ماهي الغاية من وجود الإنسان

قيصر سامي

الحوار المتمدن-العدد: 8010 - 2024 / 6 / 16 - 08:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

*قبل كل شيء أطلب منك شيء بسيط وهو ان تترك كل الإجابات المترسخة والعالقة في ذهنك عن هذا السؤال وتحاول ان تفكر في ما سأكتبه هنا بتجرد وبعدها انت تقرر ..

مقدمة ضرورية لتوضيح المفهوم :
حينما نقول ان وجود هذا الشيء له غاية .. ماذا نعني بذلك ؟
-الغاية هي الغرض الذي وجد الشيء من اجله ،فعلى سبيل المثال الغاية من وجود النار هي الإحراق والتدفئة والإضاءة ..
الغاية من وجود الساعة هي معرفة الوقت وهكذا ..
فالغاية إذن هي هدف او مجموعة أهداف وجد الشيء لغرض تحقيقها .
ومن خلال ماتقدم أتضح ان مفهوم الغاية مرتبط بالغرض الذي وجد من اجله الشيء لا إنها الغاية التي وجدت بوجود الشيء كعرض لهذا الوجود ،ولتوضيح الفرق بين المعنيين نأخذ النار كمثال : فالنار غايتها احراق كل شيء يقع في طريقها .. هذه الغاية اللاارادية للنار وجدت كعارض لوجودها ،وبعبارة اخرى فإن النار بحكم ماهيتها تحقق غايتان :غاية جوهرية وجدت من أجلها وهي الاحراق الذي يحدث بإرادة الإنسان وغاية اخرى وجدت كعارض لوجودها وهي الإحراق الذي يحدث نتيجة لماهيتها ..
وبهذا فقد تبين لك الفرق بين المعنيين .. فحينما يسأل سائل ماهي الغاية من وجود الإنسان فهو يفترض انه كما لوجود الساعة غاية وهي معرفة الوقت ،فإن للإنسان كذلك غاية وجد من اجل تحقيقها .. فهل هناك غاية وجد الإنسان من أجل تحقيقها ؟
-في بحثي هذا لن أناقش ماهية هذه الغاية ولا الوسيلة لتحقيقها فهذا متروك لك و لاعتقادك .. ولكن سافترض جدلا ان هناك غاية وجد من اجلها الإنسان وبناءً على ذلك ساطرح سؤال واحاول الاجابة عليه ومن خلال اجابتي على السؤال سيحدد القارئ قناعاته بخصوص الموضوع :
ماهي النتيجة التي سأحصل عليها من جراء تحقيقي لهذه الغاية ؟ وبعبارة اخرى هل سأنال مكافأة كمكافأة نهاية الخدمة التي يتقاضاها بعض الموظفون ؟
-الاجابة على هذا السؤال هي من ستحدد اذا كانت هناك غاية جوهرية من وراء وجودنا كبشر ام لا .. لأن عدم وجود فائدة تعود علينا كجنس بشري من جراء تحقيق هذه الغاية سوف يجعل من الحديث بشأن هذه الغاية لاقيمة له وسنصبح أشبه بالروبوتات او الساعات او أجهزة التكييف التي وجدت لتحقيق غايات صانعيها .
لكي نصدر الحكم بشأن هذه القضية ونقرر ما اذا كانت هناك مكافأة يجنيها الإنسان بعد نهاية حياته هذه ام لا .. يجب علينا اولاً ايجاد غاية تحقق فائدة للإنسان وتنطبق عليها الشروط التالية :
ان تكون غاية جوهرية ومستقلة بذاتها وان لايكون وجودها عرض لحياة الإنسان .. وحينما بحثنا عن كل غايات الانسان واحتياجاته المادية والمعنوية لم نجد غاية واحدة تنطبق عليها الشروط التي حددناها مسبقا ..
فالأكل والشرب مثلا هي غايات عرضية وجدت بوجود الإنسان وبعبارة اخرى فإن تناول الطعام وشرب الماء هي ضروريات تفرضها الحياة على الانسان كشرط للبقاء فيها ،وهكذا بالنسبة الى كل احتياجات الانسان المادية والمعنوية فالبحث عن التقدير وتحقيق الذات والبحث عن الانجاز ..الخ
كلها غايات عرضية مرتبطة ارتباطاً وجودياً بالواقع الذي نشأت فيه ولهذا فإن استقطاع اي غاية من واقعها الذي وجدت فيه وإعطائها كمكافأة للإنسان بعد حياته هي عملية لا قيمة لها ولن تحقق اي فائدة للإنسان .. فإذا قلت مثلاً إنك ستتكافئ بحياة ابدية في الجنة "كما هو الحال في المعتقد الإسلامي " فانت هنا بنيت هذه المكافأة على وهم ..لأن الوجود بحد ذاته لايمثل غاية للإنسان وانما مايحمله هذا الوجود من معنى ،فوجودك في هذه الحياة لاقيمة له لولا شعورك بالرضا عن نفسك الذي يرافق كل انجاز تقوم به ولو لم يكن هناك غايات تسعى لتحقيقها فإن الوجود نفسه عاجز عن إعطاءك اي قيمة تمنحك هذا الشعور ولذا فالحياة الثانية الابدية لايمكن ان تكون مكافأة عن الحياة الاولى لإنها تعجز عن تحقيق اي غاية من غاياتك التي وجدت كعرض لحياتك الأولى ،فالسعادة مثلاً هي شعور يرافق الانجاز بالعمل والاجتهاد والنجاح ،
وتحقيق الذات لايمكن حصوله الا بتحدي النفس والتغلب على الصعاب كما ان ممارسة الرياضة تقتضي بالضرورة التطور في البنية الجسدية من مرحلة ادنى لمرحلة اعلى ولا معنى لممارستها لمن وصل مرحلة الكمال الجسماني ولا معنى لممارستها من الإساس اذا لم تكن هناك حاجة مادية او معنوية لذلك ..
ماذا سيفعل شخص يحب مساعدة الفقراء ان اخبرته ان المكافأة التي تنتظره هي حياة اخرى ليس فيها فقراء ليساعدهم ؟
ماذا لو اخبرك ان مساعدته لهم تعود عليه بالفائدة النفسية وتحقق له حالة من الرضا عن الذات وإنه لايريد غير ذلك ؟

هل ستمنحه حياة اخرى مليئة بالفقراء والمظلومين كمكافأة له ؟!

وفي النهاية ان كل مايهمني هو ان تمارس حريتك الفكرية وان لاتسمح لاي جهة بمصادرة هذا الحق تحت اي ذريعة ولا تهمني بعد ذلك ماهية القناعات التي ستوصلك اليها .

#قيصر_سامي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات