صلاح زنكنه
الحوار المتمدن-العدد: 8009 - 2024 / 6 / 15 - 14:35
المحور:
الادب والفن
صلاح زنكنه لمجلة الآداب والفنون, العدد 72 حزيران 2024
من دون الأنثى الحياة قاحلة والدنيا يباب
المؤمنون عبيد الله .. والملحدون أصدقاء الله
الأديب الذي لم يقرأ الفلسفة وعلم النفس والتاريخ ولم يطلع على الأديان والفنون والحضارات من الصعب أن يكون أديبا منتجا .
حاوره : قاسم وداي الربيعي تصوير : أحمد الغازي.
كثيرا ما أتصفح وجوه الأدباء باحثا عن أصحاب التجارب المميزة, وطبيعي جدا أن أختار ضيوفي على قدر كبير من الإبداع والنضوج فأنا أقدم في حواراتي أسماء لها مساحتها في المشهد الثقافي العراقي , ومن العدل أن أقف عند صلاح زنكنه الأديب المتنوع والمبدع الصامت الذي لم تشغله عوالم الشهرة والمنصات, حين تجالسه تجده وجها طليقا تتجول المحبة بين أوردته فتملا عيونك عوالم من الصدق والمسرات, وأنا أجوب بين محطات هذا المبدع العراقي وجدته أديبا مختلفا عن الأخرين فهو يكتب الشعر والقصة والمقال والنقد وعمل لأعوام في مجال الصحافة حتى كتب العديد من المقالات, وكلما ابحرت في مشاريعه الثقافية وجدته مبدعا ومثقفا يشغل القراء بأسلوبه الأدبي الرصين , وهذا ليس بالغريب فهو تاريخ ثقافي عمره سنوات طويلة مارس خلالها الكتابة مذ كانت أطرافه طرية, هذا الصبي الأنيق الذي لم يساوم على تاريخه الثقافي بل ضل كالجدار يمنح الكلمة صوتها الحقيقي ويرسم على صفحات مؤلفاته حكاية الإنسان وشرف الأبجدية , لهذا صار مميزا وله تجربته الثقافية التي نفتخر بها ونضعها في حقيبة الوطن كتجربة ثمينة , في أزمنة تسلق فيها البعض وانتشرت ثقافات السلالم العرجاء التي غاب فيها المبدع وسط هذا المشهد المخيف.
وبعد كل هذا لنقف عند صلاح زنكنه في حوار نتقاسم فيه محنة الأديب و رحلة العمر الذي منحته مساحات من الفكر والإبداع.
- يبدو عليك إنك عشت طفولة خشنة, أين ولدت وكيف مضيت ؟
• لا أدري إن كانت طفولتي خشنة أو ناعمة ملساء ؟ بيد أنها كانت طفولة غير عادية مليئة بالشجن والأسى والفقد والحرمان كمعظم أبناء جيلي الذي فتح عينيه على أزيز الرصاص والسجون والملاحقات, ولدت في قصبة جلولاء تلك المدينة الصغيرة الغافية على نهر ديالى, جلولاء الضيقة كصحراء والفسيحة كقلب أم رؤوم كانت حاضنتي الأولى, ثم انتقلت الى كركوك التي بهرتني بتنوعها الاثني , وعدت ثانية الى جلولاء حتى أكملت دراسة المتوسطة, لأنتقل بعدها الى بعقوبة لأشتغل ممثلا لبضع سنوات, كان شغفي بالمسرح شغفا جنونيا حيث قرأت مئات المسرحيات لكبار المسرحيين ضمن سلسلة المسرح العالمي المصرية ثم الكويتية, كنت حينها أخربش بعض القصائد متأثرا بنزار قباني الذي كنت أحفظ الكثير من قصائده, ومن الشعر والمسرح رحت أقرأ بنهم مجاميع القصة العراقية عبدالرحمن مجيد الربيعي وجليل القيسي وعبدالستار ناصر ومحمد خضير وأحمد خلف وفهد الأسدي ومحمود جنداري ووووو تعرفت على ساحر القصة الذي سحرني بعوالمه وأعني أنطوان تيشخوف, وهكذا جربت حظي وكتبت قصتي الأولى (سيناريو الاغتصاب) وأنا في سن 18 سنة ونشرت في مجلة الثقافة سنة 1985, ورحت أخوض هذا المضمار السردي بصبر ومثابرة ومطاولة, وكانت حصيلة منجزي سبع مجاميع قصصية.
- البداية ومشروعك الأدبي متى كان ولمن قرأت ومن هو الذي شحذ لسانك هل الشاعر حسين مردان كان معلمك فأنا اشعر أن مدينة البرتقال تجمعكم على سيرة واحدة.
• بدايتي شعرية كبدايات معظم الأدباء, الشعر الرئة الأولى للهواجس والانفعالات والمكابدات وهو المضمار الأكثر فسحة للبوح والهمس والصراخ, بيد إنني غادرت الشعر مبكرا في سن العشرين وعدت له في سن الخمسين, لاحظ مدى تباعد المرحلتين (العشرين والخمسين) ولك أن تعرف أن الكثير من نصوصي القصصية هي على شاكلة قصائد النثر, والكثير من نصوصي الشعرية هي سردية الطابع ودرامية الطرح.
ومن الشعراء الذين أثروا بي في بداياتي نزار قباني ثم سعدي يوسف ثم حسب الشيخ جعفر ثم سامي مهدي, أما حسين مردان فكان تأثيره أقل, لكنني قرأت مجموعته الصادمة آنذاك (قصائد عارية) وشغفت بتمرده وجرأته, علما إن حسين مردان كاتب مقالي من الطراز الأول, أوجه التشابه بيننا هو الانغماس في الشعر الايروسي الذي يعد من المحرمات في الثقافة العربية الرسمية, حسين مردان شاعر لن يتكرر.
- المسرح بدأته قارئا نهما فكيف وأنت على المسرح, هل وجدت ضالتك فيه, ولماذا تدعي إنك فشلت في التمثيل, أو هل فشلت فعلا ولماذا؟
• المسرح كان بوابتي الكبرى للدخول الى عالم واسع فسيح عبر قراءاتي الجادة والنهمة في سن مبكرة, المسرح والمسرحيات التي قرأتها آنذاك قادتني الى الشعر والقصة والرواية والتاريخ والفلسفة وعلم النفس, والأخير تمعنت فيه كثيرا حيث قرأت معظم مؤلفات فرويد بترجمة جورج طرابيشي, أغرمت بالماركسية ورحت أقرأ ماركس وانجلز وبيلخانوف وتروتسكي وستالين فضلا عن لينين العظيم الذي أبهرت بكتابته الثورية, ثم أدمنت قراءة الأدب الروسي بدءا من غوركي وروايته الشهيرة (الأم) ومرورا بغوغل ودوستويفسكي وبوشكن ومايكوفسكي, لكن تيشخوف أستوقفني كثيرا بمسرحياته وقصصه, فهو معلمي الأكبر والأبهر في كتابة القصة, لولا المسرح لما كنت كاتبا ولا مثقفا ولا إنسانا.
- تركت القصة لبضع سنوات وهي التي منحتك العبور في عالم الشهرة, لماذا؟
• تركت كتابة القصة (حصرا) عشر سنوات من 2002 ولغاية 2012 لكنني لم أترك الهم الثقافي بل كنت فاعلا ومتفاعلا في المشهد الثقافي حيث كتبت عشرات المقالات في الصحف العراقية (الصباح والاتحاد والأنباء) وترأست اتحاد أدباء ديالى 2004 – 2016 فضلا عن ترأسي نادي السرد في الاتحاد العام 2011 – 2014 وشغلت عضوية مجلس المركزي لثلاث دورات, وعملت مراسلا لقناة البغدادية والرشيد ومديرا لمكتب قناة دجلة في ديالى وفزت بجائزة أفضل كاتب قصة لعام 2013 في استفتاء مؤسسة عيون العراقية, وأصدرت مجموعتي (عائلة الحرب) عام 2014.
- يبدو عليك إنك قرأت وتأثرت بعمالقة الأدب العربي والغربي, لهذا أجدك تتجول في خارطة الأدب العالمي بثقافة راقية جدا .. ألم تفكر بكتابة رواية؟
• تأكد كلنا نتأثر في البدايات بداية التكوين والتكون والصيرورة, شخصيا تأثرت بعمالقة الأدب الذين قرأت لهم شكسبير ولوركا ونيرودا وأراغون وناظم حكمت وأدونيس وكوران وسارتر وكامو وكفافي وريتسوس وهمنغواي وشتانبك وسالنجر ومورافيا وماركيز وكونديرا ويشار كمال وعزيز نسين فضلا عن علي الوردي وطه حسين وسلامة موسى ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وعبد الله الغذامي وهكذا مع الروائيين الأفذاذ نجيب محفوظ وحنا مينا وصنع الله ابراهيم وعبد الرحمن منيف وابراهيم الكوني والقائمة تطول ولا تنتهي, كل هؤلاء وغيرهم كثر صاغوا وجداننا الثقافي والمعرفي, والتأثر والتأثير لا يعني التقليد أبدا, وعودا الى سؤالك فأنا لم أفكر أن أكتب رواية, كون الكتابة عندي في أي مضمار موقف ومسؤولية, لا أريد أن ألوث قلمي برواية عادية ساذجة لا تثير سوى شهية القراء السذج, الكثير من الأدباء العراقيين كتبوا روايات تلو الروايات لكن القليل النادر منهم من مسك بزمامها إبداعيا.
- تحدثت ذات يوم في حوار مع الحبيب (أحمد خلف) وسألته عن الأسماء التي يحبها فذكر اسمك , لكني أراك متمردا حتى على إبداعك, كسول أنت يا صلاح أم ماذا ؟
• أجل كسول جدا .. وما قاله عني الكاتب الكبير أحمد خلف في أكثر من مناسبة هو وسام شرف أعتز به, وسأضع شهادته الباذخة عن قصصي على غلاف كتابي الجديد اعتزازا وامتنانا له, هكذا هم المعلمون الكبار يحتفون بتلامذتهم, وأنا تلميذ بار لهذا السارد الأنيق.
- وماذا قال عنك يا ترى؟
• قال (تتميز نصوص صلاح زنكنه باستعمال عنصر المفارقة في النهج القصصي الذي يعتمد على وحدة الصراع *عنصرين متضادين* ووحدة التناقض والتي تولد نتيجة مغايرة. فهناك نوعان من الكتاب .. نوع يكتب بعقله, ونوع يكتب بقلبه, وصلاح من النوع الثاني الذي يكتب بقلبه وهذا يحسب له. لم تهتز ثقتي به منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين وحتى يومنا هذا, أنه بارع في القص الجميل المؤثر) وضعت هذه الشهادة على الغلاف الأخير لمجموعتي (وجع مر).
- حين تكتب يشعر القارئ إنك تقذف الكلمات بلسان الفيلسوف, وهذا ما يظهر بوضوح على نتاجاتك الأدبية ..
• الأديب الذي لم يقرأ الفلسفة وعلم النفس والتاريخ ولم يطلع على الأديان والفنون والحضارات من الصعب أن يكون أديبا منتجا, الفلسفة ركن من أركان المعرفة والأدب له تعالق ووشائج بكل المعارف, والأديب يفيد ويستفيد من الفلسفة كما يستفيد من التاريخ وعلم النفس ومعظم العلوم التي قد تعينه على اشتغاله.
- يعتقد البعض إنك تبشر إلى الألحاد لكن في الحقيقة أنت ملح الأرض وصديق الإنسانية.
• أعتقد إن الملحد أكثر ايمانا من المتدين, المؤمن يؤمن بالله وأنبيائه ودينه بقناعة راسخة ويقين ثابت, ولا يفكر أكثر مما هو فيه من قناعة ويقين وطمأنينة, بينما الملحد لا يؤمن إلا بعقله, وهو دائم البحث عن الله بدأب ومثابرة, خارج منظومة الأديان والأساطير والخرافات, إنه يبحث بصدق تام عن الله الجميل في الأرض وبين الناس, وليس في ملكوت السماء, المؤمنون عبيد الله .. والملحدون أصدقاء الله.
- كتب عنك الكثير خصوصا حول سردياتك, لكنني أجدك لا تهتم بما يكتب, وهنا يبرز أمامي سؤال, ما هي علاقتك مع النقد والنقاد؟
• في كتابي (الثقافة ومحنة المثقف) قيد الطبع لدى اتحاد كتاب العرب في دمشق, تناولت هذا الموضوع عبر مقالين منشورين في الصحف العراقية, وشخصت بعض أمراض النقد الهجيني التهويمي والنقاد الذين يبرعون في الفذلكة والتنظير الفارغ, علما إن النقد الحقيقي هو أهم أداة بناء للعقل البشري حسبما يقول كانط, وبالرغم من آلاف المقـالات والـدراسـات والبـحـوث والأطاريح, التي كـتـبـت عن أدب شكسبير ودستويفسكي وماركيز وكونديرا, إلا إن ما رسخ نـتـاجـهم الإبداعي هـو عـمـق المواضيع الإنسانية الذي ميز أدبهم, فضلاً عن رصانة وجـودة وجمالية فنهم، حبذا لو أنصف النقـاد أنـفـسـهـم قـبل كل شيء, لينصفوا بعد ذلك الإبداع العراقي ورموزه.
- المرأة, شاغلة الأدباء ومنفاهم الملون الجميل , غير إنك تعوم في عالم أسمه المرأة ودليلي مجموعتك الشعرية (هذا الولد مولع بالنساء) فهل هي الأم, الأخت, الحبيبة الراحلة, وما سر هذا الجنون؟
• المرأة هي كل شيء , هي المبتدأ والمنتهى , هي الجمال والكمال , هي الخصب والعطاء, هي الحضارة والتاريخ , يكفيها فخرا وغرورا واناقة وبهاءً كونها صانعة الحياة, كلنا خرجنا من رحمها الرؤوم. لا أدري سر ولعي وشغفي وجنوني بالمرأة, لكنني أدرك إنها تلازمني دائما وألازمها أبدا وفي كل حين وآن, هي نبراسي وفناري كلما أتوه, تأكد من دون الأنثى الحياة قاحلة والدنيا يباب, لهذا تزوجت من ثلاث نساء وأحببت العشرات, أنا عاشق من طراز الشعراء الجوالين المجانين الهائمين في فيافي الله أردد نشيدي الأزلي .. صلوا على النساء, فالصلاة على صدورهن عبادة, وابتهلوا لحوريات الأرض, فالموت بين أحضانهن شهادة .
وفي ختام حواري لا أقول إلا شكرا سيدي الزنكنه وأنت تمنحني كل هذا الجمال, متمنيا لك عوالم من المحبة التي تسكنك حد الدهشة.
اصدارته ..
1- كائنات صغيرة 1996, قصص, منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق
2- صوب سماء الأحلام 2000, قصص, دار الشؤون الثقافية , بغداد
3- هذا الجندي هو أنا 2000, قصص, دار الشؤون الثقافية , بغداد
4- ثمة حلم ثمة حمى 2002, قصص, مكتب الإنسان, بغداد
5- كائنات الأحلام (مختارات) 2002, اتحاد كتاب العرب , دمشق
6- الصمت والصدى (مختارات)2002, دار الشؤون الثقافية , بغداد
7- عائلة الحرب 2014, أقاصيص, دار ميزوبوتاميا , بغداد
8- المحنة والمواجع .. قصص (1977- 2002) 2017 المطبعة المركزية جامعة ديالى
9- هذا الولد مولع بالنساء .. نصوص هائمة ايروتك, دار ميزوبوتاميا, بغداد 2017
10- حكايات حميمة .. قصص 2020 عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق
11- سأدل العصافير عليك قصائد حب 2021 عن دار الفؤاد للنشر والتوزيع في القاهرة – مصر
12- بلاد موحشة .. قصائد 2024 عن دار الأمل الجديدة / دمشق
13- وجع مر .. قصص 2024 عن دار السرد / بغداد
14- تتبع الأثر .. مقالات نقدية 2024 عن دار الشؤون الثقافية / بغداد
شغل مناصب عديدة منهــــا .. رئيس منتدى أدباء شباب ديالى 1990- 1994. عضو مكتب تنفيذي لمنتدى أدباء شباب العراق 1992- 1994. رئيس اتحاد أدباء وكتاب ديالى لثلاث دورات منذ 2004 ولغاية 2016. رئيس نادي السرد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق 2010- 2014. عضو مجلس مركزي لاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لدورات عديدة منذ 1996 ولغاية 2022.
#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟