في العشيرة ذات النسب الأُمومي، ويُسيطر الرجل في العشيرة ذات النسَب الأبوي كما يُزعَم. إن خطأ ليكوك في هذا الصدد هو أنها لا تأخذ بعين الاعتبار، الحقيقة الأساسية، المُتمثلة في أن هيمنة الرجل، هي تمظهر اجتماعي لتطور علاقات المُلكية الخاصة، مع أنها أثبتت أن الألغونكيانيين- وكما أشارت الحقائق العديدة التي جمعتها الاثنوغرافيا المُعاصرة- أن الانتقال الى القانون الأبوي ارتبَطَ في كُل مكان بتطور القُوى الانتاجية وظهُور المُلكية الخاصة لوسائل الانتاج، من ماشية وعبيد وفراء ومناطق للصيد، والتي يُصبح الذكر مالكاً لها، وعلى هذا بالذات، يعتمد موقعه المُهيمن في العائلة.
لم تكن هُناك، في العشيرة الأمومية، أي إمكانية لظهور علاقات هيمنةٍ لأحد الجنسين على الآخر. هذه العشيرة، كانت تعتمد على الانتاج والتوزيع الجماعي، حيث يكون عمل الجنسين، على نفس المُستوى من الأهمية بالنسبة للمُجتمع. هذا هو نظام "المُساواة والأُخوة"، كما كَتَبَ لويس مورغان، ولم يكن مفهوم المُلكية الخاصة موجوداً هُنا بعد. كانت الأرض ومناطق الصيد واصطياد السمك في بداية الأمر، مشاعياً بين الجميع، باعتبارها الشروط الرئيسية للعمل. كُل هذا يتضح من خلال بيانات ليكوك، وغيرها من الباحثين في الحياة الاجتماعية للقبائل الصيّادة في الشمال الكندي.
وعلى الرغم من التناقضات في موقف ليكوك في هذا الصدد، فإن أهم استنتاجات أبحاثها، ذات أهمية تاريخية عامة باعتبارها دلائل وفيرة تدعم الفهم الماركسي لتطور المُجتمع البدائي، القائم على أفكار مورغان حول العشيرة. من الهام، هُنا، الاشارة، الى أن البيانات التي فُسَّرها سبيك وأنصاره، تُطرَحُ على أنها شهادةٌ قوية ضد مورغان لصالح النظرية الأبوية.
يُمكن أن نعتبر أن نظرية سبيك وأتباعه قد أُطيحَ بها تماماً اليوم. والحق، أن غالبية الاثنوغرافيين الأمريكيين والكنديين يُدركون ذلك. في عملهما العام المُشترك حول هنود أمريكا الشمالية، يقبل ويليام ماسي William Clifford Massey وهـ.م. درايفر وجهة نظر ليكوك في توصيفها لأشكال المُلكية عند قبائل الصيد، على الرغم من بعض التحفظات. وعلى النقيض من ليكوك، يرى المؤلفان أن المعايير الأبوية، كانت أكثر نموذجيةً للقبائل الهندية في شرق كندا، أكثر من المعايير الثُنائية، خلال الفترة ما قبل الاستعمار الأوروبي(65).
ومع ذلك، سيكون من الخطأ الاعتقاد، بأن جميع الباحثين البرجوازيين قد تخلّوا عن أفكار سبيك ونظرية أزلية المُلكية الخاصة للأرض. على سبيل المثال، في العمل النظري الذي كَتَبه رالف لينتون Ralph Linton، والذي نُشِرَ بعد ظهور دراسة ليكوك، ما زلنا نجد التأكيد على أن "... القبائل الالغونكيانية من لابرادور الى فرجينيا، كان لديها نظام مُلكية خاصة للأرض، والتي كانت ظاهرة نادرة للغاية في أمريكا الأصلية. وهُنا، يوجد لكل عائلةٍ أراضيها الخاصة"(66).
ويؤكّد الفريد هالويل، في عمله الصادر عام 1955، مُتجاهلاً أعمال جينيس وليكوك وغيرهما من مُعارضي سبيك، أن مفهوم سبيك قد انتصر، على الرغم من الخلافات الموجودة بين عدٍد من الاثنوغرافيين فيما يتعلق بأزلية جميع خصائص المُلكية الخاصة التي عَثَرَ عليها سبيك عند الالغونكيانيين في شمال شرق أمريكا الشمالية. وهو يرى أن الأبحاث بعد سبيك، قد أثبتت وُجود المُلكية الخاصة لقبائل الصيد والرعي في أجزاء أُخرى من العالَم، وهو يقصد بتلك الأبحاث، آراء ميلفيل هيرسكوفيتس وريتشارد ثورنوالد (67)، واللذينِ يُزعَمُ أنهما أثبتا انتشار المُلكية الخاصة لأراضي الصيد عند جميع القبائل. ويزعمُ هالويل وهيرسكوفيتس، أن انكار ذلك، نابع من تأثير المفاهيم التطورية Evolutionary التاريخية الزائفة التي كانت سائدةً في القرن التاسع عشر(69). كرر انتوني والاس Anthony F. C. Wallace في مقالةٍ له عام 1957 نفس أفكار سبيك. طَرَحَ والاس في هذه الورقة عدداً من الأفكار المُثيرة للاهتمام بشكلٍ عام، حول المُلكية المشاعية لأراضي الصيد خلال الفترة من عام 1600-1830 عند قبائل الايروكوا والالغونكيان شمال شرق أمريكا. لكن المؤلف "يعتقد" أن "المُلكية المشاعية لقبائل الديلاوار Delawares والالغونكيانيين الأُخرى التي تعيش على ساحل المُحيط الهادئ، قد سبقها نظام مناطق الصيد العائلية، مثل تلك التي وصفها سبيك"(70).
يكمن وراء كُل هذه التصورات، انكار وجود مبدأ تطور اجتماعي واحد، ومواجهة مبدأ النسبوية، وتعددية خط النسب في تطور مُختلف القبائل والشعوب. يُقبَل برحابة صدرٍ وُجود المُلكية المشاعية عند بعض القبائل مثل الايروكوا وبوبليو وهنود الساحل الشمالي الغربي وقبائل السهول، ولكن المُلكية الخاصة تُعتَبَر أصيلة عند قبائل الصيادين واللقاط، ويُزعَم أن هذين الشكلين من المُلكية ينشآن نتيجةً لعوامل ايكولوجية.
ومع ذلك، الى جانب التفسيرات الايكولوجية لأصل المُلكية الخاصة، شَهِدَ العقد الماضي ظهور دراساتٍ اثنوغرافية في الولايات المتحدة، تُفسّر أصل المُلكية الخاصة بالاعتماد على عوامل نفسية. مثل هذه التفسيرات ليست جديدة. لقد سَبَقَ أن فسّرَ الانثروبولوجي الفرنسي تشارلز ليتورنو Charles Jean Marie Letourneau في القرن التاسع عشر، فسَّرَ أصل المُلكية الخاصة على أنها جزء غريزي أصيل، ليس فقط عند البشر، ولكن أيضاً عند الحيوانات(71). في كتاب الاثنوغرافي النيوزيلندي ارنست بيغلهول Ernest Beaglehole الذي نُشِرَ عام 1932 في نيويورك، أشارَ أن المُلكية الخاصة نابعة من عريزة التملّك المتأصلة في البشر(72). طَرَحَ هالويل هذا الفهم الرجعي للمُلكية الخاصة(73)، وقَبِلَهُ هيرسكوفيتس (74). ولكن يسعى الاثنوغرافيين الأمريكيين المُعاصرين فريدل Friedel وهالويل ووالاس الى تفسير غريزة التملّك هذه انطلاقاً من النزعة الفردية الانسانية، أو الذرية، التي يُزعَمُ أنها مُتأصّلة في نفسية قبائل الصيد واللقاط البدائيين. تتجلّى هذه "الذرية" البدائية في كتابات هؤلاء المؤلفين من خلال أمثلةٍ مأخذوةٍ من قبيلة الاوجيبوا. ولكن كُتِبَ الكثير أيضاً عن النزعة الفردية البدائية عند قبائل الأسكيمو والكومانتشي وقبائل الحوض العظيم Great basin(75). فيما يتعلق بـ"ذريّة" الاوجيبوا، يكتب فيكتور بارنو Victor Barnouw على سبيل المثال: "خارج العائلة، لم يكن هُناك تعاون اقتصادي بينهم. لم يكونوا يُمارسون الصيد كما هو الحال عند هنود السهوب. لم يكن لديهم مُخيّم دائري، ولا مجلس مُنظّم، ولا أي نظامٍ إداري، ولا جمعياتٍ حربية، ولا أي اشارةٍ على أن هناك تكاملٌ اجتماعيٌ على الاطلاق. عاشَ كُلٌّ منهم من أجل نفسته وعائلته. كان هُناك عددٌ قليلٌ جداً من الأنشطة التي تُوحّد العائلات المُنعزلة. وحتى الطقوس الدينية الكُبرى لم تُقَم من أجل المجموعة ككُل"(76).
أثبَتَ بيرنارد جيمس(77) Bernard James وهيكرسون(78) تهافُت هذه الآراء في بحثين خاصّين وضعاهما حول هذه المسألة بالذات. فقد كَتَبا أن مؤلفي نظريات "الذرية" يدرسون الاوجيبوا عبر أنماطٍ مُتنوعةٍ من الاختبارات النفسية في ظل ظروف حياتهم الحالية في "المحميات"، ثم يقومون باسقاط هذه الصورة النفسية التي يستخلصانها، على أعماق التاريخ، بحُجّة أنها لا تُميّز أسلاف الأوجيبوا المُعاصرين وحسب، بل تُميّز كذلك جميع قبائل الصيد واللقاط في العالَم أجمَع. يكتب هيكرسون، أنه سيراً مع هذه التصوير الفرداني لشخصية الاوجيبوا، "يتم اعتبار ثقافتهم عبارة عن حياة اجتماعية واقتصادية فردية ومُفتتة"(79).
يهدم جيمس ببراعة صرح "الفردانية" التي أقامها الاثنوغرافيين سالفي الذكر، حيث قضى عاماً في أحد "محميات"، من ثُم نَشَرَ دحضاً لخيالات زملائه. يقول: "إن العديد من السمات الشخصية التي يُقال أنها "ذَرّية" أصيلة عند الاوجيبوا، ظَهَرَت كنتاج اجتماعي ونفسي للافقار المنهجي لاقتصادهم، وحالة الاكتئاب السائدة في المحميات المُعاصرة"(80). إنه يُلاحظ بحق، أن الأحكام المُتعلقة بالتركيبة النفسية للبشر، تتطلب مُراقبةً على مدى زمني أطول، وبالتالي يؤكد أن الاستنتاجات التي توصّل اليها أنصار النظرية الذرية سطحية ومُخادعة.
وكما لاحَظَ جيمس وهيكرسون بحق، فإن أنصار النظرية الذرية البدائية يفترضون أن نفسية الذات غير قابلة للتغيّر وبأنها ذات طبيعة ساكنة، ومُستقلة عن ظروف الحياة المُتغيّرة. يكتب هيكرسون: "يُصرّ هالويل واؤلئك الذين يُشاركونه وجهة نظره، على ثبات البُنية "الذرية" لشخصية انسان الأوجيبوا طوال فترة اتصالهم بالأوروبيين. على الرغم من أن ظروف معيشتهم قد تغيّرت الى أقصى الحدود"(81). يُعبّر كلا المؤلفين عن مُعارضتهما لتفسير بُنية الشخصية كمقولة ثابتة لا تتغير مع مرور الزمن. ويُشيران، على أساس ملاحظاتهم، أن الصورة "النفسية" للاوجيبوا التي ركّبها بارنو وفريدل لا تتوافق مع واقع زمننا الحاضر. إن الخصائص التي ينسبها أنصار النظرية "الذرية" الى سُكّان أمريكا الأصليين، مثل "كراهية الأجانب والعدوانية والريبة والحذر"(82)، وما الى ذلك، تكشف بوضوح عن عُنصرية اثنوغرافية عميقة.
إن مفهوم النزعة الفردية المتأصلة عند الانسان البدائي، بحد ذاتها، قديمةً قِدَم نظرية أزلية المُلكية الخاصة.
لقد طَرَحها في عصرهم ليبرت وبوخر وسارازين، وأخضعَ بليخانوف هذه الفكرة الرجعية الى نقدٍ مُدمّر، مُطلقاً عليها تسمية "نظرية البحث الفردي عن الغذاء"، وأثبَتَ خطأها بالاستناد على بيانات وقائعية غنية، وكَشَفَ عن المعنى الحقيقي للبيانات التي طرحها اولئك الباحثون لدعم نظرياتهم(83).
ان نظرية "الذرية البدائية" هي بلا شك، مُحاولة لاثبات أولوية المبادرة الخاصة والمشاريع الخاصة الرأسمالية وأزليتها في النفسية الانسانية. وهذا مثال نموذجي لسحب العُلماء البرجوازيين العلاقات الرأسمالية الى فجر التاريخ. إنها محاولة فاشلة لابجاد مُبرر للأنانية البرجوازية البغيضة في عصر الامبريالية، ووضعها كظاهرة مُقدسة تاريخية، مُقابل الشيوعية المُعاصرة. يكتب أنصار هذه النظرية بصراحة، وتحديداً، هالويل، أن هذه المسألة مُتعلقة بقضية مُلحةٍ تطرق أبوابنا في يومنا هذا "الفردانية ضد الشيوعية"(84).
ان طبيعة هذه الجهود، المُعادية للعلم، كَشَفَ عنها بجلاء الباحثين والعُلماء ذوي الضمير العلمي الحيّ في الولايات المُتحدة. إن الخدمة الجليلة التي قدمها لنا جينيس وليكوك وجيمس وهيكرسون وآخرين، هي أنهم جمعوا بياناتٍ وقائعية غنية، تشهد بإقناع على أن الانتاج والتوزيع عند الالغونكيانيين من لابرادور والاجيبوا وقبائل الصيد واللقاط الأُخرى في كُل مكان، كان جماعياً، وتوافقَ هذا التنظيم الانتاجي مع التنظيم الاجتماعي العشائري الأُمومي، وكان يسبق علاقات المُلكية الخاصة والأبوية التي ظهرت عندهم مؤخراً. وتُثبِت كتابات هؤلاء العُلماء، بما لا يدع مجالاً للشك، أن نشوء المعايير الأبوية عند هذه القبائل ارتَبَطَ بتغلغل العلاقات السلعية في اقتصاداتها تحت تأثير تجارة الفراء الأوروبية. وهكذا، فقد حطّموا أُسس النظرية التي أطلَقَ عليها الأركيولوجي السوفييتي سيرجي تولستوف Sergey Pavlovich Tolstov نظرية "البطرياركية البدوية البدائية"(85).

* يوليا بافلوفنا افيركييفا 1907-1980، اثنوغرافية سوفييتية وعالمة في تاريخ شعوب أمريكا الأصلية. دَرَسَت عام 1925 في قسم الاثنوغرافيا التابع لكُلية الاثنوغرافيا في جامعة لينينغراد، وتخرّجَت من الجامعة عام 1929 مُتخصصةً في الشعوب الفتلدية-الأوغرية وأُرسلتها مفوضية التعليم الشعبية الروسية للتدريب في جامعة كولومبيا في نيويورك حيث تخصصت في اللغة الانجليزية، وشاركت في رحلةٍ ميدانية بحثية لدراسة هنود كيوكيوتل. التحقَت أفييركييفا عند عودتها لوطنها بأكاديمية العلوم السوفيينية وعَمِلَت في متحف الانثروبلوجيا والاثنوغرافيا التابع لأكاديمية العلوم، وظَهَرَت عام 1932 أول مقالة علمية لها حول القضايا الاثنولوجية الجسدية في مجلة الاثنوغرافيا السوفييتية. دافَعَت يوليا افريكييفا عن اطروحتها لدرجة الدكتوراة بعنوان (العبودية عند قبائل الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية).
عَمِلَت دبلوماسيةً في الصين في الأربعينيات، وقُبِلَت بعد عودتها عام 1947 باحثة أولى في معهد الاثنوغرافيا التابع لأكاديمية العلوم. وانقطَعَت عن هذا العمل لأسباب سياسية. عادت افريكييفا الى نفس هذا المنصب عام 1957، وعمِلَت هناك حتى نهاية حياتها. دافَعَت عام 1962 عن اطروحتها لدرجة الدكتوراة بعنوان (انحلال المُجتمع القَبَلي وتشكّل العلاقات الطبقية عند هنود الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية). انتسبت في نفس العام الى الحزب الشيوعي السوفييتي، وأولَت اهتماماً كبيراً بالحركة المعاصرة للسكان الأمريكيين والكنديين. شارَكَت يوليا في المؤتمرات الدولية حول الانثروبولوجيا والاثنوغرافيا في موسكو 1964، طوكيو 1968 وشيكاغو 1973، ومؤتمرات السوسيولوجيا في فارنا وتورنتو وستوكهولم وغيرها. وشارَكَت في المؤتمر الدولي لعلماء النفس في موسكو 1966، وكانت عضواً في المجلس الدائم للاتحاد الدولي للعلوم الانثروبولوجية والاثنولوجية، ونائبة رئيس لجنة الأبحاث والعلاقات الاثنية ووضع الأقليات القومية في الرابطة الدولية للسوسيولوجيا، ورئيسة لتحرير مجلة (الاثنوغرافيا السوفييتية) من عام 1966-1980.
من أعمالها الرئيسية: المُجتمع البدوي الهندي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر 1970، هنود أمريكا الشمالية، من المُجتمع القَبَلي الى المُجتمع الطبقي 1974، تاريخ الفكر النظري في الاثنوغرافيا الأمريكية 1979.


1- Karl marx and Frederick Engels collected works, Vol24, P351
2- W. Schmidt, Das Eigentum auf den altesten Stufen der Menschheit, Bd. 1, Das Eigentum in den Urkulturen. Mtinster in Westfalen. 1937. D. 3
3- K. Marx, Kapital,Vol. I, 1950,pp. 186-187 (Russian)
4- A. I. Pershits, ‘The Development of Forms of Property in Primitive Society, as the Basis for the Periodization of Its History
5- Ibid., p. 153
6- M. -Herskovits, Economic Anthropology, New York, 1952, p. 335
7- L. Eiseley, ”Land Tenure in the Northeast: a Note on the History of a Concept, ’ AA, Vol. 49, 1947, No. 4, p. 681
8- W. Seagle, The Quest for Law, New York, 1914 R. Dixon, Economic Institutions and Cultural Change, New York, 1914
9- F. Speck, “Family Hunting Territories and Social Life of the Various Algonkian Bands of the Ottawa Valley, ’ Canadian Department of Mines, National Museum Anthropological Series, No. 8, Ottawa, 1915.
10- F. Speck and L. Eiseley, “Montagnais- Naskapi Bands and Family Hunting Districts of the Central and Southeastern Labrador Peninsula, TAPS, Vol. 82, 1942, No, 2, p. 220
11- F. Speck, 9. cit. supra 9 same author, “The Family Hunting Band as the Basis of Algonkian Social Organization, ’ AA, Vol. 17, 1915, No. 2 same author, “Mistassini Hunting Territories in the Labrador Peninsula, AA, Vol. 25, 1923
12- F. Speck, ‘Land Ownership Among Hunting Peoples in Primitive America and the World’s Marginal Areas, Atti del XXII Congress0 International degli Americanisti, Rome, 1928.
13- I. Hallowell, “The Size of Algonkian Hunting Territories: A -function- of Ecological Adjustment, ’ AA, Vol. 51, 1949, No. 1, p. 35
14- R. Lowie, Primitive Society, New York, 1925
15- J. Cooper, “Is the Algonkian Family Hunting Ground System Pre-Columbian?” AA, Vol. 41, 1939, No. 1
16- J. Cooper, ‘The Culture of the Northeastern Indian Hunters: a Reconstructive Interpretation, PPM, Vol. 3, pp. 292-294
17- Opt. cit. sums 13. D. 35
18- I. Hallowell, Culture and Experience, Philadelphia, 1955, pp. 237-242
19- V. Tanner, -Outlines of the Geography, Life, and Customs of Newfoundland and Labrador, Cambridge. 1947, Vol. 2, pp. 636-637
20- .D. S. -Davidsoni ‘Family Hunting Territory in Australia, * AA, Vol. 30, No. 4, 1928. See G. F. Khrustov, “A Contribution to the Question of Property Relationships in Primitive Society, SE, 1960, NO. 6, pp. 16-36
21- D. S. Davidson, ‘Family Hunting Territories of the Tribes of Tierra del Fuego, S, Indian Notes, Museum of the American Indian, Heye Foundation, Vol.V, New York, 1928, pp. 395-410.
22- Op. cit. supra 6, pp. 335-340
23- lbid ,pp . 326-327
24- See address by W. Koppers at the ethnographic congress in New York in 1952 see An Appraisal of Anthropology Todaz, Chicago, 1953,. 79.
25- W. Schmidt ,op.cit., pp. 141-155
26- V. I. Lenin, ed.4, Vol. 1 p. 137
27- D. Jenness, Indians of Canada, Ottawa, 1932, pp. 118,124
28- D. Jenness, ‘The Ojibwa Indians of Parry Island: Their Social and Religious Life, ’ Bulletin 78, National Museum of Canada, Anthropological Series, No. 17, Ottawa, 1935
29- D. Jenness, “The Sekani Indians of British Columbia, S, Bulletin 84, National Museum of Canada, Anthropological Series, No. 20, 1937
30- J. Steward, ‘Economic and Social Basis of Primitive Bands, Essays in Anthropology Presented to A. L. Kroeber, Berkeley, 1936, p. 339 same author. ‘Determinism in Primitive Society. ” SM, 1941 same author, Theory of Culture Change, Urbana, 1955, p. 145
31- Cornelius Osgood, “The Ethnography of the Great Bear Lake Indians, ’ National Museum of Canada, Annual Report, 1931, Ottawa, 1933, pp. 41, 71
32- Cornelius Osgood, Ingalik Mental Culture, New Haven, 1959, p. 72
33- Kaj Birket-Smith, Contribution to Chippewa, Ethnology, Copenhagen, 1930, p. 69
34- Kaj Birket-Smith and F. de Laguna, The Eyak Indians, Copenhagen, 1938, p. 462
35- F. Speck and L. Eiseley, ‘Significance of the Hunting Territory System of the Algonkian in Social Theory,’ AA, Vol. 41, No. 2, p. 280
36- W. Schmidt, op. cit., pp. 142-151
37- J. Cooper, ‘The Culture of the Northeastern Indian Hunters.. . , p. 291, with reference to J. Rae, JRAI, Vol. 12, 1882, pp. 274-275.
38- L. Eiseley, “Land Tenure in the Northeast: A Note on the History of the Concept, ’ AA, Vol. 49, 1047, No. 4, Part I, pp. 680-681, with reference to Daniel Harmon, Journal of Voyages and Travels ’in the Interior of North America, New York, 1922
39- E. Leacock, ‘The Montagnais ‘Hunting Territory’ and the Fur Trade, ’ AAA-M, No. 78, 1954 same author, ’Matrilocality in a Simple Hunting Economy (Montagnais-Naskapi), ”SJA, Vol. 2,1955, No. 1
40- E. Leacock, ‘The Montagnais ‘Hunting Territory’ and the Fur Trade,” p. 43
41- Ibid. p43
42- Ibid
43- Ibid
44- Ibid
44- Ibid, p1
45- Ibid. P3
46- Ibid. P2
47- D. Strong, ‘Cross-Cousin Marriage and the Culture of the Northeastern Algonkian, ’ AA, Vol. 31, 1029, No. 2, p. 22
48- V. Tanner, op. cit., pp. 606-609
أ- الاقامةالأُمومية، هو عندما يعيش الزوجان في عشيرة عائلة الزوجة.
49- F. Speck, “Game Totems Among the Northeastern Algonkians, ,, AA, Vol. 19, 1917, No. 1, Menasha, Wisc
50- E. Leacock, ‘Matrilocality in a Simple Hunting Economy,’ op. cit. supra 39, p. 32
51- Ibid. P42
52- Ibid. P35
53- E. Leacock, “Montagnais ‘Hunting Territory’ ,” op. cit. supra 39, p. 34
54- Ibid
55- Ibid, p. 15. A special diagram is used to present, in visual form, the coincidence of the boundaries of the private hunting territories with the district of earliest development of the fur trade (p. 14)
56- Ibid. P1
57- J. Lips, ‘Public Opinion and Mutual Assistance Among the Montagnais-Naskapi, ’ AA, Vol. 39, 1937, No. 2, pp. 223-224 same author, ‘Naskapi Law,’ TAPS, Vol. 37, Part 4, 1947
58- E. Leacock, “Matrilocality in a Simple Hunting Economy,’ op. cit. supra 39, p. 43
59- E. Leacock, “Montagnais ‘Hunting Territory’ op. cit. supra 39, p. 27
60- H. Hickerson, “The Feast of the Dead Among the 17th Century Algonkians of the Upper Great Lakes,” AA, Vol. 62, 1960, No. 1, p. 85
61- J. Steward, ‘The Economic and Social Basis of Primitive Bands, Essays in Anthropology Presented to A. L. Kroeber, 1936
62- J. Steward, ‘Ecological Aspects of Southwestern Society, ’ Anthropos, Vol. 32,1937, pp. 87-104
ب- المجموعة البدائية ذات الاقامة الثنائية أو المُتنقلة، وهي المُتعلقة باختيار مكان الاقامة بعد الزواج، وهُنا، حيث يختار الزوجين العيش إما مع أهل الزوج أو أهل الزوجة، على عكس مُجتمعات أُخرى، تكون من نمط الاقامة عند أهل الزوجة، وهُناك مُجتمعات أُخرى تكون من نمط الاقامة عند أهل الزوج.
جـ- أزلية النسب الثنائي، وهي نظرية، أثبَتَ العلم المُعاصر عدم تطابقها مع وقائع التاريخ، كانت الاثنوغرافيا الأمريكية تتبناها. ومؤاد هذه النظرية، أن كلا جانبي النسب، الأبوي والأُمومي، كانا متواجدين منذ نشوء المُجتمع البشري، في كافة المُجتمعات البدائية، وحسب هذه النظرية لم يكن هُناك مُجتمعات أُمومية صرف. هذا بالطبع يتعارض تماماً مع وقائع التاريخ.
63- E. Leacock, “Matrilocality.. . ,’ op. cit. supra 39, pp. 32-33
64- Ibid p. 46
65- H. Driver and W. Massey, ‘Comparative Studies of North American Indians, ’ TAPS, Vol. 47, Part 2, p. 388, 1957, Philadelphia
66- R. Linton, The Tree of Culture, New York, 1955, p. 601
67- I. Hallowell, op. cit., p. 242
68- M. Herskovits, op. cit., p. 335
69- I. Hallowell, op. cit., p. 242
70- A. Wallace, ‘Political Organization and Land Tenure Among the Northeastern Indians, 1600-1830, SJA, Vol. 13, 1957, No. 4, p. 312
71- C. Le Tourneau, Sotsiologiya po dannym etnografii (translated from the French), St. Petersburg, 1806, pp. 231-232
72- E. Beaglehole, Property, A Study in Social Psychology, New York, 1932
73- I. Hallowell, op. cit., 1955
74- M. Herskovits, op. cit., p. 329
75- See, for example, E. Wallace and A. Hoeble, The Comanches: Lords of the South Plains, Norman, Okla., 1952 J. Steward, ‘The Economic and Social Basis of Primitive Bands, )) Essays in Anthropology Presented to A. Kroeber, Berkeley, 1936
76- V.Barnouw, ‘Acculturation and Personality Among the Wisconsin Chippewa, ’ AAA-M, No. 72, 1950, p. 16
77- B. James, “Some Critical Observations Concerning Analysis of Chippewa ‘Atomism’ and Chippewa Personality, ’ AA, Vol. 56, 1954, No. 2
78- H. Hickerson, ‘The Feast of the Dead Among the 17th Century Algonkians of the Upper Great Lakes,”AA Vol. 62, 1960, No. 1
79- Ibid p. 81
80- B. James, op. cit., p. 285
81- H. Hickerson, op. cit., p. 81
82- F. Friedel, OPersistence in Chippewa Culture and Personality, ’ AA, Vol. 58, 1956, No. 5, p. 814
83- G. V. PlekhFov, Iskusstvo i literatura, MOSCOW, 1948, pp. 77-80
84- I. Hallowell, op. cit., p. 238
85- S. P. Tolstov, ‘Basic Theoretical Problems of Contemporary Soviet Ethnography,” SE, 1960, No. 6, p. 17

ترجمة لمقالة:
Iu. P. P. (1962) The Problem of Property in Contemporary American Ethnography, Soviet Anthropology and Archeology, 1:1, 50-63



#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)       Malik_Abu_Alia#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المراكز المدينية في المُجتمع الطبقي الباكر
- تاريخ الري الزراعي في جنوب تركمانستان
- الشروط الايكولوجية لنشوء الزراعة في جنوب تركمانستان
- سوسيولوجيا الدين الانجلو أمريكية المُعاصرة: مُشكلاتها واتجاه ...
- الرد الثاني لسيرجي توكاريف على ستيفن دَن
- بعض الأفكار في طُرُق دراسة الدين البدائي- رد على سيرجي توكار ...
- الرد الأول لسيرجي توكاريف الأول على مُراجعة ستيفن دن لكتابيه ...
- مراجعة ستيفن بورتر دن لكُتب سيرجي توكاريف
- مبادئ تصنيف الأديان 2
- مسألة أصل ثقافة العصر البرونزي الباكر في جنوب تركمانستان
- مبادئ تصنيف الأديان 1
- تاريخ انتاج المعادن عند القبائل الزراعية في جنوب تركمانستان
- ردّاً على نُقادي فيما يخص مقالة -حول الدين كظاهرةٍ اجتماعية ...
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين
- بصدد الفهم الماركسي للدين
- حول جوهر الدين
- حول مفهوم -الشرق القديم-
- حول الدين كظاهرةٍ اجتماعية (أفكار عالِم إثنوغرافيا)
- في ذكرى سيرجي الكساندروفيتش توكاريف
- فريدريك انجلز حول نشأة المسيحية


المزيد.....




- مصر.. اعترافات صادمة للطفل المتهم بتحريض قاتل -صغير شبرا-
- الجيش الروسي يحصل على دفعة جديدة من مدافع -مالفا- ذاتية الحر ...
- اليمن.. الإفراج مؤقتا عن عارضة أزياء ظهرت في صور بدون حجاب
- أسانج يصل إلى جزيرة سايبان لإتمام الصفقة مع السلطات الأمريكي ...
- إنجلترا تتصدر مجموعتها والدنمارك مع سلوفينيا إلى ثمن النهائي ...
- الدفاع الروسية: بيلاوسوف أبلغ أوستن خلال اتصال بمبادرة أمريك ...
- صفقة الإفراج عن أسانج.. ورقة بيد بايدن
- سيئول: كوريا الشمالية أطلقت صاروخا باليستيا تجاه البحر الشرق ...
- النيجر.. مقتل 20 عسكريا ومدنيا وإصابة 9 آخرين في هجوم إرهابي ...
- البنتاغون: الموقف بشأن عدم إرسال قوات إلى أوكرانيا لن يتغير ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مالك ابوعليا - مسألة المُلكية الخاصة البدائية في الاثنوغرافيا الأمريكية المُعاصرة